مقالات

ارتريا بين الاحلام الزائفة والآمال الضائعة ( الحلقة الأولى ) .. عمر جابر عمر- ملبورن – أستراليا

17-Oct-2005

عمر

الشعوب في سعيها لنيل استقلالها وفي نضالاتها لتحقيق حرياتها تحمل ” حلما واحدا شاملا:
العيش في استقرار وسلام ويناء دولة تكون للجميع تتحقق فيها العدالة والمساواة ويكون القانون هو الفيصل في علاقات السكان. ولكن هنالك فئة تحمل حلمها الخاص وتعمل بكل الوسائل على تحقيقه

: ذلك الحلم هو حلم السيطرة على الآخرين والاستئثار بالسلطة والتروة وفرض ثقافاتها وتوجهاتها على الجميع فمن قبل با لتهجين والرضوخ لها يمكنه ان يعيش تحت مظلتها وبشروطها – ومن يرفض ذلك فليس امامه غير السجن (والقتل) او النفي والبحث عن مكان آخر . تلك الفئة تتلون وتتشكل وفقا للظروف –قد تؤجل بعض اجندتها حتى تجئ اللحظة المناسبة وقد تقبل بما لأتريد وتحني رأسها للرياح حتى تتخطى تلك العقبة ولكنها لاتسقط اجندتها ابدا ولاتتردد عن الكشف عن وجهها الحقيقي متى ما وجدت نفسها في موقع القوة . تلك كانت التجربة التي قادت الجبهة الشعبية منذ تأسيسها ,وقامت بتطبيق أفكارها بعد الاستقلال وازاحت عن طريقها كل من حاول ان يقدم نصيحة او يدلي برأي مخالف. رفاق الامس وشركاء التجربة لم ترحمهم الفئة الباغية واصبحوا ضحايا لسذاجة سيا سية قادت خطاهم طوال مرحلة التحرير وعندما حاولوا الاصلاح كان الوقت متأخرا وكشفت تلك الفئة عن وجهها الحقيقي. منذ عامين سألت رئيس الحزب الديمقراطي الارتري (مسفن حقوس ) عندما زار استراليا : كنت من اوائل من ساهم في تأسيس الجبهة الشعبية ، بل وقبلها (نحنان علاما نا) وحتى بعد التحرير –الم تلاحظ علامات بروز الدكتاتورية – الم تشاهد مؤشرات تدل على حب السلطة والتسلط ؟ فانا لااعتقد بان كل ذلك يظهر فجأة على الرجل ولابد من مقدمات وتكوين نفسي معين ومواقف تتواصل في هذا الاتجاه؟ أجاب مسفن حقوس نعم كانت هناك بوادر تسلط واستئثار بالقرار – ولكننا كنا نقول : دعونا ننهض بالمهمة (التحرير) وبعدها يمكن ان نصلح ما فسد. كان اسياس مثلا عندما تتم الدعوة الي اجتماع اللجنة المركزية– يقوم هو باعداد الاجندة ومشاريع القرارات – ثم وقبل الاجتماع بيومين يخبر الاعضاء العسكريين بان هنالك معارك في المنطقة المعينة وان هنالك حاجة لتواجدهم هناك! وينعقد الاجتماع والحضور من غير العسكريين لايفهمون شئيا عنا ولانعرف شئيا عنهم! ويكون اسياس هو صلة الوصل بين الاطراف ولكن المشكلة ان الحال استمر بعد التحريرواصبح اسياس مسيطرا على كل شئ- هل تصدق اننى كوزير للدفاع لم اسمع بحادث “ماي حبار”الذى قتل فيه بعض جرحى حرب التحرير وذوى العاهات ناهيك ان اشارك في القرار!؟ هل تصدق بانني لم اقابل او اشاهد اسياس لمدة عام وانا وزير للدفاع – لانه لم تكن هنالك اجتماعات لمجلس الوزراء وكان هو يمسك بكل شئ ولم يكن بحاجة للوزراء الا للمظهر الخارجي!!” انتهت شهادة مسفن حقوس وهي تعكس كيف اصبح الجميع شركاء تلك الفئة ، مغفلين نافعين بمجرد ان انتفت الحاجة اليهم ومع بروز توجهاتهم الاصلاحية ! ولكن ما اجهض الحلم الزائف لتك الفئة ليست معارضة داخلية او خارجية- بل ان ذلك الحلم لم يرتكز اصلا الي معطيات وحقائق الواقع الاجتماعي والثقافي الارتري. كان حلما فوقيا وجزئيا وانعزاليا. من اجل تحقيق ذلك الحلم كان على تلك الفئة ان تنجز مهاما محددة:اولا ان تقوم بتنمية شاملة وناجحة- وحتى يتم ذلك لابد من توفر شروط معينة. •تنمية الموارد البشرية اولا بالتدريب – والتعليم واطلاق الحريات وتشجيع روح الابداع- ذلك لم يحدث لان برنامج التنمية كان عبارة عن سخرة استنزفت فيه طاقة البشر دون مردود ايجابي. •الاستقرار والسلام – لم يحدث ذلك لان الحروب العبثية مع دول الجوار التهمت كل الموارد والطاقات وتركت البلاد تحت رحمة المساعدات الاغاثية العالمية.•المناخ الديمقراطي والسوق المفتوح لجذ ب الاستثمارات الخارجية –فشل تام في هذا المجال مما ادى ليس الي احجام الاستثمار الاجنبي عن المشاركة بل ايضا الي هروب المال الوطني من الداخل الي الخارج. •ادارة قادرة ومقتدرة ودولة مؤسسات وقوانين وتشريعات تضمن الاستقرار وبرامج قصيرة واخرى طويلة المدى. لم تستطع قيادة الشعبية الانتقال من مرحلة الثورة الي مرحلة الدولة وبدلا عن دولة المؤسسات اصبحت دولة الحزب الواحد ومن ثم الفرد الاوحد. ثانيا: كان يتطلب اقامة علاقات جوار متقدمة وتحسين التواصل مع دول العالم – العكس هو الذي حدث واصبحت ارتريا دولة ينظر اليها الجميع باعتبارها متمردة لايمكن التنبؤ بخطواتها وتوجهاتها. ثالثا:- ولان ذلك الحلم كان متناقضا ومتعارضا مع الحلم الجامع والشامل فقد تم اقصاء جزء كبير من المجتمع عنه خاصة المسلمين . وابتعد الجزء الآخر بعد أن اكتشف زيف الحلم وعدم امكانية تحقيقه خاصة بعد الحرب مع اثيوبيا والصراع مع تقراي والتي يعتبرها ابناء المرتفعات الارترية من المسيحيين خلفية لهم وسندا اجتماعيا وتاريخيا . رابعا : قراءة التاريخ والتعلم من تجارب الاخرين : حاول الروس تحقيق ذلك الحلم وبعد سبعة عقود اعترفوا بالفشل . حاول الصرب في يوغسلافيا تكرار التجربة والنتيجة كانت كارثية وحدث ذلك في الامبراطورية الاثيويبية فماذا كانت النتيجة ؟ بعد التحرير كان ذلك الحلم الزائف يصور لانصاره بأن الارترييين يحكمون اديس ابابا وبعدها طرح نموذج سنغافورة ولكن بعد اكثر من عشرة اعوام تراجع ذلك الحلم الزائف وانحسر وتم اختزاله في الحزب الواحد ومنه الى الفرد الاوحد . والدولة تم تحجيمها وتبخر ذلك الحلم بعد أن اشتد الحصار الخارجي حولها لتعلن عن وجودها وتواجدها في بقع جغرافية نائية من ” همشكوريب ” إلى ” دارفور ” وتبقى الامال الضائعة ويبقى الحلم الكبير الذي كان وراء تفجير الكفاح المسلح وذلك ما يسعى الشعب الارتري الى تحقيقه من خلال معارضته للنظام الدكتاتوري . لم تنجح الفئة الباغية في تحقيق حلمها الزائف ولكنها نجحت في اجهاض الامل الكبير والحلم الجامع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى