مقالات

حركة 21 يناير: التغيير بين المصلحة والرغبة والجاهزية بقلم/ فتحي عثمان

21-Jan-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ

في صبيحة يوم الواحد والعشرين من يناير توجهت وحدة عسكرية من قوات الدفاع الارترية نحو التلة التي يقع فيها مبنى وزارة الاعلام الارترية في اسمرا والمعروفة بفورتو، أعلى هذه التلة تقع المباني الرمادية اللون والمطلة على فيلاجيو في الغرب وصصرات في الشرق وقلب العاصمة في الشمال، وتضم مبنى الإذاعة الارترية المعروفة بصوت الجماهير ومبنى التلفزيون إضافة إلى المكاتب التي تضم مكتب الوزير مكاتب صحف ارتريا الحديثة بالنسختين العربية والتجرينية.

استولت وحدة عسكرية مسلحة بقيادة الشهيد سعيد على حجاي والمعروف بودي علي على المبنى بعد أن طوقته بالدبابات ومنعت الصعود إليه بعد قفل الطريق الوحيد المؤدي إلى أعلى التلة.وطلبت من المذيع قراءة بيان مطالبي على الهواء مباشرة، وقطع البث التلفزيوني من الصباح حتى ساعات متأخرة من النهار وأيقن سكان العاصمة اسمرا بأن حدثا جللا قد حدث اليوم في مدينتهم الهادئة والتي نادرا ما تشهد أحداثا مثيرة للانتباه، مما أصاب حياتها بالرتابة القاتلة. لكن اليوم كان مختلفا عن الأيام العادية فالتلفزيون الحكومي صامت وكذلك الإذاعة وترافق ذلك مع حالة وجوم عامة في أوساط سكان المدينة..عرف لاحقا بأن البيان الذي طالب القائمون بالحركة بقراءته احتوى على مطلب الافراج عن الجميع المعتقلين السياسيين في البلاد وتفعيل دستور المجمد منذ سنة 1997. وتم الالتفاف على الحركة أولا بقطع خط البث التلفزيوني على الهواء حيث لم يصل البيان إلى أسماع المواطنين، وتم إرسال فريق من ضباط قوات الدفاع للتفاوض مع العقيد حجاي ورفاقه وسمع دوي اطلاق نار وأصيب أحد اعضاء الوفد الحكومي المفاوض، ولاحقا خرجت المجموعة بعد أن سلمت نفسها وأنفسها إلى القوات الحكومة إلا العقيد ود على والذي رفض الاستسلام وتم تصفيته جسديا بعد أن أشاعت الحكومة بأنه انتحر..وتم على الفور تنفيذ حملة اعتقالات واسعة شملت عبد الله محمود جابر مسئول الشئون التنظيمية في الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة والوزير أحمد حاج على وزير الطاقة والتعدين وابراهيم ادريس توتيل حاكم اقليم شمال البحر الأحمر السابق ومصطفى نور حسين حاكم الاقليم الجنوبي، وسرت شائعات عن اعتقال رئيس هيئة الأركان اللواء عمر حسن طويل أيضا.. سنتان مضتا على هذا الحدث الذي حرك المياه الراكدة في البلاد، حيث لأول مرة تقوم وحدات منظمة ومسلحة بالاستيلاء مرفق حيوي في البلاد لفرض مطالب سياسية على السلطة القائمة، فما هي الآفاق بعد مرور سنتين على هذا الحدث التاريخي في المسرح السياسي الارتري؟بالطبع وتحت يفرض غياب المعلومات وشحتها حول أهداف وأسلوب وتنظيم وفشل حركة الحادي وعشرين مايو حجابا من الغموض عليها..زادت التكهنات بوجود حالة خيانة في أوساط بعض مدبري الحركة مما أدى لفشلها واجهاضها من قبل الحكومة دون أن تحقق أهدافها..الشيء المؤكد حتما بعد مرور هذا الوقت بأن الحركة لم منظمة خطة ولا أهدافا بالشكل الذي يضمن نجاحها، وربما يفسر هذا سبب فشلها السريع خلال ساعات محدودة. ومن خلال ما جرى يمكن التأكد بأن الحركة لم تكن حركة انقلاب عسكري هادف إلى الاستيلاء على السلطة وقتل أو اعتقال رموزها، لأن الانقلاب يختلف تنفيذا وفكرة عما جرى في ذلك اليوم. ويظل واحدا من الأشياء المثيرة للتساؤل هو التكوين المختلط بين المدنيين والعسكريين لأعضاء الحركة، حيث أن المعروف بأن الانقلابات تنفذها الجيوش حتى لو كان المخططون الأساسيون لها مدنيون، ولكن في حالة ارتريا لم تتحدد الأدوار بشكل واضح ضمن حركة 21 يناير..وعلى خلفية ذلك تم اعتقال كل الأشخاص المشار إليهم، وترافق مع اعتقالهم تهييج للمشاعر ضد المسلمين بالإعلان بأن مجموعة اسلامية وقفت وراء هذه الحركة. وبالطبع كان الهدف من هذه التهمة تحريض وكسب الجانب المسيحي وتخويفه واللعب على تناقضات المجتمع الارتري التاريخية.. وفي مثل هذه الأمور لا يشار إلى إسلامية الحركة بالهوية الدينية لمنفذيها، بل بالأجندة الإسلامية التي يسعون إلى تنفيذها. وحسب علمنا بأن كل هذه الشخصيات والتي شاركت في هذا العمل لم يكن لأي منها أجندة سياسية ذات طابع إسلامي، وربطهم بالإسلام تم من خلال انتماءهم وليس لأي سبب آخر ومن أجل غرض محدد. المطالب التي عبرت عنها الحركة اساسية ولكن هذا النوع من المطالب لا يمكن اقراره إلا بعد اسقاط النظام وقطع رأس الحية، وهو ما لم تخطط له الحركة أصلا؟لماذا لم تخطط الحركة لانقلاب تستولي فيه على الاذاعة والتلفزيون ومكتب الرئيس وتعتقله مع قادة الجيش بحيث لا يكون هناك انقلاب مضاد؟ هذا السؤال صعبة الإجابة عليه في الوقت الراهن، ولكن يمكن التخمين بأن الحركة لم تكن ترغب في قلب نظام الحكم أو لم تكن لها الرغبة في ذلك، فهي وبرؤية قريبة المدى فكرت في أن الرئيس سوف يلتزم بمطالبها وتعود المياه إلى مجاريها؟ثاني الاسئلة المهمة : لماذا لم تتعظ الحركة بكل الحركات السابقة لها وبالتحديد بحركة استاد اسمرا والتي قام فيها الجنود بالتمرد على الحكومة وطالبوا بأن يكون لهم مرتبات والتي انتهي كل قادتها في السجون وثانيا حركة معوقي ماي حبار والتي تم تصفيتهم فيها بصورة وحشية، أو حتى المصير الذي آل إليه قادة مجموعة الخمسة عشر؟أيضا تصعب الإجابة على هذا السؤال.والشيء أيضا المؤكد والذي يمكن الاتفاق حوله بأن الأوضاع ما قبل وما بعد حركة فورتو 21 لم تعد كالسابق. أولا أعطت الحركة خاصة بعد القضاء عليها واعتقال القائمين عليها بأن النظام يتعامل بمفهوم ” الضربة التي لا تميتك تقويك” ، والنظام هنا أعاد ترتيب وضعه الأمني بدون شك، وذلك بتصفية كل المراكز الحيوية من العسكريين المشكوك في ولائهم، ثانيا الاعتقالات المتوالية بتهم التعاطف والتهم الملفقة والاشتباه، وكل هذه قوت القبضة الأمنية للنظام، بل وخلق مليشيات موازية لقوات الجيش والاستعانة بقوات الجبهة الديمقراطية لتحرير تيغراي والمعروفة بدمحيت..وكل هذا يقودنا إلى التساؤل الأكبر : كيف يتم التغيير في ارتريا؟ لكي يتم تغيير في ارتريا يجب أن تتوفر أولا قوة لها مصلحة في التغيير وثانيا أن تكون هذه القوى معدة ومجهزة برنامجا وخطة لإحداث التغيير..يعتبر الجيش هو القوى التي تنطبق عليها بعض الشروط الخاصة بالتغيير مثل الجاهزية والأدوات والتنظيم، ولكن هل الجيش في ارتريا صاحب مصلحة حقيقية في التغيير؟ إجابة الرئيس على هذا السؤال جعلته يقوم بتفكيك الجيش وتوزيع قياداته التقليدية في إرجاء البلاد المختلفة وايقاع روح الخلاف بين الضباط الكبار وذلك تحقيقا لمبدأ فرق تسد، وينجح هذا على مستوى القيادات العليا، ولكن على مستوى الجنود وصغار الضباط، والذين تتردى أوضاعهم المهنية والمعيشية يوم بعد آخر فإن الأمر يكون مختلفا. فهؤلاء قد يتمردوا على قياداتهم ولكنهم تمردهم لا يعنى بالضرورة بأنهم يمكنهم قلب نظام الحكم في ظل غياب تحالف مع الضباط صناع القرار داخل القوات المسلحة.القبضة الأمنية الخانقة للنظام في مرحلة ما بعد 21 يناير تجعل امكانية التنسيق والإعداد والتجهيز لعمل عسكري لقلب النظام غاية في الصعوبة لأن الشكوك هي التي سوف تحكم مواقف الأفراد والمجموعات وهذا ما ينجح النظام في ترسيخه يوما بعد آخر.هذه مشاكل التغيير من الداخل فما هي عوائقه من الخارج؟القوى الخارجية التي يمكن الإشارة إليها بأنها ذات مصلحة كبرى في تغيير النظام هي المعارضة الارترية في الخارج، وهذه ليس عندها سوى المصلحة في تغيير النظام وتنعدم عندها الوسائل والإمكانيات والآليات، فليس من المتوقع أن تقوم وحدات عسكرية من التي نراها اليوم تحت كافة المسميات بإحداث أي تغيير في الخارطة السياسة الارترية. أما الأطراف الدولية التي لها أيضا مصلحة في تغيير النظام فإنها تنقصها الرغبة لإحداث تغيير في ارتريا. وبين جيش شبه عاجز ومعارضة ميتة ودول لا رغبة لها في احداث التغيير في ارتريا يطول عمر النظام القمعي وتطول معه معاناة شعبنا، وتظل تجربة الواحد والعشرين من مايو تجربة يجب ان يتوقف عندها كل من لهم رغبة أو مصلحة أو امكانية لإحداث التغيير في ارترياوهي معلم بارز في التاريخ الارتري خاصة وأنها ثمن التغيير وهو التضحية. فلا تغيير يمكن أن يتم دون تضحية.المجد والخلود للشهيد سعيد على حجاي وكل شهداء الشعب الارتري، والحرية لكل سجناء الضمير من الوطنيين الشرفاء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى