أخبار

ذاكرة العشق .. ذاكرة مناضل

1-Sep-2014

عدوليس

عندما يحدد المرء مقدار ما يريد يسهل عليه انجاز مهامه بخفة و سرعة و نجاح , الرجل مثال لذالك فقد عرف بأنه رجل مهمات خاصة ينجزها و يقف عنها بعيدا. الاستاذ محمد عمر يحي معلم سابق و معلم في النضال. طويل القامة لاحم ، تميز بضحكاته التي يهتز لها كل بدنه بقوة ، حتى الأوقات العصيبة . لا تقف الخلافات السياسية ضد علاقاته الاجتماعية حسب قوله , مما اتاح له لعب دور كبير في الحوارات الاولية بين الفصائل طول فترة الكفاح المسلح . نحن امام ذاكرة مناضل, حيث يتجلى الوطن بكل بهاءه وعظمته وعزائم رجاله, رجال كانوا خلف الاحداث و صنعوا التاريخ دون ضجيج صنعوه ناصعا رائعا. نريد لهذا التاريخ أن يخرج من صدور الرجال ليقف حصنا منيعا ضد التزوير و صناعة تاريخ الحزب الواحد و الطائفة الواحدة و القائد الأوحد .. تدفق الأستاذ محمد عمر يحي و كان هذا الصيد الثمين القول جلس إليه : جمال همـــد ”

لم يحالفني الحظ بالعمل مع الرابطة الإسلامية بسبب صغر سني, لكنني لحقت بمعظم رواد النضال في تلك الفترة من قواد الحركة وعلى رأسهم الزعيم الراحل إبراهيم سلطان و حاورته وقد حدثني كثيرا عن الحركة و وطنيتها, وهنا أحب أن أوضح حقيقة هامة بشأن تكوين الرابطة كما سمعته من الراحل ابراهيم سلطان رحمه الله, فقد بدأ النضال عام 1942م بجمعية حب الوطن والتي انحازت بعد ذلك الى صالح مشروع الوحدة مع أثيوبيا بعد اجتماع ( بيت قرقيس ) الذي حدث فيه استفزاز للمسلمين بواسطة عملاء أثيوبيا من ضمنهم أذكر المدعو (نقا .( من هنا رأينا أن ننفصل و عقدنا اجتماع في حي (قزاباندا طليان) و خرجنا ببرنامج وطني ولائحة داخلية تنظم عملنا ،ثم حدث أول اتصال بمدينة علي قدر وبقية المدن. وتم عرض الامر على المسيحيين من الوطنيين ووافقوا على الاسم والتنظيم الجديد وبذا خرجت إلى العلن “الرابطة الإسلامية” و كان ذالك بمباركة الوطنيين المسيحيين وعلى رأسهم الرأس تسما و الذين بالمقابل كونوا حزب ” ارتريا للارتريين” و رغم أن التكوين الاجتماعي للرابطة كان من المسلمين إلا ان الرابطة كانت تنظيم او حزب وطني يتبنى قضايا الوطن و حريته” .
** بدايات الوعي المبهم, ثم الوعي الفعلي, ثم الالتحاق بالميدان, وقبلها مع حركة تحرير ارتريا؟
نحن نشأنا في جو عاصف من الأحداث الداخلية و الحراك السياسي بين من يريد الانضمام الى أثيوبيا و الوطنيين الارتريين ولم يكن ذلك عني بعيدا ،كون شقيقي الاكبر كان عضو في اللجنة الشبابية للرابطة الاسلامية. كما أننا بدأنا نطلع على الاحداث من خلال صحف ذلك الزمان ( عربي .. تجرنيا ) ونحن في المرحلة المتوسطة, هذا الأمر أيقظ فينا الروح الوطنية و الحماس للقوى التي تناضل من أجل الوطن, و رغم عدم وجود حركة طلابية منظمة آنذاك إلا اننا كنا نقود الاعتصامات و الحركات الاحتجاجية ضد بعض المعلمين من العملاء ،إلى ان اخذ ذلك كله أخذ شكله المنظم في إضراب 331985م, وكان لي شرف قيادته هذا الاضراب بمعية الأخ محمد سعيد أنططا, حيث اتجهنا اولا الى شارع الصاغة المعروفين بوطنيتهم و مواقفهم من مشروع الانضمام الى اثيوبيا, فتحركوا معنا ثم أنضم الينا الكثير من فئات الشعب في المدينة “مدينة كرن” وأحطنا جميعا بمركز الشرطة وحاصرناه ، وطالبنا بإطلاق سراح المعتقلين ومنهم الاستاذ ادم اكتى الذي شارك بعد ذالك في تأسيس جبهة التحرير الإرترية. الإضراب لم يكن عفويا .. فمثلا كنا قد رصدنا عدد قطع السلاح التي كانت مع الشرطة في المدينة, وكان عددها “27” قطعه فقط. كما أن هذه الحركة عمت بعد ذلك كل ارتريا من تسني الى عصب. عموما ونحن نضرب حصار حول مركز شرطة أحاط بنا عدد من رجال الشرطة ممن كانوا خارجه , وعند الساعة الخامسة مساء وصل الى المدينة الجنرال “زرء ماريام” نائب الحاكم العسكري العام وهددنا باستخدام قانون الشرطة الذي لايرحم أحد, فرد عليه الأخ محمد سعيد بالقول استخدم كل ما عندك حتى لو (صاروخ سوفيتي ( و أصدر زرء ماريام ، أوامره باستخدام القوة وحدث ذلك بالفعل وجرح من قبلنا شخصين هما عمر محمد علي و محمد حجي ،وانتهى الاضراب في يومه الاول . و في المساء تفاكرنا فيما يمكن فعله و رأينا ان نحتج بالإضراب العام ، وكان ذلك في اليوم التالي حيث اضربت المدينة وشلت الحركة كاملة وحركنا وفود الى مدينة اغردات في الساعة السادسة والنصف صباحا ، وللعاصمة اسمرا في اليوم التالي بعد ذلك عم الاضراب كل ارتريا وقد عرف بين الناس بإضراب العمال 1985م, والصحيح أن الإضراب قاده طلاب في البداية واشتركت فيه كل فئات الشعب الإرتري ولم يتوقف الأمر عند ذالك فقد كونت جمعية داخل المعهد الديني الاسلامي في كرن ، وبلغ عددنا حوالي أربعين عضوا , ثم تحركنا صوب المدن الارترية وكونا فروع لها. ومن الطرائف اننا لم نجد من نكلفه في مصوع بهذه المهمة فكلفنا الأخ ادم هاكين وكان يتمتهن مهنة الحلاقة ، فطلبنا منه أن يفتتح صالون هناك ويؤسس فرع للجمعية, وكان ذالك. عموما نشاط الجمعية كان ينقصه الكثير, هذا بجانب تدني الوعي في تلك الأثناء . في تلك الأثناء وصل الى المدينة وفد حركة تحرير ارتريا برئاسة الأخ صالح احمد اياي ومحمد ادريس الحسن و دعوا الى اجتماع في منزل فيتوراري أحمد, وكنت الطالب الوحيد بينهم ، وأسفر الاجتماع عن تشكيل قيادة حركية في المدينة من عشرة اعضاء وكان ذلك في شهر يوليو 1959م وأعضاء القيادة الذين أذكرهم الآن هم : الاستاذ محمد كرار وكان معلما, عافه عثمان ضرار, عمر الحاج ادريس, عبدالكريم سعيد قاسم , سليمان مرير, علي كرار , سعيد شاويش , محمد ادم , محمد عمر كامل , محمد عمر يحي, و انتخب الأخ صالح أحمد اياي مشرفا عاما . أول نشاط قمنا به هو تأسيس فرع للحركة في مدينة اغردات و تشكلت القيادة من صالح محمد سعيد, ومحمود محمد صالح , وصالح عمار, وصالح عمر و كان موظفا في مصلحة البريد , ومحمد ابراهيم علي, ثم شاركت في تأسيس فروع الحركة في كل مدن ارتريا عدي خوالا و تسني ، و في بداية 1960م كلفت بتكوين فروع للحركة في داخل إثيوبيا ايضا اتصلت بالسلطان علي مرح سلطان أوسا في اثيوبيا الذي ابدى استعداده لمناصرة قضية اريتريا .
قطعا كانت هنالك صعوبات اهمها انقسام المجتمع الارتري عموما قادة حزب الوحدة وخلفه الكنيسة الارثوذكسية , كيف تفاديتم الصيغة الطائفية للثورة ؟
حركة تحرير ارتريا ضمت في داخلها المسلمين والمسيحيين, وكانت حركة شاملة الا أنها لم تستطع أن تفي بمتطلبات المرحلة, ولم تستطع أن تلبي حاجة المواطن آنذاك, كما أن وجود قيادتها خارج البلاد اضر بها كثيرا. لذا انطلقت جبهة التحرير الارترية وأعلنت الكفاح المسلح نهجا ، للتخلص من الاحتلال الإثيوبي و التف حولها المسلمين عامة من الداخل والخارج وأول اتصال معنا يرجع الفضل فيه لفرع أغردات و للأخ المرحوم محمود محمد صالح ،ثم اندفعت الموجات من الداخل. الشرطة الإرترية تحركت وبداية ذلك كانت مجموعة لمحمد وعلي أحمد و عمر ناصر شووم و قبلهم مجموعة الجنود من الجيش السوداني . عموما رغم أن المسلمين فقط هم الذين تجاوبوا مع نداء عواتي بينما أحجم المسيحيين عن ذالك لسيطرة الكنيسة الأرثوذكسية عليهم المدعومة من الكنيسة الأرثوذكسية الأثيوبية و عملاء أثيوبيا. و رغم ذالك استخدمنا الكثير من الحيل و الأساليب لمواجهة ذالك ولجذب إخواننا الينا ، لذا أبعدنا العمليات العسكرية عن القرى المسيحية, أيضا العمليات داخل المدن كعملية أغردات 1963م ايضا كنا نحرك في تلك المناطق من يعرف طبيعة سكانها ولغتهم. هذه السياسة أثمرت في التحاق الكثيرين بالجبهة كالشهيد فيرهوت ود حمبرتي والسيد بهتاسفي اطال الله في عمره, ثم بدأت موجات من الأخوة المسيحيين بالالتحاق وجلهم من المتعلمين ، إلا بعضهم و بحكم خلفيته خان الثورة وسلموا سلاحهم لإثيوبيا هيلي سلاسي, منهم على سبيل المثال وزير خارجية اسياس السابق هيلي ولد تنسائي (معتقل الآن لدى الحكومة الإريترية ) الذي سلم العدو ضمن “17” خائن ثم ارشدوا الى مخزن سلاح الثورة. وكل قاعدة استثناء و نذكر هنا المناضل تسفاي تخلي ازقي الذي كان أصغر مناضل في سريته عام 1968م .. (من المحرر) هنا حكى لنا الاستاذ محمد عمر قصة الخائن هيلي منقول , وقد استطاعوا أن يقبضوا عليه متلبسا في مراسلاته مع مكتب تسفا يوهنس برهي رئيس الحكومة الإريترية التابعة للاحتلال ، هذا المناضل كان يشغل مسؤولية قائد الفدائيين في المنطقة الثالثة, و مسؤول عن التشكيلات الموجودة داخل المدن, مراسلاته ضبطتها عن طريق السيد تخلا هيمانوت بكر وزير المالية في عهد حكومة تدلا بايرو . اجتمعنا في عالا لتقرير مصير هذا الخائن وكنا شخصي والشهداء اباسبير وسليمان ديني و أحمد ابراهيم و ابراهام تولدي, و طالبنا بإعدامه جراء خيانته الثورة والأمانة ، لكن الشهيد اباسبير رفض ذالك و أقترح أن ننقله الى السودان ليعيش هناك ، لان ذلك يحفظ وحدتنا الوطنية التي ربما يؤثر فيها مثل هذا الفعل و تستغله الكنيسة , وكان ذلك . هكذا كنا نفكر و يفكر أخواننا في تلك الفترة ..
يشكك البعض في الدعم العربي للثورة, حدثنا عن أشكال الدعم و بداياته , خاصة وأنت عملت في المجال الخارجي؟
في البداية أؤكد على مسلمة تقول أنه لولا صمود الشعب الارتري والدعم العربي ،لما كان هناك انتصار ولنتحدث عن ذالك بالوقائع والأحداث .. أولا منظمة التحرير الفلسطينية : , أنا و الاخ صالح احمد اياي قابلنا الشهيد خليل الوزير أبو جهاد و قدمنا له قائمة بمطالبنا العسكرية ، ووافق عليها , عند خروجنا لحق بنا و قال المنظمة سوف تتلقى دعما من الصين و ارجو أن تعودوا لتأخذوا “كوتتكم ” حصتكم ، أيضا أحب ان اسجل موقف للمناضل صبري البنا المعروف بأبو نضال و كان ممثلا لمنظمة التحرير وقد التقينا به في منزل السفير العراقي في الخرطوم وأستمع إلى كل طلباتنا ، وطلب أن يسافر الي طوكر لمقابلة القيادة العامة وكان ذلك وقد تبرع بمبلغ “500 جنيه” استفدنا منها في تذاكر سفر طيران الى سوريا و ملابس جديدة لأعضاء القيادة . نأتي لسوريا والاحداث وأشكال الدعم الكثيرة نذكر منها: أن اول بندقية كلاشن وأول ضابط من الكلية العسكرية كانت من سوريا كما أن اول صحافي و مصور كان الاخ أحمد أبو سعده من سوريا . أما العراق : فكان اول سفير نلتقيه هو كان السفير العراقي في الخرطوم وقد تقدمنا بمذكرة تشرح مطالبنا وحوجتنا في تلك الفترة كـ : أعانة أسر الشهداء والدعم العسكري والمالي, فكانت رده “تدللو” ولم يزد, ثم زار السودان أحمد حردان التكريتي الذي أخذ معه كل أبناء الشهداء في طائرته الخاصة ، كما أخذ “36” فتاة ليتدربن على التمريض في العرس . “من المحرر” ثم حدثنا الأستاذ محمد عمر عن دعم منطقة الخليج للثورة الإرترية فعدد دعم الكويت و قطر, الامارات العربية المتحدة , البحرين و اختتم تدفعه بالحديث عن نضالات الإرتريين وأسرهم في السودان و ما قدموه في سبيل نصرة قضية شعبهم .
** نشر هذا الحوارفي مجلة التجمع الإريتري في يونيو 2001م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محمد عمر يحي
*رمواليد قرية (حديث ) الواقعة بين زولا وأورفلي عام 1940م
• التحق بحركة تحرير ارتريا في 1271959م
• التحق بجبهة التحرير الاريترية عام 1962م عمل في المنطقة الثانية, ثم ممثلا للجبهة في الخرطوم, فضابط اتصال في البحرية الارترية بين 1973 – 1974 م, وبعدها كلف بفتح مكتب الجبهة بدولة الكويت في عام 1975م. بين عامي 1977-1979 م عمل في مكتب بغداد, ساهم في فتح وتأسيس مكاتب الجبهة في قطر و البحرين و الامارات. وثق علاقة الثورة الارترية بالثورة الايرانية, عمل ممثلا للجبهة في طهران. فعضو للمجلس الثوري واللجنة التنفيذية لجبهة التحرير الارترية (ـ المجلس الثوري (.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى