مقالات

صورة الرئيس الذي لا نريده : أبوبكر حامد كهال – شاعر وروائي – إرتريا

10-May-2012

المركز

نشرت هذه المادة بمجلة ( الثقافة الجديدة ) – مصر- ضمن ملف عدد شهر مايو الجارى ، بمشاركة عدد من الكتاب والمفكرين العرب .

لم أولع بشئ في حياتي مثل ولعي بإجراء المقارنات والمقاربات على حالات وصور ما تشهده وشهدته ساحاتنا السياسية ومحاولة مطابقتها ببعضها البعض . هذا ما أقوم به بالضبط حالما تصادفني واحدة من تلك الحالات التي يحبل بها واقعنا المعاش . حيث سرعان ما أخذ الحالة الماثلة وأقوم بتمديد معطياتها وإحداثياتها وكافة أبعادها المنظورة وغير المنظورة على الحالة أو الحالات المشابهة المخزنة لدى في الذاكرة أو على تلك التي تجرى فصولها تواً على أرض الواقع . وقد لا يجد الآخرين صحة في النتائج التى تتمخض عن تلك المقارنات . ولكن من المهم القول إنني لا أقدم على تلك الطريقة في استقراء واستنطاق الواقع من باب إشباع الفضول ، بل من منطلق محاولة الثبات في وجه تلك الأسئلة الحارقة من مثل هذا السؤال الذي يقول : ماذا لو كان الرئيس الذي يحكم سوريا حالياً مواطن آخر غير الأسد . هل كان ليسلك مسلكاً أو تصرف على عكس ما يتصرف به الرئيس السورى ؟! هذا هو السؤال ببساطة . ولكن يا ترى هل ستكون الإجابة بمثل بساطة السؤال ذاته ؟ حتماً لا . إذا كانت الإجابة بـ ” نعم ” ، فهناك أمل كبير في أننا سنفوز في المستقبل برئيس أو برؤساء جيدين . أما أن كانت بـ ” لا ” . أى أن أى مواطن آخر في مكان الأسد كان ليستميت في الدفاع عن كرسي السلطة أكثر مما يفعل بشار الآن . وأكثر مما فعل معمر وبن على ومبارك وعلى صالح . فهؤلاء أيضاً وقبل كل شئ كانوا مواطنين عاديين . هذه النتيجة التي بين أيدينا ترينا أننا سنخسر حتماً رهاننا الذي راهنا به على استقامة ونزاهة ذلك المواطن بنسبة مائة في المائة . ومن ثمة لتتأكد لنا حقيقة واحدة ، هى أن حقولنا سوف لن ولن تعطى إلا من نوع ما يبذر فيها من بذور . فالمسألة تتجاوز كل التعقيدات التى نتصورها عنها . وحسب اعتقادي فهي لا تنتهي فقط عند أغوار رحم المقدس وتقاطعاته الحادة مع ما هو فكرى و الذي لا ننتج منه شيئاً بسبب أننا ظللنا نكتفي بالوقوف عند تخوم سطح السؤال وسطح المشكلات عوضاً عن الغوص عميقاً كما يغوص المحفار داخل التربة الصلبة . وطالما كان هذا هو حالنا فلا عجب إذن من أن يلاحق الفشل كل مشاريعنا الكبرى . المسألة إذن بالدرجة الأولى هي غياب أو انعدام المنظومة الفكرية التى تقودنا . فنحن منذ قرون طوال لم نتجرأ على الاقتراب من ملامسة الواقع والاشتغال عليه مطلقاً . نكتفي فقط بالمسايرة ، وانتظار حدوث المعجزات لتنقلنا إلى مستقبل زاهر…..الحلم الذي لن يحدث مهما أطلنا الانتظار . وهنا عبر الأسطر التالية سأقدم شكل أو هيئة الرئيس الذي لا أرغب ان أراه متبوئاً سدة السلطة . وفي الواقع فإن شخصية الرئيس التى سأقدمها هنا عايشت مراحل حلمها في سعيها نحو السلطة .نعم . تلك حقيقة . كنت مع الرئيس القادم الذي لم ينصب لأسباب ستشرح نفسها بنفسها ضمن المتن على أي حال . وعلى العموم لم يكن لقصتي هذه مع الشخصية التى أنتوي تقديمها أي أهمية تذكر . حيث كانت مجرد تجربة ضمن تجارب حياتية كثيرة طواها النسيان وظلت قابعة في مكان غير منظور من الذاكرة إلى أن أنفتحت فجأة لمناسبة كتابة هذه المقالة . سوف لن أرسم صورة للرئيس الحلم لأنني في الحقيقة أملك مقلوبه أو الصورة الكابوسية ، وهو أنموذج التقيته وناقشته ثم كرهته . إذن سأتكلم هنا من وحى تجربة لي عشتها مع من كان يمكن له أن يتبوأ منصب الرئاسة لأحد الأقطار . واطمح من القارئ هنا تفهم أسبابي في عدم ذكر اسم ذلك القطر ولا اسم شخصية الرئيس المفترض الذي كان يحلم باحتلال كرسي الرئاسة لأن تلك الشخصية لا زالت على قيد الحياة كما و أنها لا تزال تخوض غمار العمل السياسي بجدية تحسد عليها وفي المقابل أعد أن أكون صادقاً على صعيد تفاصيل الوقائع كما هي . لم أكن من القطر الذي ينتمي إليه الرجل بل كنت من قطر آخر ليس حتى جار لذلك القطر وأن تشابها في الظروف التاريخية والمكونات الأثنية والعقدية إلى حد ما . هرب هو من بلاده إثر إنقلاب عسكري أحمر فاق في ( حموريته ) اللون الأحمر نفسه على نظام عسكري أسبق جاء هو نفسه على ظهور الدبابات . وخرجت أنا من بلدي لا ألوى على شئ جراء ظروف لا تختلف عن ظروف صاحبي إلا في بعض التفاصيل .المحصلة التقينا أنا وهو في بلد ثالث اتخذنا منه منفى لنا . هناك إذن جمعنا شر البلية وتوطدت علاقاتنا مع الأيام . عرفت الخلفية التى تحضر منها . كما اطلعت على ما يمكن تسميته بسجل حياته السابقة في بلاده حيث استقيت الجزء الأعظم منه هو شخصياً ، والجزء الآخر أخذته من بعض المحيطين به . وما خرجت به من كل هذا هو أن الرجل لم يكن يتعاطى مع الشأن السياسى ولم يرد اسمه في المدونة السياسية للبلاد على الإطلاق ولم يكن أصلاً حتى من هواتها . كما أنه لم يكن له دور مع ثلة العسكر السابقين الذين أطيح بهم سوى ما ربطه من صلة قرابة بعيدة بالرجل الاول في الثلة الحاكمة وقد اتاحت له تلك القرابة من تسلم مفاتح الميناء الأهم في البلد وظل طوال السنوات الأربع – فترة استمرار ذلك القريب بالسلطة – يلهف جل مداخيل الميناء حيث لا يمكن لأحد مساءلة شخص مقرب من المفترس . وأمر آخر أرعبني حقاً ، هو ما علمته من أن الرجل كان ضالعاً في صفقة إدخال نفايات سامة إلى البلاد ، وطمرها في أراض رعوية شاسعة مما أفقد البلد – الفقير أصلاً – قطعة عزيزة كانت ملاذ الفقراء . إذ أنها حذفت نهائياً من الخارطة الرعوية وباتت بالنسبة للرعاة تلك الجنة المفقودة .. تلك كانت إطلالة على عالم صاحبي ، الذي هرًب إلي الخارج كل الأموال التى نهبها وظل يعتاش منها لسنوات . إلى أن سمع ذات يوم عن صدور عفو عام في البلاد وصدور قرار بتنظيم انتخابات رئاسية . هنا أحس الرجل أن فرصته قد جاءت ، وان الكرسي ينتظره ، فعقد العزم كله على الترشح وخوض الانتخابات ، خاصة أن الأموال التى تعينه على المشوار متوفرة . وهكذا في إحدى اماسى المنفى أطلعني على رغبته هذه . من جانبي لم أخذ الأمر مأخذ الجد ، فالرجل في رأى لم يخلق لمهمة كهذه ، حيث أنه لم يكن يتحدث في السياسة وكان يكتفي عن أحوال البلد وحياة ناسها بما يسمعه من الناس . نعم كان فيما مضي ضمن بطانة العسكر التي ظلت تنهش البلد . ووفق سيرته التي تجمعت لدي فالرجل يعد أحد خريجي بلاط الفساد . والآن ها هو يريد أن يصبح قائداً للبلد !بسرعة جمع حول نفسه عدد مقدر من الشخصيات السياسية المنفية. وكون خلية عمل لوضع البرنامج السياسي والخطط والتيكتيكات والاتصالات الضرورية بأطراف في الوطن وخارجه وترتيبات كثيرة حتى أنه كون على الورق الحكومة !! . وكانت أسماء من المحيطين به وأسماء بعينها في الوطن في جلهم من الأقرباء قد توزعت الحقائب الوزارية . حين أخبرني بمسعاه في الترشح ، ظننت أن الرجل يمزح ولم أدرك أن خبل الترشح للرئاسة قد تمكن منه ، إلا بعد أن اطلعني على أوراق ومستندات التسجيل للمنافسة في السباق مختومة بأختام اللجنة العليا للانتخابات . طبعاً كل تلك الإجراءات قام بها محامى الرجل وممثليه في الوطن الذين قاموا أيضاً بجمع التواقيع المطلوبة المنصوصة كفقرة من شروط التقدم للتسجيل وتُجمع من سكان الإقليم أو المنطقة التي ينتمي إليها المترشح . وإذا لم تخن الذاكرة فإن التواقيع التي كان يتطلبها التسجيل هى خمسة ألف توقيع . حُكى لي فيما بعد أن تلك التواقيع جمعت في يوم واحد فقط ، حيث تصادف وصول ممثلي الرجل لجمع تلك التواقيع مع وفاة أحد أكبر عُمد الإقليم ، فكان أن رابطوا أمام سرداق العزاء وأخذ تلك التواقيع من المعزيين . الذين لم يجادلوا كثيراً في الأمر بسبب أن المرشح ولدهم وما أقدموا على ذلك إلا تعصباً للقريب وليس لأنه أهلاً للمهمة الجسيمة . وهكذا قبيل موعد الانتخابات بشهرين تقريباً حطى الرجل رحاله على أرض الوطن . سافر معه أيضاً معظم رجال المنفى . وأول خطوة أتخذها كانت الإتصال بالسفارات – خاصة سفارات الدول المؤثرة – لعرض رغبته المبكرة في التعاون معها . وكان في مفهومه أنه ما لم يرض عنه هؤلاء السفراء فأنه لن يصبح رئيساً للبلاد حتى لو أعطته الصناديق ذلك الحق . ومع تجاهل تلك السفارات لمراسلاته ومكالماته داخله اليأس وكان طوال الفترة التي يظل فيها صاحياً يظل ملتصقا بالهاتف ، حالماً بانهمار مكالمات السفارات عليه طالبة خطب وده الأمر الذي لم يحدث أبداً . وأمام هذا اليأس وصدود السفارات ، تفتق ذهنه على خطوة رأى أنها ذكية للغاية ، وراح وبلا حرج يمتدح ذكاءه أمام الجميع ، وكيف أنه بهذه الخطوة الجبارة كان يعتقد أنه أصبح على رأس قائمة أذكياء البلد . وأن كل مرشحي الرئاسة الثمانية الآخرين لا يمتلكون مثل ما يمتلك من ذكاء . كانت الخطوة التي يصفها صاحبي بالذكية هي إرسال خطاب سرى للغاية يوجه للعسكر سكان القصر يطمئنهم خلاله على أنه في حال فوزه سيراعي مصالحهم وكانت الرسالة تحوى الكثير من النقاط التى تغازل العسكر ظناً منه انها ستلقى هوى لديهم خاصة فقرة المداهنة هذه التي – ورغم اعتراض الكثير من رجاله عليها – إلا أنه و لسوء طالعه أصر عليها بطريقة غريبة تقول الفقرة أن : ” خطه السياسي سيكون امتداداً لخط سياسة العسكر الذين حققوا للوطن إنجازات لا تنكر ” . فبدلا من أن تساعده استغلها خصومه لاحقاً ضده عقب تسريبها من القصر. كيف سربت إلى الخصوم وإلى الصحافة لا احد يدرى ؟ لكن ظهورها بلا شك كان بمثابة جرار ماء بارد تكسرت فوق رأس الرجل دفعة واحدة .. تلك كانت إذن القشة التي قسمت ظهر البعير. ففي أوج المعمعة الانتخابية ، وفي لحظاتها الحاسمة . ظهرت الفقرة ” الكارثة ” – كما يقول رجاله – على صدر صفحات صحف الأحزاب المنافسة وأجهزة الإعلام كافة… الأمر الذي ادى في النهاية إلى سقوط سمعة ومصداقية الرجل في الوحل . فلو ان تلك الانتخابات كان قد كتب لها أن تعقد في موعدها المقرر. ولم تباغت تلك الجمهورية بعسكر جدد على ظهور دباباتهم ليحلوا هم مكان سكان القصر القدامى وينسفوا بمقدمهم العملية من أساسها لما نجح الرجل لأن تلك الرسالة قد قضت على حلمه في الرئاسة إلى الأبد جراء آثارها السالبة . وأنا وإن كنت من حيث المبدأ لست مع الانقلابات العسكرية حتى وإن كانت ضد الشيطان نفسه إلا إنني أحسست أن البلاد بلا صاحبي على كرسي الرئاسة ستصبح أفضل حالاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى