مقالات

الأخوة : عمر محمد مسلم وصالح عجيل ،دعوة الى وقفة مسؤولة وتسمية الاشياء بمسياتها:عبدالرحمن السيد

28-Mar-2009

المركز

أهدي هذا المقال لروح الأخ الحسن عمر ناصر الذي وافته المنية صباح هذا اليوم – الأربعاء الموافق 25 مارس 2009 – في مديمة لندن. تقبل الله فقيدنا بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أوليك رفيقاً، والهم ذويه الصبر والسلوان.إنا لله وانا اليه راجعون

لقد قرات مقالي الأخوين محمد عمر مسلم و صالح عجيل باهتمام. ولهم مني كل الاحترام والتقدير لما أبدياه من نقد بناء للافكار والاجتهادات التي أوردتها في مقالي “المنهج الامن لتغيير النظام في ارتريا”. والحقيقة أن الاراء حول انتزاع الحقوق بالقوة أو عن طبيعة نظام الهقدف المتعنتة ليست بجديدة بل هي من أبجديات الأمور التي يعرفها الجميع ناهيك عن من هو في موقع المواجهة الدائمه مع نظام الطاغية حتى كتابة هذه السطور والى ما بعدها. خلافنا, ان كان هنالك من خلاف, هو ليس حول تشخيص النظام أو جرائمه المستمرة حتى اللحظة وانما حول آليات التغيير. فالمطلوب في ادارة المشاريع بشكل عام وادارة مشاريع التغييرات السياسية هو الأخذ في الاعتبار الامكانات الذاتية والموضوعية قبل الولوج في اي عمل وتقييم دقيق ومستمر لمسيرة العمل للتأكد من تناسق حجم التحديات مع واقعنا المادي والمعنوي و مع أولوياتنا ان أستطعنا ترتيبها ترتيبا صحيحا وبعيدا عن دغدغة العواطف والتباكي الى ما لا نهاية. و في هذا الصدد دعونا نأخذ الحوار الى خطوة اضافية لعلها توضح أكثر ما ذهبتُ اليه من “تنازلات”. ما هي التنازلات؟أولا: أقر أنني تنازلت عن موقفي المتطرف نحو نظام الهقدف والذي كنت أنظر اليه كنظام فاشي يجب استئصاله بأي وسيلة الى قبول الهقدف المشروط كشريك في التحول الديمقراطي. والاسباب التي دعتني لاتخاذ موقف كهذا هي:-1- يراهن نظام الهقدف ببقائه في السلطة ليس فقط على تعنته وجبروته فحسب بل على غياب معارضة واعية وفعالة تستطيع ضربه في مكامن ضعفه وعمقه. أنني ومع تقديري لكل قوى المعارضة والتي انا منها في ضعفها ، أن تركيبتها الحالية وأطروحاتها “السياسية” لا ترقى لتكون أداة تغيير نحو الديمقراطية بل أن جلها منهمك في ايجاد شرعية ومبرر لوجوده أو لاخفاء ماربه الشخصية. ومن يعتقد غير ذلك ليتحرك بالفعل ويتكامل معها أو يساعدها لعله ينجح في ما أخفق فيه اخرون من أمثالي وحينها لن يجد مني غير الثناء والاطراء ان استحق ذلك.2- أما رأي في التحزب السياسي “فهذا ليس وقته والمهجر ليس مكانه” بمعنى أن متطلبات المرحلة تكمن الان في مقارعة دكتاتورية الهقدف للانتقال نحو الديمقراطية والحرية تحت حكم القانون والدستور الشرعي يتم سياقته واقراره باشراك كافة الارتريين في مرحلة انتقالية تحت حكم حكومة وحدة وطنية انتقالية تخرج من مؤتمر وطني جامع ينبثق عنه ميثاق أو برنامج المرحلة الانتقالية وفترتها الزمنية ومهامها الادارية والسياسية. بعد هذه الفترة ووفقا لمعايير الدستور وقانون الأحزاب يمكن أن تنشأ أحزاب وتنظيمات سياسية تطرح برامجها السياسية لتنتخب وتحكم وفق مشيئة الناخب. هذا يعني أن وجود تنظيمات “سياسية” في هذه المرحلة يعتبر في نظري “وضع العربة أمام الحصان” في أحسن الأحوال أو جهل وتجاهل متعمد لمتطلبات المرحلة حتى وان ادي ذلك الى اضعاف وتفكك المعارضة. ان برنامج المرحلة الحالية في وجهة نظري يتمحور حول: تحقيق الانتقال من الديكتاتورية الى الديمقراطية من خلال مقارعة نظام الهقدف بالوسائل السلمية كالضغط المالي والاعلامي والدبلوماسي ومسيرات الاحتجاج وتوثيق جرائم النظام لتقديمها الى المحافل والمحاكم الدولية والاقليمية لادانة عناصر النظام المتورطة, والسعي لمنع مسؤلي النظام من السفر وتجميد أرصدتهم في البنوك وممتلكاتهم خارج ارتريا, وفي ذات الوقت القيام بالدراسات المنهجية للواقع الارتري بكل أبعاده للمساعدة في ترتيب الأمورللانتقال نحو مستقبل أفضل وواضح المعالم. كل هذا لا يحتاج الى تنظيمات “سياسية” خارجها شعارات “تحالف وديمقراطية” وداخلها “تناحر وغبن وكراهية وفتن ومؤامرات وعصبيات نتنة لا أول لها ولا آخر وبث الاشاعات المغرضة”. ومثل هذه “المعارضة” تساهم بشكل وآخر في اطالة عمر الدكتاتورية واذا نجحت في تحقيق مآربها لن تأتي الا بمزيد من التمزق والبطش والارتهان للخارج وتعطيل الانتقال الى الديمقراطية حتى ما بعد زوال ديكتاتورية الهقدف. ولمعلومية القارئ الكريم حتى لا يفهم كلامي هذا مجرد نعوت فأنا اعتبر نفسي ابن المعارضة وأتحمل معها كل الاخفاقات حتى هذه اللحظة وأنه لا زالت تربطني مع العديد من قياداتها وكوادرها علاقات عمل و تفاكر مستمر واظهاري لسلبيات عملنا المعارض هو لنقل المعلومة بامانة حتى لا أكون شريكا في اعطاء صورة منافية للحقيقة، ليس أكثر. 3- هناك تغيرات استراتيجية طرأت مع خلاف الحدود الأثيوبي-الارتري حيث انحصر مشروع “تقراي تقرنيا” وتعالت أصوات بعض أقطاب الوياني مطالبة باعادة النظر في موضوع المنفذ البحري لأثيوبيا (وبالتحديد موضوع ميناء عصب) منسجمة في ذلك مع أطماع قومية الأمهرا التوسعية. وفي هذا الاطار رفض نظام الاهودك الأثيوبي التحكيم الدولي حول الحدود الارترية الأثيوبية وهذا في اعتقادي يحتاج الى وقفة متأنية واعادة قراءة أبعاد هذا الخلاف في الحاضر والمستقبل القريب. ولعلم القارئ الكريم أنني كنت الى جانب الطرح الأثيوبي عندما أعلن ملس زيناوي أنه ليست لديه اشكالية مع حل أي نزاع حدودي بالطرق القانونية والسلمية. ولكن وعند صدور قرار التحكيم الدولي بشأن النزاع تنصل النظام الأثيوبي من نفس المبادئ التي تحدث عنها في بدايات النزاع الحدودي بين الدولتين في عام 1998. وهنا لا أري عيبا في امتداح موقف نظام الهقدف من قرار التحكيم وقبوله بالنتيجة وفقا لأتفاقية الجزائر الملزمة والموقعة بين طرفي النزاع و تحت اشراف دولي في ديسمبر 2000م.4- أرتكب نظام الأهودك الأثيوبي في السنوات الاخيرة جرائم ابادة بحق أهلنا الصوماليين في الصومال الغربي المحتل (أوجادين) وفي داخل جمهورية الصومال حيث احتل عاصمتها مقديشو لأول مرة في التأريخ الحديث وعاث فيها فسادا ودمارا وقتلا وتشريدا للآلاف من الصوماليين الأبرياء العزل …وهنا أيضا امتدحت نظام أفورقي لموقفه الرافض للأحتلال الأثيوبي لدولة الصومال وتحديه كل الضغوط الدولية والاقليمية للعدول عن هذا الموقف، بل ازداد رفض أسياس للمهزلة الاقليمية التي باركت الاحتلال اللأثيوبي للصومال بتعليق عضوية ارتريا في منظمة ايقاد وهذا كان في نظري وقفة تأريخية تحسب لصالح أفورفي ونظامه وحتى اذا فعل ذالك لأسباب تيكتيكية وليس حبا في أهل الصومال ( قال الله تعالى” ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” صدق الله العظيم… ). فالمعايير بالنسبة لي لا تتغير بتغير أدوار الأنظمة والأحزاب, والجريمة هي جريمة سواء ارتكبها الوياني أم الهقدف وكذلك بالنسبة للتحكيم الدولي فعندما طالب زيناوي بحل النزاع سلميا وقانونيا أيدناه وخرجنا في مسيرات مناهضة لموقف هقدف وعندما قبل الهقدف الحل السلمي والقانوني قدرنا موقفه ايجابا مع الألحاح على عدم استغلال الرفض الأثيوبي لاثارة حروب وتعطيل الانتقال الى الديمقراطية.5- خطاب قوى المعارضة بحاجة ماسة للتغيير من رفض كل ما هو “هقدف” الى خطاب معتدل ولكنه صارم يستطيع اختراق جدار الهقدف ويخاطب العقلاء والمترددين داخل النظام مع تشخيص و تحديد مكامن الخلاف والاتفاق بيننا وبين هقدف. وهنا علينا ألا نحس بأي حرج في تناول الأمور الايجابية بايجابية والسلبية منها بالنقد والرفض. فهناك أمور ايجابية كثيرة للهقدف تستحق التقدير والثناء مثلا: نجاح النظام في نشر الوعي الصحي بأمراض الملاريا وختان الاناث المعروف ب “الختان الفرعوني” – Female Genital Mutilation – وكنتيجة لهذا إنخفاض نسبة وفيات الأمهات عند الولادة (Maternal Mortality) ب 55% منذ 1993 ووفياة الأطفال عند ولادتهم ب 46% والأطفال ما دون سن الخامسة ب45% وبالارتباط مع هذا ووفقا للتقارير الأوربية والدولية فإن ارتريا ستحقق انتشار تطعيم الأطفال من الأمراض بنسبة أعلى من 80% قبل عام 2015م. بالأضافة هناك أخبار تشير الى أن النظام يحاول تفعيل “المحاكم الأهلية” وكفيدرالي يطالب بالحكم اللامركزي أرى في هذا التوجه للنظام شئ ايجابي وأدعوه لمزيد من الاصلاحات في هذا الجانب والتوقف عن الاعتقالات والاختطافات التعسفية التي ظل يمارسها حتى الان.6- اذا ما اعتبرنا ان نظام الهقدف هو مصدر كل مشاكل ارتريا ما بعد 1991 فهنالك فرص لبذل جهد أكثر لجعل الهقدف جزء من الحل وأن بوادر المطالبة بالديمقراطية و المحاسبة التي ظهرت وتظهر بين الحين والآخر في داخل الهقدف هي من وجهة نظري مؤشر ايجابي حتى وان تمكن النظام من قمعها. على المعارضين من خارج أسوار السجن الكبير المسمى بارتريا ان يدرسوا هذه الظواهر داخل النظام ويشجعوها لتكتسح كل أركان الهقدف لأن ذالك سيساعد في ما بعد على ادارة المرحلة الانتقالية الأكثر خطورة وحساسية. وهنا يحضرني التصريح الصحفي الأخير لزعيم معارضة زيمبابوي – زفانجراي – الذي قال فيه “كما أن رئيس زمبابوي هو جزء من مشكلة البلاد فعليه أن يكون أيضا جزء من الحل”. 7- أما واقع تنظيمات وزعامات المعارضة “السياسية” فمن الصعب التكهن بمدى جديتها و امكانيتها بالتأثيرعلى مجريات الأحداث في داخل البلاد وخارجها. ولولا المجهودات المقدرة للأفراد القائمين على المواقع الاعلامية الارترية والنشاطات الحقوقية لما عرف العالم بوجود نظام يبطش بشعبه… هل نظام الهقدف”طائفي”؟لاحظت في مقال الأستاذ مسلم ايحاء بأن الحرب الأهلية في ارتريا هي من صنع النظام وهنا أرى مناسبة للإسهام بتصحيح بعض من المفاهيم السائدة. المعروف أن الشعب الارتري وان كان منقسما على ذاته على أساس ديني (مسلمين ومسيحيين) في فترة “تقرير المصير” في الأربعينات والخمسينات الا ان حركة رائدة كحركة تحرير ارتريا كانت قد تمكنت في توحيد الارتريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية وتأطيرهم في اطار وطني واحد وغير مسبوق في تأريخ بلادنا الحديث. هذه الحركة الرائدة والتي نشأت في عام 1958 تحت قيادة المناضل الكبير الأستاذ محمد سعيد ناود تم تصفيتها في عام 1965 وبدم بارد من قبل جبهة التحرير الارترية وليس من قبل أسياس أو الشعبية أو المسيحيين حيث كان المسلمون هم القادة واصحاب القرار في التنظيمين وبلا منازع. وما تلى من خلافات و تصفيات بين الثوار في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات كان أيضا بين المسلمين ومن أثاره الهوة التي يعاني منها أبناء المسلمين حتى تأريخنا هذا حيث تعثر توحيدهم حتى تحت راية الاسلام كما فعل القائد الكبير الشيخ ابراهيم سلطان في عام 1946 عندما أسس حزب الرابطة الاسلامية مع أخوانه الكبار كالقائد الشهيد عبدالقادر كبيري. ومن جانب اخر فان أول ضحايا مجموعة أسياس كانوا من المسحيين الذين خالفوه في الرأي فصفاهم. وحتى اليوم عدد الأسرى المسيحيين في سجون النظام لا يقل عن عدد الأسرى المسلمين ان لم يكن أكثر وأن الجلادين في سجون النظام أيضا هم من أبناء المسلمين والمسحيين، وأن عدد الكنائس المقفلة لا يقل عن عدد المساجد المهدومة أو المقفلة ان لم يكن أكثر وكذالك الحال بالنسبة لعدد الأسرى من قادة و أتباع الطوائف المسيحية المختلفة بما فيهم رئيس الكنيسة الأرثودوكسية.أما في ما يتعلق بعدم اعطاء فرص العمل والتعليم لخريجي الجامعات العربية، فهذا اجحاف بحق هؤلاء الشباب و مسلمي ارتريا. ولكن لا يكفي أن نقول بان النظام ينحاز لفئة دون أخرى بدليل أن خريجي أمريكا من المسيحيين الذين تقاطروا الى ارتريا في نفس الفترة الزمنية لم يعطهم النظام أي فرصة عمل وتركهم يعودون من حيث أتوا. للمزيد من المعلومات حول هذا الأمر أحيلك الى قرائة محاضرة المرحوم الأستاذ محمد ابو القاسم حاج حمد تحت عنوان: الأبعاد الارترية الاربعة الحاكمة للعلاقات الخارجية. اذاً، الوصف الصحيح للنظام هو ديكتاتوري متسلط على رقاب العباد لا يعنيه مصالح طائفة دون أخرى الا مصلحته الخاصة وكفى. ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد تمييز وعدم التكافؤ في الفرص بين المسلمين و المسيحيين. هناك بالفعل عدم التكافؤ و سببه يعود الى أكثر من عنصر منهم: التمييز الذي مارسته الأنظمة الأثيوبية التي تعاقبت على حكم ارتريا من عام 1952 الى 1991م وشوفينية التقرنيا التي تتسم بالجشاعة وهي موجودة داخل الهقدف وخارجه بما فيه داخل المعارضة والتحالف. والعنصر الاخر والأهم هو عدم وجود قيادة حكيمة للمسلمين تطرح وتدافع عن قضاياهم ومصالحهم بحكمة وجدية (“لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” صدق الله العظيم)…وللأسف هذا الواقع الأخير نعيشه حتى يومنا هذا، فالحركات التي هبت للدفاع عن مصالح المسلمين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وقعت في فخ المشاريع الثقيلة الوزن والعيار فطرحت مشروع اقامة “الدولة الاسلامية” وحددت العلاقات بشركاء الوطن على أساس “أهل الذمة” عليهم أن يدفعوا “الجزية وهم صاغرون” وأن “يتبوأوا وزارات غير سيادية كوزارة المواصلات”الخ ومثل هذا الطرح جعلنا نخلط أوراق مطالبنا المشروعة في المساواة والعيش الكريم. ولهذا السبب وغيره أصبح حالنا داخل البلاد وخارجها عرضة لمزيد من التهميش والدوران في الأطراف بعيدا عن المركز وهذا أمر إن لم يتم تداركه من قبل أبناء المسلمين الارتريين كافة – جماعات و أفراد – فالحال سيستمرنحو الأسوأ حتي بعد “سقوط هقدف”. وحتى لا أترك القارئ الكريم في “العموميات” المطلوب ليس بصعب: تحديد أولويات مطالب مسلمي ارتريا بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة و الدسائس الحزبية الضيقة، مما سيمكننا من العمل على ان يتمتع اهلنا بالمساواة والعيش الكريم في ظل الوحدة الوطنية والديمقراطية. واما اذا أخفقنا في تدارك الموقف فاللوم على ذواتنا. وبشر الناس بالتغيير الديمغرافي والديمقراطي في غياب تام للوجود الاسلامي في ارتريا, ومؤشرات هذا الواقع واضحة للعيان وتأثيرات أسياس اليوم تجاوزت حدود ارتريا في تحديد مصير المسلمين و ابرزها دوره في جبهة الشرق السودانية والذي يجب أن يفهم ضمن هذا السياق. هجر التحالف لماذا؟ مقالي المذكور كتب في شهر مايو يوم 15 – 2007م أي بعد حوالي شهرين من تفكك التحالف الى شقين في شهر فبراير 2007. هنا وفور وصول خبر الانشقاق اتصل بي بعض الاخوة في لندن وأخرون كالقائمين على موقع عواتي لمعرفة رأيي في ما يدور داخل التحالف ومحاورتي حول الحلول للأزمة ألخ. لم تفضي حواراتنا الى نتيجة ملموسة في حينها ولكن كانت كافية لتثير في غريزة التفكير في البدائل وتوجيه واسداء النصح للشباب غير المؤطر على توفير طاقاتهم حتى لا تتبعثر في القيل والقال بين شقي التحالف والعمل بشكل مستقل في اطار منظمات المجتمع المدني. فمن الواضح الخلاف في التحالف لم يكن حول أفكار واستراتجيات عمل وانما كان وبكل أسف حول مقاعد (المكاتب) واهية لا تسمن ولا تغني من جوع وهذه الحادثة لم تكن الأولى حيث الجميع يتذكر ما حصل في التحالف في شهر أكتوبر 2002 عندما أختلفوا لنفس الأسباب فتناحروا وذهب ريحهم ولن تكون المرة الأخيرة لطالما العقليات والثقافات السائدة في داخل هذه المظلة هي نفسها ولم تتغير منذ 40 سنة. هذا بالاضافة الى أن التحالف وغير التحالف من المنظمات “السياسية” والمدنية ليست هي غايات وانما وسائل قابلة للانضمام اليها والعمل في اطارها لكل من يملك الصبر و الطاقة و هجرها لكل من ليس له الوقت والطاقة لأهدارها في النزاعات والخلافات غير المجدية وأنا لا زلت أعتقد أن التركيز على منازلة الخصم الأصلي – ديكتارية الهقدف – بطريقة وأخرى وضمن امكاناتنا المتواضعه هو الأفضل من التوهان في جحافل الكيد والتآمر والخيار مفتوح للأحرار. الخلاصة : عشت تجربة المعارضة منذ عام 1988 فور وصولي الى لندن كطالب لجؤ وعلم. وقتها كنت شابا في مقتبل العمر (19 عام) ولكن واعيا بمخاطر الشعبية وشوفينية التقرنيا. ما لم أكن أعرفه هو غياب التفكير الاستراتيجي المفرط لقادة و منظمات المسلمين. أذكر جيدا ساعة تدمير “نادو أز” في أفعبت في عام 1988 و تحرير مدينة مصوع (والتي تقرن اسمها اليوم الى Mitsiwa) عام 1990, وحديث قادة وكوادر منظماتنا وقتها كان بعيدا كل البعد عن مجريات الأحداث في الميدان ومحاولات توحيد التنظيمات كانت تفشل عند حائط كرسى القيادة العقيم والمفاوضات لاعادة الجبهة بشقيها المسلم والمسيحي كانت تفشل في نقطة ما اذا كانت ارتريا (الغير محررة وقتها) عربية أم لا. واليوم حال منظماتنا بشقيها “الاسلامي” و”العلماني” لا يختلف كثيرا عن الفترة الممتدة من عام 1946 في خلط الأولويات وبعثرة الطاقات في الخلافات الشخصية والعصبيات الجهوية والقبلية المصطنعة. وما يؤسفني كثيرا هو اختزال هذه المنظمات لحقوق ومطالب مسلمي ارتريا في “الشريعة” و “الأحوال الشخصية” و كأن لمسلمي ارتريا ليست لهم حقوق الأرض ومطالب حول المساوات في فرص العمل والتعليم وايقاف الزحف الاستيطاني وعودة اللاجئين الى ديارهم التي هجروا منها ألخ..هذا على مستوى التحالف، أما على مستوى الجماعات فهناك لا زالت حاجة ماسة للخروج من “المشاريع السياسية” الثقيلة وحصر البرامج التنظيمية على مطالب محقة وقابلة للتحقيق والانجاز.وكما يقال أن السياسة هي “فن الممكن” وتحقيق الممكن في ارتريا هو الابتعاد عن أي طرح اقصائ حتى ولو كان “اسلاميا” وعدم الانجرار وراء العربان بل التركيز على ارتريا كموطن للتعايش مع المسيحيين، لا هم يجروننا الى أكسوم ولا نحن نجرهم الى العرب والمسلمين. نتعايش في ظل احترام متبادل و تحت ميثاق عام – الدستور – تصان فيه حقوق الجميع في كل مكامن الحياة. والله ولي التوفيق!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى