مقالات

على بابا والأربعين حرامى !؟: عمر جابر عمر

19-Apr-2011

المركز

الأسطورة في حياة الشعوب تختلف في نشأتها ومحتواها وغاياتها حسب اختلاف الثقافات واختلاف الزمان والبيئة.ولكن ما يجمع الأساطير أنها تؤدى وظيفتين أساسيتين :1- تقوية قدرة التحمل عند الناس وزيادة جرعة الصبر لديهم على المكاره والصعاب والمحن.2- التبشير بالأمل وقرب زوال المحنة واقتراب بزوغ الفجر.

الأسطورة فى نهاية الأمر هى تعبير عن العجز عن الفعل وتوقف أرادة التغيير وبالتالى فهى فى تأثيرها المزدوج تؤدى دور ( المخدر ) تعطل النشاط العقلى الفاعل والمتفاعل وتجعله ساكنا ومتلقيا وراضيا بما قسمه الله ! ذلك كان جوهر قصص ( ألف ليلة وليلة ) التى كان ينسجها خيال شهرزاد لتخدير الملك شهريار وتأجيل موعد الأعدام ليلة بعد أخرى .وهناك عدة أنواع من الأساطير – الطقوسية ( حول الكون والخلق ) – الأجتماعية ( الحكايات الشعبية والخرافات ) – الرمزية ( أنعكاس لمكونات ثقافية لم تكتمل ) … وفى هذا العصر برزت الأسطورة السياسية وهى تلعب دورا فى صناعة الأيديولوجيلت التى تخدم أغراضها وذلك من خلال خلق وعى زائف وتضليل مبرمج أعتمادا على المعلومة بدلا عن المعرفة واللفظ بدلا عن المعنى.ومن الأساطير التى قرأناها فى طفولتنا قصة ( على بابا والأربعين حرامى ) وقد حدثت فيها تعديلات وتحويرات لتنا سب الأطفال وتكون ( حدوتة ) لهم قبل النوم . كان الأنطباع لدينا أنها كانت صراعا بين الخير ( على بابا ) والشر ( الأربعين حرامى ) – كلما حاول الأشرار قتل على بابا أستطاع النجاة بفضل مساعدة وذكاء خادمته ( مرجانة ) والتى كانت تتابع وتراقب وتضع الخطط لمواجهة الأشرار. لم يكن على بابا ذكيا ولكن الفضل يعود الى تلك الخادمة وقد رد لها الجميل بتزويجها من أبنه ! لو أمعنا النظر فى جوهر القصة لأكتشفنا أن الصراع كان فى حقيقة الأمر على ( مال عام ) – السلطة – وأن على بابا كان لصا !! أستطاع بالصدفة أن يعرف سر العصابة وبدأ يسرق من الكنز حتى أستولى عليه تماما . السؤال : لماذ ا كان أنحياز الأسطورة الى على بابا ضد الآخرين ؟ أنها ثقافة ذلك العصر وهيمنة البحث عن البطل والمنقذ و المنتصر ! لم تكن هناك ثقافة الحراك الشعبى –ربما كان البنغال أول من أكتشف ذلك – فى بقية مناطق العالم عندما يخطف شخص محفظة أو بضاعة من متجر ويهرب يجرى خلفه الناس ويقولون : أمسك حرامى — نشال – لص – سراقى … ولكن فى بنقلادش يقولون : أمسك على بابا !؟اذا طبقنا تلك الأسطورة على واقع العصر وتجربة الفراعنة الذين ثارت ضدهم شعوبهم لوجدنا أن فراعنة تونس ومصر واليمن وليبيا وأرتريا جميعهم ( على بابا ) سرقوا السلطة ( الكنز – المال العام ) وصراعهم من أجل السلطة جعلهم يستخدمون كل الوسائل والحيل من قتل ونفى وسجن وتشويه وكذب وتضليل. لم يفعلوا ذلك بقدراتهم الخاصة ولا كانوا يملكون قدرات خارقة فهم للشهادة جميعهم يتمتعون بمستوى ذكاء محدود. كيف أستطاعوا تحقيق ذلك ؟ بمساعدة ( مرجانة ) – المخابرات الأجنبية !؟ وجدوا الدعم منها وبالمقابل قدموا لها كل ما طلبت … ولكن هنا الفرق بين الأسطورة والحقيقة – عندما حاول هؤلاء أستمرار العلاقة وعقد الزواج – التوريث – أستيقظ الشعب وثار وهد المعبد على الجميع – على بابا ومرجانة !؟أستيقظ صاحب المال العام وأسترد كنزه – هل كانت نبوءة تحققت ؟ أنه التراكم الكمى للتجا رب والمشاعر والأحساس بالظلم تفاعل عبر السنين ثم أنفجر البركان …ماذا يعنى كل ذلك ؟ شرعية الصراع وشرعية التمثيل والفرز الموضوعى للمواقف … لا جدال فى أن النظام الأرترى سرق السلطة لأنه لم ينتخب وليس له تفويض من الشعب – أذا كان نضالنا هو من أجل التغيير الديمقراطى وبناء دولة القانون والعدالة والمساواة يجب أن لا ننسى لحظة واحدة ذلك المبدأ :@ من يدعى تمثيل الشعب دون تفويض أو أنتخاب فهو ( على بابا ) .@ كل من يتحدث بأسم الشعب ويقرر نيابة عنه دون مرجعية دستورية أو قانونية فهو ( على بابا ).وهنا لا بد من توضيح حقيقة أخرى : شرعية المعارضة هى من مقاومتها للدكتاتورية مثلما كانت شرعية الثورة مستمدة من مقاومتها للأ حتلال الأثيوبى – ولكن هذه الشرعية هى جزئية ومؤقتة وبعد زوال الدكتاتورية فأن الشعب هو الذى يعطى الشرعية الكاملة والنهائية . ماذا يعنى ذلك فى الواقع العملى ؟كيف نمارس تلك الشرعية الجزئية والمؤقتة فى مرحلة النضال من أجل التغيير الديمقراطى ؟أنه يعنى أن الأجهزة والمؤسسات التى تمثل المعارضة الأرترية فى مرحلة التغيير الديمقراطى تستطيع أن تناقش وتقرر بشأن شكل ومحتوى النظا م الذى تريد وأدوات ووسائل تحقيق تلك الأهداف – ولكن هناك خط أحمر لا يمكن ولا يجب أن تتجاوزه : ذلك هو موضوع سيادة الوطن – أى أن أرتريا دولة مستقلة بحدودها الجغرافية الحالية المعترف بها من العالم وبمكونات شعبها الأجتماعية والأثنية والثقافية والدينية التى كانت يوم تم الأعلان عن قيام دولة أرتريا المستقلة عام 1993 . وبعد سقوط الدكتاتورية والأنتقال الى مرحلة الديمقراطية يمكن مناقشة كل شىء – لأننا نكون قد أنتقلنا من الشرعية المؤقتة الى الدائمة ومن الجزئية الى الشاملة – من شرعية الأمر الواقع الى الواقع الشرعى والطبيعى …لنأخذ نموذجا واحدا – الحقوق القومية ؟ البعض يفهم وكأن هناك بعض المعارضين ضد تلك الحقوق والحال أن الجميع فى قارب واحد أذا غرق خسر الجميع … بل أن البعض يوجه تهمة أن ذلك الموقف ( معارضة الحقوق القومية ! ) هو موقف مقصود … لماذا ؟ هل لأنهم لا يملكون ( قومية ) ؟ أم لأنهم ينفذون أجندة خفية نيابة عن الآخرين ؟ .. أعتقد أن المفوضية الوطنية قد وجدت فى أجتماعها الأخير مخرجا لهذا الجدل بأقرارها الصيغة التا لية : … بما أن حق تقرير مصير القوميات هو من الحقوق الديمقراطية – ينبغى أن ينظر اليه بعناية فى ظل سيا دة الدولة الأرترية الواحدة فى دستور أرتريا القادم.ليخرج الجميع – كل القوميات والقبائل بنظارها وشيوخها وشبابها الى ساحات المدن – ليأتى كل واحد راجلا أو راكبا جواده أو ناقته – من عصب ومصوع ومن نقفة الى كرن وأغردات وبارنتو مرورا بمندفرا وعدى قيح وأسمرا – ضد الدكتاتور – لينشد وا أناشيدهم ويلبسوا الأزياء القومية التى يحبون ويتخذوا الأسماء التى يريدون – ألم تشاهدوا خيام القبائل فى ساحة التغيير فى صنعاء ؟ ذلك حراك شعبى لا أحد يرفضه بل قد يكون وسيلة أكثر جدوى وقوة لحشد الطاقات فى مواجهة الدكتاتورية … ولكن ما نرفضه هو ما يلى :المطالبة بالتوقيع على قرار يعترف با لحق فى تقرير المصير حتى الأنفصال !؟ ليترك من شاء تلك الأمنية فى عقله وليسجلها فى برنامجه ويدعو لها فى أوساط قومه –وبعد التغيير الديمقراطى وعندما يتم أنتخابه من قبل الشعب يستطيع أن يقف فى منصة البرلمان ويطلب من الأعضاء المنتخبين من الشعب ذلك الحق – عندها سيسمع الأجابة …عندما يصل الأمر الى تقرير شأن يتعلق با لمصلحة العامة يكون الرأى لأغلبية المنتخبين شرعيا – الدستور الأثيوبى يشترط موافقة أغلبية ثلثى أعضاء البرلمان الأثيوبى كله للموافقة على أنفصال أى قومية.هل يخشى البعض أن يحرم من حق المطالبة بحق الأنفصال بعد التغيير الديمقراطى ؟ كلا لن يكون ذلك أذن نظاما ديمقراطيا وبالتالى يتواصل النضال حتى تتحقق المعادلة الصحيحة …وحتى النص المسبق الآن لن يمنع الأرتدا د أذا حدث أصلا التراجع وسرقت المنجزات – أى أذا ظهر على بابا جديد !؟غير صحيح أطلاقا ما يقوله البعض بأن الجبهة قا لت الأستقلال ولم تناقش ما سيحدث بعده ؟ هل قرأتم برنامج المؤتمر الوطنى الأول عام 1971 — والثانى 1975 ؟؟ صحيح أنه لم يكن مثاليا ولا كان شاملا كاملا ولكن كانت فيه كل ا لخطوط العريضة والموجهات لبناء دولة أرتريا الديمقراطية – ما حدث كان أجهاضا للبرنامج الوطنى الديمقراطى على يد الجبهة الشعبية لتمرير برنامجها الشوفينى القومى و كا نت هناك عوامل أخرى سا عدت على تنفيذ المخطط ( داخلية وخارجية ) – ليس هنا مكانها.أما تقديم طلبات من هذا النوع الآن فهى بكل أسف سهام طائشة لا تصيب أهدافها وأصوات ترتفع وتردد شعارات فى غير زمانها ومكانها. أحترام حرية الرأى مشروط با لأستماع الى الرأى الآخر وأحترامه –رسا ئل الى من يهمهم الأمر:1- دعوة التغيير للمعارضة لا تعنى تغيير وجوه وأسماء ورموز – كلا … قد تكون تلك بعض المظاهر ولكن الأهم هو تغيير الوسائل وأد وات المواجهة وخطاب التوجيه ونهج ومنهج التعامل مع التحديات.. تلك هى المعايير ويأتى بعد ذلك وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب حسب قبول الناس به. لا يهم عدد السنين التى يحملها الفرد على كتفيه ولكن المهم هو الحصيلة التى يخرج بها – التجربة والمواهب القيادية التى تساعده على أستقراء المستقبل ومواجهة التحديات وتنويع وأكتشاف الوسائل الناجعة – نيلسون مانديلا عندما قاد شعبه الى النصر ضد النظام العنصرى كان فى نهاية العقد السابع من عمره . الثورات الشعبية التى أنتصرت فى كل من تونس ومصر – فكر فيها وخطط لها ونفذها الشباب ولكن من برز فى الصورة بعد الأنتصار ( الحكومة والقيادة ) كلهم فوق الخمسين !؟ أنها مرحلة أنتقالية – بعد أنتهاء مرحلة التغيير بدأت الآن مرحلة التطهير من الفاسدين والمفسدين ( ماليا وأداريا ) وخلال ذلك سيقوم الشباب بتنظيم أنفسهم ويستعدون لخوض الأنتخابات الديمقراطية القادمة بعد أن تأكدوا بأنها ستكون نزيهة وشفافة. المشكلة الرئيسية للمعارضة الأرترية ( التحالف ) ليست هى الفساد المالى – ليس لأنهم ملائكة – ولكن لسبب جوهرى هو أنه لا يوجد أصلا ( مال ) يمكن أن يفسد !؟ حالهم كما قال رئيس الوزراء الأثيوبى عند مخاطبته لهم : فقير لجأ الى فقير ! مشكلة المعارضة الرئيسية هى ( العجز السياسى ) – العجز عن حشد الجماهير فى أتجاه مواجهة الدكتاتورية – العجز عن تأ طير الأعضاء فى تنظيماتهم – العجز عن محاصرة النظام وتضييق الخناق حوله أقليميا ودوليا – وأسبا ب ذلك كله هى تد اعيات الصراع الأقليمى وتضارب أولويات المصالح الدولية فى المنطقة با لأضافة الى العوامل الذاتية وأستعداد القيادات . المطلوب هو تحقيق التزاوج والجمع بين الخبرة السياسية ( جيل الكبار ) والحيوية والأبدا ع – جيل الشباب – بين الذاكرة التاريخية والتواصل مع التراث وبين الرؤية المستقبلية الجديدة حتى وأن كان فى شكل مجا لس أ ستشارية . أحد الأخوة ذكرنى بأننى أيضا من ( الديناصورات) السياسية وبالتالى على أن أترك الساحة للشباب وأن أعتذر عن الأخطاء الما ضية لأننى كنت مشاركا فى القرا رت التى أدت الى هزيمة جبهة التحرير الأرترية ودخولها الى السودان !؟لا أريد أن أبدو مثل القذافى الذى أنكر أنه يشغل أى منصب وبالتالى أستغرب كيف يطلب منه الناس الأستقالة ؟ ولكنى يا أخى حاولت أن أتذكر ولم تسعفنى الذاكرة … لم أكن فى يوم من الأيام عضوا فى أى قيادة تشريعية أو تنفيذية لجبهة التحرير الأرترية ( 1961—1981) أى حتى دخولها الى السودان !؟ كنت رئيسا للأتحاد العام لطلبة أرتريا ونائبا لرئيس أتحاد شباب أرتريا الديمقراطى ( منظمات جماهيرية ) ثم رئيسا لمركز الأعلام الخارجى فى بيروت – وبعد أنقسام الجبهة الى عدة أقسام وهى فى السودان أصبحت عضوا فى قيادة أحد تلك الأقسام !؟ وجميع تلك الأقسام كانت نتاجا و ( توابع ) للزلزال الذى ضرب جبهة عباى وكل منها كان يحاول أن يثبت وجوده ويقف على قدميه حتى لا يكتسحه التسونامى الذى أعقب الزلزال !! عن ماذا تريدنى أن أعتذر ؟أما عن دخول الجبهة الى كركون وتهداى فقد قلت شهادتى كعضو فى الجبهة قبل ستة أعوام ونشرتها فى الشبكة العنكبوتية … واذا كان قد فاتك أن تقرأها فأننى سأعيد نشرها فى مجلة ( البدائل ) التى تصدر فى لندن. وحتى لا يفهم من هذا التوضيح أننى أمهد لأخذ فرصة فى المستقبل بأعتبارى لست من القيا دات القديمة ( !؟ ) أقول ما يلى : أننى و منذ الأستقلال لم أفكر فى قيادات ولهذا رفضت الأنضمام الى أى تنظيم سياسى – تكوينى العقلى وتجاربى السابقة أقنعتنى بأن أبقى حرا طليقا وبعيدا عن القيادات – لا أريد الا حرية قلمى هذا – أكتب به ما أشاء ومتى أشاء وأينما أشاء وأتحمل مسئولية كل كلمة أكتبها – هل ما أطلبه كثير ؟؟2- أتصل بى صديق وعبر عن أنزعاجه من المستوى الذى يراه فى حوارا ت الأرتريين على الشبكة العنكبوتية – قلت له لا تقلق .. نحن فى مرحلة تحول من أجل التغيير الديمقراطى.فى مرحلة الصبا كنا نحاول تعلم ركوب الدراجة ونسقط ثم ننهض مرة أخرى ونصاب بخدوش وجراح ولكننا تعلمنا فى نهاية الأمر ! أما الأساءة فهى تزيد فى ميزان حسنات من توجه اليهم تلك الأساءة وتأخذ من حسنات المسىء – !؟ما يقلقنى حقا هو القفز الى التشكيك فى نوايا بعضنا البعض ؟ لماذا لا نتبع المنطق والحجة وا لوقا ئع والأرقام لتأييد موقف ما أو نفيه ؟ولكن الأمر الأيجابى هو أن تلك الظاهرة بدأت فى الأنحسا ر وأصبحت المواقف أكثر وضوحا وأنقشع الضباب الذى كان يحجب الرؤية وأزدادت الثقة فى النفس وفى المستقبل .من فوائد الديمقراطية بعد زوال الدكتاتورية – أنه لن تكون هناك أشباح أو أسماء مستعارة أو عناوين مجهولة !سيكون كل شىء تحت الشمس ولن يتقدم الا صاحب الحجة والدليل والبرهان ولن يمر قول أو فعل دون حساب !وأخيرا ليس كل من يدعى معارضة الد كتا تورية بد يمقراطى ولنا فى أسطورة على بابا عظة وعبرة !كان الله فى عون الشعب الأرترى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى