مقالات

كلمة المجلس الوطني في حفل تأبين المناضل الشهيد الشيخ/ أبي ماجد‎

18-Oct-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

قال عز من قائل:( قال تعالى:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرةوقال تعالي:{منٓ المُؤمِـنينٓٓ رِجالٌ ، صٓدقُوا مٓا عٓاهٓدُوا اللهٓ عٓلْيهِ ، فٓمِنْهُم مٓنْ قضٓي نٓحْبٓهُ ومنهم مٓن يٓنْتٓظِر ، وما بٓدّٓلوا تٓبْدِيلاً} الأحزاباسمحوا لي في هذه الكلمة أن أتحدث أصالةً عن نفسي و نيابةً عن إقليم استراليا للمجلس الوطني ، وعن القوي السياسية الأخري. واتقدم بالشكر للجالية الإرترية لاستضافتها هذا الحفل.

إننا اليوم نفتقد رجلاً من أعز الرجال ، فقد رحل عن دنيانا الفانية ، رجل هو خير الرجال في عصره وأوانه ، ولا نزكي علي الله أحدا ، وهو حسيبه. إنه الشيخ والمناضل والمجاهد أبو ماجد رحمه الله ونفعنا أجره. فهو السياسي المحنك والقبادي الملهم والاداري النزيه والقاضي العادل والخطيب المفوه والكاتب البارع صاحب القلم المتمكن ، وهو المفكر القدير والشيخ الفقيه والداعية المصلح والعالم النحرير والإنسان المتواضع ورب الأسرة الحنون والمربي الفاضل. إنه المناضل الشهيد بإذن الله حامد صالح تركي (أبو ماجد) طيب الله ثراه.
أقول فيه شهادة تلميذ أخذ عنه في فترات مختلفة من مراحل تكوينه الفكري والسياسي. وزميل عمل سياسي تابع وإبن وأخ أصغر. فقد عرفت الشهيد في نهاية العام 1987 . وقد استمرت علاقتي بالرجل في فترات متقطعة فظللت التقيه في مناسبات مختلفة. وظلت هناك فرص طيبة سنحت لي للاتصال بالفقيد بعد ذلك كان آخرها في شهر يونية الماضي. فيحق لمثلي أن يقول شهادته عن تجربة حقيقية ، وأسأل الله أن أوفيه حقه.
كان الشهيد الشيخ أبو ماجد رجلاً متصالحاً مع نفسه ، لا يقول ما لا يفعل ، وكان خلقه أقرب لأخلاق النبوة حيث قالت السيدة عائشة رضي عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم: كان خلقه القرآن. وهو ممن نهلوا من القرآن وتشرفوا بحفظ كتاب الله حيث نشأ في أسرة تحب الدين وتعتني به في مسقط رأسه في (متكل أبيت) شمال قندع في إقليم سمهر، ثم كانت رحلة الاستزادة من العلم الي كل من علي قدر في غرب إرتريا ، ثم الجزيرة في السودان ثم الأزهر في مصر انتهاءً ببغداد في العراق. وفي كل تلك المحطات كان القرآن وعلومه والشريعة والمعرفة بحقوق الناس والقانون هي زاده في مسيرته العلمية. ولقد فطن الي ضرورة الدعوة الي الله بالتي هي أحسن ، بالإضافة الي الاهتمام بقضية الشعب الإرتري. وكانت كل تلك الاهتمامات تتمثل له قضايا عظيمة تتعاظم في نفسه وتختلج بروحه وتفكيره ، فكرّس لها سني شبابه وكهولته.
يعتبرالمناضل الشهيد القائد الشيخ: حامد تركي من الرعيل الأول للثورة الإرترية فهو من مؤسسي اتحاد الطلاب الإرتريين بالقاهرة ، ثم إلتحق بجبهة التحرير الإرترية مع زملائه الطلاب عند إنشائها بالقاهرة عام 1960م. ثم كان من مؤسسي الاتحاد العام لطلبة إرتريا ببغداد. وعند انتهاء مدة دراسته ببغداد التحق بالميدان بجهاز القضاء بالجبهة تحت إمرة زميله ورفيق دربه الشهيد محمد إسماعيل عبده عليهما الرحمة. وعرفا بنزاهتهما وعمق تمسكهما بتعاليم الإسلام والدعوة اليه في جو معادٍ للدين خاصة بعد استشهاد زميلهما سعيد حسين. فاعتقلا وعذبا مع زملائهما في التحالف الوطني الذي تكون من الوطنيين والاسلاميين والعروبيين لإصلاح مسيرة الجبهة. وعند إطلاق صراحه بعد هزيمة الجبهة ودخولها السودان كونا منظمة الرواد المسلمين بعد التفاوض مع الحركة الإسلامية الإرترية ، والعجيب أن الرجلين لم يسعيا الي تولي قيادة العمل في تنظيمهما حتي مع إصرار تلامذتهما علي تقديمهما. والأعجب أنني مع تعدد لقاءاتي بالشهيد لم اسمع منه ما يسئ لجلاديه في سجون الجبهة ، بل كان يذكر محاسن القاضي النذيه الذي كان يرد دعوي المحقق الذي لفق له التهم وانتزع منه اعترافات تحت التعذيب. فالشيخ أبو ماجد عف اللسان طاهر الثوب نظيف اليد رحيم القلب ، وعاش رقيق الحال ولا يبالي بالفقر وهو المؤهل للعمل بأي موقع. وكابد المرض وصبر ونسأل الله أن يجزيه الجنة. وفي هذا المقام أذكر أنه قد حضر الي القاهرة للاستشفاء وكنت ضمن من استقبله. وقد رتب له بعض الطلاب لقاءً مع مسؤول في مركز الأهرام للدراسات والمسؤول مهتم بالشأن الإرتري وذهب الي الساحل أيام الثورة وكان متعصباً للجبهة الشعبية ، وكان يعرف الفقيد سماعاً فحب أن يلتقيه. لكن الشهيد أبا ماجد لشدة نزاهته وحرصه علي أداء الأمانة طلب أن يتم الاستئذان من الاخ محمد توكل الذي سهل له التأشيرة ، حتي لا يكون قد كذب عليه بان زيارته للعلاج ثم يقوم بعمل سياسي ، لكن الطلاب أقنعوا الرجل العظيم بعد تعذر الاتصال بتوكل أن الموضوع في إطار تبادل التعارف فقبل الذهاب الي اللقاء. فرتب له المضيف دون طلب من الشيخ لقاءً مع مجلس العلاقات الخارجية التابع لوزارة الخارجية المصرية لشدة إعجابه بأفكار الشيخ أبي ماجد. لكن عملاء أبلغوا السفارة الإرترية التي قدمت احتجاجاً لدي الخارجية فتم ترحيل الرجل دون إكمال علاجه.
والشيخ من الرعيل الأول للعمل الإسلامي الإرتري مع الشهيد سعيد حسين والشهيد محمد إسماعيل عبده ، وقد تأثر بمدرسة الإخوان المسلمين إبان تواجده بمصر ، ولكن كان هو ورفيق دربه الشهيد الشيخ محمد إسماعيل عبده ،مفكرين لا يعملان بروح المقلدين ، مما أهلهما لنقد بعض جوانب الفكرة ، حيث أوجدا بالتلاقح مع مفكرين إرتريين آخرين مدرسة فكرية إسلامية إرترية خالصة . وقد أوقع ذلك في نفوس المدرستين المصرية والسودانية شيئاً تجاه الحركة الإسلامية الإرترية. فالمدرسة السودانية التي قادها الشيخ الترابي (التي تميزت بالبرغماتية السياسية) كانت تري فيها روحاً سلفية تتمسك بفهم السلف الصالح في قضايا العقيدة الإسلامية بما يشبه المدرسة المصرية. أما إخوان مصر فكانوا يأخذون عليها انفتاحها الواسع علي المجتمع وعدم التشدد في معايير العضوية النخبوية التي ميزت الإخوان.
وهذا التوازن في الفهم لحقيقة الإسلام وتجاوبه مع حاجات المجتمع ، والرؤية المتقدمة في إطار المنهج الإسلامي والتعايش مع الواقع الإرتري هو الذي جعل من المدرسة الإسلامية الارترية بكل تفرعاتها لا تقبل بالفكر المتطرف للقاعدة وأخواتها. فحتي أولئك الذين اتهموا الشيخ الشهيد وأنصاره في مسألة الحوارات الوطنية (مع ما أسموها القوي العلمانية الملحدة في ذلك الزمان) والتي أفضت الي تكوين التجمع الوطني ، لم يجدوا بداً من الرجوع الي الحق واللحق بالركب الوطني ، بل قاموا بمراجعات وأصبحوا خبراء في القيادة الوطنية والإعداد لمؤتمرات ومنتديات التحالف والمجلس الوطني. وكل القوي السياسية تعرف الفضل للشيخ أبي ماجد ورفيق دربه الشهيد أبو نوال في التقريب بين الرؤي وإصلاح ذات بينها. فهو رجل الوفاق وحادي ركب كل التوافقات تقريبا في إطار التحالف في جميع مراحله التاريخية ، وصولاً لصيغة المجلس الوطني. وعرف عنه الدفاع عن المظلات الوطنية الجامعة. لكنه كان صلباً في مواقفه حين يؤمن بقضية أو يعزم أمراً ، و كانت حياته مليئة بالإصرار والصبر والمثابرة والعزيمة وقوة الشكيمة ، مع اللين حين لا يقتضي الموقف المواجهة ، وكان نعم المؤمن الكيس الفطن. وكان دائماً داعية للحوار والتلاقح الفكري والتعاون السياسي ، وكان ديدنه نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، وكان يأخذ بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الحكمة ضالة المؤمن ، أني وجدها فهو أولي بها. ومن ثمرات التربية العظيمة التي أولاها للحركة الإسلامية الإرترية بكل فروعها أنك لا تجد تطرفاً في الفهم حتي عند الحركات الجهادية والسلفية. فلا تجد من أنصار الحركات العاملة من تستهويه أفكار القاعدة وأخواتها.
وأخيرا ، وليس آخراً ، لصعوبة استدراك كل جوانب تميز الفقيد فإنني أكتفي بهذا القدر. مقدماً التعازي أصالةً عن نفسي ، ونيابةً عن جميع زملائي أعضاء المجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي لأسرة فقيد الوطن الشهيد أبي ماجد ، واعزي أبناءه : الدكتور ماجد، والدكتور راجح ، والدكتور رضوان ، والمهندس خلدون والاستاذة وفاء،والطالب ياسر أخلفهم الله خيراً في مصيبتهم وجعل البركة فيهم. ونتقدم بالتعازي كذلك لأحبائه وزملاء دربه المناضلين عامة ، ولاخوانه في الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية بقيادة المناضل أبي سمية صالح محمد عثمان ، داعين المولي عز وجل أن يقبل الشيخ عنده ، وأن يدخله الفردوس الأعلي مع الأنبياء والصديقين والشهداء الصالحين وخير أولئك رفيقا. الهمّ أبدله داراً خير من داره وأهلاً خيراً من أهله ، وأغفر له وأكرم نزله ، الهمّ لا تفتنا بعده ولا تحرمنا أجره وأغفر لنا وله.
الي جنات الخلد باذن الله أبا ماجد
قال الله تعالي:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} آل عمران
والسلام عليكم ورحمة الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى