مقالات

جيبوتي وإريتريا : الأزمة الصامتة.. والغياب العربي! :سعد بن أحمد

28-Jun-2008

المركز

لعلها المرة الأولى منذ سنوات التي تتحدث فيها وسائل الإعلام الدولية عن أزمة في منطقة القرن الإفريقي – موطن الأزمات والحروب بامتياز – تكون جمهورية جيبوتي طرفاً فيها . ليس ذلك دفاعاً عن جيبوتي، ولا اتهاماً لجارتها المشاكسة اريتريا، التي حاصرت نفسها بالأعداء من كل الجهات، ولكن تقديراً لموقف سلطات جيبوتي الرافض حتى الآن الانزلاق في مستنقع الحروب والنزاعات الحدودية مع جيرانها، وخاصة إثيوبيا واريتريا، رغم ما يتطلبه ذلك من تعقل وحكمة عزت كثيراً في عالم يقوده عدد من هواة المغامرات ومبتكري الفوضى الخلاقة!

لكن المواجهات الدامية التي شهدتها هذا الأسبوع منطقة «رأس ضميرة» الحدودية بين القوات الجيبوتية والاريترية – التي خلفت عشرات القتلى والجرحى من الجانبين – هي بمثابة تحذير جدي من إمكانية سقوط البلدين في شرك الاستقطاب الإقليمي، واتساع نطاق المواجهات لتتحول إلى حرب مفتوحة بين البلدين الجارين، يصعب التكهن بمداها وانعكاساتها على منطقة مثقلة بالحروب والأزمات، ويعاني الملايين من سكانها من شبح التهجير القسري والمجاعة.ومع أن جمهورية جيبوتي تعد أصغر بلدان القرن الإفريقي مساحة وأقلها سكاناً (حوالى مليون نسمة) إلا أنها تحظى بموقع متميز جعلها موضع استقطاب القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة ، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي المتميز المطل على مضيق باب المندب وخليج عدن.وتحتفظ فرنسا بوجود عسكري دائم في مستعمرتها السابقة (جيبوتي) التي حصلت على استقلالها عنها عام 1977، حيث تضم القاعدة العسكرية الفرنسية هناك حوالى 3000 جندي، وعشر طائرات مقاتلة من نوع ميراج 2000، إضافة لـ13 مروحية. وقد بادرت باريس إلى التنديد بالهجوم الأريتري على حليفتها ، مؤكدة وقوفها الحازم إلى جانب جيبوتي، ونيتها تعزيز وجودها العسكري هناك. وهو موقف يعكس المخاوف الفرنسية من تطور المواجهة بين البلدين الجارين، وخروجها عن نطاق السيطرة، مما قد يهدد النفوذ الفرنسي والمصالح الغربية في جيبوتي ومنطقة القرن الإفريقي بوجه عام.وتعود بدايات التوتر الحالي بين أسمرة وجيبوتي إلى منتصف شهر نيسان الماضي، عندما اجتازت وحدات عسكرية من أريتريا الحدود بين البلدين في منطقة «راس ضميرة» الصحراوية على البحر الأحمر، وهي نفس المنطقة التي شهدت مواجهات مسلحة بين قوات البلدين عامي 1996، و 1999. لكن السبب المباشر لمواجهات هذا الأسبوع يتمثل في لجوء مجموعة من القوات الأريترية إلى جيبوتي بعد عبورها الحدود المشتركة بين البلدين. وكانت فرنسا قدمت دعماً لوجستياً للقوات الجيبوتية خلال المواجهات الأخيرة مع الجيش الأريتري.وإضافة للوجود العسكري الفرنسي تتواجد على الأراضي الجيبوتية منذ سنوات وحدات عسكرية أمريكية تضم حوالى ألفي جندي في إطار الحرب الكونية التي تشنها إدارة بوش على «الإرهاب». ولا ينتظر أن تتدخل هذه الوحدات لدعم القوات الجيبوتية، نظراً لعلاقات واشنطن الوثيقة بنظام أسمرة الذي يعد أهم حليف لها في منطقة القرن الإفريقي.ولعل أهم ما يميز النظام في جيبوتي أنه حاول على مدى سنوات طويلة البقاء خارج إطار التجاذبات الإقليمية والصراع المحتدم بين جيرانه الثلاثة اثيوبيا والصومال واريتريا، وهي البلدان التي تعتمد إلى حد كبير على ميناء جيبوتي لاستيراد احتياجاتها من الأسواق الدولية.فهل يتحول الخلاف الجيبوتي الأريتري إلى نزاع مزمن وجرح إفريقي آخر يضاف الى الجراح النازفة في الجسم الإفريقي المثقل بالحروب والصراعات من ساحل العاج غرباً، مروراً بمالي وتشاد، فالسودان وانتهاء بالمأساة الصومالية شرقاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى