مستجدات القرن الافريقي والامن القومي السوداني : د. حسن بشير محمد نور
2-Jul-2013
عدوليس
توجد عدد من الظواهر المزمنة في القرن الافريقي ذات تأثير مباشر وغير مباشر علي السودان من اهمها التغيرات المناخية بتداعياتها علي تدفق المياه والتسبب في المجاعات، النمو السكاني المتسارع والنزاعات العسكرية بإبعادها الاثنية، الثقافية والسياسية. تزيد تلك الظواهر من مخاطر الاطماع في الاراضي السودانية واغراق البلاد بموجات من الهجرة العشوائية والمنظمة. تضاف تلك الظواهر إلي جملة من المستجدات في القرن الإفريقي التي يمكن إجمال أهمها في الآتي:-
1- سد النهضة او كما يشار إليه أحيانا بسد الألفية. أثار مضي إثيوبيا في بناء هذا السد الكثير من الجدل في مصر بشكل خاص وانعكس ذلك علي السودان الذي لم يكن مهموما بقيام هذا السد من ناحية أثاره السلبية عليه بحكم ان السودان لا يستخدم حصته من مياه النيل التي أعطته لها اتفاقية قسمة المياه الموقعة في 1959 كاتفاقية مكملة لتلك التي تم إبرامها في العام 1929م عندما كان تحت استعمار ثنائي تشكل مصر احد قطبيه، جاءت اتفاقية 1959 عندما كان السودان تحت حكم عسكري امتاز بضيق الأفق من حيث نظرته المستقبلية للأمن القومي السوداني بما فيه امن المياه. اكبر دليل علي تواضع قدرات نظام الحكم ذاك هو ما جري حول قيام السد العالي الذي طمر مساحات واسعة من السودان بآثار وكنوز تاريخية وثقافية لا تعوض. بحساب الخسائر في القيم التراكمية المادية والثقافية والاجتماعية يمكن القول ان ذلك السد قد شكل كارثة لا يمكن تداركها بالنسبة للسودان، كما أنها (الاتفاقية في علاقتها بالسد العالي) وبالشكل الذي تمت به وبحساب المصالح المتبادلة بين الدول تعتبر غير مبررة ولا يسندها منطق في ما يلي السودان.
فيما يتعلق بسد الألفية فان الخوض فيه بدون دراية أمر غير مجدي سواء ان كان ذلك من حيث المنافع او الأضرار المحتملة للسد، وما دام الجدل الدائر حوله في أفضل صوره يترك الأمر للخبراء ويطالب بإجراء دراسة متعمقة حول مواصفات السد وخصائصه الفنية ومن ثم تحديد الآثار، فان الإدراك السليم يقول بترك الخبز لخبازيه عبر مفاوضات بين الدول المعنية خاصة وان إثيوبيا قد ذهبت بعيدا بمشروع نهضتها.
مع ذلك فعلي المكونات السودانية ان تسعي بكل ما تملك من قدرات لصيانة مصالحها القومية التي لا تعرف الحب او الكراهية ولا تقبل المجاملة ولا تحتمل الخوف، أقول جميع مكونات السودان الدولة – الوطن، دون ان يترك الأمر للحكومة وحدها ، اذ أن دروس التاريخ تعلمنا ان ليس بالضرورة ان تكون الحكومات حريصة علي الأمن القومي في السودان عن جهالة، حسن نية وسذاجة، او لأغراض ضيقة تحكمها مصالح شخصية او سلطوية آنية لمن هو في الحكم في المفترق التاريخي المحدد. من هنا لابد من توظيف جميع الإمكانيات والقدرات للانخراط في هذا الشأن المؤثر بشكل كبير علي الأمن القومي المستقبلي للسودان.
2- المستجد الثاني هو وصول حكومة الأخوان المسلمين في مصر الي السلطة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011م. هذه الحكومة أوجدت واقعا سياسيا جديدا لن يمر مرور الكرام علي مصر ومن ثم سيترك تداعيات كبيرة علي السودان وعلي أمنه القومي. التعاطي السوداني مع المتغير المصري يتم من وجهة نظر سياسية – عقائدية – ايدولوجية في غالبه ولا يتم بناءا علي حساب المصالح القومية ومستقبل الأمن القومي السوداني. ذلك بسبب الأزمات الطاحنة وشدة الاستقطاب التي يمر بها السودان ومعاناته من أزمة حكم تاريخية لا تكف عن التعقد والاستفحال الخطر. من هنا لا بد من اتجاه ثالث لا ينظر إلي المتغير المصري من ناحية الاستقطاب السياسي من قبل المؤيدين للإخوان أو المعارضين لهم، وإنما يأخذ شكل التقصي العلمي الاستراتيجي الجاد بشكل يحقق اكبر مكاسب ممكنة لمستقبل الأمن القومي في السودان غض النظر عن الاتجاه الذي سيسير فيه تطور نظام الحكم في المصر او مآلات الصراع المرير حوله. هذا العامل يمتد ليطال ما يجري في القرن الإفريقي.
3- المتغير الثالث – وهو ليس بعيدا عن أزمات السودان المركبة وتعقيداتها – يتمثل في انفصال دولة الجنوب. هذا الموضوع مرتبط بالموارد الضخمة للجنوب مع نقص الكوادر المؤهلة والحاجة للاستثمار. يوفر هذا الواقع فرصة لدول القرن الافريقي ومن اهمها اثيوبيا التي ستجد مصدرا جيدا للطاقة في بترول الجنوب. يضاف لذلك اهمية الاستقرار في الجنوب الذي يضمن استقرار وازدهار المناطق المتاخمة له. من هنا ستسعي إثيوبيا، بشكل خاص ودول القرن الإفريقي الاخري في المستقبل الي توطيد علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع الجنوب خاصة في حالة كثافة الاستثمار الاجنبي الغربي هناك.
يلاحظ ان من الدول التي باشرت استثمارات ضخمة مع الجنوب وربطه بإثيوبيا كل من الصين والبرازيل، مع الاشارة الي أن الأخيرة تبني طريق يربط بين البلدين بتكلفة تتجاوز 3 مليار دولارـ ناهيك عن الاستثمارات الصينية، نشير إلي أن الدولتين من دول البريكس وهذا أمر له دلالة خاصة. كما لا يفوت علي اي متابع فطن أهمية توقيع الجنوب لاتفاقية مع شركة تويوتا اليابانية لبناء خط أنابيب ناقل للبترول عبر كينيا.
4- مستجدات اخري حول قسمة المياه التي تحركها مجموعة (عنتبي)، خاصة التمويل الصيني الضخم لسد في أوغندا وحديث كبير حول إحياء قناة جونقلي. يجعل ذلك من الجنوب دولة مهمة لجميع الأطراف، وليس كما تتحدث بعض الجهات التي تسفه من دولة الجنوب بشكل اعمي لا يمت بصلة لأي مصالح او منافع كانت من اي نوع ناهيك من ان تكون ذات صلة بأمن قومي او بمستقبل ما. في حالة التطور في دولة الجنوب فستزداد اهمية المياه القادمة من الجنوب من حيث الكميات المتدفقة او استغلال المياه في التنمية والاستثمار، وهذا أمر يستحق الدراسة والاهتمام بدلا عن التمادي في الغباء.5- المستجدات الديمغرافية التي فرضتها المجاعة في القرن الافريقي مما زاد من موجات الهجرة الاثيوبية الي السودان وبما ان هناك مجموعات كبيرة من الاورمو تتجه نحو السودان فهذا يشكل خطرا ديمغروفيا من حيث سهولة الاندماج في المستقبل نسبة للثقافة الاسلامية.
6- من المستجدات المهمة التواجد العسكري الإثيوبي علي الحدود السودانية – الجنوب سودانية، تحت مظلة الامم المتحدة وهذا يشكل خطورة كبيرة علي السودان خاصة في حالة تأزم الوضع مع اثيوبيا او تغذيته من قبل الدول الغربية او جهات أخري لتضارب المصالح.
7- تعتبر جميع تلك العوامل ذات تاثير علي الجوانب الاقتصادية والتجارية مع دول القرن الافريقي بما فيها جيبوتي واريتريا إضافة لدول البحيرات ألكبري من جهة أخري. لا يمكن الاستهانة بالتدخل الاريتري من اجل صيانة مصالحها واعاقة استفادة اثيوبيا من الاستثمار في انفصال الجنوب وسيكون مسرح التدخل الاريتري المحتمل هو السودان.
الجوانب أعلاه تستدعي التصدي لها والتعامل معها بجدية وايجابية كبيرة من قبل القوي الفاعلة في السودان التي تدرك ما يحيط بمستقبل أمنه القومي من مخاطر ومن الخطوط العريضة الجديرة بالاهتمام نذكر:-
1- ضرورة التوسع في التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول القرن الإفريقي وعلي رأسها اثيوبيا. يجب ان يكون الاستثمار علي المستويين العام (الحكومي) والخاص، كما يفترض ان يشمل التعاون الجوانب الخاصة بأمن المياه والبيئية والأمن الغذائي.
2- عقد اتفاقيات حول نظام العمل، الاقامة والهجرة حتي اذا وصل الامر الي الحريات الأربعة مع اثيوبيا، مع ضرورة تنظيم حركة السكان وحل المشاكل العالقة حول الحدود.
3- التعاون في المجالات الامنية والجمركية ومراقبة الحدود لمكافحة التهريب، الهجرة غير القانونية والجريمة العابرة للحدود.
4- يجب عدم التعامل العاطفي بشأن العلاقات بين الدول كما هو تعامل السودان مع مصر وحصر اوجه التعامل بشكل تخصصي مهني يضمن المصالح الاستراتيجية للسودان ويصون امنه القومي. هذا الأمر ينطبق علي التعامل مع دولة جنوب السودان التي أصبحت واقعا لا يفيد إنكاره وبحكم أن الدول الثلاث – مصر ، إثيوبيا وجنوب السودان – تشكل محورا أساسيا لمستقبل الأمن القومي السوداني.علي القوي الفاعلة في السودان أن تدرك إن المصالح القومية للسودان ومستقبل أمنه القومي لا تحدها معارضة نظام الحكم الحالي ولا تنتهي بتغييره وإنما هي مرتبطة بشكل وثيق بالتاريخ والحاضر والمستقبل، من هنا تأتي ضرورة النظرة الشاملة لمكونات المصالح ومستقبل الأمن القومي متناسقة ومتلازمة ومستمرة ، بشكل عميق وعلي أسس تمتاز بالمتانة والاستدامة وتتوافق مع (رؤية مستقبلية عملية للسودان) بعيدا عن الأقوال اليائسة بان لا مستقبل للسودان، إذ أن المستقبل تصنعه الشعوب وما دام للسودان شعب فمن المؤكد أن له مستقبل أيضا.
الخرطوم – نقلا عن الراكوبهmnhassanb85@yahoo.com