مقالات

وقفة بين عامين:جمال الدين أبو عامر

20-Jan-2009

المركز

أبى الكيان الصهيوني العنصري الا أن يكدر أفراح المحتفين باستقبال العام الجديد , ورفض الا أن ينقص من ابتهاجهم بقدومه . اذ ابتدر العام الجديد كما ختم سلفه ومع سبق الاصرار والترصد بأبشع محرقة وابادة في حق أهالي غزة الأبرياء , و تابع العالم كله من أقصاه إلى أقصاه وعلى الهواء مباشرة كامل فصول الجريمة وكل تفاصيلها , حيث كان شاهدا وعلى مدى الثلاثة أسابيع , وآلة القتل الإسرائيلية والأمريكية الصنع وهي تدك المناطق السكنية المأهولة والمكتظة بالأطفال والنساء , مستخدمة كافة الأسلحة المحرمة دوليا , ووثق العالم للخسائر غير المسبوقة في الأرواح والممتلكات لحظة بلحظة .

وحشيةٌ ، لو أَنَّ هولاكــــو رأى * * * لتصعّـــدت من قلبـــــه الزَّفراتُ جاءت محرقة غزة لتفضح ما يسمى زورا المجتمع الدولي ممثلا في مجلس أمنه , والذي عجز على القيام بواجباته الأخلاقية وأدواره القانونية بوقف العدوان وايقاف المجزرة ، أو في أسوأ الأحوال إلزام الكيان العنصري بالكف عن النيل من الأطفال والنساء والشيوخ العزل.وانكشف مجلس الأمن أكثر, حين فشل في حمل الكيان الصهيوني على الإذعان لقراراته القراقوشية التي ساوت دون حياء بين الجلاد والضحية . وكم يكون الكيان الصهيوني مخطئا اذا توهم ولو للحظة أن بامكانه شطب شعب بأكمله من الجغرافيا , خاصة اذا كان في مستوى صمود وثبات الشعب الفلسطيني وبشهادة التاريخ .الفرح والابتهاج شعورانساني نبيل يتساوى فيه الناس , والتعبير عنه بشكل أو آخر هو حق مشروع ومتاح لكل الأفراد والشعوب والدول .وفي الغالب فان مبعث الأفراح والسرور, ترجع لأسباب مختلفة , إلا أن القاسم المشترك فيها هو أنها تترافق مع ما يتحقق من نجاحات أيا كان نوعها وشكلها , وتتلازم مع ما يتحصل من إنجازات حقيقية وملموسة.وبالرجوع إلى حالة الشعب الارتري , والأوضاع التي يعايشها , و الظروف التي يكابدها , نجد أن مساحة الأفراح والابتهاج لم تعد تأخذ حيزا معتبرا في جداول اهتماماته , اذ أن سياسة القهر والاضطهاد , والكبت التي يتعرض لها من قبل النظام القمعي قتلت فيه مشاعر الإحساس بالفرح , وأماتت فيه مظاهرالشعوربالابتهاج , فتعاقب الأعوام والسنين لا تعني له سوى مجرد تاريخ , وقد لا يجد لها مدلولا أبعد من إضافة رقم واحد لسابقه . ويصدق فيه قول القائل :من أين يبتسم الفؤاد ويفـــــــرح *** وظلام ليلك جاثم لا يـبــــرحفالشعب الذي لعب دور محوريا وأساسيا في التصدي للأنظمة الاستعمارية المتعاقبة , وسطر أمامها ملاحم بطولية نادرة ,وشهد له التاريخ على حجم التضحيات والمواقف والآلام التي بذلها في سبيل أن يعيش حرا طليقا في كرامة وانسانية , وفي ظلال دولة تجعل من انزال معاني الاستقلال ومضامينه إلى الواقع المعاش أولوية قصوى , وفي مقدمتها بسط الحريات والحقوق , وتهيئة كافة المناخات التي ترتقي بحياته إلى حياة الرفاهية والازدهار, وإنهاء كافة مظاهر الاستعمار بإنهاء كافة ممارسات القمع والترويع والتعدي على المواطنين وكرامتهم .إلا أنه وفي تناقض تام مع تلك التطلعات والآمال وجد الشعب الإرتري نفسه في مواجهة نظام شمولي ديكتاتوري , عمل على حرمانه من أبسط حقوقه القانونية والمدنية والإنسانية , وضرب بكافة مطالبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة عرض الحائط , فضلا على ممارسة كل أنواع التعسف والاكراه والقهر,مما طبع حياته بمزيد من البؤس والفقر والمعاناة. ومن رفض ذلك الواقع الأليم , وتصدى للاوضاع التي شكلته كان مصيره التنكيل بالاعتقال والتعذيب والتغيب في غياهب السجون ,او التغريب , والتهجير , والابعاد عن الأهل والوطن . تتعاقب الأعوام وتتعاقب معها الأفراح والسرور على الشعوب , والشعب الإرتري مازال أسيرا في محطات الاكتئاب , والأحزان , فأوضاعه الحياتية تنتقل من سيئ إلى أسوأ و ظروفه المعيشية بائسة , وتتفاقم بوتيرة جنونية , تسحق في كل يوم المزيد من أبنائه, وتخلف أوضاعا كارثية , ومشاهد طوابير الرغيف , والمواد التموينية التي تنتظم البلاد , فضلا عن الفقر , والبطالة , وغول الغلاء , تكفي لعكس ذلك الواقع المرير , ومما يزيد الأوضاع خشونة وصعوبة ظهور بوادر مجاعة بدأت تكشر عن أنيابها , وبشكل مخيف , في ظل لامبالاة من النظام .نودع عاما ونستقبل آخر, والوطن الجميل الفسيح بإنسانه , وأشواقه , وتاريخه , وموارده , يختزل في حزب واحد , بل في شخص واحد , دون تفويض من أحد , وبلا مشروعية سياسية أو قانونية , فتوضع كل مفاصل السلطة السياسية والأمنية , وكل مقدرات الدولة الاقتصادية والمالية , في تصرف تنظيم ديكتاتوري , لا تتجاوز طموحاته حدود الحفاظ على الامتيازات التي وفرتها له السلطة الوثيرة , والتي نما وترعرع حولها , واستطابت له بطول البقاء فيها , جاعلا غاية مقصده ضمان وتأمين مقومات الرفاهية للمتنفذين من منتسبيه , حتى ينعموا برغد العيش , وحياة أفضل , ذلك في الوقت الذي يتحلل فيه من الوفاء بأي التزامات وواجبات تجاه المواطنين.ولا ضير عنده في سبيل الحفاظ على مصالحه التضحية بكل من الوطن والمواطن . ومباح عنده الاستبداد والقهر والقمع والاضطهاد طالما أدى إلى الحفاظ على الامتيازات .وما المواطن سوى آلة إنتاج ليس له إلا أن يدور وفق مصالح النظام , والتي هي بالطبع فوق مصالح الشعب .بل الأنكى أن يلزم الشعب وبكل فئاته بسداد فاتورة رفاهية قادة النظام القمعي , حيث يرغم الشعب ( سخرة ) في بناء منازل أباطرة العصر الحديث وضيعا تهم , تحت مظلة حق أريد بها باطل , أداء واجب الخدمة الوطنية .وفي ظل تلك الأوضاع المأساوية تزداد الضغوطات والمعاناة على شعبنا , ويكون أهون الشرور اتخاذ القرار الصعب الرحيل من الوطن بأي وسيلة كانت , وكيفما اتفق , طلبا للأمان والسلامة وتشهد حدود البلاد المختلفة دون استثناء عام اثر عام تدفقات متزايدة من الذين يفرون من آلة القمع والقهر . شباب وطلاب في مختلف المراحل الدراسية تقذف به سياسات النظام وحماقاته إلى خارج أسوار الوطن , فيما كان هو في أمس الحاجة لجهودهم وطاقاتهم في اعمار وتنمية البلاد.والذين يتدافعون اليوم و بالألوف بحثا عن الملاذات الآمنة في كل أصقاع الدنيا , هم الذين كانوا يتشوقون بكل همة وعزم إلى الإسهام الفعال في استكمال مرحلة الاستقلال الوطني بكل متطلباتها الإنمائية , وفي كافة مجالاتها , وهي التطلعات التي سحقها النظام ,وهبط بها إلى المستوى الذي تصبح فيه الحياة ,في خيام اللجوء والتشرد بكل فساوتها ومأسويتها , مطلبا عزيزا , ومعيارا للنجاح , ويصبح البقاء على قيد الحياة إنجاز لا يتحقق إلا بشق الأنفس . نودع عاما ونستقبل آخر والنظام كعادته مازال يخطئ في حساب فروق الأوقات إذا يفترض وفي عصر العولمة والفضاءات المفتوحة , أنه قادر كما في الماضي، على إخفاء الحقائق أو تزويرها .ومن هنا لم تعد الحجج القائلة بان وضع الحريات والحقوق في ارتريا أفضل من أي مكان في العالم , وأن الأمن الغذائي متوافر بما يكفي لاطعام سكان القرن الافريقي , وان المجاعة فرية رمت بها المنظمات الانسانية العميلة , وأن النظام قائم وقادر على القيام بمسؤولياته تجاه مواطنيه , ولا تحتاج إلى مساعدة , وان لا أحد يعارض النظام , وان وجد فهو يخدم أجندة فئات أجنبية تتربص بالوطن وبمستقبله , وان كل المواطنين على قلب رجل واحد , ينخرطون بهمة ونشاط في عجلة التنمية , والتي لا مثيل لها في المحيط الإقليمي , وأن معدل النمو لاشبيه له في الدول المجاورة , وانه لا توجد حركة لجوء جديدة , و —و —- الخ )وكان على النظام وبدلا من التحايل على الواقع المعاش واختلاق التبريرات تهربا من الاستحقاقات اللازمة , كان عليه مواجهتها عارية , وبكل شجاعة ومسؤولية , حتى يجنب البلاد المزيد من الإنهاك والدمار , فضلا أن تجاهل أوضاع بمثل تلك الخطورة لن تؤدي إلا لمزيد من السخط والإحباط والتعقيد والاحتقان . ختاما : رغم أن صورة الوضع في بلادنا غاية من البؤس و الكآبة , إلا أننا ونحن في بدايات عام جديد أكثر أملا واشتياقا أن نشهد فيه نهاية لأوجاع شعبنا وجراحاته بإذن الله .ورغم قساواة الاستبداد والقمع والإقصاء والتهميش إلا أنني أكثر تفاؤلا من أي عام مضى فان شعبنا سيضع حدا لمعاناته ومآسيه , وهو قادر على فرض إرادته وخيارته , فالتاريخ يؤكد دوما أن الشعوب المؤمنة بحقها في الحياة والحرية والكرامة لن تنكسر, مهما طال ليل الظلم ومهما استبد الظالمون. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * * * فرجت وكنت أظنها لا تفرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى