مقالات

بعض الخاص وقليل من العام :عبدالرازق كرار

27-Sep-2008

ecms

على متن الخطوط السنغافورية كانت الرحلة طويلة ومملة خاصة من القاهرة وحتى مطار سنغافورة ، الأحلام المعلقة ، التشوق للقادم ، أعراض الارتفاع كلها قد تلهى المرء لبعض الساعات ولكن الرحلة كانت أطول من أن تستوعبها الأشياء المذكورة ، ومع صباح اليوم الثاني من الرحلة والطائرة تحلق فوق شبه الجزيرة الهندية رحت في حالة من التفكير الواقعي حول دواعي هذه الرحلة بعد ثلاثين عاما من اللجوء ، وبعد سبعة عشر عاما من التحرير وانتفاء أسباب اللجوء ، ومتى ستكون الرحلة المعاكسة وهل ستكون هنالك رحلة في الأصل ، ولن يصدق البعض لو قلت أنه قليل ما تنزل دموعي ولكن عالجت دمعة انحدرت على خدي ونحن من مجتمع شرقي يصعب أن ترى الدموع على خدود الرجال ونحتفظ بها ليوم كريهة وسداد ثغر كما تقول العرب . عذرا لكثير من أصدقائي الذين سيعتقدون أن هذا الكلمات لا تعدو ان تكون ترف لغوي لشخص بعد أن افلت من …………….وصل الى النعيم المنتظر ، والحقيقة قد يكون في تقديرهم بعض الحقيقة ودائما الحقيقة ذات وجهين ، نحتاج أن نتفحصها جيدا لأنه في كثير من الأحيان يكون الحق معك ومع الآخر وهذا مران في الديمقراطية نحتاجه جميعا ولكن ليس مجال حديثنا الآن .

على العموم سيطرت على ولا تزال فكرة مركزية وهي التصدي للعمل العام المكاسب والخسائر ، وأرجو أن لا يتوقع مني القارئ الكريم معالجات علمية وموضوعيه للفكرة ، فما أكتبه هو مجرد خواطر لشخص يمكن تصنيفها ضمن أدب ( النوستالجيا ) ، وفكرت أنه لولا إنني تصديت للعمل العام ( السياسي منه والصحفي ) لكنت الآن آمنا في سربي وربما كنت سأكون موظفا في السودان ، لأنني لا أعرف من الوطن سوى أنني أنتمي إليه ولكن لم أراه ولم أجد منه أيضا سوى المعاناة الدائمة حتى اللحظة ,أرجو أن يكون القادم خيرا . وفكرت أنه لو العمل العام لما قطعت أكباد الطائرات في بلاد أنت فيها غريب اليد واللسان ، تبدأ تاريخك فيها من الصفر ، وفكرت في الكثير الذي خلفته ورائي أهم ما فيه التفاصيل الصغيرة التي تعنيني ولن أزحم بها عقل القارئ الكريم أو أضيع وقته في سردها ، ولكن في ذات الوقت أرجوه أن يتحملني بحق مالي عليه في كتاباتي الماضية التي كنت أحرص أن تكون موضوعية ومترابطة تتعلق بالشأن العام ، ولهذا لن يضيره أن يتحملني لمرة واحدة ويسمع بعض الخاص الذي يتعلق بي .لم تستمر الفكرة على تسلسلها المنطقي في مخيلتي ولكن وجدت نفسي أقول أن العمل العام هو الذي أتاح لي هذه الفرصة التي يحلم بها الكثيرون ويدفعون أعمارهم في سبيلها عبر الصحاري والبحار وتأكد عندي ذلك وأنا اقرأ كتابا بعنوان ( Dark victory ) يحكي قصة الباخرة النرويجية ( Tampa ) التي أنقذت الأفغان ومكثت أكثر من شهر واستراليا ترفض استقبالهم والتفاصيل المملة حول تلك العملية ، مما جعلني أحمد ربي أنني وجدت هذه الفرصة بكل هذه السلاسة واليسر ، وفي الهجرة الكثير من الفوائد التي لست بصدد إحصائها في هذه الخواطر ، ولكن دون شك أيضا لها الكثير من السلبيات ولا يستطيع المرء أن يحصد فوائدها إلا أذا كان من ذوى الصبر والجلد وهي سلعة صعبة قل أن تتوفر في الأسواق في هذا الزمان .لم يمض ثلاثة أشهر على وصولي إلى أستراليا ، ومع محاولاتي لتوطين نفسي على استقبال شهر رمضان الأول لي في البلاد جاءني الخبر برحيل الوالد في غرة رمضان ، وكانت الصدمة كبيرة والحمد لله على كل حال ، والموت حق ولكن كنت أتمنى أن يكون الحال غير الحال ، فالوالد مثلى لم يعد إلا الوطن بعد أن فارقه حرصا على أبنائه حياتهم ومستقبلهم ، وبذل كل ما يستطيع لأجل تلك المهمة ، وظل يخص أبنائه بالدعاء في كل صلواته ( أبنائه تشمل الذكور والإناث ) وكنت أتمنى أن أكون بالقرب منه في هذا اليوم على الأقل لأتزود منه بالنظرة الأخيرة ولكن قدر الله وما شاء فعل .عودا على بدء وهو العمل العام ، لم يمضي على الخبر أكثر من ساعة حتى كان الخبر منتشرا في استراليا وخارجها ، ولم يتوقف تلفوني عن الرنين ، كما لم تتوقف زيارات التعزية حتى كتابة هذه الخواطر ، ومع فارق التوقيت كنت استقبل المكالمات طوال الليل ، ويصعب أن أرسم مخططا بيانيا يوضح نوع المكالمات أو مصادرها ،وعددا لا يحصي من الرسائل الإلكترونية ورسائل الـ (SMS ) ولا أبالغ إذا قلت أنني تلقيت عددا من الرسائل أكبر مما كان في بريدي الإلكتروني الذي دشنه منذ عام 2002م وكانت غالبها لأشخاص لا تربطني بهم أي علاقة رحم أو صداقة فقط من خلال العمل العام ، قيادات المعارضة الإرترية كل من موقعه ، وقيادات الصف الثاني والكوادر العاملة في مجال الإعلام ، شخصيات محسوبة على الحكومة الإرترية ، زملاء الدراسة من السودانيين والإرتريين ، شخصيات أسمع بها لأول مرة يعرف بعضهم على أنه قد قرأ لي مقال ، وبعضهم يخبرني بأنه التقي بي في مكان ما ، أتذكر البعض ولا تسعفني الذاكرة لتذكر الآخر ، والبعض من نبله يبدأ معرفا نفسه بأنني لن أتذكره لأننا لم نلتقي إلا مرة واحدة في مناسبة عامة .هذا الموقف على ما فيه كشف لي أن العمل العام يستحق أن نعاني من أجله ونضحي ببعض المزايا والخصوصيات ، ولا ننتظر بالضرورة أن يتيح لنا فرصة الهجرة ، وإن توفرت ( خيرين وبركة ) على قول الإخوة السودانيينوختاما لهذه الخواطر أود أن انتهز هذه الفرصة لأشكر كل الذين اتصلوا أو أرسلوا رسائل تعزية ومواساة في كل مكان وخاصة المواقع الإرترية ، كما أريد أن أخص بالشكر الجالية الإرترية في ملبورن خاصة الشباب في منطقة ( Spring vale ) الذين لازموني منذ وصول الخبر ولا زالوا على تواصل معي لم يجعلوني أستشعر وحشة الغربة وأقول للجميع هنا وهنالك لا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى