سويسرا تتجه لتعزيز حضورها الدبلوماسي في إريتريا. بقلم/ بيتر سيغنتالر
24-Mar-2018
عدوليس ـ نقلا عن swissinfo.ch
يوم الخميس 15 مارس 2018، أصدر البرلمان السويسري تعليماته إلى الحكومة الفدرالية بالعمل على تعزيز الوجود الدبلوماسي في إريتريا، الذي من شأنه التحقق من كون طالبي اللجوء الإريتريين معرضين لخطر حقيقي على حياتهم في بلادهم، في المقابل، شكك ممثلو الشتات الإريتري في قدرة الخطوة على كشف وضع حقوق الإنسان في بلدهم.
يقول أوكباب تيسفاماريام، وهو إريتري يبلغ من العمر 34 عاماً كان قد فر إلى سويسرا قبل عشرة أعوام: “من عانى مثلي، أو أسوأ مني، يعرف مدى تعسّف النظام الإريتري حيال مواطنيه”، وأضاف: “في إريتريا، كنت في معسكر للجيش، وبعد التدريب، كان يتوجّب علينا العمل في حقول القطن”، ثم إنه اتهم ذات يوم بالرغبة في الفرار، وكما يقول: “تم حبسي ثلاثة أشهر، ثم وُضعت في معسكر للعمل القسري لمدة أربعة أشهر”.
وأوضح: “كان السجن عبارة عن حاوية من الصفيح، يُحشر فيها العديد من الأشخاص، ومرافقها الصحية تعيسة جدا، ولا يُسمح باستخدام المرحاض إلا في أوقات معينة، ومن تنازعه حاجته أثناء الليل فعليه أن يسهّل على نفسه ويفعلها في مكانه، ومن لا يشتغل جيّدا، حسب رأي الحراس، يُوجَع ضربا”في سويسرا، تمكّن تسفاماريام من الحصول على تأهيل مهني، ويعمل حاليا كمتخصص في مجال الخدمات اللوجستية الخاصة بأرشيف التراث الثقافي لمدينة زيورخ، كما يساهم بفعالية في الفدرالية الإريترية لوسائل الإعلام بسويسرا، وهو لم يتحدّث عن حالة معزولة.
فوفقاً لتقرير صادر عام 2016 من قبل لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، حول انتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا، ارتكبت السلطات جرائم ضد الإنسانية بشكل منهجي خاصة في السجون ومعسكرات تدريب الجيش، كما تطرق “تقرير إريتريا 2017رابط خارجي” الصادر عن منظمة العفو الدولية إلى وجود ما وصفها “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، وفي كل عام يسجّل مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين آلاف الإريتريين الذين يفرون إلى الخارج. وفي الوقت الحاضر، يوجد في سويسرا حوالي 32 ألف إريتري، نصفهم من النساء والأطفال، يتمتعون بوضع لاجئ أو بوضع القبول المؤقت.
ليس كل الإريتريين لاجئون:
على نحو خاص، يشكك اليمين المحافظ في سويسرا بحقيقة أن الوضع في إريتريا مأساوي إلى هذا الحد. وفي هذا الصدد، قال ماكسيميليان رايمان، المتحدث باسم كتلة حزب الشعب السويسري في البرلمان الفدرالي: “في البداية، وصلت أعداد من المعارضين للنظام العسكري الذين كانوا مهددين بالسجن، أما حاليا فليس هناك لاجئين، ولذلك يتعللون بأسباب أخرى للحصول على لجوء في سويسرا”، وأضاف مؤكدا: “نريد أن نعرف ما إذا كانت إريتريا تنتج حقا لاجئين، حياتهم في خطر، أم مجرد لاجئين لأسباب اقتصادية، يبحثون عن رغد العيش في بلدان أخرى”.
في الوقت الحاضر، تريد سويسرا التحقق من هذه القضية كي يتسنى لها على المدى البعيد إعادة طالبي اللجوء الإريتريين المرفوضين إلى بلادهم، ولكن ليس من خلال فتح سفارة، كما طالب بذلك ممثلو حزب الشعب السويسري، وإنما من خلال تعزيز الوجود الدبلوماسي في هذا البلد الأفريقي.أمام البرلمان، صرح إينياتسيو كاسيس، وزير الخارجية السويسري بأن سويسرا ستمضي خطوة خطوة، وأن اتصالات أولية أجريت مع الرئيس الإريتري، وتم إطلاق برامج تطوير جديدة من جانب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون: “الآن، الأمر متروك لإريتريا لتتقدم باتجاه الخطوة السويسرية، ويجب أن يكون فتح السفارة الخطوة الأخيرة، وليس الخطوة الأولى”.
وفي معرض رده على أسئلة ممثلي حزب الشعب السويسري في مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان الفدرالي)، أعرب كاسيس عن استعداده للقيام بكل ما هو ممكن لنزع فتيل الهجرة، ولكن المشكلة تتمثل في أن سويسرا لا تستطيع فعل شيء في إريتريا من دون موافقة النظام هناك، وأضاف: “لا يُمكننا التحرك بحرية، ونكون متبوعين وتحت الرقابة”.
لا يُسمح للاجئين بزيارة أوطانهم:
رايمان لم يذهب قط إلى إريتريا، مع ذلك يشك جديا في كون “آلاف المهاجرين من هذا البلد لهم الحق في اللجوء”، وتأييدا لمطلبه، ذكّر حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) بأن “آلاف الإريتريين يغادرون بلادهم دون عائق، ويحصلون على اللجوء في سويسرا ويتمكنون بسهولة من السفر إلى وطنهم لقضاء العطلات والأعياد..”.
من جانبها، أكدت أمانة (أو كتابة) الدولة للهجرة أن بعض الإريتريين يسافرون فعلا إلى بلادهم في العطل والأعياد، غير أن معظمهم من الذين صار لهم عدّة سنوات في سويسرا ومن المتحصلين على الإقامة الدائمة أو من المتجنّسين، وأوضحت الأمانة بأنهم: “فروا هم أو أولياء أمورهم من الإضطهاد في أثيوبيا قبل استقلال إريتريا في عام 1991، ونظرتهم تجاه الحكومة الإريترية الحالية إيجابية، وفي العادة لا يخشون التعرض للإضطهاد”، وهو ما يعني من وجهة النظر السويسرية أن تردد هؤلاء الأشخاص على بلدهم قانوني، ثم إن الأشخاص المعنيين لا يُقيمون في سويسرا كلاجئين.
مع ذلك، لا مفر من التذكير بأن كل من يقيم في سويسرا بصفة لاجئ أو طالب لجوء لا يحق له السفر إلى بلده الأصلي وأنه “في حال ثبت عليه أنه زار وطنه يتم في حقه اتخاذ إجراءات لتجريده من صفة لاجئ أو إلغاء طلب لجوئه”، وأما الأشخاص المقيمين بصفة مؤقتة، أي الذين لم يحصلوا على حق اللجوء، فيمكن لهم بشكل استثنائي الحصول على إذن للسفر إلى بلد المنشأ في حالات اضطرارية كمرض خطير أو وفاة يطال أحد أفراد أسرته.
هل هم بالآلاف أم مجرد حفنة؟
مع ذلك، يحصل – كما تقول أمانة الدولة للهجرة – أن يذهب لاجئ إريتري معترف به إلى وطنه، وإذا وجد دليل على ذلك، فإنه يتم إلغاء طلب لجوئه أو حقه في اللجوء إذا كان حاصلا على صفة لاجئ. وفي العام الماضي، سحبت الأمانة وضع اللجوء من 231 شخصًا لأنهم دخلوا في حماية بلدانهم الأصلية: “منهم أربع حالات فقط تتعلق بأشخاص من إريتريا”.في المقابل، شرح رايمان كيف احتسبت الكتلة البرلمانية لحزب الشعب السويسري أن عددهم يُقدّر بالآلاف قائلا: “نحن نتحدث عن آلاف الإريتريين الذين يُمكنهم مغادرة وطنهم دون موانع ولا مشكلة لديهم في العودة إليه في العطل والأعياد، وبالتأكيد لا نعرف عدد الذين يستفيدون من هذه الإمكانية”.
وعلى العكس مما أوردته الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، خلص دبلوماسيون ينتمون إلى بلدان أعضاء في الإتحاد الأوروبي إلى أنه بالرغم من عدم وجود شفافية ولا نظام قضائي مستقل في إريتريا، إلا أن مزاعم الإسترقاق والإعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل ليست ذات مصداقية.
النظام يجمّل وجهه؟:
في عام 2016، عاد وفد خاص من البرلمانيين السويسريين، بعد رحلة إلى إريتريا استغرقت ستة أيام، بانطباعات إيجابية، وإثر ذلك تباينت الآراء بشأن استغلال النظام لتلك الزيارة في تجميل وجهه، وفي إطلاع الوفد على أحد وجهي الحقيقة لا غير.
في السياق، يُثير أوكباب تسفاماريام شكوكا حقيقية حول ما إذا سمح النظام الإريتري للوفد الزائر بمقابلة أشخاص معارضين، أو بحرية الوصول إلى السجون التي لم يُسمح حتى للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتها: “عندما يزور وفد من الخارج على مستوى من الأهمية إريتريا، فإن النظام يبذل كل ما بوسعه من أجل أن يبدو في أجمل صورة، وتكون اللقاءات مع السكان المحليين مدروسة بعناية فائقة”. والمعلوم أن الكثير من الناس يخافون من قول الحقيقة: “ومَن لا يمدح الحكومة، ومَن يتمرد على طول مدة الخدمة العسكرية الإلزامية، لن يستطيع أن يبقى حرا لفترة طويلة”، على حدّ قول المتحدث باسم الفدرالية الإريترية لوسائل الإعلام بسويسرا.
في الأساس، لا يُمكن القول بأن رغبة سويسرا في تعزيز الحوار مع نظام الحكم القائم في أسمرة مخطئة: “ولكني لا أتوقع منه الكثير”. فالبلاد “لا يوجد فيها دستور ولا نظام قضائي، ولا مؤسسات ديمقراطية، بل رئيس يحكم منذ خمسة وعشرين عاما بالحديد والنار ولا يسمح للوضع بالتحسّن”، ختم تسفاماريام متأسفا.
بدوره، قال ماكسيميليان رايمان، عضو مجلس النواب عن حزب الشعب السويسري: “قد يكون النظام ديكتاتوريا”، وتابع: “لكن حتى في ظل الديكتاتورية، لا تتعرض حياة مثل هذا العدد من الناس للخطر ويضطرون للفرار من أوطانهم وهم في زهرة شبابهم. هذا الأمر، من وجهة نظرنا، مثير للريبة، فأوكلنا المهمة حاليا إلى الحكومة الفدرالية”.