هروب الرياضيين الإريتريين ظاهرة تكشف عن معاناة عميقة بالداخل ! بقلم/ صفاء عزب
14-Nov-2019
عدوليس نقلا عن الصومال الجديد
القاهرة- تعاطف المصريون مع حكاية اللاعب الإريتري ” إبراهيم إسماعيل” الشهير ب”إدريس” عندما نشر أحد المواقع الرياضية المتخصصة في كرة القدم قصة لجوئه لمصر بحثا عن حلم الإحتراف الرياضي في كرة القدم، بعد هروبه من بلده وهو في الصف الخامس الإبتدائي، ومواجهته أصعب الظروف والمخاطر خلال مسيرة هروبه عبر الصحراء الحارقة والمخيفة لطفل مثله يسافر فيها وحيدا بدون أسرته، لكن المخاطر والأهوال التي عاناها في رحلته من بلاده لإثيوبيا ومنها لمصر، بدت بالنسبة له أهون عليه من الأوضاع المريرة التي يعانيها ببقائه في بلاده.
والحقيقة أن “إدريس” ليس الحالة الوحيدة للشباب الإريتري الذين حاولوا أو يفكرون في الهروب خارج البلاد من خلال بوابة الرياضة وتحديدا كرة القدم، فقد سبقه إلى هذا المصير عدد كبير من لاعبين بالأندية والمنتخب الإريتري، كان آخرها هروب خمسة لاعبين من منتخب إريتريا لكرة القدم خلال بطولة إقليمية في أوغندا في أكتوبر عام 2019، وكانت قصص هروبهم من بلادهم باستغلال فعالية كروية دولية، حديث الصحافة والإعلام في مختلف أنحاء العالم ولم يقتصر الإهتمام بها إفريقيا، وإنما حرصت جهات إعلامية أوروبية على رصد هذه الظاهرة والتوقف عندها لمعرفة أسبابها واستكشاف المعاناة السياسية والإجتماعية الشديدة التي تكمن وراءها.وتوجد حلقات متتالية في مسلسل هروب اللاعبين الرياضيين ما جعلها ظاهرة مثيرة للإهتمام في إريتريا بسبب انتشارها على صعيد واسع مما دفع السلطات الحكومية إلى فرض شروط مالية على المسافرين لحضور مباريات خارجية وصلت إلى إلزام كل لاعب مسافر بوضع ما يعادل 7000 دولار كضمانة لعودته لبلاده وعدم هروبه ومع ذلك لم تتوقف الظاهرة.أولى فصول ظاهرة هروب الرياضيين من إريتريا تعود لعام 2007 حينما هرب ستة لاعبين إلى أنجولا، كما رفض ثمانية لاعبين من المنتخب الإريتري العودة لبلادهم من إدينرا باسكتلندا عام 2008 بعد مشاركتهم في بطولة هناك وطالبوا بحق اللجوء السياسي. وتكرر نفس السيناريو عام 2009 عندما هرب 12 لاعبا من المنتخب الإريتري المشارك في تصفيات سيكافا في كينيا. وفي عام 2011 طلب المنتخب الإريتري بكامله في كينيا حق اللجوء السياسي!وهو ما تكرر عام 2012 حينما طلب المنتخب الإريتري حق اللجوء السياسي بعد مشاركته في بطولة سيكافا في تنزانيا وأوغندا.وكان هروب عشرة لاعبين من المنتخب الوطنى الإريترى ومدرّبه بشكل مفاجئ عقب مشاركتهم في بطولة سيكافا في كينيا من الأحداث الرياضية المثيرة للدهشة والجدل عام 2013 . وقد صدرت تصريحات متضاربة حول مصير اللاعبين العشرة آنذاك، حيث تردد أنهم لجأوا إلى المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فى نيروبى وتقدموا بطلب اللجوء السياسى، بينما وردت معلومات آنذاك عن لجوئهم لسفارة إحدى الدول الغربية، جاء ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه اللجنة المنظمة للبطولة أنها فوجئت بطلب من الجانب الإريتري بضرورة إعادة اللاعبين، بينما قامت السلطات الأمنية الكينية وقتها بحملة تفتيش للبحث عن أفراد المنتخب المختفين بنيروبى. وقد أثارت هذه الواقعة ردود أفعال دولية وإقليمية حيث اجتمع من أجلها مجلس اتحادات شرق ووسط إفريقيا لكرة القدم بشكل استثنائي لبحث واقعة هروب لاعبي المنتخب الإريتري.وفي عام 2015 طلب عشرة لاعبين إريتريين اللجوء السياسي إلى بوتسوانا بعد خوضهم لمباراة أمام بوتسوانا في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم، وأفاد موقع رويترز أنهم رفضوا صعود الطائرة العائدة لبلادهم، وتم الإبقاء على اللاعبين في مركز احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين في فرانسيستون، ثاني أكبر مدن بوتسوانا، حيث أقيمت المباراة، الأمر الذي ثمنه أياسو هيتمارين من الحركة الإريترية للديمقراطية وحقوق الإنسان في بريتوريا، معربا عن امتنانه لحكومة بوتسوانا.ويكشف لاعبون من أصحاب تجربة اللجوء أو الهروب عبر النافذة الرياضية، بأنهم يندفعون مضطرين لخيار الهروب تحت ضغط الظروف الصعبة التي يعانونها داخل بلادهم والعمل بالسخرة نصف الوقت بينما يقضون نصف وقتهم الآخر في ممارسة كرة القدم وهو ما يعتبرونه أمرا شاقا سيما مع تعرضهم لمختلف أنواع القمع والاحتجاز القصرى علي أتفه الأسباب، على حد قولهم. وقد أثارت هذه الظاهرة ردود أفعال متضاربة بين أطرافها متبادلين الإتهامات فيما بينهم بشأنها. وكانت المعارضة الإريترية قد وجهت اتهاما لحكومة بلادها بمسؤوليتها عن ظاهرة هروب اللاعبين وذلك نتيجة تدهور الأوضاع السياسية والإقتصادية، بينما تعتبر السلطات الإريترية هذه الظاهرة بمثابة مؤامرة خارجية لـ”تفريغ البلاد” من سكانها بحسب تصريحات سابقة منسوبة لأسياس أفورقي الرئيس الإريتري. وكانت السلطات الإريترية قد قامت بتدعيم منتخب بلادها بلاعبين من حملة الجنسيات الأجنبية من أصول إريتيرية، للتخلص من لعنة الهروب التى تلاحق المنتخب الإريتيرى فى السنوات الأخيرة، وذلك لمواجهة الإنتقادات الإقليمية التي تتعرض لها بسبب هروب لاعبيها، والتي انتهت بمنعها من المشاركة في بطولات قارية أخرى في إطار حظر ظل مفروضا عليها لمدة ست سنوات.ولكن بعد سنوات الحظر الست تم قبول إريتريا مجددا في اتحاد شرق ووسط إفريقيا “سيكافا”. ولم تكد تهدأ الأحوال وتنعم إريتريا بعودتها للإتحاد حتى تكررت واقعة هروب الرياضيين من جديد خلال شهر أكتوبر من عام 2019، عندما اختفى 4 من لاعبي منتخب الشباب الإريتري، الذي كان يُشارك في بطولة شرق ووسط إفريقيا “سيكافا” تحت 20 سنة. وصرح جيريما جوهانيس، رئيس لجنة الحكام باتحاد الكرة الإريتري: “علمت من مسؤولي بعثة منتخب إريتريا بأوغندا، أن 4 لاعبين اختفوا من مقر إقامة البعثة ومن بين اللاعبين الأربعة حارس المرمى البديل”. وكان اللاعب ميول يوسف وثلاثة من زملائه صرحوا بأنهم هربوا من منتخب بلادهم في أوغندا وتقدموا بطلب اللجوء واختبأوا خوفا من البطش بهم من قبل حكومتهم وقال يوسف إن الخروج من إريتريا هو السبيل الوحيد للنجاة ! وكشف في تصريحات صحفية عن خطته للهروب مع زملائه وقال: “عندما هبطنا لأوغندا كان يحيط بنا الكثير من الحراس وكان الهروب مستحيلا ولكن بعدما فزنا على منتخب زنجبار بـ5 أهداف دخل الفريق فى أجواء احتفالية ساعدتنا أن نتحرك لنتمشي قليلا وعندما سمحوا لنا بذلك اتصلنا بأقرب شخص نعرفه فى أوغندا وسارعنا بالفرار”!ولم تقتصر عمليات الهروب عبر النافذة الرياضية على اللاعبين وإنما امتدت عدواها إلى الإعلاميين الرياضيين، حيث شهد شهر سبتمبر الماضي اختفاء قبرآب تسفامكئيل مسؤول القسم الرياضي بالتلفزيون الإريتري عن فريقه الذي كان يشارك في المغرب ضمن دورة الألعاب الأفريقية حيث كان مرافقا للبعثة الرياضية الإريترية في البطولة الإفريقية التي جرت خلال الفترة من : 19 – 31 من شهر أغسطس الماضي بدولة المغرب.واقع الأمر أن ظاهرة هروب الرياضيين الإريتريين تعكس حالة من المعاناة الشديدة والظروف القاسية التي يعيشها الإريتريون عبر سنوات طويلة خاصة مع تلازمها مع أجواء سياسية خانقة لاتفرق بين أشخاص عادية ولاعبين مشهورين، وتدفع بالشباب إلى التفكير في أي وسيلة تساعدهم على الهرب حتى لو كان هربا للمجهول فهم يرون في ذاك المجهول نجاة مما يعانون.