قصة أرايا
7-Jul-2015
عدوليس ـ نقلا عن http://arabic.irinnews.org
بعد منحهم صفة لاجئ في أوروبا، يحرص معظم اللاجئين على جمع شملهم مع أسرهم في أقرب وقت ممكن، ولكن إجراءات جمع شمل أُسر اللاجئين أصبحت مقيدة ومعقدة على نحو متزايد في العديد من الدول الأعضاء. في هذا التقرير تلتقي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بلاجئة إريترية في المملكة المتحدة للحديث عن تجربتها.في شوارع برمنغهام، أرايا هي مجرد أم أخرى بلا زوج تدفع عربة أطفال تحمل ابنتها البالغة من العمر عامين. في هذه المدينة المتعددة الأعراق، الشيء الوحيد الذي يميزها لأول وهلة هو عينها اليمنى التي فقدت قدرتها على الإبصار.
وُلدت أرايا في إريتريا، لكنها انتقلت إلى أثيوبيا مع عائلتها بعد ذلك بوقت قصير، وقضت معظم طفولتها هناك حتى اندلعت الحرب بين البلدين. سُجن والدها في إثيوبيا، وتوفي هناك بعد ذلك بوقت قصير، في حين تم ترحيل بقية أفراد الأسرة – أرايا وشقيقها وشقيقتها وأمها – إلى إريتريا مع عشرات الآلاف من الإريتريين الآخرين.كافحت الأسرة للتأقلم من جديد على الحياة في إريتريا. لم تكن أرايا، التي كانت تبلغ من العمر 14 عاماً آنذاك، تتحدث اللغة المحلية، وهي التغرينية، ومُنعت والدتها، التي كانت تعمل كمدرسة، من ممارسة شعائرها الدينية باعتبارها تعتنق مذهب العنصرة، وهو أحد الأديان المحظورة في إريتريا. مع ذلك، تجاهلت الحظر وعلمت بعض طلابها بعض الأشياء المتعلقة بالعنصرة.”ذات يوم، جاءت الشرطة إلى منزلنا لاعتقالها،” كما قالت أرايا، وهي تجهش بالبكاء عندما تذكرت الواقعة.وأضافت قائلة: “بدؤوا يضربونها أمامنا. كنت غاضبة وحاولت أن أدفعهم، فلكموني في عيني وبدأت تنزف”.”أخذوا والدتي وأختي وأخي وتركوني أنزف … ولم أسمع شيئاً عنهم بعد ذلك. ولا زلت لا أعرف ما حدث لأسرتي”.وجدت أرايا نفسها فجأة وحيدة تماماً، فأوتها إحدى الجارات لفترة قصيرة، لكنها قررت العودة إلى أثيوبيا مع أحد أصدقاء والدها الذي رافقها في رحلة خطرة عبر الحدود إلى السودان. وهناك وجدت طبيباً عراقياً أكد أنها فقدت القدرة على الرؤية بعينها، لكنه عرض عليها أن يصطحبها معه إلى العراق، حيث وعد بأن يعالجها ويرسلها إلى المدرسة مع أطفاله. ووافق صديق والدها على ذلك.”عندما وصلنا [إلى العراق]، لم يعالجني، بل جعلني أعمل في منزله – منزل كبير مكون من ثلاثة طوابق. كنت أقوم بتنظيفه كله ولم يكن يسمح لي بالخروج. وكانت زوجته تهدد دائماً بقتلي إذا نظر إليّ زوجها. كانت تبحث عن أي ذريعة لتوجيه اللوم لي وكانت تضربني أحياناً بحذائها،” كما تذكرت أرايا، التي قضت السنوات السبع التالية حبيسة في هذا المنزل باستثناء رحلات التسوق مع زوجة الطبيب في بعض الأحيان.وفي واحدة من هذه الرحلات، شاهدت رجلاً إريترياً في مركز التسوق. “بدأت أبكي، وعلى الرغم من أننا لم نتمكن من فهم بعضنا البعض، فقد عرف أنني في ورطة”. فأعطاها الرجل هاتفاً محمولاً ورقم هاتفه خلسة. وعندما وصلا إلى المنزل، أخفت الهاتف في صندوق القمامة حتى تتمكن من الاتصال به عندما تخرج القمامة.”انتظرت حتى خلدت الأسرة إلى النوم ثم اتصلت به. كان معه صديق يتحدث الأمهرية فرويت له كل شيء. نصحاني بمحاولة الهروب من المنزل وقالا أنهما سيساعداني على مغادرة البلاد”.وذات يوم، بعد ذلك بوقت قصير، نسيت الأسرة أن تغلق الباب بالقفل، فهربت أرايا. وكما وعداها، دفع الرجلان بعض المال لأحد المهربين لاصطحابها عبر الحدود العراقية إلى سوريا، حيث سارت لمدة سبعة أيام مع مجموعة من اللاجئين العراقيين، حتى وصلوا إلى تركيا. مكثت في منزل أحد المهربين الذي كان يعج بالمهاجرين واللاجئين الآخرين في انتظار استكمال الرحلة إلى اليونان. وهناك التقت بشخص كان يعرف صديق طفولتها من إثيوبيا، الذي يعيش الآن في أثينا. وكان دانيال هو أول اسم مألوف تسمعه منذ سبع سنوات، فتعلقت به وقررت الذهاب إلى أثينا للبحث عنه. لم يكن لديها رقم هاتف عندما وصلت إلى العاصمة اليونانية، ولذلك ذهبت إلى الكنيسة الخمسينية حيث يتجمع العديد من الإثيوبيين والإريتريين كل يوم أحد. لم يكن أحد يعرف دانيال، لكنها وجدت على الفور مجتمعاً يمكنها أن تنتمي إليه هناك، وانتقلت إلى منزل مع بعض المصلين الآخرين. وفي كل يوم أحد، كانت تعود إلى الكنيسة، وفي أحد تلك الأيام كان دانيال هناك. لم يعرفا بعضهما على الفور، لكنه كان قد سمع عن إصابة عينها وخمن أنها هي.لم تكن لدى أرايا أو دانيال الوثائق اللازمة لإضفاء الشرعية على وجودهما في اليونان، ولكن كان لدى دانيال ما تصفه أرايا بأنه “عمل جيد” وساعدها على الحصول على وظيفة بدوام جزئي لدى نفس صاحب العمل. حاولت بعد ذلك التقدم بطلب للحصول على حق اللجوء في اليونان، ولكنها لم تصل أبداً إلى مقدمة الطابور الطويل خارج مديرية الأجانب في أثينا.وعندما قرر أرايا ودانيال الزواج، كان افتقارهما للأوراق الرسمية يعني أنهما مضطران للقبول بالحصول على مُباركة الزواج في المنزل. وتظهر صور حفل الزفاف أرايا وهي ترتدي فستان الزفاف الأبيض التقليدي ودانيال وهو يرتدي بدلة، ويبتسمان أمام الكاميرا.وبعد عامين من الحياة الزوجية، أصبحت أرايا حبلى بطفلهما الأول. كانت تشعر بالغثيان وظلت بالمنزل في اليوم الذي اتصل فيه دانيال هاتفياً ليقول لها أنه قد تم القبض عليه. كان ذلك في شهر مايو 2012، وكانت الحكومة اليونانية قد كثفت حملات اعتقال المهاجرين غير الشرعيين في العاصمة المضطربة على نحو متزايد. اقتيد دانيال إلى مركز احتجاز وفقدت أرايا القدرة على الاتصال به عن طريق الهاتف.”انتظرت حتى سبتمبر. كنت حبلى، ولا أقدر على العمل، ولا أستطيع دفع الإيجار. كان لدي 1,000 يورو متبقية من مدخرات زوجي، فدفعتها لرجل سوداني مقابل الحصول على جواز سفر مزور لكي أذهب إلى فرنسا”.ومن فرنسا، عبرت أرايا إلى المملكة المتحدة، حيث كانت قد سمعت أن الحياة ستكون أفضل: “يمكنك ممارسة شعائرك الدينية وإذا كان لديك طفل، فهم يساعدونك أيضاً”.تقدمت بطلب للحصول على حق اللجوء هناك وحصلت على صفة لاجئ بعد شهر واحد. لكن دانيال كان لا يزال في عداد المفقودين. وتواصلت مع مكتب الصليب الأحمر في برمنغهام لمساعدتها على تعقبه، ولكن قبل أن يتمكنوا من العثور عليه، سمعت من أحد الأصدقاء في اليونان أن دانيال كان قد خرج من السجن وعاد إلى إثيوبيا للبحث عنها.وبعد إعادة الاتصال بينهما، بدأت أرايا على الفور عملية التقدم بطلب لكي ينضم دانيال إليها هي وابنتهما التي ستولد قريباً في المملكة المتحدة من خلال إجراء يسمى لم شمل الأسرة. كانت المملكة المتحدة قد أوقفت المساعدات القانونية لطلبات جمع شمل الأسر في عام 2013، ولذلك اقترضت أرايا، التي كانت تعيش على دعم الدخل، بعض المال من مجتمعها الإريتري لدفع 400 جنيه استرليني (625 دولاراً) إلى أحد المحامين لمساعدتها. لم يكن جمع الوثائق الداعمة سهلاً، لكنها تمكنت من الحصول على شهادة من القس اليوناني الذي عقد قرانهما وكذلك رسالة من صاحب العمل الذي كانا يعملان لديه. وبعد تقديم الطلب، كان على دانيال التوجه إلى السفارة البريطانية في أديس أبابا لإجراء مقابلة.استغرقت العملية برمتها حوالي ستة أشهر، ولكن أرايا لم تشك أبداً في أن طلب دانيال سيُرفض. وعندما وصلت رسالة الرفض، التي أشارت إلى أن اسم عائلة دانيال لم يكن مذكوراً في شهادة ميلاد ابنتهما وأن الأدلة التي تثبت أنهما كانا معاً في اليونان غير كافية، كانت الصدمة مدمرة. “لم أكن أتوقع ذلك. إنه زوجي ولدينا طفلة معاً”.كان وقع الخبر على دانيال سيئاً أيضاً. وتسببت وطأة الانفصال عن زوجته وطفلته والعيش في إثيوبيا دون وضع قانوني أو وظيفة في إصابته بالمرض. كان يعاني من ارتفاع ضغط الدم، وفي يناير 2015، اشتد عليه المرض، فقررت أرايا أن تسافر بالطائرة إلى أديس أبابا لرؤيته. التقى دانييل بابنته، التي كانت الآن تبلغ من العمر عامين تقريباً، للمرة الأولى، وقضت الأسرة ثلاثة أشهر معاً. لا تستطيع أرايا البقاء لفترة أطول. كانت بصدد الطعن على رفض الطلب، كما أنها لا يمكن أن تخاطر بفقدان دعم دخلها. لقد عادت الآن مرة أخرى إلى المملكة المتحدة وهي حامل بطفلها الثاني، وتعلق كل آمالها على جلسة المحكمة المقرر عقدها في شهر أغسطس المقبل.لكنها ترفض التفكير في إمكانية رفض الطلب مرة أخرى. إنها الآن في أواخر العشرينات من عمرها، ولا تزال تنتظر البداية الحقيقية لحياتها.* تم تغيير الأسماء