تقارير

ما بعد الوساطة الليبية: العلاقات بين الخرطوم وأسمرا لم تتجاوز مربع التوتر

8-Jun-2005

المركز

تقرير : عبد الله محمود
ما أن رشحت أنباء عن مشاركة الرئيس الإرتري اسياس أفورقي في القمة الإفريقية المصغرة المخصصة لمناقشة قضايا دارفور والتي ضمت كل من ،السودان ، ليبيا ، مصر ، نيجيريا،تشاد ،الجابون ، وإرتريا في منتصف مايو المنصرم والتي صحبتها أنباء عن ترتيبات لوساطة ليبية لإصلاح ذات بين الخرطوم وأسمرا وتجسير هوة الخلافات بينهما ، بدأ المراقبون في التكهن عن ما تخرج به هذه القمة وتوقعوا أن تحرز نجاحات كبيرة في إذابة الجليد بين السودان وإرتريا ورتق ما انفصم من وشائج بين الدولتين .

وبالرغم من فشل المبادرة اليمنية لإصلاح العلاقات بين البلدين في ديسمبر من العام الماضي إلا أن أجواء التفاؤل سادت في أوساط المراقبين وراهنوا على نجاح هذه المبادرة نسبة للعلاقات المتميزة التي تربط طرابلس بكلتا الدولتين ، فعلاقاتها بالخرطوم بلغت درجة عالية من المتانة تمظهرت على شكل إتفاقات التكامل بالإضافة لإمساك طرابلس بخيوط مهمة في ملف دارفور ، فيما تعتبر ليبيا الداعم الأول عربياً للنظام الإرتري حيث انحازت اليه ابان حرب السنتين مع إثيوبيا ، كما ظلت تقدم المعونات البترولية وغيرها في سبيل تخفيف الإنهيار الإقتصادي المريع الذي تشهده إرتريا ، والأهم من هذا كله قامت ليبيا بتسليم مئات الهاربين الإرتريين من بطش النظام إلى إرتريا بعد اعتقالهم أثناء تسللهم إلى مالطا في خطوة وجدت شجباً كبيراً من قبل منظمات حقوق الإنسان وليست بعيدة عن الأذهان حادثة الطائرة الليبية العسكرية التي أجبرها ركاب إرتريون للهبوط في الخرطوم وهي في طريقها إلى أسمرا في أغسطس الماضي .كل هذه المعطيات أسهمت في رسم صورة متفائلة في مخيلة الكثيرين لما يمكن أن يتمخض عنه اللقاء ،إلا أن عدد من المطلعين على بواطن الأمور اعتبروا أن اللقاء لا يعدوا أن يكون شكلاً من المجاملة الدبلوماسية للزعيم الليبي في محاولة لاستمالته من جانب الخرطوم فيما يتعلق بقضية دارفور بينما تسعى إرتريا للحفاظ على استمرارية دعمه المادي والمعنوي .الأنباء الأولية التي رشحت عبر وسائل الإعلام عن اللقاء المغلق بين البشير وأفورقي بطرابلس والذي استمر لأربع ساعات متواصلة وشارك في جزء منها الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس المصري حسني مبارك بدت متفائلة هي الأخرى حيث ذكرت أن البشير وافورقي اتفقا على وقف الحملات الاعلامية وعدم استخدام المعارضة لزعزعة الاستقرار في البلدين، وكشفت المصادر عن اتفاق على تكوين لجان مشتركة لإدارة الحوار وتخطي القضايا الخلافية ووجدت أصداء مرحبة اعتبر سفير السودان بطرابلس سعد سعيد، ان لقاء الرئيسين البشير وافورقي خطوة ايجابية تجاه تطبيع علاقات الخرطوم واسمرا وتوقع أن تفتح القمة الرباعية صفحة جديدة في علاقات السودان وإرتريا، كما وجدت القمة ترحيباً من القيادتين الليبية والمصرية بالإضافة للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض على لسان رئيسه السيد محمدعثمان الميرغني كما رحبت به الحركة الشعبية لتحرير السودان في تصريحات للناطق الرسمي ياسر عرمان ، فيما ووصفتها مصادر صحفية بالمصالحة التاريخية . ولكن ما أن انفض سامر اللقاء وعادت الوفود إلى أدراجها حتى تكشفت نتائج القمة من خلال تصريحات المسئولين ، وكان أكثرها وضوحاً وتحديداً في هذا السياق تصريحات الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السوداني الذي قال( من السابق لأوانه أن نتحدث عن تطبيع العلاقات بين السودان وإرتريا قبل أن نرى تنفيذ الإلتزامات التي تم التداول حوله) وأضاف أن السودان اشترط لتطبيع علاقته مع إرتريا أن تكف إرتريا عن زعزعة استقرار السودان ودعم الحركات المسلحة واستضافتها في أسمرا ،وأوضح أن السودان هو الجانب الذي شرح بطريقة واضحة العقبات التي تواجه العلاقات السودانية الإرترية وأهمية إزالتها مشيراً إلى أن الجانب الإرتري لم يثر أي شئ محدد ضد السودان ، من جهة أخرى اتسمت التصريحات الإرترية بالإضطراب وعدم الوضوح ، فبالرغم من الأنباء المتسربه قبل إنعقاد القمة السباعية عن وساطة ليبية بين السودان وإرتريا إلا أن وزير الخارجية الإرتري علي سيد عبد الله وعبد الله جابر مسئول الشئون التنظيمية في الحزب الحاكم ذكرا بأن اللقاء” لم يسبق له اى ترتيب أوتحضير وانه كان طبيعياً وعرضياً وتم بمبادرة من قائد الثورة الليبية خلال اللقاء الثنائي الذي جمعه بأفورقي وصادف وصول الرئيس السوداني إلى الموقع أثناء اللقاء الثنائي الإرتري الليبي “. وذكر أفورقي عدم وجود اية قضايا عالقة بين البلدين”. واشار الى ” ان القضايا المعنية هى قضايا سودانية بحتة وانها تم حلها فى اتفاق نيفاشا وما تبقى فان الخرطوم بصدد حلها حسبما هو واضح للجميع فى بقية المنابر المخصصة لحل قضايا الشرق ودارفور” وذكر جابر ان ” افورقى اوضح للبشير ان العلاقات بين البلدين تقوم على مصالح دائمة يتم التعاطى معها وفق التطورات الراهنة والمستقبلية وهى علاقات طبيعية ولا تحتاج الى مجهودات للتطبيع وأضاف أفورقي في تصريحات لوسائل الإعلام الإرترية إذا كانت قضية جنوب السودان هي أساس عدم التفاهم فقد وجدت حلاً ، وقضية دارفور حاول النظام السوداني إقحام إرتريا فيها . بهذا التبسيط المخل للقضايا المطروحة من قبل الجانب الإرتري لم يستطع الطرفان الخروج برؤية واضحة لمسيرة العلاقات بين البلدين حيث لم يتوصلا لإتفاق ينهي القطيعة والتوتر بين الخرطوم وأسمرا ، وافترق الرئيسان تركا الباب مفتوحاً للرئيس الليبي القذافي لمواصلة مساعيه التي بدأها في هذا الشأن .ثم أتت تصريحات وزير الاعلام الاريتري علي عبده لتدق المسمار الأخير على نعش المبادرة الليبية حيث وجه انتقادات حادة لوزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل ووصف تصريحاته التي انتقد فيها اريتريا بـ«المهاترات والخزعبلات». وقال علي عبده «اتهامات وزير الخارجية السوداني عارية من الصحة ولا تستحق ادنى اهتمام ولا نحملها محمل الجد»، مشيرا الى ان الخرطوم قامت بعدة محاولات مع دول عديدة للتوسط لتطبيع علاقاتها مع اسمرة. ونفى الوزير الاريتري وجود قضايا عالقة سواء كانت أمنية او غيرها بين بلاده والخرطوم مشددا على ان القضايا العالقة هي مجرد قضايا سودانية بحتة وعلى الخرطوم مواجهتها بشجاعة حسب تعبيره. ثم توجت هذه التصريحات بتصعيدات عسكرية في شرق السودان نجم عنها اختطاف ثلاثه من البرلمانيين الولائيين بولاية البحر الأحمر وشرطيين وثلاث سيارات على الطريق بين كسلا إلى بورتسودان حسب بيان المكتب الصحفي للشرطة ، ووجهت الحكومة السودانية أصابع الإتهام لإرتريا بتدبير الهجوم ووصفتها بالدولة الإرهابية التي تقوم برعاية وتدبير العمليات العسكرية على الحدود الشرقية للسودان .تداعيات الأحداث تكشف عمق الأزمة بين الخرطوم وأسمرا كما تكشف عن نهج أفورقي في اغتيال المبادرات ، فالمتتبع لسياق الأحداث يجد أن كل مبادرة لمعالجة الأزمة بين إرتريا والسودان تتبعها عملية عسكرية تستهدف أراض ومنشآت سودانية سواءا كان ذلك قصف لمناطق حدودية أو اعتداء على مدن ( حادث الإعتداء على كسلا) أو أحتلال لقرى حدودية ( احتلال همشكوريب ) .والآن بعد مبادرة القذافي زادت حدة التوترات بين البلدين مما جعل مسئول العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم في السودان د.كمال عبيد يصرح ( بأن العلاقات مع إرتريا لم تتجاوز مربع التوتر ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى