مقالات

حديث الذكريات والمذكرات ( الحلقة العاشرة ): محمد سعيد ناود

23-Apr-2007

المركز

من ذكريات المدرسة التي لا تنسى اشتراكي في المظاهرات ضد الاستعمار البريطاني وذلك عندما كنت بالمرحلة الأولية ثم الوسطى . ولتنظيم المظاهرات كان يتم إخطار أكثر الطلاب تأثيرا في فصله .. ويتم تكليفه لإخطار أبناء فصله بمكان التجمع بعد الفطور .. وغالبا ما تكون حديقة بلدية بور تسودان المعروفة حتى اليوم .. ويقوم ذلك الطالب بإخطار أبناء فصله فردا فردا ..

وعند الانصراف للفطور فكل الطلاب وبعد أن يتناولوا طعام الإفطار فإنهم يتجهون لمكان التجمهر المتفق عليه ولا يعودون للمدرسة . وكان هناك طلابا اكبر منا سناً هم اللذين يقومون بتكليفنا لأنني كلفت أكثر من مرة بهذه المهمة ، وكنت أنفذها بحذافيرها ، واعتقد إن أولئك الطلاب الأكبر سنا كانوا على علاقة بالأحزاب السياسية . فهم اللذين كانوا يقودوننا في المظاهرات ويهتفون بشعارات كنا نرددها من خلفهم ، وبسبب تلك المظاهرات نلت عقابا جسديا يتمثل في الجلد ، وبالرغم من ذلك فقد كنا نشعر بالفخر لأننا نؤدي عملا وطنيا ونتحدى الاستعمار البريطاني ونحن في تلك السن الصغيرة ، وكانت أمامنا قدوة حسنة في الوطنية وأصبحت ترضعنا كراهية الاستعمار وعشق الحرية ، أولئك كانوا بعض أساتذتنا . ففي تلك الفترة انتظمت المظاهرات الصاخبة كل أنحاء السودان وبالذات المدن الكبيرة وفي مقدمتها مدني ، الخرطوم ، عطبرة ، بور تسودان ، كسلا والأبيض . وبجانب المظاهرات كانت هناك الاضرابات العمالية وكلها تنادي بجلاء الاستعمار البريطاني من السودان . قدوة حسنة : كانت لنا قدوة حسنة في شخصيات عامة بمجتمع مدينة بور تسودان أمثال مصطفى الشناوي ، محمد صالح ضرار ، صالح دبور ، محمد السيد البربري ، الشيخ عبد القادر اوكير ، جيلاني محمد احمد وغيرهم ، وجميعهم من مواطني سواكن قبل افتتاح ميناء بور تسودان ، وعند افتتاح ميناء بور تسودان انتقلوا جميعهم إليه وأصبحوا من رموز مدينة بور تسودان . مصطفى الشناوي : هو ابن الشناوي الذي اشتهر بثرائه بمدينة سواكن أثناء ازدهارها . والجميع كان يحكي عن هذا الثراء المتمثل في قصر الشناوي المكون من 365 غرفة . وقد كان الشناوي صاحب ذلك القصر ينام في كل ليلة في غرفة وينتقل منها للغرفة الثانية على مدار السنة . وفي زيارة مدرسية لسواكن شاهدنا أطلال ذلك القصر ، وسبحان مغير الأحوال . محمد صالح ضرار : من الشخصيات ذات الاهتمام بتاريخ السودان عموما وبتاريخ البجة على وجه الخصوص .. فقد كان متيما بتاريخ أمير الشرق البطل عثمان دقنة ، وملكة جمال الشرق الحسناء تاجوج ، وإعجابه بعثمان دقنة كقائد في الثورة المهدية فان محمد صالح ضرار أصبح من الأنصار أي أنصار المهدي ومن مؤيدي حزب الأمة . ومن ذكرياتي معه جلسة لا تنسى أعددت لها وحضرتها ، فالأستاذ حسن سلامة – أطال الله في عمره – كان المسئول السياسي لفرع الحزب الشيوعي السوداني بمدينة بور تسودان ، وكان مهتما بتاريخ السودان عامة وتاريخ غرب السودان وثقافاته على وجه الخصوص ، ففي إحدى المرات طلب مني أن اجمعه بالعم محمد صالح ضرار والذي كانت علاقتي به متينة . وحددت الموعد وأحضرت حسن سلامة لمنزل العم محمد صالح ضرار بديم المدينة . وبعد أن تناولنا الشاي بدأ الحديث بينهما عن التاريخ وأنا جالس كمستمع فقط ودون أن أشارك لأنني لم أكن أدرك إلا القليل مما كانا يناقشانه من مسائل تاريخية ، وقد كانت جلسة طويلة وممتعة ، استأذن خلالها الأستاذ حسن سلامة من العم صالح ضرار ليدخن غليونه فسمح له في الحال قائلا : ( الرأس اللي ماعنده كيف يستحق السيف ) . فانفجرنا ضاحكين ، وفي أخرى كان العم محمد صالح ضرار يحكي كيف انه كان يجوب بادية الحمران باحثا عن تاريخ تاجوج وهو يركب الجمل . وأثناء ذلك نسي الحكمة التي استقاها ممن هم اكبر منه سنا والتي تقول : ( إياك من مصاحبة الخفيف ، والزواج من بنت الضعيف ، والسفر في الخريف ) ، فقد طبق في حياته الخاصة الجزء الذي ينهي عن مصاحبة الخفيف الذي لا يحفظ سرك ، أو الزواج من بنت الضعيف الذي لا يسندك في وقت الضيق ، أما الحكمة الأخيرة بعدم السفر في الخريف فقد نسيها أثناء سفره في ارض البطانة بحثا عن تاريخ تاجوج وكان الوقت خريفا فأصيب بحمى الملا ريا التي كادت أن تؤدي بحياته . فقد كان موسوعة من الحكاوي والنوادر والحكم بالإضافة للمعرفة . وفي نهاية الجلسة الطويلة وجه حسن سلامة سؤالا لصالح ضرار : لماذا لم تطبع كتبك حتى الآن ؟ فرد صالح ضرار : أنا لا املك مالا حيث أن رسالتي هي تعليم أبنائي الكثيرين وذلك من المخصص الشهري الذي أتقاضاه من الوظيفة ، وان المصريين عرضوا على أن يطبعوا كتبي على أن يضعوا في مقدمتها صورة جمال عبد الناصر ، ولكني رفضت ذلك ، فكما ذكرت من قبل فان محمد صالح ضرار كان أنصاريا ومن حزب الأمة الذي كان على رأسه آنذاك الإمام عبد الرحمن المهدي ، وهذا الحزب لم تكن علاقته بمصر وطيدة ، فقد كان الحزب المذكور يطالب باستقلال السودان . تلك الدعوة المتعارضة – آنذاك – مما كانت تؤيده مصر وهو وحدة وادي النيل أي وحدة مصر والسودان . فقال حسن سلامة للعم محمد صالح ضرار : ( نحن الشيوعيين إمكانياتنا المادية متواضعة ، ولكننا قد نتمكن من طباعة شيء من كتبك ، فما هو أول كتاب تريد طباعته ؟ ) فأجاب صالح ضرار : ” إن أول كتاب أود طبعه ، وهو جاهز ، عن تاجوج ” ، فسأله حسن سلامة : ” ولماذا تاجوج بالذات ؟ ” ، فأجابه : ” لان تاجوج مظلومة ونسجت عنها روايات غير صحيحة ” . وبالفعل كان أول كتاب قام بطباعته كان عن تاجوج ، وروى فيه كيف أنها كانت ملكة جمال الشرق .. وهي من قبائل الحمران .. وقصتها مع ابن عمها ( المحلق ) .. وهي قصة شهيرة كتب عنها الكثيرون . إلا أن هذا الكتاب لم يطبعه له الشيوعيون أو غيرهم بل طبعه من جيبه الخاص . وفي مراحل لاحقة فقد طبعت بعض كتبه في حياته أو بعد رحيله عن الدنيا وذلك بواسطة ابنه المؤرخ الأستاذ ضرار صالح ضرار ، وكان ذلك يمثل إضافة هامة في المكتبة السودانية ، كما أصبحت كتبه مرجعا هاما للكثيرين من الباحثين والكتاب . محمد السيد البربري : عميد أسرة البربري المعروفة والتي تعود جذورها في مصر ، واستوطنت مدينة سواكن وكونت ثروتها هناك ، وبانتقالها إلى بور تسودان توسعت في الثراء حيث إن عميدها كان من اكبر أثرياء بورتسودان بل والسودان عامة لأنها وبجانب العقارات الكثيرة والتجارة أقامت مشروعا زراعيا في منطقة (الباوقة ) او ( الزيداب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى