مقالات

آفاق التغيير .. !! (1/2) بقلم / إبراهيم قبيل

28-Mar-2019

عدوليس ـ

هذا المقال يتصدى لتحدى برز بقوة في الاونة الاخيرة لم يكن واردا في حسبان التصور السياسي الارتري ضمن معادلة الصراع السياسي بين سلطة دكتاتورية و معارضة تنادي بتغيير ديمقراطي والذي ظلت قائمة طيلة 27 عاما حيث غير هذا التحدي الطارئ من طبيعة الصراع من صراع سياسي في اطار منظومة دولة الى صراع وجودي يطرح احتمالات بقاءها من عدمه ضمن مخطط تآمري يستهدف سيادتها الوطنية وللأسف يقوده راس نظام الدولة بالتواطؤ مع قوى خارجية مستفيدة ولكن هل هذا يلغي أهم أجندتنا الوطنية وهو التغيير الديمقراطي ؟ و الاجابة بالطبع لا ولكن هذا الوضع الطارئ والمفاجئ يفرض علينا تغيير في ألأولويات اجندتنا الوطنية لأنه وضعنا أمام معادلة سياسية جديدة وهي اننا في حاجة ماسة الى رص كل الصفوف للتصدى لهذا المخطط التآمري الذي يستهدف الكيان الوطني الارتري والذي ضحى من أجله الجميع وبالتالي ان إسقاط هذا المخطط التآمري هذا يتطلب تضافر جهود الجميع دون اللجوء الى عمليات فرز او اقصاء .

والمقال يتكون من جزاءين.
الجزء الاول يتكون من ثلاثة ابواب وهي:
1 / مقدمة.
2 / ازمة الحزب الحاكم
3 / امكانات التغيير المتاحة
مقدمة:
لم تكن الحاجة الى ضرورة التغيير في ارتريا مثلما هي الان في هذه المرحلة التي يمكن ان تضع البلاد على مفترق طرق فهي حاجة ملحة وليست مجرد رغبة لقوى سياسية تتطلع الى ادوار في صياغة مستقبل بلادها عبر المشاركة في اللعبة السياسية في اطار الممكن انما هي ضرورة فرضتها التداعيات السلبية لعملية ما يسمى (بالسلام) التي استغلها رأس النظام الحاكم في تنفيذ اجندته الخاصة التي تمكنه من تجاوز الاستحقاقات الداخلية التي هي من المفترض ان تكون نتاج طبيعي لسلام حقيقي باعتبار ان مرحلة (حالة الطوارئ) التي اقتضت عسكره الدولة والاقتصاد والمجتمع للمواجهة المحتملة لعدوان (للعدو) الاثيوبي كما كان يزعم النظام الحاكم طيلة 17 عاما من حالة إلا حرب وألا سلم قد انتهت ولكن بدلا عن ذلك لجأ راس النظام الى ممارسة لعبة الهروب الكبير حتى لا يضطر الى الاستجابة الى تلك الاستحقاق التي ربما تؤدي الى مرحلة المسالة لشخصه باعتبار أنه حكم البلاد من الاستقلال الى لحظة اعلان السلام أي خلال 27 عشرون عاما بالحديد والنار كان ضحاياه بالآلاف ممن تم تصفيتهم جسديا ومثلهم ممن لا يزالوا قابعون في غياهب السجون انها مأساة انسانية متجزره عميقا في وجدان الشعب الارتري بحكم ان كل اسرة ارترية لديها ضحية وبعضهم ضحايا لتلك الممارسات القمعية وبالتالي لا يمكن تجاوز تلك المأساة او اسقاطها بأي شكل من الاشكال فضلا عن عمليا ت الفساد المالي والإداري طيلة تلك المرحلة ولعل ابرزها العائدات المالية من الثروات الطبيعية والرسوم الضرائب وتحويلات المغتربين وعائدات الاتفاقيات مع الدول وعائدات المؤاني وغيرها التي لا يعلم عنها الكثير حتى اعلى الاطر القيادية في الحزب الحاكم ناهيك عن الشعب كما ابرزت مذكرات وزير المالية السابق المعتقل الان وهي تمثل ادانة كبرى لشخص رأس الحكم ولعل أكبر شاهد على ما وصلت اليه البلاد يتمثل في انعدام الخدمات العامة وفرص العمل وحركة التجارة والصحة العامة والتعليم العالي وحالة بوابت البلاد من مؤاني ومطارات وجولة واحدة في ارجاء البلاد كافية ان يدرك من يقوم بها ان البلاد لا تنتمي الى العصر الحديث ناهيك عن القرن الواحد والعشرون ولعل أعظم جوانب المأساة في هياكل الدولة الارترية من مؤسسات من المفترض انها تدير مصالح الشعب الارتري فهي تفتقر الى أبسط مقومات البناء الاداري المحترف فطبيعة الدولة القائمة الان هي هشه وقابلة للانهيار السريع في ظل أي هزة سياسية لأنها لا تستند الى مرتكزات اسياسية تقوم عليها أي دولة حديثة ومنها قوانين مكتوبة مجازة تحدد طبيعة العلاقات بين اطرها الرسمية وبالتالي الاسس التي تدير بها اعمالها حتى في ظل الانظمة الشمولية بحيث تنتج عبر أجيال تراكم من الخبرات وذلك بحكم ان (جهاز الدولة) القائم الان لا يزال يدار بطريقة بدائية عن طريق اصدار التعليمات المباشرة واغلبها شفويا للأسف من مكتب الرئيس.
ونظرا لان الدولة لا تملك جهازا عدليا مستقل اداريا ومحترف لديه خبرة تراكمية قانونية تمكنه من اصدار قوانين وتشريعات دستورية حتى في اطار ايدلوجية الحزب الحاكم! وذلك بسبب توقف التعليم عالي في البلاد عقب حرب السنتين مع اثيوبيا والذي تم عسكرته في اطار ما يسمى بالخدمة الوطنية الازاميه وهي خدمة عسكرية بحته والتي تعرف لدى الارتريين بمعسكر (ساوا) حيث يلتحق به قسرا كلا من بلغ المرحلة الثانوية اي ما قبل الجامعية بعد ان تم تعطيل الدارسة بالجامعة الوحيدة في البلاد وهي جامعة اسمرا وقس على ذالك بقية التخصصات العلمية التي تلبي حاجات الدولة في بناء هياكلها الادارية المتخصصة وعليه يمكننا من خلال معرفة هذا الواقع الاليم شكل الدولة في ارتريا والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحلة هل تعمد اسياس افورقي ذلك أم ان هواجسه الامنية وخوفه على كرسيه أجبرته على أخذ هذا المنحى المأساوي؟ ولكن في كل الاحوال في تقديري ان اسياس افورقي يدرك تماما النتائج الكارثئة لسياسته تلك طيلة مدة حكمه لذا ان خيار الهروب الكبير عبر مشروع وحدوي تحت مظلة ما يسمى السلام مع العدو السابق هو الحل الوحيد في نظره الذي سوف يمكنه من النجاة من المحاسبة والتي هي لابد منها في كل الاحوال حتى دعاوي (العدالة الانتقالية) لا يمكنها القفز عليها نظرا لحجم اجرام الرجل الذي تجاوز مجرد سلوك دكتاتوري قمعي في ممارسة السلطة الى ممارسة سلوك منهجي لتدمير الدولة .ولعل من اسوأ الكوابيس التي ستواجه من يقود مرحلة ما بعد التغيير هو حجم الجهد المطلوب بذله لإعادة ترميم بناء اجهزة الدولة حتى تكون قادرة على الاستجابة لمتطلبات التحول الديمقراطي للأسف ناهيك عن اعادة البناء الاقتصادي والعمراني .
2/ أزمة الحزب الحاكم:
لم يقتصر التدمير العشوائي الذي نتج من سياسات راس السلطة القائمة اسياس افوقي على الدولة فحسب بل شمل ايضا الحزب الحاكم ما يعرف الان بالجبهة الشعبية “للعدالة والديمقراطية ” وقبلها بالجبهة الشعبية لتحرير ارتريا قد يكون هذا الحزب برموزه وقياداته وكوادره قد ساهم في بناء سلطة الفرد بل شارك فعلا في كل سياساته القمعية برغم ان هذا الحزب السلطوي اتيحت له فرص تاريخية لتصحيح مسار السلطة نحو الديمقراطية وحكم القانون الا ان قياداته اهدرتها كلها وألان عندما كشف اسياس افورقي عن مخططاته الحقيقة اصبح أمام واقع مغاير سيكون هو ضحيته الاولى بدأت بقايا قياداته تتذمر بصوت مبحوح غير مسموع ولم تجرؤ حتى الان بالجهر عن موقفها أمام الشعب الارتري لتسجل على الاقل موقفا مشرفا واحدا وأخيرا.
ولكن دعتي اولا اتحدث عن تلك الفرص المهدرة أول تلك الفرص كانت بعد التحرير مباشرا حيث سنحت له فرصه ذهبية عندما لبت كثيرا من القوى وفصائل الثورة وحتى الجماهير الارترية خارج عضوية الجبهة الشعبية حينها نداء المساهمة في انجاز مهمة الاستقلال عبر المشاركة في عملية الاستفتاء لفك الارتباط القانوني مع اثيوبيا بعد ان تم دحر الاحتلال العسكري الاثيوبي وتحرير كامل الارض الارترية وكان ذلك أمر طبيعي بحكم ان اشواق الارتريين لرؤية دولة مستقلة لهم بعد معاناة ثلاثون عاما كان فيها الارتري أمام خيارين يا اما يحمل هوية المستعمر أو هوية لاجئي فكان يتطلع دوما ان يكتسب هويته الارترية لذا لم يتوان أي ارتري في دفع ضريبة الوطن في مرحلة الكفاح المسلح سواء بحمل السلاح او المساهمة بماله او حتى بكل ما يملك في سبيل دحر المحتل الاثيوبي واسترداد هويته الارترية لذا عندما تحقق ذلك تناسى الجميع خلافاتهم ومواقفهم من الجبهة الشعبية.
إلا ان قيادة الجبهة الشعبية للأسف لم تستفيد من هذا الزخم الجماهيري والسياسي الذي كان يمكن ان يشكل لها رصيدا في مسيرتها السياسية وبالتالي فوتت فرصة تاريخية كان يمكن من خلالها ان تقوم بدور ريادي أخر يضاف الى سجلها يمكنها من كسب تعاطف الجماهير كان كافيا ان يمنحها تفوضيا شعبيا بدون منافس في حكم البلاد لسنوات طوال عبر صندوق الانتخابات دون ان تتكلف مشقة فرض ارادتها بالقوة وتقع في فخ الحكم الدكتاتوري لتسقط تاريخيا وذلك خلال المبادرة بإجراء حوارا جدي لبناء دولة ديمقراطية وإفساح المجال لجميع القوى السياسية التي شاركت في مرحلة التحرير ان تتحول الى احزاب مدنية وكذلك كل النخب خارج اطار الجبهة الشعبية والجماهير عموما ايذانا ببدء مرحلة الانتقال السلمي الى الدولة المدنية الديمقراطية بشكل سلس مع احتفاظها بدورها الريادي وبهذا كان يمكنها ان تعزز من رصيدها التاريخي بتحقيق اهم انجازين وطنيين في تاريخ الشعب الارتري تذكره لهم الاجيال المتعاقبة وتخلد في سجل تاريخ الشعب الارتري وهما أكمال مهمة التحرير والاستقلال وتأسيس مرحلة بناء الدولة الديمقراطية وتسليم السلطة للشعب وإشراك كل الشعب الارتري في دولته الديمقراطية الحديثة.ولكن بدلا من ذلك انساقت هذه القيادة وراء مصالحها السلطوية الصيقة وأسست لمرحلة جديدة ولكنها مختلفة تماما وهي الانزلاق في منحدر الدكتاتورية ومن ثم حكم الفرد وقد دشنت عهدها ذاك بحملات اعتقالات متتالية شملت العديد من رموز المجتمع ومن ثم كل من يخالفها الرأي حتى داخل الحزب الحاكم نفسه وأصبح هذا الاسلوب القمعي هو اسلوبها الوحيد في حل التحديات التي تواجهها حتى الان وأسقطت تماما مبدأ الحوار مع الاخر إلى ان اصبحت هي نفسها ضحية لهذا النهج القمعي وباتت تحت رحمة دكتاتور لا يفرق بين رفاق الامس والخصوم السياسيين وان كان هو من صنع يدها بلا شك .
الفرصة الثانية سنحت لها بعد ان توقفت حرب السنتين 98- 2000 مع اثيوبيا وكان يمكن ان تستدرك الامور بعد الخسائر التي تكبدتها في الحرب والتي كانت نتائجها مأساوية على كافة الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل الاسوا والانكى ان البلاد فقدت جزءا من اراضيها وكما فقدت المؤسسة العسكرية الكثير من قياداتها وإمكاناتها وسمعتها في المنطقة وكان هذا كله من المفترض ان يكون مدعاة لإعادة النظر من قبل الحزب الحاكم في نهجه وسياساته القمعية والبدء بمرحلة جديدة يتم فيها الدعوة الى اجراء حوار وطني لكل قوى المجتمع للخروج بتصور جديد لنظام الحكم يضمن المشاركة الحقيقة في تقرير قضايا البلاد دون اقصاء ولكن بدلا من ذلك اتبعت اسلوب تكتيكي مراوغ لامتصاص الغضب المتنامي من نتائج الحرب ومضاعفاتها داخل الجيش وبل في صفوف كادر وعضوية الحزب الحاكم والشعب وذلك بإعادة تنفيذ قرار اتخذته مجلسها المركزي في سبتمبر 1993 م أي بعد سبع سنوات من صدوره والقاضي بتشكيل لجنتي احداها لإعداد مسودة لقانون الأحزاب برئاسة محمود شريفو وأخرى لقانون الانتخابات برئاسة اسكالو منقريوس ولكن كالعادة لم يتم مناقشة ذلك في أطار مؤتمر وطني للحوار تشارك فيه كل القوى السياسية ونخب وغيرها من ذوى الاختصاص في مجال القانون الدستوري وكذلك خبراء اقتصاد وعلم الاجتماع وغيرهم من خارج أطر الحزب الحاكم حتى تكون مخرجاته لها مصداقية أكبر لدى الجمهور من شانه ان يعزز مكانتها ودورها في العمل السياسي ويغير المسار التاريخي للبلاد نحو الافضل ومن ناحية أخرى ايضا يقطع الطريق أمام اثيوبيا من الاستثمار نتائج الحرب سياسيا بعد فشلها في احتلال ميناء عصب عسكريا وهو كان هدف الحرب الرئيس لها بفضل الروح الوطنية العالية لبعض الضباط الوطنيين الذين رفضوا تعليمات افورقي الانهزامية بالانسحاب من عصب وعلى رأسهم بالطبع العقيد عثمان صالح فك اسره واحد ابطال حركة 21 يناير 2013 م وهي احدى تجليات الانسان الارتري التي تتجاوز الايدولوجيا وكل انواع الانتماءات الضيقة عند المحن الكبرى وكذلك حصار ارتريا اقتصاديا وسياسيا ومنعها من الاستفادة من الميناء الذي فشلت في انتزاعه بالقوة لنفسها بل كل الموانئ الارترية وفرض طوق من العزلة الاقليمية والدولية (وهو ما حدث فعلا للأسف).بالإضافة الى كل ذلك كان هذا الحوار الوطني بزخمه السياسي والشعبي والنخبوي من شأنه ان ينتج عنه صيغة لنظام سياسي ديمقراطي مبني على فصل السلطات ان يحد من امكانية التحول الى الدكتاتورية ناهيك الى نظام حكم الفرد كما هو الحال الان للأسف وبالتالي يساعد الحزب الحاكم نفسه على تطوير امكاناته الذاتية من قدرات سياسية لكادره القيادي بحيث يكون له بدائل متعددة على المستوى القيادي الاول قادرة على ملء أي فراغ قيادي دون الحاجة الى الاعتماد الى “كارزما” شخص واحد بل إنتاج أجيال من القادة ذو امكانات وخبرات قيادية ونقابية وسياسية وذلك من خلال التنافس الحزبي ضمن النظام الديمقراطي الذي يولد خبرات تراكمية في ادارة الصراع السياسي السلمي في اطار القانون .
أما الفرصة الثالثة والأخيرة وهي ماثلة الان فبرغم ان الحزب الحاكم نفسه قد تم تحجيمه في اضيق نطاق وأصبحت قيادته مهمشة تماما لصالح سلطة الفرد إلا ان وجودها الصوري بكل علاته لا يزال يمكنها ان تلعب دورا مهما في قطع الطريق أمام افوقي لإتمام مخططه التآمري لواد السيادة الوطنية وذلك ان عقدت العزم واستفاقت وأعلنت موقفها ببيان رسمي من هذا المخطط التآمري وأكدت على تمسكها بالسيادة الوطنية وانحيازها لمطالب الشعب الارتري واستحقاقاته والدعوة لحوار وطني موسع.
فمن شأن ذلك ان يربك اسياس افورقي وحلفائه ويضع كادر الحزب المنتشر في مفاصل الدولة والذي يعيش في حيرة حقيقة الان ان يتجاوب مع هذا الموقف ويتفاعل معه لاسيما ان هذا الموقف سوف يغير من نظرة الشعب الارتري بل حتى عضويته على انها متخاذلة وعاجزة عن التصدي لهذا المخطط التآمري لافورقي والذي يمثل ضغط نفسي هائل على هذا الكادر الذي هو في اغلبه من مقاتلي حرب التحرير.
لا اقول هذا الكلام لحرصي على بقاء هذا الحزب الذي هو في الحقيقة شريك في بناء سلطة الفرد و(فرعنة) افورقي ولكن الان البلاد على مفترق طرق لم يعد الحديث حول دكتاتورية نظام او فرد فحسب انما ضباع بلد قدم فيها شعبها تضحيات جسيمة وضخمة لتهدر هباء نتيجة رغبة فرد قدر له ان يكون على راس السلطة في غفلة من الزمن ويتعامل مع البلاد كأنها ملكية خاصة له. ولكن لحرصي الشديد الى حشد كل القدرات الوطنية في مواجهة هذا المخطط التآمري على السيادة الوطنية ومن يقف خلفه وإسقاطه كما انني لا اعول كثيرا على كادر هذا الحزب او قيادته على اشعال ثورة وإحداث التغيير الديمقراطي المطلوب لان القوى الحقيقة التي هي قادرة على تحقيق ذلك موجودة على الارض وداخل البلاد لا تسيطر عليها مصالح سلطوية أو ذاتيه وهي صاحبة المصلحة الاولى في هذا التغيير وكما ذكرت اعلاة انني اؤمن تماما بقدرات الانسان الارتري وتجلياته التي قد لا تبدو منظورة ولكنها تبرز في وقتها عند ما يحين الوقت و هناك الكثير من الامثله في تاريخنا السياسي.
3 / امكانات التغيير المتاحة:
لا تقتصر إمكانات التغيير على القوى السياسية كما هو مفترض لان هذه القوى عمليا لا تملك قاعدة جماهيرية منظمة في الداخل تكفي لتحريك الشارع وذلك بسبب سياسية القبضة الامنية الحديدية لأجهزة الامن التي تنتشر عناصرها في كل مكان من خلال الاجهزة الحكومية والإدارات المحلية حتى على مستوى لجان الاحياء أي (الحواري) في المدن وعبر عضوية الحزب الحاكم التي لا تترد بالإبلاغ عن أي تحرك جماعي كما ان حملات الاعتقالات المستمرة لإفراد بشكل عشوائي من المنازل وأحيانا من الشوارع وحتى من المكاتب وأماكن العمل انما هدفها نشر حالة من الخوف في اوساط الشعب لمنع أي تفكير لتحرك جماعي محتمل بالتالي هناك صعوبة حقيقة وفرص ضئيلة لحركة القوى السياسية المعارضة اذن ما هي الاحتمالات الاخرى المتاحة؟
للإجابة على هذا السؤال يجب علينا ان نسلط الضوء على واقع الحال بعد التطورات الاخيرة التي اعقبت عملية السلام المزعوم وما بدر من تصريحات من قبل راس النظام اسياس افورقي في زيارته في اديس اببا وما اعقبه من تسريبات حول نواياه في ضم ارتريا الى كيان المحتل الاثيوبي مرة أخرى والتي انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتصريحات رئيس وزراء اثيوبيا العديدة التي تؤكد ذلك بالإضافة الى تصريحات وزير المالية السابق والمعتقل الان تأكيد لهذه التسريبات وكتابة الذي وزع في الداخل على نطاق وسط كادر الحزب وعضويته حتى داخل المؤسسة العسكرية والأمنية بشك واسع كشف من خلال حقائق كثيرة شكلت صدمة حقيقة لهم وطرحت تساؤلات كثيرة في اوساطهم حول حقيقة الخط التآمري لاسياس افورقي الذي كانت الالة الاعلامية والدعائية للحزب الحاكم تصوره على انه الوطني الاول وبدونه تنهار الدولة والوطن ! وان لا بديل له ولكن هذه الصورة ان لم اقل انها اهتزت بل انهارت تماما وشكلت صدمة قوية على مستوى الكادر وحتى على المستوى القيادي في الصف الاول بالإضافة الى الحرب الخفية بين افورقي وقيادات حزب تحرير تجراي وياني في شمال اثيوبيا التي ساهمت بدورها بشكل غير مباشر في التأثير السبي على صورته كقائد مشكوك في ولائه الوطني.
هذا المناخ النفسي الجديد يمثل فرص كبيرة في امكانية اصطفاف هذه القوى الى جانب أي حراك سياسي مقاوم لافورقي بأي شكل من الاشكال حتى ولو بدأ صغير الحجم لان هذه القوى تحتاج فقط الى حافز يدفعها الى الانتقال من مرحلة الصدمة الى رد الفعل ومهما حاول افورقي ومن يروج له التراجع مؤقتا والتدرج في تنفيذ مخططه التآمري فانه لن يستطيع اعادة بناء الثقة مع هذه القوى الذي يعتمل في صدورها غضب مكبوت بات مستحيلا . لقد سقطت هالة الزعيم الوطني وهذه أول الخطوات لسقوطه الفعلي والحتمي ولكن بالطبع لا نتوقع ان تكون هذه القوى هي المبادر للثورة وذلك بحكم عدم انتظامها بشكل جماعي في أطر منظمة ضمن هيكلية قيادية تقودها في الوقت الحاضر كما هو منظور وان كان مثل هذا الامر متوقع فانه يحتاج الى جهد كبير وبالتالي الى وقت.
ولذا ان القوى التي يمكن التعويل عليها والمتاحة الان هي قوى قد لا تكون منظورة ولكنها موجودة و اذا تم استقطابها سوف تشكل دينمو للثورة والعصيان بحكم عوامل كثيرة لا داعي لذكرها او الاشارة اليها في الوقت الحاضر ولكنها قوى يمكن وصفها بأنها قوى تقع خارج دائرة سيطرة الخوف وبالتالي يمكن التعويل عليها في تحريك الشارع ولكن الاهم من هذا كله هو يجب التصعيد على المستوى الاعلامي اولا لان الاعلام يلعب دورا في التأثير المباشر على الشارع الارتري في كل ارجاء الوطن من خلال حملات اعلامية للتصدى للمخطط التآمري لافورقي وحشد الرأي العام لمواجهته فان الاستخدام المكثف لوسائل الاعلام يتيح لنا تسريع الخطوات نحو الثورة لأنه عامل حيوي وهام جدا في الوقت الحاضر وهو ايضا حيوي حتى الى ما بعد بدء الحراك الشعبي الذي يجب نقله ه الى العالم أولا بأول وبالتالي مما سوف يشجع الكثيرون من المترددين أو الخائفين الانضمام الى الثورة كما ان القوى الدولية سوف تتفاعل بشكل ايجابي بحيث يشكل ذلك عامل ضغط كبير ليس على الدكتاتور المتآمر فحسب بل حتى على حلفائه والقوى التي تسانده لان الصورة لها تأثير كبير في مجرى الاحداث بل ايضا في عملية التسريع بسقوطه كما انها من ناحية أخرى تساعد في تخفيف وطئت حملات القمع لأنها تضع القائمين عليها أمام اعين العالم وهذا ما تخشاه أجهزة القمع الموالية للدكتاتور أيا كانت فهي تفضل دائما ان تعمل في جو من التعتيم الاعلامي أي في الظلام حتى لا تكون عرضة للعقاب أو الانتقام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى