ثقافة وأدب

من حكايات الشهر التاسع – قصّة قصيرة

من حكايات الشهر التاسع

قصّة قصيرة

سلمون ترَّقي

. ترجمها عن التجرنية :  عبد الرحيم شنقب

تحالفت لفحات الشمس مع ما بداخله من حريق خلال سيره المتعرق مندفعا نحو المنزل . تبقت بضع خطوات لبلوغ الى البيت ، الملاذ . أبصر طفلاُ و كلبا يلهوان تحت ظل شجرة مجاوره .إنهما في إنتظار قدومه الراتب في تمام هذه الساعة يوميا حيث يتوقعان هدايا ودعابات إعتادوها . كانت تلك الدعابات تطلي هجير الظهيرة بحبر إحتفالي . بإندفاع ودود قفز الكلب نحوه وأسند يداه على صدره . إقترب أكثر بأنفه الطرى و فيما يشبه التقبيل إشتم خديه اللزجين . ثم أخذ يلحس العرق المتصبب من عنقه . ” بوبي ، بوبي ، بوبي ” نادى صوت ضاحك برنين طفولي . إعتبر هو كل ذلك سخف بغيض ! لم يستجب لإحتفال الطفل وكلبه ، وبنزق ينبئ عن غبن دفين أزاح الكلب بحركة مزريه جعلت طفل الحادية عشر ينكمش . 

بذات الإندفاع المتعرق دفع الباب كأنه يدحرج كل همومه أمامه ، ودخل وهو يفك أزرار قميصه . رددت أذناه صدى العبارة التي أفرغت القليل جدا من حمض آلامه ، ردا صارخا على سؤال المفتش : ” هل أصابك الجنون؟” . ” لم أزل عاقلا حتى الآن ، لكن قد تدفعني أنت الى الجنون !” . كان صدى الكلمات متمهلاًً، لاذعاً ومتهكماً . أحس أن إجابته كانت غير وافيه لحجم الإكتواء والحرق المتقد بداخله . بدا مهزوماً ونادماً . كان يتوجب عليه أن يأتي بفعل ملموس . جرّه خيط حنين مفاجئ إلى ذلك الخندق الذي غاب عنه كل قائد ورفيق ! جاس بأصابعه في لحيته المنسيه ، ثم إلتحمت نظرته بحائط قاسي . أرخى جفنيه وغاب في مسارب الدروب القديمة . 

أيقظه دوي عيار ناري. خاله إمتدادا لذلك الخيط الوالغ في القدم . بتر الصوت إلتحام صور الاّلام والأسى والندم الهاطل من الذاكرة . شد إنتباهه مذعوراً . إنفتحت عيناه على الحائط القاسي . إنبثق دوي آخر صاحبه عواء مزق أحشاء السكون وأنهضه خفيفا كما في تلك الأيام . دفع الباب خارجا كأنه يدفع كل مخاوفه . لمح مجموعة من قوات الشرطة بزيهم الأخضر الباهت متجهين صوب اليمين ! وقف هو بصمت متعرق إلى جانب الطفل الباكي الذي وبصوت طفولي خاص الرنين ظل يردد ” هل لأن كلباً هاجم شخصاً يقتلون كل من نبح ؟ ” . ظل هو يردد ” نعم .. ذلك لأن كلبك لم يصب بالجنون ” . 

توهجت الشمس متواطئة مع واقعة الموت . لمعت حبيبات العرق في جبين الطفل . توقف الكلب عن العواء المحموم . وإستقرت عيناه في الفضاء القاسي ناحية اليمين حيث أتجه القتله ، ثم حول نظره ناحية الرجل والطفل وظل يبادلهم نظرات شاحبه وزرف دموع صفراء وهو ينزف من جنبه المصاب برصاصة من الجهة اليمنى . نظر الى الدم الذي غطى الأرض أسفل يساره والى الثقب الدامي وشمّه ! عاود النظر نحو الشارع الذي سلكه قاتليه ثم رد بصره إلى صديقيه . كان الطفل لم يزل في إنتحابه المتعرق . تملّكته رؤية اُحاديه تساوى الكل فيها ، أصدقاء واعداء ، يمين يسار ، شخوص وأشياء . تراجع . إشتم دمه المراق ولعق بعضه . رفع رأسه وبدا سعيداً ! إتسعت فتحات أنفه . لمعت عيناه وشع وجهه بوهج رهيب . ثم إنطوى يلحس جرحه ويوسّع الفتحة إلى أن بانت أحشاؤه . سحب إمعاءه الى أن تدلت وأخذ يمضغ فيها.

#سلمون_ترقي

(كاتب قاص إريتري من مواليد 1975 في مدينة قَلُّوج.. (بلدة صغيرة ، تتبع إداريا لمديرية أُم حَجَر.

كان عضوا نشطا في “الإتحاد العام لشباب وطلبة إريتريا

يكتب القصّة القصيرة، وله كتابات متنوّعة عن المسرح، والنقد الأدبي والثقافي 

نشر معظم نصوصه القصصيّة في الملفات والصفحات الأدبية والثقافية المحلية.) 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى