مقالات

ناود.. مسيرة حافلة بالعطاء : عبد الله محمود*

4-Feb-2011

المركز

دأب الإريتريون –كغيرهم من شعوب المنطقة – على الاحتفاء برموزهم السياسية والثقافية التي غادرت دنيانا الفانية هذه إلى دار الخلود والمستقر عبر المهرجانات الخطابية التأبينية التي يتم خلالها استعراض مآثر الراحل من قبل محبيه وعارفي فضله وهو دأب حسن يدل على تجذر قيم الوفاء في الشعوب.

ولكن المشكل في هذا النمط من الاحتفاء إنه يركز على شخص الراحل وصفاته الخلقية دون أن يتجاوز ذلك إلى قراءة معمقة في منتوجه الإبداعي في مجالات السياسة والثقافة وغيرها ،مما يجعل المهرجان التأبيني لا يتجاوز الشكل النمطي للعزاءات الأسرية .
وللخروج من هذا النمط في الاحتفاء بالفقيد الراحل الأستاذ محمد سعيد ناود ،نظم مركز البحر الأحمر للدراسات والبحوث بالتعاون مع المركز الإريتري للخدمات الإعلامية ندوة بالخرطوم بعنوان (ناود ..مسيرة حافلة بالعمل السياسي والثقافي والفكري) قدمت خلالها ثلاث أوراق عمل حاولت تسليط الضوء على الجوانب المختلفة لناود من خلال منتوجه الإبداعي.
الورقة الأولى تناولت شخصية ناود المؤرخ والتي تمظهرت في الكتب وسلسلة المقالات التاريخية التي رفد بها المكتبة الإريترية وأصبحت مرجعاً للباحثين في تاريخ إريتريا والقرن الإفريقي والعلاقة والتواصل مع الشعوب العربية والإسلامية ، ولقد تناولت الورقة منهج ناود في كتابة التاريخ وطريقة استخدام المراجع والمصادر التاريخية عنده ، وجهوده في توثيق التاريخ المعاصر لحركة التحرر الإرترية .
المحور الثاني الذي تم تناوله هو ناود الروائي والمدافع عن الثقافة العربية ومن المعلوم أن ناود قد نذر حياته للدفاع عن الثقافة العربية المفترى عليها في إريتريا حيث دفع إلى المكتبة العربية العديد من المؤلفات التي تناقش جذور الثقافة العربية والإسلامية في إريتريا ، فضلاً عن مقالاته وأوراقه عن تاريخية اللغة العربية في إريتريا وتناول فيها الشبهات التي ظلت القوى الشعوبية تثيرها في وجه اللغة العربية فتارة يقولون أنها لغة قومية الرشايدة وتارة أخرى يزعمون أن الإنجليز هم الذي أتوا بها بهدف ضرب الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب الإريتري وأحياناً يربطونها بلجوء الإرتريين إلى السودان ، فقد استطاع ناود هزيمة هذه الأطروحات الفجة بمنازلتها في عقر دارها بالحجة الدامغة والبرهان الساطع .
وتناول هذا المحور أيضاً شخصية ناود الروائي والأديب الذي دفع للمكتبة الإرترية أول رواية إرترية وهي ( صالح) أو ( رحلة الشتاء والصيف ) والتي وثق خلالها لمجاهدات الشعب الإريتري خلال حقبة الأربعينيات والخمسينيات واستعرض الحياة السياسية والاجتماعية في إريتريا وشرق السودان حيث تناولت الورقة المقدمة في هذا الجانب الرواية من منظور نقدي.
المحور الثالث هو شخصية ناود السياسي الذي شكّل جسراً للعلاقات بين الشعبين السوداني والإريتري ، وقد تناولت الورقة المقدمة في هذا المحور العوامل التي أسهمت في تشكيل شخصية ناود السياسية وانتمائه إلى الحزب الشيوعي السوداني لمدة ثمانية أعوام قال ناود عنها ( إنها أكسبته الصرامة التنظيمية والانضباط وسعة الإطلاع وتوسيع المدارك) رغم انه عزا انتماؤه للحزب لتأثير المحيط وطموحات الشباب ) ونفى اعتناقه للنظرية المادية الإلحادية وأداء لشعائره الدينية من صلاة وصيام وغيرها من الشعائر .
و استعرضت الورقة إسهام ناود في تأسيس مؤتمر البجا عام 1958م ثم تأسيسه لحركة تحرير إرتريا ، حيث برزت مقدرات ناود التنظيمية في تأسيس هذا الكيان وطريقة تنظيمه وتكوينه ، مما جعله يشكل علامة فارقة في التاريخ الإرتري المعاصر على الرغم من أنه لم يعمر طويلاً.
وتناولت الورقة إحدى المحاور الأساسية في شخصية ناود وجهوده في دفع الكفاح المشترك للشعبين الإريتري والسوداني وذلك عبر مشاركة الإرتريين في مظاهرات ثورة أكتوبر وإسهام السودانيين في القضية الإرترية عبر تسيير المظاهرات المؤيدة لعدالتها فضلاً عن المشاركة الميدانية .
وتطرقت الورقة إلى طريقة تعامل النظام الإريتري مع الفقيد الراحل ناود بعد أن تعيينه حاكماً لإقليم الساحل والاعتداء عليه من قبل بعض الكوادر الأمنية التابعة للنظام ، ثم تحويله إلى وظيفة عادية في مركز الدراسات الاستراتيجية يأتمر بمن هم أقل منه علماً وشأناً ، ويعاني الأمرين للوصول إلى مقر المركز جيئة وذهاباً لأربع مرات في اليوم دون أن يوفروا له سيارة تقله وهو في عمر يناهز الثمانين.
وبعد وفاته لم تتكرم عليه وسائل الإعلام الإلكترونية سوى ببضعة أسطر ، ولم يجد الإهتمام والتكريم اللائق ، كما لم تقم الحكومة بطباعة أياً من مؤلفاته المخطوطة الكثيرة ، وكل ما طبع هو بالجهود الشخصية للمؤلف وعلاقاته.
وخلصت الندوة إلى توصيات عدة أهمها ضرورة تبني مشروع لطباعة المنتوج الثقافي لناود والذي لم ير النور، وإعادة طباعة الكتب التي نفدت من رفوف المكتبات ، وحث الباحثين وطلاب الدراسات العليا لتناول شخصية ناود في رسائلهم العلمية من وجهة نظر أكاديمية وذلك إسهاماً منهم في إبراز جهوده الثقافية والإبداعية .
• نشرت في صفحة نافذة على القرن الإفريقي –صحيفة الوطن السودانية-4فبراير2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى