أخبار

فتحي عثمان في حوار مع عدوليس :لم أطلع حتى الآن على تعليق رسمي من المعارضة السياسية حول تقرير جنيف

19-Jun-2016

عدوليس

في إطار إدارة حوار مع عدد من الكتاب والمثقفين الاريترين اجرينا هذا الحوار مع الزميل الأستاذ والناشط المدني والكاتب فتحي عثمان .فتحي تحدث بصراحة غير” دبلوماسية ” وبصراحة المثقف الذي يحمل مبضع التشريح والساعي لتقديم حلول ورؤى. فتحي عثمان داعيا لكسر الدائرة التي تربط المثقف بالسياسي إستشرافا للمستقبل ، متهما الرجل السياسي بتغيب دور المرأة والشباب. وقد أبدى استغرابه الشديد لغياب التنظيمات السياسية من محفل جنيف ولم يفتح الله لها حتى بالتعليق على نتائح التقرير الدولى .

فتحي عثمان الذي يعد لنيل درجة الدكتوراه وصاحب كتاب (ارتريا من حلم التحرير إلى كابوس التحرير) له الكثير الذي يمكن قوله .
حاوره : جمال همــــد
1/ ربع قرن من التحرير والإستقلال و(17) عام في مارس الماضي لأول منصة للمعارضة الإريترية بنسخه المتعددة كيف يبدو المشهد ؟
عندما نتحدث عن المعارضة علينا استخدم وصف “اطياف” لأنه هو الأمثل. فهناك المعارضة السياسة وهناك المعارضة الحقوقية الناشطة وهناك المعارضة في الداخل والمعارضة في الخارج وبين كل هذه المكونات تباعد يضاعف من حالة الارتكاس. المعارضة السياسة مثلا: أين هي من موضوع انتهاكات حقوق الانسان وما يدور في جنيف؟ لم أشاهد حتى الآن تعليق رسمي حزبي أو غيره حول المؤتمر الصحفي لرئيس المفوضية. المعارضة السياسية حددت مسارها وأهدافها في دائرة خبيثة لا تخرج منها إلا وتقع في دائرة أخرى. مثال ذلك أن أي عمل تجميعي للنشاط المعارض السياسي يبدأ من حيث بدأ الآخرون وهو لا يزال يراوح محله وسيكون كذلك الى أن يشاء الله. المعارضة السياسية الارترية في حالة اختراع العجلة .!
2/ لا يزال السياسي مسيطرا على المشهد الإريتري وكل المحاولات التي خاضها المثقف والأكاديمي الإريتري للخروج من جلباب السياسي وخدمته فشلت أو أدت لنتيجتين الخضوع مجددا لخدمة أجندة السياسي أو النأي وبعيدا .. إذا وافقني كيف ترى المخارج؟.
المشاكل في العالم لها الف حل : سياسي، اقتصادي، اجتماعي، رياضي….. إلا في اريتريا كل مشكلة وحلها سياسي فقط، ونصر على ذلك أي على أن جميع مشاكل اريتريا تحل سياسيا، ومستنقع السياسة لا يعوم فيه إلا من يعرفه، والشعب كله لا تعنيه البركة التي تدور فيها المشاحنات السياسية. خذ مثلا دولة ما تتبنى فكرة بناء المنشآت الرياضية الضخمة ووسائل الاعلام المرافقة لها وتنفق المليارات في ذلك بهدف إلهاء الشباب عن السياسة، هذا حل لمشكلة، ولكن عندنا في اريتريا لن نفكر ابدا إلا في حل السياسي. خمس وسبعون عاما من ساس ويسوس سيطرت على ذهنية المواطن الاريتري: فيدرالية………. حركة وطنية………. ثورة مسلحة……. طغيان حاكم…. نفق أسود حالك تسكنه اشباح السياسة. وانت تسأل عن الأكاديمي والمثقف.. هل هناك مثقف اريتري أو أكاديمي يمارس نشاطا مستقلا عن السياسة؟ الاجابة لا. المثقف والاكاديمي مقطور بواسطة عربة السياسة، وبدلا أن يمارس التنظير السياسي على المستوى الأعلى وهو مستوى انتاج الخطاب وصنع السياق تراه يدور في فلك السياسي “اليوماتي” ويبيع الزلابية في سوق الساسة. هل سمعت عن مؤتمر اكاديمي لمناقشة أزمة الهجرة؟ أو ورشة عمل حول انتهاكات حقوق الانسان ينظمها اكاديميون اريتريون ويدعون اليها نظرائهم الاجانب، هل سمعت عن مؤتمر علمي لمناقشة التاريخ الاريتري والتوثيق؟ لعنة السياسة تطارد الجميع.
المخرج من الدائرة هو كسرها. المخرج كما أراه يكمن في الماضي وليس في المستقبل، علينا أن نفهم أسباب التراجع والكبوة في الماضي حتى نستطيع ان نتقدم نحو المستقبل: لسبب بسيط أننا نعيد تكرار الماضي بحذافيره وإن كنا ننوع في الخطاب، ما كان يدور في الاربعينات هو ما يدور اليوم، ولكأن الثورة والتضحيات الجسيمة كانت حلما مختلسا.
3/ معظم حركات التحرير في ىسيا وأفريقيا إنتهت لأنظمة ديكتاتورية بشعة من خلال متابعتك أين يكمن الخلل ؟
حركات التحرر القومي الافريقي قدمت اجابات لسؤال جوهري هو كيف يتم بناء قومية ووطن؟ والاجابة كانت على المسار السياسي تنبع من اتخاذ حزب قومي (صنم) واحد: وعندك سيكوتوريه في غينيا، ونكروما في غانا ونيريري في تنزانيا وكنياتا في كينيا كل هؤلاء قدموا اجاباتهم ولكنها خطأ الاجابة يتضح بعد انتهاء الامتحان. في نظرهم أن المستعمر قدم “الصندوق” الذي يسمى وطن عبر تحديد الحدود الاستعمارية، والسؤال كان هو كيف يمكن صنع قومية داخل هذا الصندوق، كيفية تحويل الماو ماو إلى مواطنين كينين، والماندنغو الي مواطنين سنغاليين والزاندي إلى مواطنين سودانيين، والوسائل والأدوات كانت لا تخرج عن الصندوق: بالنسبة للاقتصاد اعتمدوا نمط التنمية البطريركي المركزي، بالنسبة للسياسة هناك الحزب الواحد غير المنازع، والخارج عنه خائن للوطن والمشروع القومي. في الناحية الاجتماعية والثقافية اعتمد المشروع على القومية المالكة للسلطة باعتبارها “طليعة المشروع” الشمال النيلي في السودان عبر مؤسسة “الاتحاد الاشتراكي السوداني” مثلا، واعتماد لغة هذه الطليعة كلغة قومية للمشروع القومي أو مشروع بناء الأمة… وتوتة توتة خلصت الحدوتة. وبعد خمس عقود جاء الساحر السياسي الافريقي ليخرج الأرانب من “صندوق” الوطن، وللأسف لم يجد حتى الأرانب.
اسياس أفورقي قدم أجابته على سؤال الدولة القومية كما فعل الذين من قبله، وإجابته هي التي نراها اليوم، كارثية حتى قبل انتهاء زمن الامتحان. هذا هو السياق الذي يجب أن يفهم فيه فشل حركة التحرر الافريقي، ونحن في ارتريا وضعنا اكليل الغار على الذي قطع الشوط الأخير في ماراثون العبث الافريقي. في ارتريا اكتملت عند التجربة الافريقية بكارثيتها العبثية من حيث الحزب الواحد، القائد الواحد، اللغة الواحدة والنتيجة هي انهيار المشروع القومي في تكرار لنفس الأخطاء الافريقية السابقة، اسياس كان يعد بسنغافورة افريقيا وانتهي بكوريا افريقيا.
4/ كتابك ” إريتريا من حلم التحرر إلى كابوس الديكتاتورية أشرت إلى النزعة العسكرية التي طبعت التنظيم ، وظهر ذلك جليا في الأدوار التي لعبها شريحة الجنرلات . السؤال كيف أستطاع أسياس افورقي وهو المديني ان يكبح ويلجم هؤلاء ويحول جهدهم لصالحه ؟
الجبهة الشعبية تنظيم عسكري بامتياز كما أشرت في كتاب ” ارتريا من حلم التحرير إلى كابوس التحرير” وهو تنظيم قدم إجابة “معسكرة” لسؤال القومية الارترية، أو ما يسمى “بحادي ارتراوي مننت” وهذه الاجابة ليس فيها من السياسية شيء؛ بل إجابة تعتمد على القسر والاكراه والنفي، لذلك سارت الجبهة الشعبية في حلولها لكل المشاكل على النسق العسكري: الخدمة “العسكرية” للتنمية، “العسكرة” للدفاع وحتى الرياضة تم تسليم إدارة شئونها لأحد العسكر.
الفهد لا يستطيع التخلص من بثوره السوداء، والطبع يغلب التطبع. هذا التنظيم العسكري لا يستطيع أن يقدم حلولا سياسيا: وهذا مكمن الأزمة، أنهم يطلقون النار ليستمطروا السحاب. أما اسياس أفورقي فهو ” كبيرهم” أليس هو الذي ابتعثته الجبهة إلى الصين فعاد منها محملا بأفكار الثورة الثقافية، الرجل عسكري ويفرض سيطرته على العسكر بتوسيع الخلاف بينهم ولمن لا يعرف ذلك فليرجع للعلاقة الشخصية التي كانت تربط فلبوس ولد يوهنس بقرزقهير عندي ماريام (وجو)، هناك تتضح المساحة الغائبة.
5/ في ظل عصر تدفق المعلومات دون حدود ووسائل تواصل وإتصال سريعة ..الخ الإعلام الإريتري المستقل وغير المستقل يدور في حلقة من المفاهيم القديمة كمفهوم التعبئة ..والمقالات الطويلة ..الخ كيف تفهم مهمة الإعلام الذي يمكن ان يساهم في معركة التغيير والحكم الرشيد؟.
الاعلام سلاح. هكذا اعتدنا القول ولكن لا نتفكر في هذا السلاح. المدفع لوحده لا يقتل؛ من يقتل هو الذي يقف خلف المدفع. الاعلام برئ وهو عاكس حقيقي وشفاف للوسط الذي يعمل فيه… مثلا سلبيات مثل ( التفاهة، السطحية، الجهل والأذى بكل أنواعه) لا يصنعها الاعلام بل يصنعها القائمون عليه ويمررونها عبره ثم النهاية أن المصاب يكون من يقف امامها سواء كان بريئا أو مقاوما ( كالتفجير الارهابي) حيث لا يعرف المقتول قاتله، هذا حال الاعلام في العالم اليوم. وأذا أخذت وسائل التواصل وكيفية استخدام الارتريين لها، ستجد انها برعوا في تحويلها إلى وسائل (لا تواصل) ليس بقطع الارحام، بل بقطع الصلات. قبل الحديث عن الاعلام يجب الحديث عن من يقف وراءه. تذكر المدفع دوما.
علينا كذلك أن نتذكر إن الاعلام والسياسة هما الحقلان الوحيدان اللذان يمكن لغير المتخصص العوامة فيهما: لذلك كثيرا ما تشاهد الثيران في مستودع الخزف.
6/ يلاحظ المراقب غياب المرأة الإريترية عن أجسام المعارضة الإريترية المعارضة بعد ان كانت مليء السمع والبصر طوال مرحلة النضال الإريتري كيف تفسر لنا ذلك؟.غياب المرأة عن العمل العام يسأل عنه الرجل، ليس هذا نزوعا ذكوريا، بل هو الحقيقة. دور المرأة لا يكتمل ما لم يتبنى الرجل مفهوم “التمكين”، وإذا كان من يمارس السياسة في السياق الارتري لا يدرك معنى “التمكين” فمن الطبيعي أن تكون المرأة هي الضحية. ولكن هناك ضحية أكبر من المرأة لغياب مفهوم “التمكين” وهم الشباب: ليس هناك من يتبنى مفهوم “تمكين” الشباب لقيادة الغد، فإذا كان هؤلاء يغيبون الشباب فمن الطبيعي أن تكون المرأة هي الغائب الثاني. وفي سياق الغياب والتغييب والغيبوبة نردد مقولة الفقيد المغفور له عمنا عمر جابر كان الله في عون الشعب الاريتري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى