مقالات

منظمات المجتمع المدني ودورها الحالي في صراع المقاومة (1-2): د/ تسفاظيون مدهني *

11-Mar-2011

المركز

ترجمة : عبدالله حسن علي
لا داعي للخوض في تحليلات عميقة و سوف اكتفي بتقديم نقاط محددة تتعلق بدور منظمات المجتمع المدني في صراع المقاومة لتكون أساسا للنقاش . واعتقد لاضرورة في الدخول الي شرح معنى المجتمع المدني ( civil society) لانكم قد تناولتم كثيرا لهذا الموضوع في البلدان التي تعيشونها . وسوف أبدء بتنويه مقتضب عن ماهية المجتمع المدني أما المواضيع الاساسية التي تهمنا هنا هي الاسئلة النظرية المتعلقة بعلاقة الحكومة والمجتمع المدني ، وعلاقة التنظيمات السياسية والمجتمع المدني ودور المجتمع المدني في الصراع السياسسي الخ. ومن خلال طرحنا لهذه النظريات نأمل ان نستخلص دروسا مفيدة لقضيتنا الوطنية ، أي الصراع التي تخوضه المقاومة في وطننا حاليا .

المجتمع المدني هي تلك الشرائح من المجموعات او التجمعات التي تتواجد بين الحكومة والشعب او بين القوة السياسية والمجتمع . وعلي سبيل المثال اتحاد العمال ، الحركة الطلابية ، جمعية تطوير المجتمع ، اتحاد النساء ، جمعية حقوق الانسان ، الصحف ، اتحادات مهنية الخ. هذه المجموعات هي ليست حكومية أو جهات سياسية ولكن هم أعلي درجة من الارتباطات الاسرية ويحتلون موقع الوسط بين القوة السياسية ودائرة الارتباطات الادني وهناك سمتان أساسيتان تدلنا الي التعريف علي طبيعة هذه المنظمات وهي :- 1. تتكون مجموعات منظمات المجتمع المدني علي أساس الاختيار الطوعي وهذا يعني ان هذه المجموعات لاتتكون بايحاء او بأوامر من أي جهة كانت بل تكوينها يتم انطلاقا من الايمان للمحافظة علي المصالح اوالحقوق اوألاراء المشتركة .2. أما طبيعتها الثانية والاساسية هي الاستقلالية أو الادارة الذاتية . وهذا يعني أن تلك المجموعات هي مستقلة ولاتوجد أي جهة تصدر اليها التعليمات أو تخضع لها . فهي تدير وتوجه امورها باستقلالية دون اجبار من اي جهة اخري. كيف نفصل المجتمع المدني من المجتمع السياسي ؟ أو بمعني اخر كيف نميز الحزب السياسي من المجتمع المدني ؟ الرد علي هذا السؤال باختصارهو مايلي:-الحزب او التنظيم السياسي هو ذالك الذي يمارس السلطة ، اذا هو أصلا موجود في سدة الحكم و يسعي بالمنافسة لحيازة السلطة اذا يوجد خارجها. وأما منظمات المجتمع المدني لاتسعي للفوذ بالسلطة بل تحاول التأثير علي سياسة الدولة . أي كل محاولاتهم و جهدهم ينصب الي التأثير علي الحكومة او الحزب وصولا الي تحقيق ما ينسجم مع مصالحهم أو أرائهم المعلنة مثل المساوات للمرأة اوامور متعلقة بالبيئة أو سياسات العلاقة الخارجية الخ. وهم ليسوا جزء من أعضاء الحكومة أوالاحزاب . ولكن هذا لايعني ليس لهم اهتمامات سياسية أو مواقف سياسية معينة أو لايساندون أو يقاومون لبعد المؤسسات السياسية . بالعكس ان نشاطهم له طابع أو توجهات سياسية وعندما تنادي منظمات المجتمع المدني مثلا بسن قوانين معينة تخص العمال أو المسائل الادارية ،أو البيئية ،أو ألانتخابات ، أو مايخص السياسة الخارجية ألخ. ألا يعتبر هذا تعاطيا مع السياسة او تناولا للامور السياسية ؟ بل أكثر من هذا عندما تنادي باصلاحات او تغيرات تتعلق بحقوق الانسان او الامور الديموقراطية او الدستور فهذا يعني بالوضوح انك تتعامل مع السياسة بطريقة مباشرة .وعليه هذا يعني ان منظمات المجتمع المدني وان لم تكن جزء عضوي من السلطة او الحكومة ، او لاتسعي للتنافس للاستيلاء علي السلطة فانها تتبني المواقف السياسية التي تتطابق مع مصالحها وتساند ايضا القوي السياسية التي تنسجم أوتتفق معها ثم تعارض وتنتقد القوة السياسية التي تتعارض مع مصالحها وأرائها . وان لم تفعل ذالك فهذا يعني انه لامعني للاهداف او الشعارات التي اقيمت من اجلها . وعليه فمن الطبيعي ان تقوم بمساندة بعد الاحزاب السياسية ومعارضة الاخرين ، لان الهدف من تكوينها اساسا هو العمل من اجل التأثير علي سياسة الحكومة او الاحزاب.ولهذا يمكن القول بأن القيام بمساندة أو مقاومة بعد الحكومات او الاحزاب انطلاقا من المحافظة علي مصالحها وحقوقها هي مسؤلية يتطلب مراعاتها . هناك نقطة يتطلب ربطها مع هذه المسألة وهي أن المجتمع المدني يشكل دائرة واحدة (sphere) ولكن يضم في تكوينه عدة مجموعات تتباين طموحاتها ومصالحها رغم عوامل الانسجام والحريات بينهم، ولهذا السبب أيضا تعرف منظمات المجتمع المدني بأنها منبر للتنافس .هل يمكن أن تتواجد منظمات المجتمع المدني بالمكشوف في ظل أي نوع من أنواع ألانظمة ؟ الجواب هو كلا ، لاتستطيع هذه المنظمات ان تتواجد أو تنشط في ظل أي نوع من انواع الانظمة . يقول بعد المفكرين السياسيين بأن المجتمع المدني هو جزء من مناخ واطار العمل الديموقراطي لبلد معين و يشيرون الي الانظمة التي تختفي فيها منظمات المجتمع المدني ولاتستطيع العيش او التواجد في ظلها .ومنها الانظمة الشمولية ألتي يهيمن عليها الحزب الواحد أو يسمح فيها لايدولوجية واحدة فقط . والفاشية هي خير مثال لذالك. .والمتواجدين في مثل هذه الانظمة الاستبدادية هم الحكام والمحكومين فقط ويستحيل التواجد لمنظمات المجتمع المدني الحرة التي تمارس نشاطها بالمكشوف . أما النظام الديموقراطي فهويمتلك الامكانية والقابلية لكي يسمح للجهات الغير حكومية بما فيهم منظمات المجتمع المدني أن ينشطوا للدفاع والمطالبة عن مصالحهم وحقوقهم ولهم أيضا حق التنظيم والعمل للتاثير علي سياسة الدولة وأي نظام يتعامل مع المجتمع المدني بمقياس ايمانه بالديموقراطية . وهكذا تتوسع وتضيق مساحة الحرية لهذه المنظمات وفق مقياس ديموقراطية النظام لتصل علي سبيل المثال في النظام الفاشي الي درجة الانعدام .النظام المشابه لحالتنا في ارتريا هو نظام حكم الفرد الاستبدادي أي نظام اوتوقراطي (autocracy) الذي يجعل كل شيئ تحت سيطرته التامة . ويخدع الشعب عبر وسائل مختلفة لهذا الفرد ولا يمكن مثلا مقارنتهم مع شعب يعيش تحت ظل الحكم الجمهوري . من الصعب ان تعيش منظمات المجتمع المدني في كنف النظام الفردي . وان وجدت فهي تعيش فقط في حالة صعبة للغاية . اذا ماهو الدور الذي يمكن ان تلعبه منظمات المجتمع المدني تجاه انظمة حكم الفرد ؟ دور هذه المنظمات هو المساهمة في النشاطات الهادفة الي التغير الجذري واعادة تشكيل النظام .وماهو هذا التغيير الجذري ؟ في المؤتمر التداولي الذي عقد في الاونة الاخيرة في شهر يونيو 2001 حول منظمات المجتمع المدني ومنظمة الوحدة الافريقية قال احد المثقفين يدعى عبدالمحمد في هذا الشأن أن التغيير الجذري يعني تغيير نظام معين من نظام للمستغلين الي نظام للمواطنين .حاليا توجد في افريقيا دول توصف بالمنكمشة أو في طريقها الي الانكماش collapsed or collapsing وهي دول لاتملك مؤسسات فعلية للدولة وتنقصها دساتير تؤمن الحياة للمجتمع او للاافراد في الدولة . وينعدم فيها سيادة القانون ولهذا لايمكن المحافظة فيها علي الحقوق الديموقراطية او امور اخري . ولهذا يصعب لمؤسسات المجتمع المدني العمل في مثل هذا الظروف بالمكشوف وبارادة حرة .وردا علي سؤال لدور منظمات المجتمع المدني في الدول المنكمشة أو التي تسير نحو الانكماش قال عبدالمحمد ”ان الدور الاساسي لهذه المنظمات هو، العمل لكي يتحقق الامن وسيادة القانون وتوفير الخدمات الضرورية ، وهنا يتطلب التحالف مع كافة القوة الوطنية والدولية لتحقيق هذا الهدف” . ونحن في ارتريا يهمنا متابعة مايجري في مثل هذا الدول المنكمشة لاننا في دولة يقودها الفرد وفي طريقها الي الانكماش . أن مسالة منظمات المجتمع المدني في افريقيا فرضت نفسها بالحاح بعد نهاية الحرب الباردة وبداية عملية التغييرات الديموقراطية . وهذا لايعني ان منظمات المجتمع المدني لم يكن لها دور في التاريخ الماضي لافريقيا بل كما نعلم جميعا ان الوطنيين الافارقة والمتضامنين معهم من خارج الوطن قاموا بتأسيس جمعيات للمثقفين ورجال الدين واتحادات للصحفيين والكتاب والعمال و ساندوا وقاموا بدورهم في النضال للتخلص من الاستعمار الاروبي سوي كانت بطريقة مباشرة او بطرق سلمية .وحتي في الفترة القريبة من تاريخ جنوب افريقيا أثناء نضالهم ضد الاستعمار والعنصرية ان منظمات مختلفة من المجتمع المدني بما فيها تنظيمات طلابية ، واتحادات الشباب ، والنساء ، والعمال وجمعيات الكنائس لعبت بدورها المطلوب في احداث التغييرات السياسية الجذرية بالدخول في جبهة التحالف الديموقراطي المعروفة بى (ريل ) .وهكذا ناضلت منظمات المجتمع المدني في افريقيا من اجل التغيير السياسي الجذري في افريقيا بالتنسيق مع مثيلاتها في دول اخري .وبعد ان تحقق الاستقلال لم تستطيع هذه المنظمات ان تتطور وتواصل مسيراتها . ويعود السبب الي ادمحلال السياسة الديموقراطية التي تأسست بعد التحرير . وتحولت الانظمة شيئا فشيئا الي النظام الفردي الذي سيطرعلي هذه المنظمات الحرة بوسائل مختلفة وجعلها جزء من نفسه وتقوضت بذالك العملية الديموقراطية .وفي هذه المرحلة تقوم منظمات المجتمع المدني بالنضال من اجل الديموقراطية والتغيير الجذري ليست لوحدها بل بالتنثيق مع جهات سياسية التي تناضل من اجل الديموقراطية مع المحافظة علي استقلاليتها وحق توجيه النقد اليها .يقول المثقف الفذ النارياوي ؟ أديبايوألوكوشي في هذا الموضوع مايلي :- ”مجموعات المجتمع المدني والقوي السياسية التي تتبني الديموقراطية يتطلب منها بناء ترابط عضوي وحيوي فيما بينها ، وهذا يقود الي عملية التعجيل لاقامة النظام الديموقراطي المرتقب في منطقتنا ” .النظام القائم في وطننا هو نظام فردى استبدادي ووطننا يعتبر منكمش او ذاهب الي الانكماش . والمطلوب هنا هو التغيير الجذري . وماذا يعني هذا بالنسبة للمجتمع المدني ؟ هذا يعني اذا كانت ارادة منظمات المجتمع المدني هي سيادة الديموقراطية واحترام حقوق الانسان فلابد ان يعملوا ويتعاونوا لاحداث التغيير الجذري في وطننا. وماذا يعني هذا ايضا ؟ هذا يعني بأن منظمات المجتمع المدني مطلوب منها بناء علاقة حية مع القوة السياسية المناضلة من اجل هذا التغيير وهذا يتم من خلال المحافظة علي استقلاليتها وحريتها الذاتية مع الاحتراز ايضا بأن لاتمس هي ذاتها حريات التنظيمات السياسية .وهذه نقطة مهمة جدا تذكرنا كيف استطاعت قيادات قوات التحرير الشعبية ( الجبهة الشعبية ) حاليا أن تقضي علي المجموعات التي كانت لها طابع او افكار منظمات المجتمع المدني في امريكا واوروبا والتي كان من الممكن تطويرها .هذه التجمعات للارتريين في اوروبا وامريكا التي بدأت نواتها الاولي في بداية السبعينات اعتقد لو قدر لها الاستمرار والمحافظة علي استقلاليتها كان بامكانها ان تلعب دورا بناءا . واعتقد لربما قد كان ساعد هذا أيضا لانقاذ وطننا من الوقوع الي الاحوال ألتي المت به الان .واعتقد اسياس وزبانيته تنبهوا لهذا الموضوع مبكرا وعلموا الخطورة التي يمكن أن تشكلها عليهم هذه المجاميع في اروبا وامريكا اذا حافظت علي استمراريتها كقوة داعمة ومستقلة ، والتي يصعب السيطرة عليها وألتي يمكن أن تشكل في النهاية عقبة امام احتكارههم للسلطة .ولهذا افتعلوا اسباب لمواجهة هذا الموضوع في سنة 1975 – 76.** هذه الدراسة قدمت بالدكتور تسفاطيون مدهني في المؤتمر السنوي لشبكات المجتمع المدني الذي عقد في اوروبا بمدينة فرانكفورت من تاريخ 28 – 30 يوليو 2004 “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى