مقالات

العلاقات السودانية – الإريترية: إشارات متناقضة تؤجل التطبيع بقلم / يسين محمد عبدالله

27-Apr-2006

ايلاف

نقلاُ عن أسبوعية إيلاف 17-23 إبريل 2006م
كلما زار وفد إريتري الخرطوم برز إلى السطح ملف العلاقات السودانية – الإريترية وانشغل الإعلام السوداني بمستقبل علاقة البلدين المتوترة منذ قطعها دبلوماسيا من قبل الحكومة الإريترية في نهاية 1994 وتورط الأخيرة منذ ذلك الوقت في الشأن الداخلي السوداني.

الوفد الإريتري الذي زار الخرطوم مؤخراً هو نفسه الذي زارها في ديسمبر الماضي في ما اعتبر حينها مبادرة إريترية لتطبيع العلاقة بين البلدين لكن الوفد عاد إلى بلاده خائباً بسبب طلب الحكومة السودانية منه أن تكف بلاده عن دعم الحركات السودانية المسلحة في شرق السودان شرطاً لتطبيع العلاقات بين البلدين. وتمثل رد الفعل الإريتري على فشل الزيارة الماضية في زيادة الدعم العسكري للحركات المسلحة في الغرب فليس سراً أن الطائرات الإريترية نقلت في تلك الفترة إلى هذه الحركات كميات كبيرة من السلاح عبر تشاد. فما هو الذي جد حتى يعود الوفد الإريتري مرة أخرى إلى السودان؟ هل اقتنعت الحكومة الإريترية أن من الأفضل لها أن تكف عن دعم الحركات السودانية المسلحة في غرب وشرق البلاد أم أن الحكومة السودانية اقتنعت بأن لا مناص من تطبيع علاقاتها مع الحكومة الإريترية حتى في ظل دعم الأخيرة العسكري لتلك الحركات؟ قد تكون هذه الزيارة من نتائج زيارة النائب الأول إلى إريتريا في الثالث والعشرين من فبراير الماضي والتي استقبله فيها الرئيس الإريتري في مصوع وحده رافضاً استقبال أعضاء الوفد الآخرين وبينهم مسئولون حكوميون كبار ينتمون للمؤتمر الوطني وعلى علاقة مباشرة بملف العلاقات بين البلدين. كما يمكن أن تكون هذه الزيارة بسبب إحكام الحكومة السودانية إغلاق الحدود بين البلدين الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار السلع في إريتريا ارتفاعا كبيراً خصوصا الوقود الذي كان يهرب عبر تلك الحدود.وقد يكون شجع على القيام بها أيضاً تبني الحركة الشعبية في اجتماع مكتبها السياسي الأخير إجراء المفاوضات المرتقبة بين الحكومة السودانية مع الحركات في الشرق بالعاصمة الإريترية. ومع أن السفير الإريتري المرشح لتمثيل بلاده في الخرطوم قدم أوراق اعتماده لوزير الدولة بالخارجية علي كرتي أثناء زيارة الوفد الحزبي الإريتري ومع أن هذا الوفد أجرى محادثات رسمية مع مسئولين في المؤتمر الوطني إلا أن زيارة الوفد بدت كأنها معنية أكثر بالحوار مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي استقبل رئيسها الوفد في جوبا. ويمكن استخلاص طابع الزيارة من الهجوم الذي شنه ونسقه مؤتمر البجة وحركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان على بلدتي وقر وتني في الشرق. فمن يفهم طبيعة النظام في إريتريا يعرف أن هذه الحركات لا تستطيع القيام بمثل هذا الهجوم دون موافقة الجهات الإريترية المختصة. ويبدو أن الحكومة الإريترية قصدت من تزامن الهجوم مع زيارة وفدها إرسال رسالة فحواها إنها لن تدفع ثمناً لتطبيع علاقاتها مع السودان من دعمها لهذه الحركات وإنها قادرة على زعزعة الاستقرار في شرق السودان. وهي رسالة معنونة لثلاث جهات: الحركات لتأكيد مواصلة الدعم لها ،الحكومة السودانية للابتزاز فيما يتعلق بفتح الحدود والموافقة على أسمرا مقراً للمفوضات وللجهات الدولية والإقليمية التي تمول نشاطات الحركات المسلحة بأن الحكومة الإريترية لن توقف تبنيها لهذه الحركات. لا يمكن للمرء أن يتكهن بالجانب الذي يتعلق بالمفاوضات بين الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والحركة الشعبية لكن لا يبدو أن الجزء المتعلق بالحوار مع الحكومة السودانية أو المؤتمر الوطني قد حقق ما قد تكون قد سعت إليه الحكومة الإريترية، حيث لم تعلن الحكومة السودانية رسميا نيتها إجراء مفاوضات الشرق في أسمرا ولا فتح الحدود بين البلدين في ظل الموقف الإريتري الداعم للحركات المسلحة والذي تم التأكيد عليه عملياً من خلال الهجوم المذكور.مستقبل العلاقة بين البلدين:يبدو أن النظام الإريتري الذي قطع علاقاته الدبلوماسية مع السودان في نهاية 1994 بهدف منع أي تأثير سوداني على الشئون الداخلية الإريترية تسبب بتماديه في التدخل في الشأن السياسي السوداني في ربط مستقبله بما يجري في السودان دون أن يعي أن تطور الأحداث في السودان يسير تجاه تحول ديمقراطي حتمي يتناقض تناقضا تاماً مع وضعه هو القائم على نظام الحزب الواحد والذي لا يسمح بأي هامش ديمقراطي ولا يحترم حقوق الإنسان الإريتري. وإذا استمر النظام الإريتري في السلطة حتى اكتمال تبلور عملية التحول السياسي في السودان بشكلها النهائي سيجد النظام نفسه أمام نفس المخاوف التي دفعت به إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع السودان في عام 1994 وعندها لن يستطيع حماية نفسه من تأثيرات هذا التحول. إن سخرية القدر ستتجلى حينها في أن نجاح عملية التحول في السودان ستعني في الوقت ذاته بداية نهاية النظام الإريتري باعتباره نظاما ديكتاتوريا متسلطاً وحينها فقط ستتوفر الشروط المطلوبة للنقاش الجاد والحقيقي حول سبل تطبيع علاقة البلدين والتكامل بينهما بما يخدم مصلحة شعبيهما الشقيقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى