مقالات

في الذكرى السادسة عشر للاستقلال إرتريا على مفترق طرق *:عبدالرازق كرار

23-Jul-2007

ecms

تحتفل إرتريا هذه الأيام بالذكرى السادسة عشر للتحرير والرابعة عشر للاستقلال ،وهى ذكرى مهمة وفاصلة في التاريخ الإرتري ، إذ أصبحت إرتريا منذ ذلك اليوم دولة عضو في المنظومة الدولية ، لها وعليها من الإلتزامات الدولية ،

ومن هنا فإن قتامة الوضع داخل إرتريا على كافة الأصعدة ( السياسية ـ الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ الخارجية … الخ ) يجب أن لا تجعلنا بأي حال من الأحوال ننسى ذلك الإنجاز الذي تحقق قي ذلك اليوم الخالد في التاريخ الإرتري ، واختلفنا أو اتفقنا مع الجبهة الشعبية فهي دون شك صاحبة الإنجاز التي استطاعت أن تتوج هرم نضال شعبنا الذي بدأ منذ فترات مبكرة في منتصف القرن الماضي ومن هنا فإن تقييم سنوات ما بعد الاستقلال تحتاج إلى قدرة كبيرة على التجرد والموضوعية ، ولكن حتى وإن توفرت تلك العوامل بدرجة نسبية فإن قلة المعلومات المتوفرة والسياج السميك الذي ضربته الدولة على تفاصيل خططها للمستقبل تجعل من الصعب الخروج بنتيجة لا تختلط فيها الأمنيات بالعوامل الموضوعية ، معترفين بحجم تلك المعضلة الحقيقية نحاول أن نخط مؤشرات عامة نحاول من خلالها تقييم ستة عشر عاماً من الاستقلال في ظل حكم الجبهة الشعبية ، وبالتالي فإن الجبهة الشعبية هي الوحيدة التي تتحمل كل ما ترتب على ما بعد الاستقلال إيجابياً كان ذلك أو سلبياً ونحاول في هذه المساحة بمناسبة هذه الذكرى العزيزة أن نضع المؤشرات التقييمية من خلال هذه المحاور :محور البناء السياسي :كل أدبيات الجبهة الشعبية تتحدث عن فرق كبير بين إدارة ثورة وإدارة دولة وبالتالي كانت هذه الأدبيات تعيد كل معضلة في المراحل الأولى إلى ضرورات هذه النقلة التي يترتب عليها الكثير ، وبالتالي نفترض وفق تلك القراءات المبكرة أن الجبهة الشعبية كانت تدرك أبعاد هذه النقلة ، لذا فإن البداية بحكومة مؤقتة ، تتبعها حكومة انتقالية يأتي في إطار هذا الفهم ، ولعل أكبر نقلة في إطار الجبهة الشعبية حاولت أن تواكب هذا التحول الإستراتيجي الكبير هو المؤتمر الثالث الذي عقدته الجبهة الشعبية في مدينة نقفة في فبراير عام 1994م أي بعد أقل من عام من الاستقلال الذي جاء عقب عملية الاستفتاء الذي أجرته الجبهة الشعبية بإشراف الأمم المتحدة ، وهى في حد ذاتها ممارسة تعبر عن وعي كبير في تعاطي الجبهة الشعبية السياسي حينذاك ، ومؤتمر نقفة وفق المعلومات المتوفرة خاصة بعد حيث خرجت كثير من المعلومات من عتمتها إلى الضوء ، والمعلومات تؤكد محاولة انفتاح المؤتمر على الشعب من خلال نظام ديمقراطي تعددي ، ولكن مشاركة الرئيس في اللحظات الأخيرة من المؤتمر أجهدت تلك المحاولات وقلبت توصيات المؤتمر إلى النقيض تماماً ، بل أكثر من ذلك فقد تم أبعاد كل نظراء الرئيس من مواقعهم التنظيمية مثل ( مسفن حقوس ـ بطرس سلمون ـ هيلى درع … الخ ) لصالح ( يماني قبراب ـ وزمهرت يوهنس ـ الأمين محمد سعيد … الخ ) ومن هنا فإن المؤتمر الثالث شكل حجرة عثرة كبيرة لا تزال الدولة الإرترية بشكل عام والجبهة الشعبية على وجه الخصوص تدفع ثمنها في تطورها السياسي الذي يشهد جموداً غير مبرر تتعالى فيه الدولة بتبريرات الرئيس اسياس افورقي عن المفاهيم المختلفة للديمقراطية ، وإن الديمقراطية يجب أن تراعي خصوصيات كل مجتمع وبالتالي هم الأدرى بخصوصيات مجتمعهم وبالديمقراطية التي تناسبه ،ونظرياً فإن الجبهة الشعبية قد أسست لبناء نظام سياسي متماسك إلى حد ما خاصة في الفترة الأولى بعد المؤتمر الثالث الذي تحولت فيه إلى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة وقبل الحرب مع إثيوبيا وذلك من خلال جملة من المراسيم أسست فيها لسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ، كما كونت لجان ومفوضيات من أهمها مفوضية الدستور التي تكونت من (50 ) شخصاً من بينهم شخصيات من خارج الجبهة الشعبية كما استطاعت الجبهة الشعبية في وقت لاحق بعد الحرب إنجاز قانون الانتخابات وقانون الأحزاب ، وهذه الخطوات على تباعدها وبطئها إلا أنها شكلت أساساً نظرياً لتحول نحو بناء سياسي ، لكن المشكلة الأساسية في الجبهة الشعبية كانت المفارقة الكبيرة بين الإطار النظري والواقع ، كما كانت في نظرتها الضيقة للوطن واختزالها له في الجبهة الشعبية مستصحبة معها كل مرارات مرحلة النضال متناسية أن جيل جديد ربا كان عمره عشر أعوام أو اقل عندما بدأت الحرب الأهلية ودخول جبهة التحرير الإرترية إلى الأراضي السودانية يشكل نسبة معتبرة تكاد تصل إلى 30% من الشعب الإرتري وقد وصل عند تحرير إرتريا إلى ما فوق العشرين وهي عمر يكفل له كافة حقوقه السياسية ، لكن الجبهة الشعبية ظلت تعمل بسياسة الاحتواء ولم تحاول أي أسلوب آخر مثل المشاركة أو غيرها وهذه كانت اكبر أخطاء الجبهة الشعبية التي أوصلت البناء السياسي إلى طريق مسدود ، كما اعتبرت اكبر آفات النظام هي المركزية القابضة التي تحولت من فئة صغيرة إلى شخص الرئيس الذي أصبح كل شيء في الدولة وبالتالي تم إلغاء مؤسسات الدولة الأخرى مثل مجلس الوزراء الذي لا يجتمع إلا في فترات متباعدة قد تصل إلى العام أحياناً ، أما الجهاز التشريعي فلا يجتمع إلا في الأزمات الكبيرة ، وخلق الرئيس جهاز موازي للجهاز القضائي هو المحاكم الخاصة ، وهكذا فإن المرسوم الذي حدد عمر الحكومة بأربعة أعوام تجاوزته الأيام بعشرة أعوام ، دون أن يخلق ذلك إشكالاً قانونياً ، كما يغيب مجلس الوزراء عن العمل لفترات طويلة وكذلك الجهاز التشريعي دون أن تبدو في البلاد أزمة دستورية ، وكيف تحدث أزمة دستورية والبلاد في الأصل من غير دستور إذ لا يزال الدستور مجمد منذ الحرب مع إثيوبيا ، وهكذا نصل إلى نتيجة مفادها أنه لا توجد دولة بالمعايير المتعارف عليها عالمياًَ، فقط ضيعة يملكها شخص واحد يتصرف فيها دون أي مجلس إدارة ، وبذا تكون كل الجهود التي بذلت في خلق إطار نظري دستوري لدولة إرتريا ضاعت سدى ، ودائماً ما تتجلي عبقرية الرئيس اسياس افورقي ولو أنها عبقرية مدمرة في هذا الاتجاه طالما تعب الآخرون لإنجاز شيء يحد من سلطاته ولكنه يتركهم ويفعل ما يريد وحينها أما أن يسعى الآخرون لتبرير أفعاله نتيجة ترابط المصالح أو المخاوف المترتبة على معارضته أو الخيار الآخر وهو الهروب إلى الخارج والانضمام إلى المعارضة .الوضع الاقتصادي :تعود ركائز الاقتصاد الإرتري في معظمها إلى الإستعمارات المتعاقبة على إرتريا فهي التي شكلت ملامحه الأساسية ،وبناه التحتية التي يرتكز عليها إذ تعتبر الدولة الإرترية بمفهومها القانوني دولة حديثة لم يتجاوز عمرها الأربعة عشر عاما ، ومع ذلك فإن أربعة عشر عاماً تعتبر كافية قياساً إلى نماذج اقتصادية متعددة معروفة في العالم استطاعت من خلال خطة عشرية مثلا إحداث نقلة نوعية كبيرة في اقتصادياتها ، نقول ذلك ونحن نعلم أن الجانب الأيدلوجي لم يكن أحد جوانب الإخفاق في تجربة الحكومة الإرترية فقد بدأت منذ وقت مبكر التخلي عن الأطروحات الاشتراكية لصالح النموذج الرأسمالي الذي يعتمد سياسة السوق الحر ، ومن هنا إذا تتبعنا تجربة الاقتصاد الإرتري مثلاً نجد بداية مشجعة بدأتها الجبهة الشعبية من خلال عقدتها للمؤتمر الاقتصادي في يوليو 1991م ـ أي بعد شهر واحد من التحرير ، وقد أختص هذا المؤتمر بوضع السياسات الاقتصادية والإستراتيجية للقطاعين العام والخاص ودور الاستثمارات الخارجية في التنمية وقد بدا واضحاً في هذا المؤتمر التخلي عن الطرح الاشتراكي الذي كان يغلب على كافة أدبيات الجبهة الشعبية ، كما خطت إرتريا خطواتها نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال اكتساب عضوية المنظمات والهيئات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1994م كما انضمت إلى منظمات إقليمية مثل ( الكوميسا ) وغيرها ، هذه العضوية التي جاءت وسط تعاطف كبير من هذه المنظمات وكذلك الدول التي أبدت رغبة كبيرة في مساعدة هذه الدولة الوليدة ، كان يمكن أن يكون لها اثر كبير على الاقتصاد الإرتري من خلال تقديم المشورة الاقتصادية والدراسات الفنية هذا فضلاً عن القروض والمنح ، لكن ووفق رواية الراحل الأستاذ ابوالقاسم حاج حمد الذي كان يشغل مستشاراً اقتصادياً للرئيس الإرتري فإن إرتريا كانت أمامها فرص كبيرة في المجالات الاقتصادية ، حيث طلبت أكثر من مجموعة استشارية دولية ومن بينها مجموعة يرأسها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ( جيمس بيكر ) حيث طلبت هذه المجموعة التي تتمتع بعلاقات عامة هائلة في المجتمع الغربي أن تتولى تنمية الاقتصاد الإرتري فقط بشرطين والشرطان هما :1/ ضمانات من جهة ذات سمعة دولية ومقدرة على توفير الضمانات المالية والبنكية المطلوبة .2/ حريات عامة وإتباع سياسة السوق الحر في الدولة ، إذ تمنع القوانين الأمريكية على مجموعات العمل الأمريكية التعاون مع الدول ذات النهج الدكتاتوري .ووفق رواية حاج حمد فإن الضمانات وفرتها دولة الإمارات ممثلة في الراحل الشيخ زايد من خلال علاقة المرحوم حاج حمد وللتعاطف الكبير الذي يكنه الشيخ زايد للشعب الإرتري ، لكن التردد جاء من قبل الرئيس الإرتري اسياس افورقي ومن هنا ضاعت على إرتريا فرصة كبيرة في تطوير الاقتصاد الإرتري ونقله إلى مصاف الإقتصادات العالمية خاصة وإن نموذج ( سنغافورة ) هو الذي كان يتردد في مخيلة الجميع .عموماً لم تستمر إرتريا في إتباع نهج علمي في إدارة اقتصادها ومعرفة مصادرها وكيفية تطويرها ، وجاء ذلك كنتيجة حتمية لطبيعة هيكل الدولة التي شكلت الرئاسة هي محور كل شيء ، وبطبيعة الرئيس فإن التشكيك في كل المبادرات كان هو الدأب الذي أجهد كل مبادرة في هذا الاتجاه ، وبالتالي لم يخرج الاقتصاد من الدائرة التقليدية فمثلاً في عام 2004م نجد إن الصادرات الإرترية انحصرت في المواشي ، الذرة ، النسيج ، الأطعمة ، بعض المعدات الصغيرة ، حيث بلغ حجم الصادرات الإرترية 64.44مليون دولار أما الواردات فبلغت 622مليون دولار وتمثلت الواردات في الآليات والمعدات ، البترول ، الأغذية والبضائع المختلفة وقد بلغ الإنفاق العسكري لوحده 151مليون دولار ومن هنا يتضح حجم الفارق في الميزانية لذا فإن كثير من المنظمات الدولية تقدر نسبة السكان تحت خط الفقر بحوالي 65% من السكان ترتفع هذه النسبة لتصل الى 89% من سكان الريف ، هذه الأزمة الإقتصادية يبررها أركان النظام خاصة السيد / حقوس كشة مسئول الاقتصاد في التنظيم الحاكم إلى الأوضاع غير الطبيعية التي تعيشها إرتريا ويقصد حالة الحرب معه إثيوبيا والتي تلتها حالة من اللا حرب واللا سلم وهى حالة تؤدى إلى استنزاف مقدرات الدولة دون شك . هذا وقد أنشأت إرتريا مركز إرتريا للاستثمار ( EIC ) وهدفه تشجيع المستثمرين الأجانب وتوفير معلومات أساسية لهم ولكن الظروف السياسية وحالة عدم الاستقرار لم يجعل هذا المركز يؤدى نشاطه كما كان مخطط له ، وعموماً نستطيع أن نقول أنه وفق المعلومات المتاحة فإن الاقتصاد الإرتري على حافة الانهيار وقد نشرت المواقع عن تفاصيل اجتماع بين الرئيس وثلاثة من مساعديه هم السيد ولداى فطور وزير التنمية والاقتصاد الإرتري إضافة إلى مدير البنك التجاري الإرتري ومحافظ البنك المركزي الإرتري والذي شرحوا فيه للرئيس رؤيتهم حول مآلات الوضع الاقتصادي الذي يشرف على الانهيار، وقد رفض الرئيس كعادته وتشكيكه في كل رؤيا تخالف ما يعتقد هذا التوصيف ، وهذه واحدة من آفات الاقتصاد الإرتري . وفي ظل وضع كهذا نجد أن متوسط المرتبات في إرتريا هي 500نقفة أي ما يعادل 25دولار وهو مبلغ لا يغطي نفقات خمسة أيام من الشهر ، ولكن حتى هذا المبلغ هو فقط للمحظوظين إذ تعتبر البطالة هي السمة الغالبة للإرتريين عدا كبار السن في موسم الزراعة أو الرعاة وبالتالي فإن المؤسسة العسكرية هي التي تستوعب غالب الطاقة الإنتاجية في البلد وهم الأعمار بين (20ـ 45) سنة ، هذا قد دخلت معظم السلع مثل السكر والخبز والبن كروت التموين وبالتالي لا تجدها إلا في السوق السوداء التي أصبحت اقتصادا موازي للاقتصاد الإرتري الرسمي ، كان يتوقع أن يؤدى فتح الحدود مع السودان إلى تخفيف الضائقة الاقتصادية خاصة في المنطقة الغربية ولكن القيود التي فرضتها الدولة على تجارة الماشية حالت دون ذلك إذ تقتضي السياسات بيع المواشي إلى شركة حكومية بأسعار زهيدة جداً لا نفي بالمتطلبات الحياتية لهؤلاء . ورغم إن النظام يعاني من مشكلات كبيرة لكن تظل المعضلة الاقتصادية هي أكبر مهددات النظام في ظل حالة الاستنزاف والضغط الذي تشكله الحالة مع الجارة إثيوبيا .ملف العلاقات الخارجية : يعتبر ملف العلاقات الخارجية من الملفات الهامة لدى كل دولة ن وخاصة دولة وليدة مثل إرتريا التي شهدت استقلالها في ظل ظروف دولية معقدة أبرز ملامحها هي انهيار الإتحاد السوفيتي وغياب توازن القوى في العالم لصالح المعسكر الغربي ، وقد بنت ارتريا علاقاتها الخارجية على دعامتين هما : علاقات الجبهة الشعبية السابقة ، والتعاطف الذي وجدته إرتريا بعد التحرير ، ورغم وجاهة هاتين الدعامتين إلا أن استفادة إرتريا من تلك العلاقات لم يكن بالحجم المأمول ، ولكن على ارض الواقع يبدو أن الخطاب الثوري الذي انتهجته إرتريا خاصة رئيسها أسياس أفورقي في المحافل الدولية جعل الكثيرون يتوجسون من مستقبل الارتباط بهذه الدولة الوليدة ، ولعل الأكثر من ذلك هو الفرضيات الخاطئة التي بنت عليها إرتريا موجهات سياساتها الأولي ، إذ تمثلت في فلسفة مفادها طالما كنت تستطيع أن تتعامل مع الأصل فلماذا تشغل نفسك بالفروع ، والمعني هو طالما تستطيع أن تقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل فأنت لست بحاجة إلى العلاقات مع الآخرين لأنهم سيكونون مجبرين عليك ، وقد ظهرت هذه الفلسفة في كافة خطابات ومقابلات الرئيس والمسئولين الآخرين الذين يقلدونه ، وقد ترتب على ذلك توتر العلاقات مع المنطقة العربية برمتها حيث أنكرت الجبهة الشعبية إي دعم حقيقي للعرب للقضية الإرترية ، ولم يمضي على تحرير استقلال إرتريا عام واحد حتى كانت السفارة الإسرائيلية في وسط اسمرا وحديث لا ينتهي عن الطموحات الإسرائيلية والخبراء الذين يتجولون في كافة مناطق إرتريا ، وكثر الحديث عن أمن البحر الأحمر ، وعن الثغرة التي تشكلها إرتريا بحكم علاقاتها المشبوهة مع إسرائيل ، ولكن كل ذلك لم يزد القيادة الإرترية إلا تمسكاً بمبدئها ، ورغم موضوعية التبرير الإرتري بأن العرب الذين يتحدثون عن حرمة العلاقة مع إسرائيل هم نفسهم يقيمون علاقات سرية أو علنية إلا أن الحقيقة هي أن إسرائيل طوال فترة النضال المسلح كانت ضد مصالح الشعب الإرتري ، ثم أن إرتريا بحكم محيطها الإقليمي فإن المصالح المترتبة على إقامة علاقات جيدة وراسخة مع محيطها أكثر فائدة وجدوى اقتصاديا وسياسياً من العلاقات مع إسرائيل التي تعتبر في حد ذاتها دولة رغم ثقلها الذي هو مدار حديث طويل لكن الحقيقة أنها دولة تعيش على المعونة الأمريكية بدرجة كبيرة ، خاصة وان الدول العربية كانت قد أبدت تعاطفاً كبيراً مع القضية الإرترية وكانت على استعداد لدعمها . هذا وقد اعتبرت الدول العربية ما حدث في أرخبيل جزر حنيش هو تنفيذ للطموحات الإسرائيلية وقد استطاعت اليمن تسويق هذه الرؤية في المنطقة العربية بصورة جيدة .العلاقات مع الغرب اعتراها عدم التزام ارتريا بالمعايير التي يعتمد عليها الغرب في تقديم المساعدات ، مثل الشفافية والسوق الحر والحريات وهو ما اعتبرته إرتريا تدخلاً غير مبرر في شئونها الداخلية وبالتالي فعلاقة إرتريا انقطعت منذ وقت مبكر مع الجهات التي لها علاقة بتطوير الاقتصاد ، كما انقطعت علاقاتها بالدول التي ترجو منها دعماً سياسياً نتيجة الحرب مع إثيوبيا التي يعتبرها الكثيرون حرب غير مبررة وان العقلية الإرترية هي التي تسببت فيها ، هذا غير التصرفات الإرترية مثل طرد السفير الإيطالي وهو ممثل الإتحاد الأوربي في أكتوبر 2001م ، والمخاشنات مع الإدارة الأمريكية ، وهكذا نجد العلاقات الإرترية قد دخلت في مأزق كبير جداً تحاول الحكومة الآن ترميمه من خلال إعادة العلاقات مع بعض دول الجوار كالسودان ، واليمن وبعض الدول العربية خاصة دول الخليج ، كما تسعى الآن لمد الجسور مع الإتحاد الإروبي . لم تتوقف الشكوك الغربية عند هذا الحد بل زاد من ذلك طريقة تعامل الحكومة الإرترية مع المنظمات الطوعية التي تطالبها دائماً بتسليمها المعونات لتشرف عليها ، وهو ما يخلق أزمات متكررة مع هذه المنظمات كما أن موقف الحكومة الإرترية من قضية اللاجئين والعودة الطوعية أوصل هذه المنظمات إلى قناعة بان إرتريا غير جادة في هذا الموضوع ، كل هذه المؤشرات دون شك تسربت إلى ملف العلاقات الإرترية الغربية وهو مالم يكن في صالح إرتريا كما أثبتت الأيام ، بيد أن المعاناة الكبرى في هذا الملف تمثلت في علاقة إرتريا بدول الجوار إذ تأزمت العلاقات مع السودان في نهاية عام 1994م ووصلت إلى حد أشبه بالحرب ، كما تأزمت مع اليمن في عام 1995م عقب احتلال إرتريا لجذر حنيش ودخلت حرب طاحنة لمدة عامين مع إثيوبيا في 1998-2000م ولا تزال العلاقات هي بلا حرب ولا السلم ، كما توترت علاقة إرتريا بالمنظمات الإقليمية فوصفت الجامعة العربية بأنها نادي لا فائدة منها ولا ترغب في دخوله ، ووصفت منظمة الوحدة الأفريقية بأنها منظمة متواطئة مع إثيوبيا ، وأخيراً سحبت عضويتها من منظمة الإيغاد ، كل هذه التصرفات وإن كانت تحمل بعض أوجه الحق أحيانا لكنها أظهرت إرتريا باعتبارها دولة مشاغبة ، خاصة وأن العلاقات الدولية في هذا العصر تبني وفق نظريات تبادل المصالح وتجنب الخسائر ما أمكن وهو مالم تستوعبه العقلية الإرترية رغم مرور فترة كافية لتغيير القناعات الثورية والانتقال إلى مربع الدولة .خاتمة : هكذا نجد إرتريا بعد مرور ستة عشر عاماً على تحريرها دولة تعاني من أزمة دستورية وأزمة داخلية عميقة تهدد كيان الدولة ، ووضع اقتصادي منهار وشباب يبحث عن الخلاص في المنافي والهروب عبر الصحراء والمحيطات ، وعلاقات دولية وإقليمية متوترة ، وفي اعتقادي فإن الحلول تأتي وفق ذات الترتيب وهو حل المشكلة السياسية الرئيسية في إرتريا عبر حوار وطني ينقل البلاد إلى وضع دستوري يسع الجميع وفق نظام ديمقراطي تعددي يسمح بالحريات الأساسية للجميع ، وإطلاق سراح المعتقلين وتعويضهم ، ومن ثم التفكير جميعاً في مصير وطن يكون أو لا يكون . * نشر كمقال رئيسي في مجلة صدى الأحداث العدد (29) يونيو 2007م التي يصدرها المركز الإرتري للخدمات الإعلامية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى