مقالات

بين سبتمبر ودبر زيت والكرامة المهدرة :عبدالرازق كرار

4-Sep-2012

المركز

مدخل:-
مما هو شائع في مجالس السمر السياسية السودانية ، أن الميرغني الجد اوصى ابنائه ومنهم محمد عثمان ,وعلي الميرغني أن لا يدخلوا ايديهم في (الفتة) وهي ساخنة ، ولأن الختمية أصحاب افضال علينا فإن التأسي بهم أحياناً مما لا ينكره عاقل فالحكمة ضالة المؤمن ، وعليه فقد رأيت من الصواب الإنتظار حتى تهدأ حالة الغليان الاعلامي قبل وبعد إجتماع دبرزيت للشباب ، ذلك أن الانتظار يتيح للكاتب والقارئي برحة الخروج من حالة الانفعال العاطفي الى حالة الموضوعية المطلوبة ، والآن قد مر على اجتماع دبر زيت ما يتجاوز الشهر رأيت من المناسب ان أدلى بشهادتي حول هذا الحدث ، وهي شهادة ليس الهدف منها اقناع المعترضين او المتحفظين ، لأن بعضهم لن يقتنع طالما كان شعاره هو (عنزة ولو طارت ) ولكن لأن الزمان هو خير حكم في كثير من الاحداث فإن هذه الشهادة هي للتاريخ وسوف يحكم لها او عليها ، ولأن الكثير من التفاصيل عن البرنامج اليومي لإجتماع دبر زيت تم نشره في مقالات او تقارير اخبارية فلن يكون منهج المقالة هو المنهج الوصفي للحدث ، ولكن مناقشة السياق الكلي بحيث تورد من تفاصيل الوصف ما يخدم غرض المقالة .

طبيعة اجتماع دبرزيت والعلاقة بينه وإجتماع المثقفين:-كثيرون يربطون بين إجتماع ما عرف بالمثقفين في سبتمر من العام الماضي ، واجتماع الشباب في دبرزيت ، ولهم كل الحق في ذلك حيث أن الربط هو ربط موضوعي بين الحدثين ، وذلك لجهة الجهة الداعية للإجتماعين المذكورين ، وعدم وجود أجندة ضمن الدعوة ، وطريقة الدعوة التي اعتبرت انتقائية ، ولكن الكثيرون لم يتطرقوا الى الاسباب التي حدت بالاجتماع الاول للخروج ببيان فقط بينما خرج الاجتماع الثاني ببيان وآلية ، ولعل البحث في اختلاف مخرجات الاجتماعين يمكن ان يلقى الضوء على طبيعة هذه الاجتماعات التي ربما تشهد مواصلة لها في قطاعات فئوية أخري . ولأنني من الذين تسنى لهم المشاركة في الاجتماعين المذكورين ، يمكن تلخيص طبيعة هذه الدعوات في سياق تنزيل الاستراتيجة الاثيوبية الجديدة التي صرحت عنها قبل حوالي العامين بعد تقييم شامل للملف الارتري وهو دون شك هو اوسع من المعارضة ، حيث يشمل كافة جوانب العلاقة بالملف الارتري ، العلاقة مع النظام ،العلاقة بين الشعبين ، ترسيم الحدود ، اللاجئين ، المعارضة المنظمة ، والمعارضة غير المؤطرة … الخ ، ولأن اثيوبيا تملك قنوات التواصل الكافية مع المعارضة المؤطرة مما يمكنها من شرح استراتيجتها ، فأنها تسعى للبحث عن القطاعات الاخري التي لا يمكن ان تصلها عبر التنظيمات السياسية او المظلات السياسية ، وفي هذا السياق تأتي هذه الاجتماعات ( المثقفين – الشباب – المرأة – وربما الجاليات في الخارج ) . والمحصلة النهائية لهذه الاجتماعات تخدم هدفاً اساسياً لأثيوبيا وهي شرح مواقفها من قضايا- التاريخ – الحرب الارترية الاثيوبية – تداعيات الحرب وابرزها ابعاد اعداد كبيرة من الارتريين من اثيوبيا ومصادرة ممتلكاتهم – الحدود – العلاقة الحالية مع النظام – العلاقة مع المعارضة – طبيعة العلاقات المتصورة بين البلدين في المستقبل .. الخ ، ولهذا نجد اثيوبيا تهتم بهذه الاجتماعات حيث تخصص لمخاطبتها ابرز قادتها الذين لهم علاقة بهذه الملف الشائك ، وتتحمل التكاليف المالية المترتبة عليها ، وتأتي هذه الاجتماعات بناء على التقييم الذي اجرته اثيوبيا لهذا الملف ، وقد تبين ضعف تواصلهم واهتمامهم بشرح مواقفهم للإرتريين مما احدث الكثير من اللبس حول قضايا يعتبر الحزب الحاكم في اثيوبيا قد دافع عنها ودفع ثمناً لذلك كراهية قطاعات شعبية كبيرة ، وحتى انشقاقاً داخلياً والحديث هنا عن الايمان بسيادة ارتريا واستقلالها . إن اثيوبيا التي تستضيف اعداداً كبيرة من الارتريين ،واستقبلت جامعاتها اعداداً مقدرة من الارتريين ، وتستقبل المهددين بالابعاد الى ارتريا من مصر او السودان او دول الخليج ، وتستضيف المعارضة بكافة اشكالها ومسمياتها ، والتي اعترفت بخطأ قرارات الابعاد القسري اثناء اندلاع الحرب الارترية الاثيوبية ، وكونت مفوضوية لإعادة الاموال المصادرة ، والتي اعترفت ايضاً بعدم دعم المعارضة الارترية الدعم الكافي ، هذه وغيرها من الخطوات ضمن الاستراتيجية الجديدة ، احست اثيوبيا ان هذه المراجعات الاثيوبية هزمت بسبب ضعف عامل التواصل الجيدّ من كافة قطاعات الشعب الارتري . ولأن الاستراتيجية مبينة في كلياتها على عدم التعامل مع النظام في الداخل ، وانصاره في الخارج ، يكون المتبقي هو الشعب الارتري المعارض او الكاره للنظام اياً كانت شكل هذه المعارضة سلبية كانت او ايجابية ولن يختلف اثنان على ان هذه الشريحة اكبر بكثير من المعارضة المنظمة.إذاً طبيعة هذه الاجتماعات ليس الهدف الرئيسي منها تقوية المعارضة او التدخل في شئونها كما يدعي البعض او يروج ، لأنه ببساطة خلال الاجتماعين المذكورين والذين كان عدد حضورهم الاجمالي حوالي 300 شخص بالغ عاقل لما انعدم شخص عادل ليشهد ان اثيوبيا حاولت املاء قرارات ، او فرض اجندة محددة على الاجتماعات . ولكن في الوقت ذاته بما ان هنالك ارضية مشتركة لهذه الاجتماعات وهي ان اثيوبيا لا ترغب ان تتواصل في الوقت الحالي إلا مع المعارضين او الكارهيين للنظام فأنها لا تري بأساً ان يستفيد هولاء المجتمعون من فرصة اجتماعهم للوصول الى تفاهمات مشتركة ، نظرية كانت تلك التفاهمات او عملية ، وهذا يبرر طبيعة الاختلاف حول مخرجات اجتماع المثقفين الذي خرج ببيان لأنه الآلية كانت متوقعة ان تخرج من المؤتمر الوطني الذي انعقد بعد شهرين فقط من هذا الاجتماع ، واجتماع دبر زيت الذي خصص لفئة الشباب والتي كانت مسكونة عبر كافة قنوات تواصلها بايجاد آلية لتوحيد جهود الشباب التي اصبحت هي الابرز في ساحة النشاط المعارض ضد النظام في الداخل ، وهذا هو الذي يبرر الاجتماعات بأجندة مفتوحة ، حيث يحدد المدعون الطريقة الامثل للاستفادة من هذه السانحة. وهذا ما يجعلنا نتوقع ان تكون مخرجات الاجتماعات اللاحقة مختلفة عن السابقة.إجتماع دبرزيت ووهم المؤامرة :-كما سبق وذكر أن التخطيط لإجتماع الشباب هو سابق لأنعقاد المؤتمر الوطني للتغيير الديمقراطي المعروف بمؤتمر (أواسا) في نوفمبر 2011م ، وبالتالي الحديث عن انه لتجاوز المجلس الوطني ، او التحالف او القوى السياسية أو ايجاد بديل للقوى السياسية هو حديث لا يسنده دليل او منطق ، ولكن فرضية هل كان من الافضل عقد هذا الاجتماع بدعوة واشراف المجلس الوطني ؟ هى فرضية مقبولة ويمكن مناقشتها ومن ثم الاتفاق او الاختلاف حولها ؟ ذلك انها لها ايجابيات وعليها مآخذ كما لما جري عليه الحال من الدعوة للاجتماع عبر ناشطين خارج دائرة المجلس ، ولكن الطرف الاثيوبي صاحب الدعوة للإهداف المذكورة سابقاً رأى ان تتم الدعوة خارج المجلس لأسباب تم شرحها لقيادة المجلس والتحالف ، وهى اسباب من حق الآخرين الاتفاق او الاختلاف معها ، ولكن السبب الابرز هو رغبة اثيوبيا في توسيع دائرة تواصلها من خلال التواصل مع قطاعات جديدة خارج القوى السياسية المؤطرة او المظلات الموجودة بدليل ان اجتماع المثقفين سبقه اجتماع بكافة القوى السياسية وتمت مناقشة ذات النقاط التي تمت مناقشتها في اجتماع المثقفين، والتجربة اثبتت ان لهذه المقاربة جدواها ، حيث شكل إجتماع ما عرف بالمثقفين جسراً لعدد من الناشطين خارج القوى السياسية التي كانت لها تحفظات في العمل من اثيوبيا للمشاركة في مؤتمر أواسا ، ومن ثم المشاركة في المجلس الوطني بعد المؤتمر .مؤتمر دبر زيت كان تجمع لشباب واعي يدرك المسئولية جيداً ، وتعامل معها بواقعية ايجابية ، الحوار مع المجلس الوطني ، التحالف الديمقراطي ، وبقية القوى السياسية ، كان صريحاً وشفافاً ومؤلماً في ذات الوقت بقدر الم جرح هذا الشعب الذي يزيد اتساعاً مع كل يوم جديد يستمر فيه نظام الهقدف الجاثم على صدر هذا الشعب ، لم يكن هنالك إنكار لدور القوى السياسية ، ولم يكن تقييم الشباب لهذه القوى سوى انعكاس لتقيبم القوى السياسية الذي قدمته بنفسها ، ومع ذلك لم يدّعي الشباب أنهم سيأتوا بما لم يأتي به الأوائل ، بل قرروا أن يكونوا وصلاً لتلك الجهود بالتنسيق الكامل معها ، مثمنين عالياً جهود الأباء ، ومبدين الاستعداد الكامل لتقاسم التضحية المطلوبة في هذه المرحلة ، وليس السلطة كما يتوهم البعض ، فالسلطة لا توجد إلا عند فئة واحدة وللأسف الفئة الخطأ (نظام الهقدف ) ، كما أن الادعاء بأن الاجتماع كان مؤامرة كبيرة من اشخاص باحثين عن السلطة أو لم يكونوا راضين عن مخرجات مؤتمر أواسا ، وإن الشباب في الاجتماع اجهضوا تلك المؤامرة ، لا يعدوا ان يكون هو الانسياق وراء نظرية المؤامرة ذاتها ، لأن هذا يفترض أن هنالك مشروعات طرحت من قبل المنظمين ، وان الشباب رفضوا هذه الاطروحات ، وهو ما يكذبه واقع الحال ، حيث كان هنالك تناغم كامل بين المنظمين والشباب المشارك في الاجتماع ، وعلى كل لم يكن اصحاب هذه الاتهامات بحاجة لمثل تلك التخمينات الغير بريئة لأن الإجتماع بكامله كان منقولأ على الهواء مباشرة عبر غرف البالتوك ولم تكن هنالك اجندة خفية ، او اجتماعات مغلقة ، كما لم تكن هنالك صراعات بين تيارات متنافسة.شارك في اجتماع دبر زيت حوالي 200 ، بعضهم يمثل منظمة ، بغض النظر عن حجم المنظمة او شهرتها ، والبعض يمثل شخصه ، ومع كل هذا لم يدعي أحد إن اجتماع دبر زيت يمثل الشباب الارتري المعارض ، ولم تخطر ببال المشاركين فيه عبارات الممثل الشرعي والوحيد ، وكل الذي حدث ان هؤلاء الشباب قرروا عدم تضيع هذه الفرصة للإجابة على السؤال الذي يشغل ساحة الحراك الشباب في كيفية ترجمة هذا الزخم في إطار منظم وبرنامج عمل فعال ، وعليه رأوا ان المناسب ان يبدأوا الخطوة الأولى للتحضير لمؤتمر مفتوح لكافة الشباب المعارض لتكوين مظلة شبابية فاعلة تشبه التنوع الارتري ، ألم يكن هذا هو التحدي الذي كان يوضع امام الشباب في كافة المنابر ؟ توقفوا عن الانتقاد واذا اردتم العمل انضموا الى الأطر الموجودة ، واذا لم تجدوا انفسكم في هذا الأطر لكم كل الحق في تكوين الاطار المناسب الذي يستوعب طاقاتكم وقدراتكم؟ إن قرار عقد مؤتمر جامع خلال عام يعنى تلقائياً ان هذا الحضور يقرّ أنه لايمثل كل الشباب المعارض ، كما انه على استعداد تام لتقبل الآخر رأياً وفكراً وأطرا تنظيمية. ولعمري ما الذي يمكن أن يخرج به إجتماع أكثر من النتائج الملخصة في البيان الختامي للإجتماع والمنشور بالعربية والتغرنية والانجليزية.تحديات المؤتمر القادم:-كما ورد في البيان الختامي فإن مهمة القيادة التي تم انتخابها في اجتماع دبرزيت ، ومعظمهم من المقيم في اثيوبيا او قرر التفرع الكامل للعمل ، وذلك لطبيعة المهمة الكبيرة والمدة القصيرة واضعين كل ذلك في سياق ما تعيشه بلادنا التي تعتبر على حافة الهاوية نحو الانهيار ، المهمة الاساسية هي عقد مؤتمر والنص في البيان الختامي جاء على هذا السياق (تأسيس منظمة شبابية مستقلة تحت مسمى ( إتحاد شباب إرتريا لأنقاذ الوطن ) ، يكون نواتها في هذه المرحلة المنظمات والافراد الذين شاركوا في إجتماع دبر زيت ، على أن يكتمل بناء كافة هياكلها وإجهزتها عبر مؤتمر شامل يعقد خلال مدة اقصاها عام واحد من تاريخ إجتماع دبرزيت تدعى له كافة منظمات الشباب الإرتري في أماكن تواجد الارتريين في المهجر والداخل ( إن أمكن ) ، ويراعي المؤتمر تمثيل كافة مكونات شعبنا السياسية والدينية والقومية والاقليمية ، على أن تستخدم المنظمة كافة الوسائل النضالية الممكنة في سبيل اسقاط نظام الهقدف الشمولي في إرتريا ، وإقامة بديل ديمقراطي يحترم خيارات شعبنا ويصون كرامته ) ، ولعل النص يجيب على كافة التساؤلات حيث ان المطلوب هو تأطير الشباب وتنظيم نشاطهم عبر اطار شامل يشبه ارتريا وتنوعها ،عقد مؤتمر بهذه المواصفات يلقي تحدي على القيادة المنتخبة في بذل الجهود الكافية للتواصل مع كافة المنظمات الشبابية المؤطرة في مناطق تواجد الارتريين ، ومساعدة الشباب المعارض الغير مؤطر في إيجاد الاليات المناسبة لإشراكهم في المؤتمر القادم ، مراعاة مناطق الثقل الإرتري مثل السودان ، مراعاة التنوع الدينى ، القومي ، السياسي والفكري في المؤتمر ، ولكن التحدي ليس على القيادة المناط بها التحضير للمؤتمر فقط ، بل على كافة القوى الشبابية خاصة التي عبرت عن عدم رضاها عن مؤتمر دبرزيت باعتبار ان المؤتمر لم يكن يمثل كافة مكونات الشعب الارتري ، الآن المؤتمر على بعد اكثر من تسعة اشهر ، وعلى كافة القوى التي لم تجد نفسها في دبرزيت ، ان تكون مستعدة للمؤتمر القادم من حيث تأطير نفسها ، والمشاركة في عملية التحضير من حيث المساهمة الفكرية والمادية في الاعداد ، بل يمكنها ان تطمح اكثر إذ يمكن أن تنظم نفسها ، ومن ثم تفرض برامجها وتنتخب القيادة التي ترضي طموحاتها من خلال الوسائل الديمقراطية ، المهم هو الخروج من حالة السلبية والمشاركة الايجابية ، لأنه لايمكن ان تنجز شئ من مقاعد المتفرجين وتوزيع التهم .بين الدفاع عن وجود المعارضة في اثيوبيا والدفاع عن اثيوبيا :-لا أحد ينكر أن إثيوبيا تقبع في الجزء المظلم في ذاكرة الشعب الارتري ، حيث لا توجد عائلة إرترية إلا وهي متأثرة بالضيم الاثيوبي طوال مرحلة الاستعمار ، واستمر الإحساس بالغبن لدى البعض نتيجة العلاقات الحميمة التي كانت السمة الابرز للعلاقة بين النظامين في ارتريا واثيوبيا قبل اندلاع الحرب الارترية الارترية الاثيوبية في 1998م ، كما اضيفت شريحة أخري الى قائمة المصابين بالغبن وهم الذين تم ابعادهم ضمن تداعيات الحرب ، لكن وكما هي القاعدة المعروفة في عالم السياسة لا توجد صداقات اوعدوات دائمة ولكن توجد مصالح دائمة ، فإن الاوضاع السياسية عقب الحرب فرضت تحالفات جديدة في المنطقة ، واصبحت اثيوبيا هي المقر الرئيسي للمعارضة الارترية ، ولأن السياسة هي فن الممكن فإن كافة الاسباب التي تجعل المعارضة الارترية تعمل من اثيوبيا هي مبررة ومقبولة ، وعليه عندما يتحدث احد او يكتب عن اثيوبيا فإن المقصود هو التبرير للعمل من اثيوبيا ، وليس الدفاع عن اثيوبيا ، وهما بالتأكيد مفهومان مختلفان تماماً ، فالحكومة الاثيوبية هي الاقدر عن الدفاع عن سياساتها ، الأمر الأخر هو أن أى إرتري له كل الحق في ان يتفق جزئياً او كلياً او يختلف مع السياسات الاثيوبية تجاه المعارضة او تجاه إرتريا ، ولكن هنالك حقائق لابد أن تؤخذ في الاعتبار ، أول هذه الحقائق هي ان علاقة الجوار الارترية الاثيوبية علاقة قدرية لا يمكن تغييرها ، وعليه الخيار المتاح هو التعايش معها ، ومعروف أن العلاقة بين النظامين الارتري والاثيوبي بعد الحرب الاخيرة هي علاقات استنزاف مبنية على إضعاف الآخر إن لم يكن تغييره ، ومثل هذه العلاقة تضر بالمصالح الاستراتيجية للبلدين على المديين القصير والبعيد لأنها تحتاج الى صرف حول بنود العسكرة والاستخبارات غير الاضرار المترتبة على القطاعات الاقتصادية الأخري ، وعليه يبقى الخيار لكل النظامين هو زول النظام الآخر او تغيير سلوكه ، وكل النظامين يجد في معارضة الطرف الآخر آليه لتحقيق الهدف المقصود كلياً بتغيير النظام او جزئياً من خلال ممارسة الضغط لتغيير سلوكه وسياساته ، وعلى عكس النظام الارتري الذي يستضيف جزء من المعارضة الاثيوبية التي لا تزال تعيش في الماضي وتعتبر ارتريا جزء من إثيوبيا ، مما يجعل استضافته له في سبيل النكاية السياسية لا أكثر ، نجد النظام الاثيوبي يستضيف المعارضة الارترية ، ويحاول ان يتواصل معها من خلال توضيح سياساته المبنية على الايمان الكامل باستقلال وسيادة ارتريا ، ولكنه في ذات الوقت يحاول ان يتوصل الى صيغة تؤمن مصالحه ، إذ من السذاجة الاعتقاد ان اثيوبيا تستضيف المعارضة الارترية فقط ايماناً بعداله قضيتها ، إذا العلاقة كفتاها هما المصالح الاثيوبية التي تترواح بين وجود نظام يتجانس معها في سياساتها او نظام تأمن شره ويوقف حالة الاستنزاف الحالية على ادني تقدير من جهة ، ومصالح المعارضة الارترية في الاستضافة والمساندة السياسية واللوجستية من الجهة الأخري ، علاقة تقوم على تلك الركائز البراغماتية في هذه المرحلة ، يمكن أن تتطور عبر الحوار الى آفاق استراتيجية تكون في خدمة البلدين في المستقبل ، وطبيعي أن يعتري مثل هذه العلاقات نوع من المدّ والجزر ، حيث يوجد من لا يروق لهم التقارب في كل الجهتين ولكل اسبابه ، ولكن يبقى التأكيد أن علاقة بهذه الابعاد القدرية جغرافياً ، المتداخلة مجتمعياً ، المترابطة سياسياً واقتصاديا ، والمتوافقة مرحلياً هي علاقة لا غني عنها في العرف السياسي ، وتطويرها او تعديلها او حتى تغييرها يتطلب مزيد من الحوار الواعي والمسئول من كافة الاطراف ، حوار يستصحب كافة هذه الابعاد وينأي عن محاولة حرف هذه العلاقة لخدمة تنظيم سياسي او طائفة او اقليم ، فهي علاقة تمس تاريخ ، وترتبط بمستقبل ، يتعلق بكامل الوطن ، وكافة مكوناته . الكرامة المهدرة في دبر زيت:-عندما اختلطت المفاهيم ، وتشوشت آبعاد القيم في الواقع العربي أطلق الشاعر الكبير مظفر النواب صيحته المشهورة:-القدس عروس عروبتكم؟؟فلماذا ادخلتم كل زناة الليل الى حجرتهاووقفتم تسترقون السمع وراء الابواب لصرخات بكارتهاوسحبتم كل خناجركم, وتنافختم شرفاوصرختم فيها ان تسكت صونا للعرض؟؟؟فما اشرفكم!ومناسبة هذه الذكري هو ان هنالك جدل مثار عن الكرامة المهدرة ، ابتدره الزميل سمري هبتماريام في مقال له باللغة الانجليزية في موقع عواتي ، والمقال الذي خلاصته ان كرامة الكاتب لا تسمح له بتلبية دعوة اثيوبية حول شأن إرتري ، قد أثار الجدل حول مفهوم الكرامة ، والخيط الفاصل بين كرامة شخص وكرامة شعب ، وعلاقة كرامة الفرد بكرامة الامة ، ولما كان فاتحة مقالنا هذا الاستهداء بآثار الختمية ، والميرغني الكبير ، فأن التوازن يقتضي الاستفادة من آثار طائفة الانصار ، ومن المقولات المشهورة للإمام الصادق المهدي ( الفشا غبينته خرّب مدينته) ، والمعني ان شخصنة القضايا العامة لن يكون في مصلحة العمل العام ولا الخاص ، والذهاب الى اثيوبيا او قبول الدعوة الاثيوبية طالما كان في اطار العمل العام وليس المنفعة الشخصية فلا اعتقد انه امر يتعلق بقضية الكرامة بقدر تعلقه بقضية التقديرات السياسية وحساب الربح والخسارة ، ومحاولة لىّ عنق القيم في غير مكانه هو اشبه بمن وصفهم الشاعر النواب حيث تحولت قيمة الشرف لديهم هي الاستماتة لتفادي سماع صراخ المغتصبة خشية الفضيحة بدلا من منع الجرم ابتداءاً، وهو ذات الحال في وضعنا حيث ان الحديث عن الكرامة يتطلب النظر بمفهوم اوسع للكرامة ، وجعل كرامة الشخص من كرامة شعبه ، لأن ما يضر القضية الارترية في هذه المرحلة هو الاستماتة في البحث عن الحلول الفردية ، ففي حال بلادنا اليوم نجد كل من ضاقت به ارتريا يتركها بدلاً عن العمل من داخلها ، وكل من ضاق به النظام تركه بدل المقاومة من داخله ، واخيراً يبدو أن من واجهه تحدي سياسي سوف يتعلل بالكرامة ، ولكن اين تقع كرامة شخص من كرامة شعب ناضل من اجل استردادها خمسون عاماً سياسياً وعسكرياً ، دفع في رحلة البحث عن الكرامة خيرة شبابه ، وتشرد وعاني من أجل هذه الكرامة ، ولكن امتهان الكرامة بواسطة اسياس وعصابته كانت انكي واشد مرارة ، هل يلام شخص ذهب الى المريخ دع عنك اثيوبيا لعله يسترد بعض الكرامه المهدرة في سجون النظام ، وفي حدود البلاد ، ومعسكرات السخرة ، وفي الصحاري والبحار ، ومراكز ايواء اللاجئين ، الكرامة المهدرة في كل بيت لتتغير معاني الاشياء والقيم ، فلا تبكى الأم على فلذة كبدها الشهيد ، وتعبر الأم عن حبها لأبنها بحثّه على العودة الى معسكرات السخرة وخطوط النار حيث الموت (سمبلا ) لإرضاء شهوه الدراكوالا اسياس وذلك خشية العاقبة الأسوأ التي تنتظر ابنها اذا تراخي في العودة ، الكرامة المهدرة التي تدفع الأب تبليع السلطات بنفسه ان قدم ابنه من الخارج لزيارته وينتظر رضى السلطات او سخطها على الزيارة ، اذا كانت هذه هي الكرامة فلا نملك إلا ان نقول مبروك عليكم الكرامة ، واستمروا في سل خناجركم.إن مما لا يختلف عليه اثنان اليوم أن النظام موجود نتيجة ضعف المعارضة وليس لقوته الذاتية ، وان إزالته تحتاج الى تقوية المعارضة ولعل ابرز المعيقات امام تطور وقوة المعارضة هي انعدام الثقة بين مكوناتها ، ولا يمكن ان تنتصر في معركة إذا كنت لا تأمن من يغطي ظهرك ،على المعارضة وكافة مكوناتها من افراد ومنظمات ان تعي انها في معركة ، وان الانتصار في المعركة له شروطه واسبابه ، ونحن شعب مهووس بالوحدة ، ولكن الوحدة الاندماجية لم تعد ممكنة وربما غير مجدية في واقع التعدد السياسي والدينى والقومي ، ولكن وحدة الهدف مع تعدد الوسائل تتطلب نوع من الثقة والاحترام لخيار الآخر بالرغم من الاختلاف معه ، وكلنا يعلم إن ارتريا ليس فيها من المغريات المادية ما تسيل له لعاب القوى المتصارعة ، ولكن هي الكرامة والكرامة وحدها من تجعل الكثيرين رغم يقينهم بأنهم لن يعودوا الى ارتريا يعملون ليل نهار لإزالة نظام امتهن كرامة شعب يستحق ان يعيش حراً ابياً ،بعد ان دفع ثمن هذا الاستحقاق.في ذكري سبتمبر هل نسينا أم نتناسي:-مائتان يوم وليلة منذ أن اختفى المناضل محمد علي ابراهيم من شوارع مدينة كسلا ، مائتان يوم وليلة ولا تعرف عنه اسرته ولا اصدقائه ولا احبائه شيئاً ، محمد علي ابراهيم او غيره من المختطفين بشر مثلنا لهم اطفال وأسر يتألمون ، ولكن رد فعلنا حتى الآن بما لا يتناسب ابداَ وحجم المآساة ، انا رجل كبر وترعرع في معسكرات اللاجئين ، كنت أري كيف ان المعسكر بكامله يخرج اذا ضاعت شاه واحد للبحث عنها ، واذا كان الضياع سرقة مدبره خرج (الفزع) حاملين السيوف والعصي على ظهر اللواري التي لا يطلب اصحابها ثمناً ، يخرج رجال المعسكر للبحث وهم مستعدون للقتال ، فالأمر لايتعلق بقطيع بقر مسروق بقدر ما يتعلق بكرامتهم ، أو لو كان المناضل محمد علي أبراهيم (مراح بقر ) في معسكر ام سقطة او سالمين ربما لكان الحال غير الحال ، ما الذي حدث لنا ، كيف تغيرت قيمنا وترتيب اولوياتنا ، كيف هانت انسانيتنا فلا نفعل كفاية بالمآسي التي تهزّ الجبال ، يخطف المناضلون ضحىً ، تخطف الفتيات والأطفال من معسكرات اللاجئين من اجل الفدية او المتاجرة بأعضائهم ، ونحن نتهم بعضنا البعض في قضايا ليست محل إتهام ، إن أزمتنا كمعارضة هي أكبر من الحلول السياسية ، إن ازمتنا هي أزمة إنسانية في المقام الأول ، يجب ان نسترد انسانيتنا ،وباستردادها سوف نسترد وطننا.محمد علي ابراهيم ، وكافة المخطوفين والمعتقلين ، هذه رسالة إعتذار لكم في سبتمبر ، والاعتذار الاعمق للبطل الشهيد حامد إدريس عواتي وكل الشهداء فنحن لم نكن أمناء على الوصية والعهد ، وعندما أعلن عواتي الكفاح المسلح لم يكن الحال أسوء مما عليه حالنا ، ولكنه أختط طريق واخترنا آخر ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم .للتواصل مع الكاتبrazig2002@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى