مقالات

الكتاب : إرتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الاسلام الى أفريقيا

4-Oct-2005

محي محمد علي

المؤلف : محمد سعيد ناود
الناشر : شركة دار الكويت للصحافة الأنباء.
في محاولاتي لابراز بعض ماكتبه روادنا ومناضلينا في السياسة والتاريخ يأتي استعراضي لكتاب المناضل الكبير محمد سعيد ناود من أجل تسليط مزيد من الضوء على تاريخنا ومن أجل أفساح المجال لأكبر عدد من رواد الشبكة العالمية للمعلومات للأطلاع على هذا النتاج ، وأملي أن تكون هذه المحولات دافعا للاخرين لكي يساهموا بنتاجاتهم .

وكتاب ارتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الاسلام الى أفريقيا صدر ضمن سلسلة الاصدارات الخاصة بالهيئة الخيرية الاسلامبة العالمية والتي مقرها بدولة الكويت .ففي المقدمة التي وضعها السيد يوسف عبد الرحمن مراقب الاعلام والمطبوعات بالهيئة الخيرية الاسلامية يقول بالحاجة الدائمة لمعرفة التاريخ وبأن كل أمة مدعوة لان تعرف تاريخها القريب أو البعيد لأنها بهذه المعرفة تجعل من ماضيها واعظا وهاديا يجعلها تتجنب الزلل والوقوع في المزالق ، بل ويكون لها حافزا يدفعها الى المضي في الطريق الذي بدأته لتبلغ الغاية التي تنشدها ، مضيفا أن ماشجعه على تبنى مشروع الكتاب وتقديمه للقارىء هو شعوره كعربي مسلم بأفتقار أبناء المشرق العربي الى معرفة الجوانب التاريخية والجغرافية لارتريا البلد العربي الافريقي الشقيق لنا لاسيما ماتربط الكويت وشعب الكويت من وشائج وصلات خاصة لكون الكويت هو البلد العربي الذي حمل عبء التعريف بالقضية الارترية في المحافل الدولية . كذلك من دوافع الاستاذ يوسف عبدالرحمن على إقدامه على المساعدة في إخراج الكتاب هو أنه يأتي تعبيرا عن إعتزازه بالتاريخ الارتري المجيد كون ارتريا طريق الهجرات الموغلة في القدم ومهد الوساطة لانتقال الاسلام كدين سماوي من عمق الجزيرة العربية الى القارة الافريقية برمتها وليدحض المزاعم الاثيوبية التي دأبت على اغتيال الحقائق التاريخية لمصلحة أهدافها التوسعية منكرة وجود ارتريا ككيان مستقل تاريخيا .ويختم تقديمه بقوله بأن الباحث محمد سعيد ناود بقلمه الرصين استطاع أن ينقلنا تاريخيا وجغرافيا واستراتيجبا الى بلده ارتريا عبر المداد الصادق ليتعرف القارىء الكريم على الدور الذي قام به بلده في انتقال الديانات والهجرات والثقافات والحضارات مذكرا في الوقت نفسه ان الفضل في وضع هذا الكتاب يسجل لصاحبه لأنه يسد نقصا حادا في دوائر المعرفة ومراكز المعلومات والمكتبات العربية والاسلامية التي تخلو من الدراسات الارترية المعاصرة التي تشير الى تاريخ ارتريا عبر العصور يوم كانت في قلب الهجرات والحضارات والثقافات نظرا لموقعها الجغرافي والاستراتيجي .ومنذ الوهلة الاولى لتصفح الكتاب يلاحظ القارىء انه دون تبويب ، أي لاتوجد أبواب أو فصول ، ولكن كل مادته تأتي متدرجة تحت عناوين جانبية ، ويبدو أن المؤلف لم يكن جادا لابراز مادته هذه في شكل كتاب ، وقد يكون متعجلا في اصداره على هذا النحو على الرغم من غنى ودسامة مادته التاريخية ، بأستثناء هذا المأخذ فالكتاب مرجعا تاريخيا وتوثيقيا هاما يضاف الى المكتبة الارترية .يتحدث الكاتب عن أصل تسمية ارتريا وقد جد في القواميس العربية المعتمدة أن تسمية ارتريا قد تكون اشتقاقا من الكلمة العربية “أرت” أو ” أرث ” وهي تعني ( النار المتقدة الأوار ) أي ذات اللهيب الاحمر ، والراجح أن اليونانيين قد زادوا على الكلمة ( يا ) التي أعتادوا إنهاء أسمائهم بها وسموها ” إرتريا ” للدلالة على مناخها الحار أو الطحالب الحمراء اللون التي كانت تطفو على شواطئها ومافعلوه هو تحريف الاسم الاصلي الى لغتهم اليونانية ليس الا، مذكرا اته وفي اليونان القديمة جزيرة تحمل اسم ارتريا وهي جزيرة ” يوبويا ” لبلاد الاغريق والتي انطلقوا منها ليؤسسوا مستعمرات جديدة في الشطر الشمالي لبحر ايجة ولايزال في جزيرة كريت اليونانية مكان يحمل اسم ” رأس ارتريا ” .ويعتبر المؤلف بأن ارتريا هي بحق بوابة للتاريخ ، ففي الوقت الذي كانت فيه بعض أقطار أفريقيا قد اتخذت أسواقا وطريقا لتجارة الرقيق والمتاجرة بين البشر ، فأن ارتريا كانت طريقا لانتقال الديانات والهجرات والثقافات والحضارات ، كما انها كانت طريق هجرة اصحاب الرسول محمد ( ص ) حيث ان الدين الاسلامي الذي ظهر قبل خمسة عشر قرنا وانتشر في الكرة الارضية وفي كل القارات ، كانت ارتريا الموطن الاول له وقبل ان يحظى بالتأييد والقبول في مكة المكرمة مكان مولد الرسول ( ص) وهذا الحدث بحد ذاته يعطي ارتريا أهمية رمزية خاصة بالاضافة لمزاياها الاخرى العديدة ومنها مايعتقده بعض المؤرخين من أن العنصر المعروف باسم ( كوش) نسبة الى كوش بن حام بن نوح هم أول من سكن السواحل الارترية .وهناك نقطة يركز عليها المؤلف وهي أن هجرة أصحاب الرسول (ص) سبقتها علاقات وهجرات ومصالح متبادلة بين سكان الشاطئين الشرقي والغربي للبحر الاحمر كما أن تلك العلاقات لم تتوقف بعد هجرة أصحاب الرسول (ص) ولكنها استمرت وتطورت ونمت حتى اليوم .ان انتقال الهجرات البشرية عبرقرون طويلة بأتجاه ارتريا جاء بحكم موقعها الاستراتيجي على البحر الاحمر وهذه الهجرات تؤكد في مجملها ان هناك حضارات كثيرة قامت في ارتريا .ومما يؤكد على قدم الحضارة في ارتريا وقبل قدوم الاستعمار الاوربي اليها ماكتبه كثير من الباحثين الاوربيين عن تلك المنطقة ومثال على ذلك الكاتب الايطالي ” كونتي روسيني ” ففي مؤلفه الشامل يوضح بأن حياة المجتمع الارتري منظمة قبل حلول الاستعمار الاوروبي ، فلم يكن المجتمع الارتري يسوده قانون الغاب ، بل كانت هناك قوانين تنظم الحياة والعلاقات بين البشر وشؤون الاسرة والقضاء وفض المنازعات مثل السرقات والقتل والمشاجرات ، بل ويشير الى وجود برلمانات مصغرة كانت تضع تلك القوانين .أما عن الهجرات العربية لارتريا يقول المؤلف بأنها بدأت بأتجاه الشاطىء الافريقي للبحر الاحمر في عهود غابرة وموغلة في أعماق التاريخ بحيث لم يستطيع المؤرخون حتى الان كشف بدايتها الاولى ،وقد حدث ذلك قبل نزول الديانات السماوية . أما عن اسباب هذه الهجرات والتي تمت في حقب تاريخية متباعدة فهي كثيرة منها قسوة الظروف الطبيعية والبيئية بالذات مرحلة الزحف الصحراوي وهي مرحلة موغلة في القدم وغير محددة التاريخ حتى الان يضاف الى ذلك التجارة والبحث عن المعادن ، كذلك الحروب بين القبائل العربية وأيضا التزاوج الذي حدث بين الاصول المختلفة ، وخير شاهد على ذلك مقولة مفتي ارتريا الشيخ الامين عثمان : نحن عرب تأفرقوا .. وأفارقة تعربوا بفضل الاسلام .أما عن طرق الهجرة يقول المؤلف انها أخذت عدة مسالك منها طريق أرخبيل دهلك ـ عدوليس ـ مصوع . ومن باب المندب ، كذلك عن طريق موانىء عيزاب ـ سواكن وعقيق ثم الهجرات المتتالية بعد الصراع الدموي بين عبدالله بن الزبير ويزيد بن معاوية حيث لجاْ أعداد كبيرة من أنصار عبدالله بن الزبير فقصدوا الشواطىء الافريقية الشرقية وتحديدا ارتريا والسودان .أهم مايلاحظه القارىء هو الجهد المبذول في إظهار اسماء لمدن ومناطق في ارتريا أسماؤها متطابقة ومتشابهة مع مدن ومناطق بالمنطقة العربية مما يعني تداخلها تاريخيا وتأثرها ببعضها بعضا وسوف أتناول بعض منها كأمثلة :1ـ بيشة : قرية في اليمن ، كذلك منطقة في الجزيرة العربية . وفي ارتريا هناك منطقة في اقليم القاش بركة تحمل اسم بيشة .2ـ هجر : بلاد بينها وبين اليمامة عشرة أيام . وفي ارتريا وفي الساحل الشمالي تقع هجر ، ومن المعروف تاريخيا ان هجر كانت عاصمة ممالك البجة القديمة .3ـ ساوه : مدينة بين الري وهمدان ، وفي ارتريا توجد ساوه في اقليم القاش بركة .4ـ بدا : قرية تابعة لحضرموت وبدا في ارتريا منطقة زراعية معروفة شمال دنكاليا .5ـ حلحل : قرية في اليمن ، وحلحل في ارتريا في كل من أقليمي دنكاليا وعنسبا.ويتوقف الكاتب عند التأثير العربي حيث جاء هذا التأثر بالنسبة للشهور العربية وأيام الاسبوع والاعداد وذلك في لغة التجري كذلك بعض من هذا التأثير على اللغة التجرينية حيث يذكر المؤلف نماذج لذلك .من العناوين الهامة في الكتاب أيضا : الحرف الجئزي حيث يذكر المؤلف ان اللغة الحئزية هي لغة حميرية قديمة انتقلت هذه اللغة الى ارتريا ثم أصبحت اللغة التي تستعمل في الكنائس والمواعظ الدينية لوقت طويل والحرف الجئزي لايزال منقوشا على الصخور الضخمة والتي لاتزال موجودة في موقع السد القديم . كما يتطرق المؤلف وبشكل موحز الى كل من :التأثير اللغوي *التشابه في العادات * الاديان* الوثنية والاسلام والمسيحية*ارتريا والحبشة * .أما عن هجرة الصحابة بأتجاه ارتريا فقد أفرد لها المؤلف حيزا هاما في الكتاب ، حيث بدأها بالهجرة الاولى ذاكرا ان هذه الهجرة الاولى لم تكن معزولة عما كان قبلها من علائق وماجاء بعدها من استمرارية التواصل وهي ليست حدثا مبتورا عن باقي العلائق التي كانت قبلها وتلك التي حدثت بعدها ، وفي الهجرة الاولى هناك من هاجر بأهله ، ومنهم من هاجر بنفسه ، من هاجر بنفسه من أصحاب الرسول عبد الرحمن بن عوف ـ الزبير بن العوام ـ مصعب بن عمير ـ عثمان بن مظعون ـ سهيل بن بيضاء ـ سليط بن عمرو حاطب بن عمرو .أما من هاجر بأهله من أصحاب الرسول (ص) هم أريعة ،أبرزهم :عثمان بن عفان وزوجته السيدة رقية بنت الرسول(ص) ومعها السيدة أم أيمن بركة الحبشية .أما الهجرة الثانية فقد كان يربوا عدد أفرادها على المائة وكان على رأسها جعفر بن أبي طالب ومعه زوجته اسماء بنت عميس .أما الهجرة الثالثة كانت من أرض اليمن وكانت عرفت بهجرة الاشعريين حيث كان على رأسها أبو موسى الأشعري وأخواه أبو بردة وأبو رهم وكان عددهم ثلاثة وخمسون رجلا .إن عدد المهاجرين في المرات الثلاث بلغ مئة واثنين وثمانين عدا من ولد للصحابة المكيين البالغ عددهم عشرين . ويوجد في ثنايا الكتاب جداول مفصلة بأسماء الصحابة الذين هاجروا من مكة ومن اليمن ، الذكور منهم والاناث .ويحتوي الكتاب على قوائم بأسماء :ـ أولاد الصحابة المهاجرين من مكة مع أبائهم الى ارض الحبشة .ـ بنات الصحابة المهاجرات من مكة مع ابائهن الى ارض الحبشة .ـ المهاجرون من اليمن الى ارض الحبشة .ـ الصحابة المولودون بأرض الحبشة .ـ الصحابيات المولودات بأرض الحبشة .ـ من مات من الصحابة بأرض الحبشة . كما يتطرق المؤلف لمكان نزول الصحابة بالشواطىء الارترية فهناك روايات مختلفة بشأنها بل ومتعددة ، فمن قال انهم نزلوا بشبه جزيرة بوري ، وقول آخر شائع يقول انهم نزلوا ببلدة (معدر ) وآخر يقول انهم نزلوا في (دكنوا) أو (دخنو) وهي حرقيقو المعروفة حاليا وهناك من يقول انهم نزلوا في رأس معدر الذي يقع حاليا داخل حظيرة ميناء مصوع ولذا يؤدي المسلمون من سكان مصوع حتى اليوم فيها صلاة العيدين لاعتقادهم بانه المكان الذي نزل فيه أصحاب الرسول وقد تكون كل هذه الروايات صحيحة لان المهاجرين من أصحاب الرسول في المرات الثلاث لم ينزلوا بموقع واحد في الشاطىء بل بمواقع مختلفة . وهناك ضريح الصحابي السيد عكاشة في (قردو) شمال غرب (بدا) مازال الناس يزورونه اعتقادا منهم بأن المدفون فيه الصحابي عكاشة كان ضمن المهاجرين أصحاب الرسول (ص) .وكمثال للتواصل الارتري الاسلامي يقول المؤلف بأنتهاء مهمة المهاجرين الاوائل لم ينته النزوح من مكة والمدينة ، فقد قدم الى ارتريا بعض الدعاة الاسلاميين وتزاوجوا مع الارتريين وتناسلوا وتكاثروا وساهموا في نشر الاسلام وأقاموا الخلاوي القرآنية ولعبوا دورا في نشر اللغة العربية والفقه الاسلامي ومن هذه الأسر الدينية:1) أسرة فقيه محمد الذي لعب دورا في نشر الدعوة في كل من دنكاليا وأكلي قوزاي . 2) أسرة الشيخ ابراهيم بمنطقة زولا .3) أسرة الشيخ حسب الدين ولد محمود ـ عد معلم ـ بمنطقة عسوس .4) الشيخ حامد ود نافعوتاي وقد أسلمت على يده بعض قبائل الحباب .5) عد درقي بالساحل .خاتمة : ان الاشارات البسيطة الواردة في هذا المؤلف توضح ان ارتريا وعبر العصور كانت في قلب الهجرات والحضارات والثقافات والديانات الوافدة من الشرق والشمال ، وهناك الكثير من الآثار في وقتنا الحاضر تحتاج الى الباحثون والمؤرخون فهم مطالبون بالمساهمة في البحث والتنقيب عنها لأنه في إعتقادي هناك الكثير الكثير مما لم يتم كشفه . محي الدين علــي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى