كلمة إرتريا : المعارضة الإرترية .. وحمى الخلاف *
30-Mar-2008
المركز
من الشائع لدى الإرتريين أن ثقافة افتعال الخلافات والتشظي تسود العقل الجمعي الإرتري وتُستعرض في ذلك الكثير من الشواهد والدلائل التاريخية القريبة منها والبعيدة للتأكيد على تجذر هذه الثقافة ومدى سيطرتها على الذهنية الإرترية نخباً وعامة .
ولانريد في هذه المساحة اختبار وفحص هذا الزعم وفق المعايير العلمية وإجراء جراحة استكشافية في التاريخ الإرتري بمبضع العلم النظري للاستيثاق من صحته .ولكن بقراءة عجلى في التاريخ السياسي الإرتري القريب وتحديداً مسيرة الثورة الإرترية التي انقدحت شرارتها في الواحد من سبتمبر عام 1961م ضد الإستعمار الإثيوبي ، نجد أن هذه الفرضية صحيحة إلى حد ما ، إذ أن الثورة مع بداية إعلانها السياسي في القاهرة وإعلانها العسكري في إرتريا دبت فيها حمى الخلافات التي أدت إلى إهدار الكثير من الجهود المخلصة في محاربة طواحين الهواء لتصبح الدونكيشوتية شعاراً يرفعه الجميع وانصرف الناس عن الهدف الرئيس المتمثل في استقلال كامل التراب الإرتري وانشغلوا بخلافاتهم الصغيرة التي تدور حول فلك الذات والأشخاص وغرقوا فيها حتى آذانهم إلى أن انطوت تلك الحقبة مخلفة مرارات بالغة ومازالت اسقاطاتها تسيطر على مسيرة الراهن الإرتري.ورغم أن الخلاف شر كله ولكنني لست أعني هنا ذلك النمط من الخلاف المبني إلى تعدد الأفكار وتنوع الآراء وتلاقحها مما يؤدي إلى النظر إلى القضايا من زواياها المختلفة ونصل في النهاية إلى مخرجات ناضجة تسهم في المعالجة الصحيحة للقضايا المستجدة .ولكن المعني هو الخلاف العدمي الذي يدور حول اللا قضية ولايثمر أي قدح للذهن وإعمال للعقل وإنما هي الغرائز الإنسانية البدائية في حب التملك والسيطرة التي لم يتم تهذيبها وتشذيبها بصورة مثلى لتتواءم مع العمل الجماعي الذي يرتكز في الأساس على التنوع والتلاقح .الراهن الإرتري على صعيد معسكر المعارضة ، مجتمعة ومتفرقة ، ليس بعيداًعن هذا .. فإذا استعرضنا مسيرة التحالف الديمقراطي الإرتري من تأسيسه عام 1999م ، بصرف النظر عن تغير اسمائه ، وأمعنا النظر في طبيعة الخلافات التي كانت تستعر بين الفينة والأخرى لا نجدها تخرج عن ما سبق من حديث لأنها لم تنتج أدباً سياسياً يوثق لها عبر الآراء المتصارعة والمتعارضة وإنما ترتكز على نزوات النفس البشرية والشخصنة وغيرها من القضايا التي لا ترقى إلى سماوات التناظر الفكري .ولكي لانمضي بعيداً قالخلاف الذي ضرب معسكر التحالف الديمقراطي الإرتري في فبراير 2007م ليس بعيداً عن الأذهان .. فبعد أن اتفق الجميع عبر الحوار الجاد والمثمر على الأطر النظرية والعملية التي تحكم مسيرتهم وتواضعوا على نظام أساسي يضبط إيقاع حراكهم الداخلي وتواثقوا على ميثاق سياسي ينظم حراكهم السياسي في مختلف الإتجاهات تكسرت نصال التوحد على صخرة ( من القائد؟ ) واختلفوا تبعاً لذلك حول تفسير بنود النظام الأساسي قبل أن يجف مداده بما أفضى إلى النهاية المعروفة ( الانشقاق ) لتنشط رياح الإحباط العواتي من عقالها مبددةً آمال المنتظرين على هوامش الصبر و الترقب.وبعد أكثر من عام يحاول الجميع رتق ما انفتق في نسيج هذا الكيان وإعادة اللحمة ومازالت اللجنة التحضيرية تواصل أعمالها رغم أنها لا تبتعد كثيراً عن النمط السائد للخلافات بالمرور العرضي على القضايا التي تحتاج لإعمال الفكر والنظر والغرق في وحل القضايا الإجرائية مثل مواعيد المؤتمر وعدد العضوية المراقبة وتكاد تصل إلى طرق مسدودة جراء هذه القضايا.مهما يكن من أمر فإننا نخشى أن يعيد التاريخ نفسه وقع الحافر بالحافر فتذهب كل هذه الجهود أدراج الرياح بسبب الخلافات ( الصغيرة ) .* نشرت كأفتتاحية لرسالة ارتريا في صحيفة الوطن السودانية عدد 28مارس 2008م