مقالات

ذكرى سبتمبر .. وثلاثية النصر :عبد الله محمود*

3-Sep-2010

المركز

•تسع وأربعون عاماً من عمر الزمان تصرمت منذ إعلان صافرة البداية لواحدة من أعظم الثورات .. ليس في افريقيا فحسب ..بل في العالم بأسره . •الإيمان بالفكرة ، ووضوح الهدف ، ووحدة الصف .. ثلاثية رائعة شكلت الركائز الأساسية لبناء الثورة الإريترية ، ومثلت الأساس المتين لصرح أعظم حركات التحرر في القرن العشرين .

•كانت هذه الثلاثية كلمة السر لنجاح الثورة الإرترية منذ فجر انطلاقتها في الفاتح من سبتمبر من عام 1961م على يد المناضل الكبير حامد إدريس عواتي ورفاقه الميامين، وكانت قوة الدفع الحقيقية لانطلاقة وثابة أخرجت الثورة من دائرة ( الشرذمة القليلة العدد) لتصبح حركة مجتمع بأسره استعصت معها على كل المحاولات الدؤوبة التي بذلها المستعمر لاستئصال شأفتها .
•إن أولى هذه الركائر الثلاث هي وجود جيل مؤمن بالفكرة ، ومخلص لها ، يعمل آناء الليل واطراف النهار من أجل الدفع بها إلى الأمام بتضحية ونكران ذات لا مثيل لها .. دون التفات إلى احتياجات شخصية أومطامح ذاتية او مغانم آنية ، جاعلاً الفكرة محوراً لحياته يعيش من أجلها ، وهبها سني عمره الغض وعصارة تجربته ، حتى استحق ذلك الجيل وسام التضحية والفداء ، وسُطرت أسماءه في لوحة الشرف بأحرف من نور ، ونقشت في سفر الخلود .
•الركيزة الثانية هي وضوح الفكرة والهدف .. لقد كان الهدف من إطلاق الرصاصة الأولى في جبال أدال في الفاتح من سبتمبر واضحاً وجلياً لكل ذي عينين ، لم يكن طلاسم أو شفرات ترقد حائرة في ملفات الساسة ودفاترهم دون أن تجد من يقوم بتجلية غموضها وإجلاء إبهامها وفك شفراتها المعقدة .. ولم يكن قصيدة مبهمة من شعر الحداثة تتعدد زوايا النظر إليها وتفسيرها ..او إشارات لا سلكية تنتظر من يحولها إلى عبارات مفهومة .. ولم يكن متناً بارداً ينتظر من يضع له الشروحات والحواشي السفلية والجانبية .
•لقد كانت الفكرة عظيمة في مضمونها وفحواها ، بسيطة في طريقة تناولها وعرضها ،مفهومة للجميع بمختلف الوان طيفهم العمري والديني والإجتماعي والأكاديمي ، يتمكن الكل من التقاط إشارتها في وقت وجيز ويعمل على ترجمتها واقعاً عملياً على الأرض .
•لقد كانت الفكرة هي استقلال كامل التراب الإرتري من دنس الإستعمار .. صاغوها شعراً ونثراً ولحناً مموسقاً .. جعلوها شعاراً ودثاراً .. واصطف الجميع خلفها .. والتفوا حولها ..واسترخصوا أرواحهم الغاليات في سبيلها .
•الركيزة الثالثة هي وحدة الصف : لقد ساهم وضوح الفكرة والهدف ووجود الجيل المؤمن بها في اصطفاف جميع فئات المجتمع الإريتري وشرائحه خلف راية الثورة بعزم يفوق الوصف وعزيمة لا تلين .. كلهم على قلب رجل واحد يرددون معاً ( ثرنا من أجل مصلحة الملايين .. ثرنا من أجل كل النازحين .. وأعلناها ثورة في الواحد والستين ) .. ويهتفون سوياً ( لن نفرط في شبر من أرضنا) .. شعارات لا تعرف المساومة أو أنصاف الحلول .. حتى تمكنوا خلال سنوات قلائل من نسف اسطورة الجيش الذي لا يقهر .. أكبر الجيوش في افريقيا ..واستطاعوا عبر مراكمة تجاربهم النضالية من تحقيق نصر عزيز ليضعوا سيناريوهات الفصول النهائية في ملحمة النضال الإريتري التي خرج على إثرها الاستعمار صاغراً يجرجر أذيال الهزيمة .
•وبعد مرور تسع وأربعون عاماً على ذكرى سبتمبر نجد أن الحكومة التي أمسكت بتلابيب الشعب الإريتري بعد الاستقلال أرادته استقلالاً منقوصاً مشوهاً يكرس لثقافة الهيمنة والإقصاء ، وتنتهك فيه آدمية الإنسان و حقوقه ، بما جعل جموع الشعب تتدافع نحو دول الجوار للهروب من السجن الكبير ومنه إلى منافي التيه والضياع لتصبح طعاماً للحيتان في أعماق البحر الأبيض المتوسط أو للذئاب في الصحاري .
•وإذا حاولنا اسقاط تجربة الثورة الإرترية على واقع المعارضة الحالي ومقاربتها على ضوء الثلاثية التي ذكرناها في صدر المقال مع مراعاة فوراق الزمان والمكان نخلص باختصار إلى أنه بالرغم من الوضوح الإفتراضي في الفكرة والهدف وهي ( إسقاط النظام القائم وإحلال البديل الديمقراطي )تأتي شروحات وحواشي الساسة لتضفي سحباً من الغموض والتعقيد على هذا الشعار الواضح ..فالجميع متفق عليه .. ولكن بعضهم يريده سقوطاً آمناً أو هبوطاً ناعماً مخالفا لسنن الحياة ونواميسها منكساً أسنة الرماح في الوقت الذي يتعالى فيه النداء مردداً فما حيلة المضطر إلا ركوبها . والبعض الآخر يوافق على إحلال البديل ولكنه يريده بديلاً متشظياً ممزق الأوصال .. كانتونات متناحرة تحكي حال دويلات الطوائف في الأندلس ويسوق مصطلحات من شاكلة الوحدة الطوعية وحق تقرير المصير ويحاول إسقاطها على الحالة الإريترية دونما سبر لأغوارها أو نظرة فاحصة في كنهها أو قراءة متعمقة لمضمونها . في استنساخ لتجارب دول أخرى تختلف في تركيبتها وتعقيداتها عن الحالة الإريترية .
•أما الجيل الفريد المؤمن بفكرة الإستقلال وبذل سنوات عمره الغاليات مهراً لهذه القضية فها هو ذا يعاني الأمرين يغالب أشجانه وأحزانه .. دون أن يجد تكريماً يليق به من الجميع حكومة ومعارضة.. بما يتعذر معه إستمرار الأجيال الجديدة على ذات النهج خوفاً من المصير الذي يواجهه اباءهم واسلافهم .
•صفوة القول إن التغيير المأمول رهين بإصلاح الوضع الماثل …فهلا فعلنا ذلك .* نشرت كافتتاحية في صفحة نافذة على القرن الإفريقي- صحيفة الوطن السودانية -3سبتمبر2010م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى