مظاهرات اريتريا.. هل تحيل خريفها السياسي ربيعاً؟ إعداد / محمد سرحان (*)
16-Nov-2017
عدوليس ـ نقلا عن موقع قراءات إفريقية.
للمرة الأولى في تاريخ إرتريا منذ استقلالها، شهدت العاصمة “أسمرا” احتجاجات وتظاهرات شعبية واسعة، تملأ شوارع وسط العاصمة، أواخر أكتوبر، قوبلت بعنف من قبل نظام “إسياس أفورقي” وإطلاق رصاص عشوائي على المحتجين فأصابت 121 متظاهرا بينهم 14 امرأة، ، إلى جانب حملة اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين، صاحبها فرض حظر للتجوال في عدة مناطق وانتشار عسكري كثيف في أحياء العاصمة.الاحتجاجات اندلعت بعد محاولات الحكومة فرض وصاية حكومية على مدرسة “الضياء” وهي مدرسة أهلية بالعاصمة، وذلك من خلال فرض إملاءات على إدارة المدرسة، بمنع تدريس المواد العربية والإسلامية، ومنع الطالبات من ارتداء الحجاب باعتباره يحمل دلالات دينية، وإلغاء الفصل بين البنين والبنات إذ تراه الحكومة نوعا من التمييز، وتغيير العطلة إلى يومي السبت والأحد، وهي المطالب التي قوبلت بالرفض القاطع من قبل الأهالي وإدارة المدرسة.ومدرسة “الضياء” هي مدرسة أهلية يمتد عمرها لنصف قرن، وصمدت أمام الاحتلال، الذي يستهدف بطبيعته هوية الشعب المحتل وثقافته، ومثلت حجر عثرة أمام الاحتلال، من خلال التعليم الديني واللغة العربية كأحد مظاهر الاحتفاظ بالهوية والثقافة الإسلامية، وبعد الاستقلال في بداية التسعينات، طالبت الحكومة المدارس الأهلية بضرورة إدخال المناهج الدراسية الحكومية العلمية والأدبية دون المساس بمنهج التربية الإسلامية المقرر سلفا واستجابت كافة المؤسسات الأهلية بما فيها مدرسة الضياء، وهي مدرسة “ابتدائية ومتوسطة.
حول كواليس هذه الاحتجاجات وتداعياتها وتعاطي النظام معها، يقول “د. حسن محمد سلمان – المفكر السياسي وعضو رابطة علماء إرتريا”: “إن الحكومة تتجه نحو الهيمنة الكاملة وفرض رؤيتها العلمانية والتي في حقيقتها تخدم النهج الطائفي للنظام، إن الإملاءات الحكومية رأتها إدارة المدرسة ومجلسها يتصادم مع خصوصيات دينية للمسلمين، وعقدت المدرسة اجتماعا لأولياء الأمور وأطلعتهم على إملاءات الحكومة، وكان رأي الجميع هو رفض المطالب، ومن هنا بدأت شرارة الحراك الشعبي في 31 أكتوبر، على خلفية اعتقال رئيس مجلس إدارة المدرسة الشيخ “موسى محمد نور – 90 عاما” ورأى أولياء أمور الطلاب أن اعتقال الشيخ يمسهم جميعا.
من أجهض الحلم؟
يقول “نقاش عثمان إبراهيم – نائب الرئيس ومسؤول مكتب الشؤون السياسية في جبهة الإنقاذ الوطني الإرتري”: “عند تحرير إرتريا من الاحتلال الإثيوبي في عام 1991، تتويجا للنضالات التي خاضها الشعب الإرتري لأكثر من خمسين عامًا، كانت تحدو الإرتريين آمال عريضىة في رؤية وطن حر، إلا أن قائد الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا “إسياس أفورقي” أجهض هذا الحلم، في أول خطاب وجهه للجماهير الإرترية في ستاد أسمرا في 20 يونيو 1991، حيث أعلن حظرًا لأي نشاط سياسي خارج تنظيمه، مهددًا بتعريض أي شخص أو جهة لا يلتزم بهذا الفرمان إلى مساءلة قانونية. يتفق مع هذا الطرح، “شوقي محمد أحمد- معارض ارتري مقيم في لندن” قائلا:” إن نظام أفورقي اختطف ثمرة نضال الشعب فلم تعد إرتريا هي ذلك الوطن الذي كان يحلم به المواطن أو يشعر حتى كونه مواطن له حقوق، فالسجون ممتلئة بالمعتقلين وهناك أكثر من مليون لاجئ إرتري بالسودان، والحدود مع أغلب الدول شبه مغلقة، ما يشبه السجن الكبير الذي يدفع الشباب إلى الهروب إلى الخارج.
انقلاب مع إيقاف التنفيذ:
يقول “نقاش عثمان إبراهيم”: “إن اللافت في الحراك الحالي أنه الأول من نوعه شعبيا، إذ لم تشهد إرتريا حراكا مماثلا في ظل القبضة الأمنية التي تحكم سيطرتها على البلاد، ويرى أنه يؤسس لحالة ثورية شعبية وأشار إلى ثلاثة محاولات انقلابية سابقة لكنها لم تكتمل، أولها كانت عشية ليلة الاستقلال الذي تم في 24 مايو 1993، حيث احتلت قوة من الجيش المطار، فدخل النظام في تفاوض معها وأوهمها بالموافقة على مطالبها، حتى تمكن من اعتقال كل أفرادها ولا يُعرف مصيرهم حتى الآن.
وأضاف “عثمان” أن المحاولة الثانية كانت في سبتمبر 2001، عندما تصاعدت وتيرة المواجهة مع النظام من قبل قيادات تاريخية في الجبهة الشعبية نفسها، والتي عرفت إعلاميا “بمجموعة الـ 15″، وقد ألقى النظام بهؤلاء في السجون، أما آخر التحركات العسكرية كانت في 21 يناير 2013، إلا أن النظام تمكن أيضا من إجهاض هذه المحاولة.
قمع حرية الإعلام:
في إرتريا لا صوت يُسمع غير صوت النظام، فوفق تقرير سابق لـ”لجنة حماية الصحفيين” احتلت إرتريا المركز الأول في الرقابة على الصحافة، متفوقة على كوريا الشمالية، إذ لا يُسمح إلا للإعلام الرسمي فقط بنشر الأخبار، وببساطة لا يوجد غيره، كما صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” إريتريا كأسوأ البلدان في حرية الصحافة لثماني سنوات متتالية.
في هذا الصدد يرى “عبدالقادر محمد علي – باحث إرتيري”: أن الحراك الأخير هو نتاج لـ26 سنة من الاستبداد الممنهج الذي يمارسه النظام، لافتا إلى التقرير الأممي الصادر عام 2016 الذي أكد ارتكاب نظام “أفورقي” جرائم ضد الإنسانية، مثل السجن والإخفاء القسري والتعذيب والاضطهاد، وكذا خدمة العلم “التجنيد” والتي تستمر دون سقف محدد لنهايتها في ظروف غاية في السوء تعد نوعاً من السخرة.
ويرى “عبدالقادر” أن النظام حول مشروع ما بعد الاستقلال إلى دولة مجمّدة، فرأس النظام “إسياس أفورقي” هو رئيس كل المؤسسات، فهو رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس الحزب الحاكم، في ظل عدم وجود لا برلمان ولا أحزاب ولا دستور، إلى جانب أن البلاد لم تشهد أي نوع من الانتخابات منذ الاستقلال.
اللعب على ورقة الطائفية:
تعاطي نظام “أفورقي” مع الحراك الحالي وترديد مزاعم وادعاءات حول أسلمة الحراك والإيحاء بأنه حراك إسلامي ولأهداف إسلامية فقط، هو استثمار من قبل النظام في سرديته المتبعة في الفصل بين مكونات الشعب، وكذلك لتخويف المكون المسيحي من جهة، وتخويف المجتمع الدولي من جهة أخرى عبر ركوب موجة “مكافحة الإرهاب” الموصوف بأنه إسلامي عادة، وبالتالي يستطيع التغطية على كثير من المطالب الشعبية المستحقة.
يقول “عبدالقادر محمد علي”: “إن الممارسات الديكتاتورية طالت مكونات المجتمع بشكل كامل وإن كانت وطأتها على المسلمين أكبر، نتيجة اتباع النظام سياسة فرق تسد، والاستناد إلى شريحة من المجتمع لتأليب الأخرى عليها، وفي النهاية إضعاف الطرفين، إلا أن الحراك الأخير أثبت فشل هذه السياسة، وكل المسيرات المؤيدة للحراك في الخارج شارك فيها مسيحيون إرتيريون لإدراكهم أنه في النهاية جزء من النضال الإرتيري المستمر لإسقاط هذا النظام وبناء دولة الحقوق والحريات”.
من جانبه يشير “شوقي محمد أحمد” إلى أن نظام “أفورقي” منذ مجيئه وبدلا من العمل على الإصلاح، عمل على ملاحقة المسلمين وعلمائهم ومصادرة مدارسهم وأراضيهم، كما لم تسلم طوائف مسيحية من استبداد وممارسات النظام، وبالتالي الظلم طال الجميع، وبات النظام خطر على كل مكونات الشعب.
إرتريو الخارج:
وفق منظمات دولية تعد إرتريا من أكبر الدول المصدر للهجرة، وبالتالي تعيش أعداد كبيرة من الإرتريين بالخارج، وعن دور إرتريو الخارج وكيف تعاطى المغتربون الإرتريون مع مظاهرات أسمرا، يقول “شوقي محمد أحمد”: “بالتوازي مع المظاهرات في أسمرا، خرج الإرتريون بالخارج مسلمون ومسيحيون في فعاليات بدول عديدة مثل بريطانيا، السويد، الولايات المتحدة، مصر وأستراليا وغيرها، تعريفا بواقع أبناء شعبهم في الداخل الإرتري، وكم يعاني المواطن.
التعريف بمعاناة الوطن:
يضيف “شوقي محمد أحمد”: أن الإرتريون في الخارج هم جزء من الشعب يقع على عاتقهم عبء التوعية والتعريف بقضية بلادهم في ظل سد أي أفق للحرية في الداخل، والعمل على وحدة كل أطياف الشعب الإرتري من مسلمين ومسيحيين وعدم الانجرار وراء دعايات النظام، وتفويت الفرصة عليه والتي تهدف تفتيت مكونات الشعب.
المعارضة الغائبة:
يشير “شوقي محمد أحمد” إلى أنه في ظل هذه الحالة من انسداد أفق الحريات وإغلاق الباب أمام أي ممارسة ديمقراطية، وحتى الحراك الحالي، ظلت المعارضة بمكوناتها المختلفة، والتي من بينها “المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي” وهو أكبر مظلة للمعارضة الإرترية، شبه غائبة عن المشهد ولم تقدم أي عمل ملموس على الأرض تجذب الجماهير للالتفاف حولها وكسب ثقتها.الطريق نحو التغيير:
حول تداعيات هذه الاحتجاجات ومدى إمكانية أن تتحول إلى ثورة شعبية، أو على الأقل تشكل حجرا يحرك المياه الراكدة في إرتريا، يمثل حالة ملهمة لواقع ثوري يحول خريفها إلى ربيع من الحرية، يقول “عبدالقادر محمد علي”: “إن التغيير مرتبط بعوامل متعددة منها موقف المؤسسة العسكرية والأمنية، والقوى الإقليمية والدولية من تغيير النظام، وقدرة الحراك في الداخل على إحياء احتجاجاته وتنظيمها بشكل أكثر فاعلية، في المقابل فإن هناك تخوفاً من جانب كثيرين نتيجة ما شهده العالم خلال ثورات الربيع العربي وانتكاساتها، لكن المؤكد أن الأنظمة التي على شاكلة النظام الإرتري تدفع الجميع إلى زاوية التغيير العنيف، والذي إن انفجر فلن تحمد عقباه.
من جانبه يرى “د. حسن سلمان” أن المشكلة في إرتريا عميقة ولها مظاهر شتى لكن أساسها هو النظام المستبد الذي يحاول صياغة المجتمع وفق نظرة أحادية لا تؤمن بالتعددية وتسعى لتدمير بنية المجتمع المقاومة له وبالتالي سيظل المجتمع بكل فئاته ومكوناته رافضا ومقاوما لتلك السياسات حتى يتم صياغة نظام سياسي يعبر عن مكونات المجتمع الدينية والسياسية والعرقية كافة وهذا يتطلب العمل في عدة مسارات يمكن العمل عليها في المستقبل وصولا لخلق الحالة الثورية العامة التي تتولد نتيجة التراكم للأفعال الثورية الرافضة للظلم، يمكن إجمال هذه المسارات كالتالي:
سياسيا: تمكين الشعب من إيجاد الكيان السياسي المعبر عن تطلعاته في الحرية والمساواة، ويمكن في ذلك تطوير وتفعيل المجلس الوطني الإرتري وهو مظلة سياسية جامعة للقوى السياسية والمدنية، كما يتطلب التواصل مع كافة الجهات لكسب التأييد والمساندة للجهود الرامية لمقاومة النظام.
حقوقيا: بالتحرك الحقوقي المدروس لمحاصرة النظام وجمع الملفات الحقوقية التي تدينه، ورفع ملفات المعتقلين وتعزيز جهود المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إرتريا.إعلاميا: تصعيد الحراك الخارجي من مسيرات حاشدة واعتصامات والمزيد من المناشط الإعلامية التي تكشف وتعري النظام.
إنسانيا: بالقيام بالواجب الإنساني لكل المتضررين في الأحداث الأخيرة من معتقلين وجرحى.
(*) صحفي شؤون عربية ودولية ومتخصص في ملف الأقليات المسلمة.