مقالات

أفورقي والتخلف السياسي : بقلم/ عبدالحفيظ آدم

31-Mar-2012

المركز

التخلف السياسي ظاهرة سياسية مركبة تعاني منها بعض البلدان خاصة بلدان العالم الثالث ، وتشير هذه الظاهرة إلى افتقار القائمين على الحكم إلى رضى الجماهير ، فضلاً عن اغفالهم للدستور فيما يتعلق باعتلاء السلطة وممارستها وتداولها ، ونزوعهم إلى تركيز الوظائف السياسية قاطبة في يدهم ، ويضعون العراقيل أمام المتطلعين إلى المشاركة في إدارة بلادهم ، وعدم قدرة القلة الحاكمة على تحقيق العدالة في توزيع الموارد المتاحة للمجتمع بين مختلف مكوناته ، الأمر الذي يعطي سبباً آخر لعدم الإستقرار السياسي .

طبقاً لما ذكر أعلاه يرى صامويل هنتنجتون أن سمات التخلف السياسي تتمثل في الآتي:1.احتكار السلطة: وتعني استنادها إلى اعتبارات غير رشيدة كالإنتماء الطبقي أو الفئوي مثل الإنتماء إلى فئة العسكر ، أو اعتلائها وممارستها وتداولها بطريقة تتنافى مع قيم الدستور وسيادة القانون .2.الهيمنة على وظائف الدولة السياسية: وتعني سيطرة المجموعة الواحدة أو الحزب الواحد أو الشخصية الواحدة على وظائف الدولة.3.وضع العراقيل أمام المشاركة الجماهيرية: وتعني تدني معدلات مشاركة المواطنين في الحياة السياسية بسبب قطع الانطمة الحاكمة الطريق المؤدي إلى المشاركة . إذاًً كيف التخلص من هذه الظاهرة واللحاق بركب الحداثة السياسية ؟ ! يقول هنتنجتون لمن أراد من السياسين أن يرتقي بدولته وشعبه نحو الحداثة السياسية ، عليه اتباع مقومات الحداثة السياسية الثلاثة ، الآتية :أ?. ترشيد السلطة: ويقصد بها استنادها إلى قانون ينظم عملية اعتلائها وممارستها وتداولها .ب?. التمايز: ويقصد به ضروة تباين الهيئات التي تقوم على الوظائف السياسية للدولة وهو مايعرف في السياسة بمبدأ الفصل بين السلطات الوظيفية .جـ. المشاركة السياسية: ويقصد بها ضرورة إتاحة الفرصة للجماهير للقيام بدورها المنوطة به في الحياة السياسية . وذلك من خلال قنوات المشاركة المعروفة كالأحزاب وجماعات الضغط ونحو ذلك .وهنا ينبغي أن نضع الحكومة الإرترية المؤقتة في ميزان به كفتان ، الأولى لظاهرة الحداثة السياسية ، والثانية لظاهرة التخلف السياسي ، فإلى الميزان :أولاً: كفة الحداثة السياسيةوفيها ثلاثة مقومات كما ذكرت من قبل تحدد ما اذا كانت حكومة أفورقي متخلفة سياسيا أم تتوفر فيها سمات الحداثة السياسية ، وتشير هذه الكفة إلى الآتي:•عملت الجبهة الشعبية الحاكمة في البلاد بزعامة أسياس أفورقي في فترة النضال ضد المستعمر الإثيوبي على محاربة الفصائل الإرترية داخل ساحة النضال الوطني متعاونة في ذلك مع الجبهة الشعبية لتحرير تقراي الإثيوبية بزعامة ملس زيناوي الحاكم الآن في اثيوبيا فبالرغم من تحرير بعض من هذه الفصائل لبعض المدن الإرترية إلا أن جبهة أفورقي تمكنت من السيطرة على الساحة حتى نالت ارتريا استقلالها في عام 1991م على يدها. ونيجة لذلك استلمت السلطة مؤقتاً لفترة انتقالية عمرها عامان ، وكما أخلت الساحة من التنظيمات الأخرى أيضاً انفردت بحكم البلاد لمدة (21) عاماً ولم تنهي حتى الآن الفترة الإنتقالية . أجرى الصحفي القطري أحمد علي في 13 اكتوبر 2010م لقاءً مع أفورقي بأسمرا وسأله: ” سيادة الرئيس ، ماذا عن البرلمان الإرتري ؟ يعني منذو توليكم منصبكم الرئاسي عام 1993م لم تجري في ارتريا أي انتخابات .. هل نظامكم جمهوري أم ملكي ” ؟ .أفورقي في جوابه: ” يضحك ! ويقول يجب علينا أن ننظر إلى الواقع ، واقع كل مجتمع ، ونترك الخيار لكل مجتمع ليقول رأيه في هذا الأمر ” انتهى رده . وكأنه يريد أن يقول إنه اختار لإرتريا الحزب الواحد بلا دستور وبرلمان حسب مزاجه . وهذا الأمر يشير إلى اعتلاء السلطة وممارستها بطريقة غير دستورية تسببت في فقدان الوطن عند سلة المهملات السياسية للنظام الحاكم الغير معروف من أي أنظمة الحكم هو كما عبر زعيمهم . •السلطات الوظيفية في ارتريا فهي معروفة في الهيكل الإداري فقط ، فهي حقائب بها شخصيات بدون صلاحيات لا تكاد تسمع له صوت .•بعد التحرير تحدث أفورقي أن حكومته ستعفوا عن الافراد الذين تم تضليلهم بواسطة مايسمى بالتنظيمات الأخرى ؛ وحذر من الآن فصاعداً ليس هناك مجالاً للمعارضة في ارتريا .•اعتقل نظام أفورقي عقب التحرير أعداداً كبيرة من اعضاء الفصائل الإرترية الاخرى بالداخل والخارج.مماسبق يتضح جلياً أن الإرتريين يعيشوا في ظل حكم لايولي اهتماماً للحداثة السياسية كظاهرة حضارية وسياسية وكقيمة أخلاقية . بل يعتمد في حكمه للبلاد على النظرية الشوفينية التي تعتمد على فلسة فردية لا تعير أي اهتمام للفلسة الجماعية .ثانياً: كفة التخلف السياسي أيضاً للتخلف السياسي سمات ثلاث ؛ اذا توفرت في نظام الحكم في ارتريا فهو نظام متخلف سياسياً كما عبر عن ذلك هنتنجتون ؛ وفيه مايلي:•حزب الشعبية الذي يقوداه أفورقي وعبدالله جابر مستشاره السياسي ومسئوله التنظيمي بالحزب هو المسيطر على مقاليد الحكم بالبلاد ؛ حيث نجد أن رئيس الحكومة في ارتريا هو بمثابة جوكر سياسي فتارةً هو الرئيس وتارةً أخرى يدير حقيبة الخارجية والأمن والدفاع والسياحة والثروة الحيوانية مع وجود الشخصيات الديكورية مسئولة عنها . كما لاينطلق من أي قانون ( لاسماوي ـ ولا وضعي ) متعارف عليه ، والبقية الباقية في الحكم هم من فئة العسكر والأمن والإستخبارات من لا يعرف لهم أب ولا أم ويعرفوا في داخل ارتريا بأبناء ( فري قدلي) أي أبناء غير شرعيين ولدوا وسط الجنود من الجنسين نتيجة ممارسات غير أخلاقية أقرتها شريعة أفورقي الحيوانية المتوحشة التي لم نسمع بها حتى في الحيوانات ناهيك عن الإنسان الذي كرمه رب الشرائع السماوية .•أيضاً كل الوظائف هي حكراً على المقربين منه شخصيا ومن ابناء جلدته وحزبه المتمثل في المؤسستين الأمنية والعسكرية . معظم أبناء ارتريا لاذوا فراراً بجلدهم خوفاً من سوط الجلاد الذي لايرحم خاصة الطلاب من شريحة الشباب ، لأن فرصة التعليم حسب قانون أفورقي وزمرته مرة واحدة في العمر حيث يدرس الطلاب الشهادة الثانوية بمعسكرات التجنيد وتتم الإمتحانات داخل هذا المكان الذي خصص للتدريب العسكري ، ففي ظل هذا الجو الكئيب لاينجح من الطلاب إلا العدد القليل جداً ، وكل من لم يحالفه الحظ في النجاح في المرة الأولى سار جندياً مدى حياته ؛ لذلك يفكر الكثير منهم الفرار إلى المجهول . فمن كان يعيش مجهولاً في وطنه لايبالي بالفرار إلى المجهول . كما من قصد تجهيله في وطنه من حقه أن يبحث عن مكان يتعلم فيه .•المواطن ممنوع من أي مشاركة سياسية بمفهومها العلمي . فقط يجب عليه المشاركة وفق مفهوم وفلسفة النظام الشوفينية المتمثلة في ترديد ما يتفوه به أفورقي في أجهزة الإعلام المحلية مثل الببغاء ، عكس المفهوم الواسع للمشاركة السياسية الذي اهتم به علماء الإجتماع اهتماماً بالغاً إذ يشتمل هذا المفهوم على:1.هي مجموعة التصرفات التي من خلالها تنقل الجماهير مطالبها إلى السلطة الحاكمة وكذلك تدعم بها الحكومة .2.هي جملة من الجهود تبذلها الجماهير بهدف التأثير على سلوك الحكام .3.هي عمليات التمثيل البرلماني للشعوب وتقلد المناصب السياسية الرسمية .4.تعني الإرتباط بالأحزاب وجماعات الضغط ، كما تعني محاولات تغيير الواقع السياسي .5.تعني تأليف الكتب ونشر المقالات المتوافقة مع الحكومة أو المعارضة لها .6.قراة الكتب والمجلات والصحف ومشاهدة الفضائيات وإستماع الإذاعات . فمقارنة بهذا المفهوم لاتكتب مقالات معارضة ويستثنى منها كتابة المقالات المتضامنة مع الحكومة ، ولاصحف معارضة ولا إذاعة مستقلة حرة ولافضائية غير فضائيته المضللة للمواطنين التي لاتعكس إلا الرقص والطرب في معظم الأوقات مع بعض الفقرات التي تمجد النظام وتحسن صورته أمام المواطن الذي لاحوله ولا قوة . أما الأحزاب فحدث ولا حرج فقد أعلنها افورقي منذ توليه السلطة بأن الساحة لاتتسع لأكثر من حزب . وهذا يعني على الشعب أن يقبل العيش في ظل نظام الشعبية أو أن يختار الموت لنفسه . لذلك قام باعتقال كل من سولت له نفسه بأن يرفع صوته فوق صوت أفورقي سواء كان داخل حزبه أوخارجه مثل المدرسين والصحفيين ومجموعة الخمسة عشر، حتى الأبرياء من الآباء والأمهات ممن هرب ابنائهم من داخل سكنات الجيش . أنظر! يسأل قبل ان يسأل . في سؤال للصحفي القطري آنف الذكر لأفورقي عن مجموعة الخمسة عشر الذين يتهمون في ارتريا بما يسمى الخيانة الوطنية ـ ماهو مصيرهم ؟ وهل ستتم محاكمتهم ؟ إنتهى السؤال . أفورقي قبل أن يرد إكفهر وجهه قليلاً ، وامتعض وزير اعلامه ، ووجمت وجوه المسئولين الحاضرين ، وسادت لحظة من الصمت بددها صوت الرئيس قائلاً: والله لا اعرف هذه القضية ، هذه القضية يمكن منسية ! الصحفي ” مقاطعاً ” ونحن نذكرك بها .. ونعم نحن نذكركم بها ! أفورقي: إن شاء الله بعدما تذكرني أكون .. آ .. آ .. آ .. أراجع آ… ذاكرتي وأشوف ” يبتسم قليلاً ” وأشوف اقولك إيه ! يبدو أن هذا السؤال جعل أفورقي ومن معه من حاشيته في وضع غير طبيعي طلب بعضهم من الصحفي أن يتوقف في هذا الحد من الأسئلة . أما حالة رئيسهم فلا توصف ، يقسم بأنه لايعرف القضية وإنها منسية من جهة وأنه سيراجع ذاكرته ” يبدوا هذا السؤال أفقده ذاكرته أو اعتقلهم وهو مخمور ونسيهم” ثم بعدها يتصل به ويخبره عن هذه القضية من جهة أخرى .تشير هذه الإجابة إلى أن اسباب إعتقال هؤلاء وغيرهم ليس الخيانة كما كان يدعي بل توضح أن ثمة اسباب اخرى دفعته لإعتقالهم وأعتقد انها خروجهم عن المألوف لدى قيادات الشعبية المتمثل في طاعتهم العمياء لأفورقي ومحاولتهم لبناء البيت الإرتري بشكل سليم وصحيح لاتشوبه اي شائبة . ونتيجة كل من يتعامل مع المتطلعين للمشاركة السياسية بأنه الشخص الوحيد الذي بلغ الرشد في الدولة والآخرين كقصر عليهم الإتباع دون ابداء أي رأي فنهايته حتماً الخزي والعار . ” تذكر قبل أن تدركك المنية ” .•كتب الصحفي السوداني اسحاق أحمد فضل الله في صحيفة الإنتباهة مقالاً بعنوان ” السفارة المجنونة ” في يوم 12/4/2011م ويقصد بها سفارة النظام بالخرطوم ، تحدث في هذا المقال عن اعتزام السفارة للقيام بمظاهرة معادية لإثيوبيا في الخرطوم ” حيث قامت السفارة المجنونة “كما وصفها” بتوزيع منشورات تدعو للمظاهرة دون إذن مسبق من حكومة الخرطوم كما أكدت شرطة الخرطوم أنها لم تتلق طلباً من السفارة للقيام بالمظاهرة والسفارة هذه كما يبدوا لا هي تعرف الدبلوماسية ولاهي تعرف الخرطوم ” إنتهى حديث اسحاق . وهذا الخطأ الدبلوماسي هو قمة التخلف السياسي لطاقم النظام ، والأخطاء الدبلوماسية يمكن أن تؤدي إلى حرب بين دولتين ، لكن السودان يعلم إفتقار العصبة الحاكمة في ارتريا لأبسط القواعد الدبلوماسية لذلك قالت الخرطوم عفى الله عماسلف.•تخلف شخصية أفورقي أنتج حوالي (237000) ألف لاجئ منذ حرب 1998م مع اثيوبيا وهي شخصية تشجع الإرهاب لجعله مبرراً لوجوده في الحكم إلى الابد ” بلا شرعية ” كان على هذا الطاغية الذي أفسد على الإرتريين طعم الحرية التي ناضلوا من أجلها ثلاثون عاماً أن يتيح الفرصة لأبناء الوطن المخلصين ويتولوا ذمام الأمر في بلدهم . لكن أبت نفسه إلا أن يلاحق إنتاجه خارج الوطن ، حيث أرسل بعض الشركات العاملة في مجال رصف الطرق مثل شركة ” سقن ” التي تتخذ من كسلا مقراً لها . ويشير بعض المتابعين أنها غطاء لعمل استخباري ، ومن أشهر القيادات الأمنية بداخل الشركة الأسماء الآتية:1. الرائد/ تخليت : عمل سابقاً في الحماية الخاصة بأفورقي .2. الملازم/ علي الإله : عمل بالأمن الداخلي للنظام .3. الملازم/ بهلبي : عمل بقسم استخبارات النظام .من خلال ماذكر من أزمات تسبب فيها أفورقي وحزبه تؤكد لنا قصة هذا الرئيس المتخلف سياسياً ، كما أن هذه الأزمات أيضاً تسببت في خلق أزمة أخرى ظهرت على السطح وهي ازمة الإستقرار السياسي .وهنا يمكن القول بان كفة التخلف السياسي لدى أفورقي أكثر شيوعاً من كفة الحداثة السياسية ، وهي محصلة لجملة من الازمات جسدها بافعاله وأقواله ، وأيضاً هي مجموعة من الحلقات الخبيثة تتشابك مع بعضها البعض بحيث تؤدي إلى افتقار الوطن لأبسط مقومات الحياة فيه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى