مقالات

أسياس أفورقي: أزمنة المخاوف والمصالح المتقلبة!! … فتح الرحمن شبارقة

23-Apr-2007

المركز

ربما كان الرئيس الاريتري اسياس افورقي أكثر رؤساء المنطقة اثارة للجدل، ليس فقط بحكم اختلاف الرؤى ووجهات النظر حوله بين مؤيد له بقوة ومعارض له كذلك، ولكن ايضاً على خلفية الدور الذي بات يلعبه في حلحلة المشكل السوداني وتعقيده احياناً، خاصة بعد دفعه القوى ورعايته الكاملة لتحقيق السلام في شرق البلاد لدرجة ان البعض نظر اليه وكأنه سلام بين الحكومة السودانية والحكومة الاريترية ذات العلاقات الوثيقة وغير المنكورة مع جبهة الشرق

ومن المنتظر ان يصل افورقي الخرطوم اليوم في زيارة تستغرق عدة ايام تجيء في سياق دفع العلاقات الثنائية بين البلدين والتباحث حول تطورات الاوضاع في دارفور والقضايا ذات الاهتمام المشترك حسب سونا، في وقت نفى فيه السفير الاريتري بالخرطوم علمه بأية معلومات عن زيارة رئيسه- حسبما ذكر لـ»الرأي العام« في الاتصال الهاتفي الذي اجريته معه- وبغض النظر عن علم السفير من عدمه، فان ثمة تساؤلات نحاول الاجابة عليها في ثنايا هذه المادة عن أهمية علاقته مع السودان والمصالح والمخاوف المتبادلة بين الخرطوم واسمرا ومحاولة الاقتراب أكثر من افورقي المهاب جداً لدرجة امتناع الكثيرين من الحديث عنه. الديوم ومن نافلة القول، الحديث عن ان معظم الزعامات والقيادات الاريترية، ان لم تكن كلها عاشت ان لم يكن في طفولتها ففي صباها وشبابها في السودان ولم يكن الرئيس أسياس افورقي نشازاً من تلك القيادات حيث اقام بحي الديوم وسط الخرطوم الذي كان يعج بابناء الجالية الاريترية في فترة السبعينات والثمانينات، كما سكن فترات طويلة بمدينة كسلا ومناطق غرب وجنوب القاش ولمدة قصيرة بودمدني التي تربطه علاقة بواليها الحالي الفريق عبدالرحمن سر الختم حسبما ذكر الزميل عبدالغني احمد ادريس في البروفايل الجيد الذي اعده لـ»الرأي العام« كما تربطه علاقة صداقة مع كثير من السودانيين مثل المفكر الراحل محمد ابوالقاسم حاج حمد والفريق الدابي وعدد ممن عملوا معه من رجال الاستخبارات في تلك الفترة. وبالعودة الى الوراء للوقوف على رحلة افورقي منذ بداياتها، فقد ولد الرئيس اسياس افورقي في قرية تبعد كيلومترات محدودة عن مدينة مصوع الساحلية في منتصف الاربعينات لاسرة تنسب الى قبيلة الحماسين ولم يعرف لاسرته اي اهتمام بالسياسة. أكمل أفورقي تعليمه الاساسي في اثيوبيا الامبراطورية، قبل ان يلتحق بجامعة اديس لدراسة الطب البشري في اواسط الستينات، قبل ان يتركه وينضم الى صفوف الثورة التي نشبت مطالبة بانفصال وتكوين دولة اريتريا وانسحاب كامل للاثيوبيين منها، ولم يتسن له ان يكمل دراسة الطب الذي تحول عنه ليسافر الى الصين لتلقي دراسات جامعية متخصصة في الفكر الايدلوجي وبناء قدرات الكادر الشيوعي، عاد بعدها مشبعاً بالفكر الاشتراكي والنظرية العلمية. قائد ميداني وفور عودته من الصين، انضم افورقي الى تحالف جديد تشكل داخل الثورة قاده المناضل عثمان صالح سبي الذي ترك لافورقي شأن الميدان والسيطرة على القوات في جبهة تحرير اريتريا التي تكونت في تلك الاثناء، وكان اسياس منذ وقت مبكر يعمل بجناح الحركة العسكري بصورة شبه مستقلة ومتضاربة في بعض الأحيان مع الجناح السياسي الأمر الذي تطور لشق الحركة الى قسمين في العام 1976م. وسمى أفورقي جناحه بالجبهة الشعبية لتحرير اريتريا واستطاع ان يوفر لها دعم دول المحور الاشتراكي، وبعون مزدوج من الغرب مشفوعاً بتعاطف كنسي واضح دبرته له الكنائس الغربية، وقف افورقي على ساقيه واستطاع بالتنسيق مع جبهة التقراي الاثيوبية المتمردة على حكومتها ان يسدد ضربة ساحقة على مواقعهم في الميدان، ليتحقق لافورقي بعد ذلك السيطرة بصورة شبه كاملة على الارض وليكون البديل الوطني العملي بعد انجلاء الاحتلال وخروج الاثيوبيين لتولي الحكم في دولة اريتريا الوليدة وهو ما كان. علاقة غرائبية واتسمت العلاقات السودانية الاريترية بالغرائبية، حيث وقفت الحكومة السودانية بقوة مع القضية الاريترية ليس من ناحية الايواء والتعليم والخدمات التي حققت تداخلاً واندماجاً بين الشعبين فحسب بل من ناحية الدعم العسكري كذلك، بعد ان قدمت الحكومة التسهيلات في الارض وخطوط الامداد ومعدات القتال واجهزة الاتصال لافورقي التي كانت الخرطوم اول المعترفين بدولته، قبل تدهور العلاقة بين الدولتين بعد عسل قصير بينهما. ولم يكن أكثر المتشائمين يتوقع انهيار علاقات البلدين على ذلك النحو الذي كان في العام 1994م، عندما قطعت اسمراء علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم قبيل اعلانها رسمياً تبنيها خيار اسقاط حكومة الخرطوم بكل السبل والوسائل، حيث اتخذت اسمرا خطوات عملية في هذا الاتجاه، ابتدرته بتسليم مفاتيح السفارة السودانية هناك الى المعارضين الذين احتضنتهم بدفيء على اختلاف مذاهبهم من باب عدو عدوك صديقك، واعقبت ذلك الاجراء بتجريد العديد من الحملات العسكرية كان آخرها في العام 2000م تمكنت فيها من احتلال همشكوريب. بيد ان اسمرا تحفظ للخرطوم غير القليل من المواقف التي تندرج تحت سقف المواقف العدائية، مثل اتهامها بتصدير الاسلام السياسي ثم اتهام افورقي للخرطوم بمحاولة اغتياله ودعم معارضيه، واتهامه كذلك للحكومة السودانية بدعم ومساندة اثيوبيا في نزاعها الحدودي مع اريتريا وما الى ذلك من اتهامات الماضي الذي انطوت صفحته بكل مراراتها استشرافاً لعهد جديد. ويذهب بعض المحللين الى ان افورقي – ورغم دعم الخرطوم له في السابق- كان لديه احساس عميق بقصر فترة عسله معها، لان الخرطوم في ذلك الوقت اختارته لانه الاقوى ولم يكن الافضل للانقاذ التي كانت تفضل عليه معارضيه الاسلاميين بحكم ايدلوجيتها الاسلامية، فآثر ان يكون العداء صريحاً ويستعد لأسوأ الاحتمالات، الى ان ادرك أخيراً حسب ما يراه البعض بأن الانقاذ تخلت عن رغبتها في تغييره وطموحها في تصدير الثورة، فضلاً على انه لم يعد ضعيفاً كما كان بحيث يمكن تمرير شاكلة تلك الاجندة المتوهمة عليه. مصالح ومخاوف والى جانب التخوفات التي اشرنا اليها، واثرت على علاقات البلدين في وقت سابق، فان المخاوف الآنية بين الخرطوم واسمرا لا تخرج عن المشاكل التي يمكن ان تسببها المجموعات المعارضة لكل دولة والتي الجمت أخيراً ومنعت من ممارسة اي نشاط معادٍ بشكل أو آخر من جانب الحكومة السودانية على الاقل، وان كانت جبهة الخلاص ما زالت تمارس تحركاتها المريبة انطلاقاً من فنادق اسمرا الفخمة. وفي السياق ذهب رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د.صفوت صبحي فانوس الى ان مخاوف ودوافع اريتريا لاصلاح علاقاتها مع السودان هو صراعها مع اثيوبيا خصوصاً بعد تمدد الأخيرة في الصومال،التمدد الذي أشعر أفورقي بعزلة في منطقة القرن الافريقي يريد ان يكسرها بتحييد السودان كخطوة اولى في الصراع الاثيوبي الاريتري قبل ان يكوّن حلفاً سودانياً اريترياً. ومضى د.صفوت إلى ان زيارة أفورقي اليوم تجيء كذلك للتأمين على تنفيذ اتفاق الشرق التي كانت اريتريا الفاعل الاساسي فيه، ولم تكن مجرد وسيط باعتبار انها قادرة على قلب الطاولة تماماً هناك اذا اقتضت مصلحتها ذلك. ومهما يكن من أمر، فان بعض المراقبين يرجحون للعديد من الاسباب منها زيارة افورقي المرتقبة للخرطوم، ان تعود العلاقات بين البلدين الى سيرتها الاولى قبل العام 1994م حيث كان التطبيع كاملاً مطلع التسعينات، مما دفع الاستاذ سيد احمد خليفة للتعبير عن متانة تلك العلاقة، واختزالها في تساؤله الشهير: «هل أسلم أفورقي، أم كفر الترابي؟». صحيفة الرأي العام السودانية : 21/4/2007م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى