مقالات

إريتريا : تمرد محدود أم حركة إصلاحية واسعة؟ ياسين محمد عبدالله

25-Jan-2013

المركز

‎قام جنود إرتريون يوم الإثنين 21 يناير بمحاصرة مبنى وزارة الإعلام الإريترية لعدة ساعات وطالبو بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتطبيق الدستور المجمد منذ إقراره في عام 1997 كما عُرف من الجزء الذي تلي من التلفزيون قبل قطع البث بعد قليل من بدء قراءة بيان الجنود. لم يصدر أي تفسير لا من الحكومة ولا من هؤلاء الجنود لانسحابهم السلمي من المبنى والعودة لثكناتهم وقد تمت لاحقاً اعتقالات واسعة على خلفية هذا الحدث. فماهي الخلفية السياسية لما حدث؟ وما هي تأثيراته المستقبلية المحتملة على الوضع السياسي في إريتريا؟

خلفية:نالت إريتريا استقلالها في مايو 1993 ولم تجر فيها منذ ذلك الوقت أية انتخابات عامة ولم تعلن حكومتها عن خطط لإجراء مثل هذه الانتخابات. وتعد الحرب مع إثيوبيا في 1998- 2000 نقطة فارقة في التاريخ السياسي للبلاد فعقب خسارتها حدث أول انشقاق داخل التنظيم الحاكم -الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية- حيث طالب بعض قادة الجبهة أمثال محمود شريفو الذي كان وزيراً للحكم المحلي والرجل الثاني في الدولة من الناحية البروتكولية، هيلي ود تنسىء وزير الخارجية أبان الحرب والذي وقع على اتفاقية السلام مع إثيوبيا نيابة عن إريتريا في 2000 ، بطرس سلمون الذي تقلد عدة مناصب مهمة بينها وزارة الدفاع وإدارة المخابرات ومعهم عدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، طالبوا في رسالة علنية وجهوها لأعضاء الجبهة بتطبيق الدستور المجمد منذ إقراره من قبل المجلس الوطني في مايو 1997 وبتفعيل عمل مؤسسات الدولة بدلاً من انفراد الرئيس بممارسة السلطات كافة. استغل الرئيس أسياس أفورقي انشغال العالم بأحداث سبتمبر 2001 في الولايات وقام باعتقال أفراد هذه المجموعة الذين عرفوا بالإصلاحيين في 18 سبتمبر 2001 . الآن وبعد مضي أكثر من 11 عاماً لا تعرف الأماكن التي يحتجزون فيها أو حتى فيما إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً لينضموا بذلك لقائمة تضم الآلاف من سجناء الرأي في البلاد. وشهدت نفس الفترة تعطيل الصحف المستقلة واعتقال الصحفيين العاملين فيها ومنع دخول الصحافة الأجنبية للبلاد وطرد المراسلين الأجانب.وصعدت الحكومة التضييق على المواطنيين فجعلت العمل في الخدمة الوطنية غير محددة الآجال مع أن القانون يلزم المكلف بالبقاء فيها لمدة ثمانية عشر شهراً فقط. ولم تلتزم الحكومة بما قرره القانون بأن الخدمة الوطنية تجب فقط على الفئة العمرية 18 – 40 فصارت تجند أشخاصاً تجاوزت أعمارهم الخمسين. ونتج عن أسلوب تطبيق برنامج الخدمة الوطنية والممارسات القاسية المصاحبة له هروب العشرات الآلاف من الشباب وتعرض المئات منهم للموت في الصحارى والبحار وبسبب إطلاق الرصاص عليهم من قبل حرس الحدود الإريتري أو من قبل شرطة الدول التي يحاولون اجتياز حدودها. ومُنع السفر إلى الخارج حتى بالنسبة للأطفال في سن الخامسة وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.وبسبب سياساتها الإقليمية صارت البلاد معزولة عن جيرانها وعن المجتمع الدولي. وحدثت عمليات انشقاق واسعة من قبل العديد من المسؤولين في الحكومة والحزب الحاكم كان آخرها انشقاق وزير الإعلام علي عبده المقرب من الرئيس أسياس أفورقي والذي خرج من البلاد في مهمة رسمية في نوفمبر الماضي لم يعد مرة أخرى.تسربت في الشهور الأخيرة معلومات عن وجود خلافات بين رئيس الدولة وقيادات كبيرة في الجيش الإريتري الذي كان الرئيس قد قام، بعد انتهاء الحرب مع إثيوبيا، بتقسيمه إلى خمس مناطق عمليات عسكرية وجعل لكل منطقة قائداً يتبع له مباشرة. همش قرار الرئيس، بتبعية قادة المناطق العسكرية له مباشرة، دور وزير الدفاع وهيئة أركان الجيش وخلق توتر بين القيادات العسكرية في البلاد. وعانى الجيش من مشاكل أخرى مثل تدني المرتبات وعدم إجراء أية ترقيات وسط صفوفه لما يقارب الخمسة عشر عاماً وهذا خلق حالة من التذمر؛ خصوصاً بين الرتب الوسيطة والصغيرة من الضباط. فسر تجميد الرئيس للترقيات في الجيش بالخوف من أن توؤل القيادة لجيل لم يشارك في حرب التحرير ويكون أكثر انفتاحاً ولا يدين له بالولاء. كما يقال أن قرار الرئيس بتكوين ما يسمى بالجيش الشعبي وتوزيع السلاح على المواطينين عد من قبل بعض قادة الجيش بمحاولة خلق جيش موازٍ بعد أن شعر الرئيس بضعف سيطرته على الجيش النظامي. وجاء مرض أفورقي وعدم قدرته في الشهور الأخيرة على أداء مهامه على النحو الكامل ليعزز من قوة الجناح الإصلاحي في الجيش، على الأقل من الناحية المعنوية، وليصعد من ناحية أخرى صراعاً خفياً على خلافته.وقد جاء حادث احتلال مبنى وزارة الإعلام الإريترية في ظل تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة الإريترية فبجانب قرار العقوبات الذي اتخذه ضدها مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2009 اتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع في يوليو الماضي قراراً بتعيين مقررة خاصة لأوضاع حقوق الإنسان في إريتريا. ويفترض وفي ظل رفض الحكومة الاعتراف بها أن تقدم المقررة تقريرها الأول للمجلس في دورته التي ستعقد في جنيف في يونيو القادم مما قد يصعد من التوتر بين الحكومة الإريترية والمجتمع الدولي. في تفسير عملية احتلال مبنى وزارة الإعلام وملابساته:أ- قد أن يكون الجنود الذين احتلوا وزارة الإعلام يمثلون وحدات أكبر تطالب بالإصلاح أرادت من خلال هذه العملية المحدودة إظهار قوتها وجديتها في الذهاب إلى أبعد مدى من أجل ضمان تحقيق مطالبها بالإصلاح. يعزز هذا الرأي انسحاب الجنود السلمي دون أن تعترضهم القوات التابعة للرئيس أثناء خروجهم من المبنى.ب- أن يكون التيار الإصلاحي وسط الجيش أراد كسب المزيد من الوحدات العسكرية إلى جانبه وضمان التفاف الشعب حوله من خلال تقديم برنامج مبسط يمكن أن يكون محل إجماع. ويمكن اعتبار اختيار العقيد صالح عثمان ( قد يكون معتقلاً الآن) ليقود عملية حصار مبنى وزارة الإعلام، هو الذي يعد بطلاً وطنياً لقيادته عملية الدفاع عن ميناء عصب أبان الحرب مع إثيوبيا في 2000 ورفضه أوامر أسياس بالانسحاب من الميناء، يمكن اعتباره استثمارا سياسياً لرصيد الرجل وسط الجيش لصالح عملية الإصلاح.ج- أما انسحاب الجيش من محيط وزارة الإعلام فقد يفسر بتوصل ممثلين لهؤلاء الجنود لاتفاق مع رئيس الدولة أو من يمثله بالاستجابة لمطالبهم أو على الأقل على وعد بدراستها مع احتمال ان تكون الاعتقالات التي تمت في الأيام التالية مؤشراً على غدر الطرف الحكومي بالمطالبين بالإصلاح.احتمالات المستقبل:ما حدث يوم الإثنين 21 يناير يعد مؤشراً على أن الأزمة السياسية في إريتريا وصلت إلى مرحلة اللاعودة فإما أن يقدم رئيس الدولة تنازلات ترضي القيادات العسكرية المطالبة بالإصلاح السياسي أو أن يستمر في مكابرته من خلال تصعيد حملة الاعتقالات ضد المطالبين بالإصلاح فيدخل البلاد في نزاع خطير يمكن أن يهدد استقرارها واستقرار الإقليم برمته. الاحتمال الآخر هو أن يتم اتفاق بين جناحي الجيش ( على افتراض أن هناك جناح يؤدي الرئيس الآن) على التضحية برئيس الدولة في حال إصراره على رفض إجراء الإصلاحات المطلوبة وقد يكون هذا هو الخيار الأقل كلفة لبلد معزول ويواجه تحديات مصيرية داخلية وخارجية متصاعدة. ياسين محمد عبدالله26/1/2013

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى