من دفتر أحوال أسمرا والخرطوم أطلع عليه / جمال همـــــد

17-Aug-2014
عدوليس نقلا عن إذاعة المنتدى
من المعروف ان علاقات الأمم والدول تُبنى على المصالح المشتركة ، وتتم حماية هذه المصالح بعدد من الإتفاقيات والمواثيق ، وتسندها ، الوشائج الإجتماعية والثقافية ،والإحترام المتبادل ، الذي يمثل صمام الأمان ضد كل الحالات الطارئة ،وأمزجة الحكام . في العصر الحديث تشكل منظمات المجتمع المدني وقادة الرأي والمثقفين حاجزا أمام أي تدهور سياسي عرضي قد يتسبب في إحداث قطيعة تضر بمصالح الشعوب . وهذه المصالح هي دائمة ومستمرة بين الأمم والشعوب والدول ، ومتأرجحة بين الحكومات والأحزاب ، والرؤساء وأجهزة الأمن.والعلاقة بين الشعبين الإريتري والسوداني مؤسسة على ما ذكرناه آنفا ، وتتميز أكثر من غيرها بعوامل عدة منها الوجود الارتري طوال أكثر من نصف قرن في السودان طولا وعرضا ، ,واشتراكة في أفراح وأتراح أهل السودان .هذا الوجود الذي لم يتسبب يوما في زعزعة الأوضاع في السودان ، كما لم تحدث أي نزاعات أهلية بين الشعبين رغم طول البقاء ، واعتبرت والثورة الإرترية مثالا للإنضباط رغم إنتشار السلاح .
و خلافا لذلك تأسست العلاقة بين الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا سابقا الجبهة الشعبية ( للعدالة والديمقراطية ) لاحقا والجبهة القومية (الإسلامية ) سابقا وحزب المؤتمر الوطني لاحقا على اسس ليس من بينها مصالح الشعبين !! بل مصالح النظامين وهي أسس أمنية .. سرية .. غامضة و. متأرجحة .
لذا فهي علاقات مضطربه ولا يمكن الركون ‘ اليها ابدا .اما. البدائل الأخرى فلها وجود ويمكن تفعيلها عند الضروره و في أي وقت !. ملف العلاقات بين الجبهتين شائك ومعقد وفيه الكثير من الملفات والتي تحتاج الى مساحه وسانحه اخرى لتناولها . ولكنه من الملاحظ ان هذه العلاقات تمر بحالة ركود منذ عدة شهور ، وان الاجواء ملبدة بالغيوم بين أسمرا والخرطوم ، حسب المتابع للعلاقات بين البلدين ويمكن رصد تأرجحها في عده مظاهر منها انه ومنذ آخر زيارة للرئيس افورقي ، توقفت اجهزة اعلام الدولتين عن الحديث حول العلاقات بين البلدين واطلاق يد صحيفة الانتباهة والكاتب اسحق احمد فضل الله في الهجوم بشكل يومي على الحكومة الارترية وانها تدبر المكائد في شرق السودان ، دون ان تتدخل اية جهة لايقاف الامر. مما يناقض ما عهدناه من جهاز الامن السوداني الذي يُوقف دوما ودون تردد اي كتابات منتقدة للدولة الجارة و( الشغيغة ) إريتريا .
كما ان عدم تعامل الاجهزة الامنية مع الرشايده بصورة عنيفة يشير الي انها لتتحاشى الاصطدام معهم مباشره . مما يطرح تساؤلات فيما اذا كانت الأجهزة الامنيه تتفادى التصعيد ام ان لديها معلومات بان للرشايده داعمين في الخلف
وفي الوقت ذاته تبدي الخرطوم تبرما مكبوتا وانزعاجا من إنتهاك اسياس افورقي للتراب السوداني وذلك لنقل المتسللين المسلحين الإثيوبين المعارضين للعمق الإثيوبي ، وتستاء منه أديس أبابا إلا انها تتعامل معه في إطار ضيق مع الخرطوم .اما أديس ابابا فإنها ترتبط بها بعلاقات أقتصادية متينة، مع الخرطوم ، و تشهد مصالحهما المشتركه تطورا مضطردا على الأرض ، تعززها إتفاقيات تجارية وأمنية عسكرية
في حين ان اسمرا تسيطر على ضلعي مثلث (حامدايت ـ أم حجر ـ الحمرا ) كما تسيطر على المسلحين التابعين لقبائل الرشايدة الذي أشرف على تدريبهم العميد المعزول ) تخلي منجوس ) في معسكر ( امبا ت كلا ) على بعد 18 كلم غرب قندع علة طريق أسمرا قندع أو على بعد (42) كلم شرق أسمرا إذا أردت الدقة . هذا المليشات المسلحة والمدربة والتي تمتلك أحدث وسائل الحركة والإتصال تسيطر بالكامل على عمليات تهريب البشر و البضائع بالتعاون مع قيادات حرس الحدود،و لا تتحرك دون علم ومعونة القائمين على أمر الحدود من القيادات العسكرية والأمنية الإريترية . وهنا نتساءل هل تتحرك هذه المليشيات الآن كما في السابق ، فالخرطوم قد ضيقت الخناق على تجارة تهريب البشر بعد ان ثبت تورط قياداتها الأمنية والسياسية، بالتعاون مع قيادات وضابط حرس الحدود الإريتري الذين تم إعتقالهم منذ أشهر ؟
أم ان أسمرا تريد فك إختناقاتها الإقتصادية ؟
الإجابة ان الأمرين يمكن ان يكونا سببا ، خاصة وإنهما متداخلين !.
اسمر تستطيع ان تحرك ماتريد من المعارضين السودانين متى أرادت ذلك ، فهي ما تزل تحتفظ بمعسكرات كاملة الجاهزية على امتداد الحدود مع السودان ، والخرطوم لا تحرك ساكنا !.
اسمرا التي تعاني قلة في الوقود والكهرباء والدقيق ، وتريدها عنوة من الخرطوم ، وما على الخرطوم إلا تحريك اذرعها لمد اسمرا بما تحتاج من السوق الدولية وإلا حركت اسمرا قوات مبروك مبارك سليم من مليشيات الرشايدة كما حدث يوم (4) أغسطس في منطقة الحفائر على طريق بورتسودان كسلا . وقد حاولت الأجهزة الأمنية السودانية التقليل من الحدث وتفسيره بإنه ) شغب اهلي ) إلا ان ذلك يتنافى والأسلحة التي كان يحملها الرشايدة وسيارات الدفع الرباعي التي جالت ما يُسمى بالطريق القومي . ذات الحدث ولكن بسيناريو آخر كان قد حدث في يناير الماضي ولم تتحرك حكومة الخرطوم تجاه ما حدث .
الخرطوم العاجزة عن حماية مواطنيها تدفع الآن ثمن تخبط سياساتها في شرق السودان خاصة وشرق أفريقيا على وجه العموم .
كما سيدفع البلد كله ثمن مغامرات من وضع الخطوط العامة لسياسة السودان الخارجية والتي تستبطن إستعلاء أثني ضد شعوب القرن الإفريقي ، ومن هم على رأس هذا الملف في الخارجية والأمن يتخبطون خالطين بين الإستراتيجي بعيد المدى والتكتيكي اليومي ، وبين هذا وذاك تظل اسمرا القشة التي يهابها البعير…! .
نختم ونقول ان السياسات التي تُبنى على أستراتيجية حماية الأنظمة مصيرها بائس ، وضيقة الأفق ، وعلينا بالتوازي تعزيز العلائق التي تخدم شعوبنا لكي لا ندفع أثمان سياسات لسنا جزء منها