مؤشرات الفقر في إرتريا: بقلم عثمان محمد نور
11-Sep-2005
المركز
هذا اليوم العاشر من سبتمبر يصادف اليوم العالمي لمكافحة الفقر، وفي البدء نتعرف على ماهية الفقر: (الفقير حسب معايير الأمم المتحدة والمنظمات والوكالات الدولية – هو كل شخص يقل دخله عن دولار أمريكي واحد في اليوم، ولا تتوفر له مياه صالحة للشرب)( ) والأمم المتحدة والمنظمات والوكالات التابعة لها والمجتمع الدولي بشكل عام بدأ يولي قضايا التنمية والفقر اهتمام متزايد،
لما يترتب عليها من آثار اقتصادية واجتماعية بالغة التأثير في المجتمعات، ولذلك نجد أن الأمم المتحدة أصدرت العديد من الاتفاقيات والإعلانات الدولية المتعلقة بقضايا التنمية والفقر منها على سبيل المثال (إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية في عام 1995م) والذي جاء في الفقرة الثانية منه (نعترف بأن شعوب العالم أظهرت بشتى الطرق أن الحاجة ماسة إلى معالجة المشاكل الاجتماعية بعيدة الغور, وبخاصة مشاكل الفقر والبطالة والإقصاء الاجتماعي التي لا يسلم منها أي من البلدان، ومهمتنا أن نعالج الاسباب الجذرية والهيكلية التي تنجم عنها تلك المشاكل ).وبعد عام واحد من إعلان كوبنهاغن، صدر إعلان روما الخاص بالأمن الغذائي العالمي أي في العام 1996م، جاء فيه (أن الفقر سبب رئيسي لانعدام الأمن الغذائي، ولذا فإن التقدم بخطي مطردة نحو استئصال الفقر أمر حاسم لتحسين فرص الحصول علي الغذاء، كما أن للصراع والإرهاب والفساد والتدهور البيئي دوراً ملموسا في انعدام الأمن الغذائي) ( ) وكان آخر الإعلانات (إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية عام 2000م) والذي توافق عليه جميع رؤساء الدول المجتمعين بمقر الأمم المتحدة في الفترة من 6-8/سبتمبر2000م حيث جاء ضمن قرارات ومبادئ الإعلان في الفقرتين( 19 و20 ) في مجال التنمية والقضاء على الفقر الآتي: أ- تخفيض نسبة سكان العالم الذين يقل دخولهم اليومي عن دولار أمريكي واحد إلى النصف بحلول عام 2015م، وكذلك الذين يعانون من الجوع والذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب.ب- كفالة حق التعليم للأطفال (ذكور وإناث) في المرحلة الابتدائية حتى عام 2015م.ج – خفض معدل وفيات الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع ووفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار ثلثي معدلاتهما الحالية.د- بذل الجهود في سبيل تخليص بني الإنسان من الرجال والنساء والأطفال من ظروف الفقر المدقع المهينة واللإنسانية.هـ- النجاح في تحقيق هذه الأهداف يعتمد على جملة من الأمور من بينها توفر الحكم الرشيد في كل بلد والشفافية في النظم المالية والنقدية والتجارية. و- السعي لتذليل عقبات التمويل في الدول النامية لمشروعات التنمية المستدامة. ز-العمل لتخفيف ديون الدول الفقيرة.ومن خلال ما جاء في الإعلانات الدولية الثلاثة المذكورة أعلاه والمتعلقة بقضايا معالجة الفقر وإحداث التنمية البشرية والاقتصادية، يتضح لنا الآتي:1- وجود اهتمام متزايد من المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية بقضايا الفقر والتنمية وذلك بإصدار إعلانات وتشريعات, وتوقيع اتفاقيات دولية عديدة, هذا بالإضافة إلى الحث والتحريض على ضرورة الاستجابة لنداءات المنكوبين والمتضررين والضعفاء والمحرومين.2-التأكيد علي الترابط بين قضايا حقوق الإنسان السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأن الحقوق كلها مترابطة ومتكاملة.وبعد هذه التوطئة العامة التي أردنا منها توضيح مدى اهتمام المجتمع الدولي بقضايا الفقر والتنمية, والتعرف على ما هي مؤشرات الفقر والتنمية عالمياً، ندخل إلى الموضوع الرئيسي، مؤشرات الفقر في اريتريا مع التركيز علي المظاهر الرئيسية للفقر كالجوع وسوء التغذية، نقص خدمات التعليم وخدمات الرعاية الصحية، مياه الشرب والمرافق الصحية، هذا للتعرف على مدى حجم التحديات التي تواجهها الحكومة الارترية في هذا المجال، والتعرف علي محاولات المعالجة التي تقوم بها الحكومة وجدواها في الواقع العملي:* في مجال نقص الغذاء: هو من أكثر المجالات التي تعاني منه إرتريا لسنوات عدة، جاء في تقرير الأمين العام المقدم لمجلس الأمن الصادر في 20/6/2005م في الفقرة المتعلقة بالوضع الإنساني في اريتريا الآتي:أ- في إرتريا الحالة الإنسانية مستمرة في تدهور، فقد أدى نقص الأمطار للسنة الخامسة على التوالي إلى ضياع المحاصيل وتدني إنتاج الماشية، وأدى هذا الوضع إلى جانب تركة الحرب المثقلة، وسوء أداء الاقتصاد وفقدان إمكانيات وآليات التصدي إلى زيادة تفاقم أوضاع السكان الضعفاء. ب- وجهت وكالات المساعدة نداء موحداً إلى المانحين في عام 2005م تطلب فيه مساعدات غذائية لعدد 2.3 مليون شخص, ولكن لعدم وجود التمويل الكافي اضطرت الوكالات إلى خفض عدد المستهدفين من 2.3 إلى 1.2 مليون شخص، وكذلك تقليص الحصة الغذائية بنسبة 40% وقد ادى هذا التقليص إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية في أجزاء واسعة من البلاد خاصة في أوساط الفئات الضعيفة كالنساء والأطفال. ج- يوجد 200.000 مشرد وعائد منهم 120.000عائد من السودان والبقية هم من المشردين داخلياً بسبب النزاع الإثيوبي الارتري أو الجفاف جميعهم يعتمدون كلياً على المساعدة الغوثية أو المساعدات المقدمة في مجال إعادة الإدماج.وجاء في تقرير اليونيسيف الخاص بالعمل الإنساني والصادر في 27/5/2005م ومتفقاً مع ما جاء في تقرير الأمين العام إذ جاء فيه:أ- تعتبر إرتريا من أكثر المناطق المهددة بالأمن الغذائي حيث 2.3 مليون نسمة يواجهون خطر المجاعة. ب- 300 ألف طفل وامرأة حامل يحتاجون إلى رعاية خاصة يواجهون سوء التغذية. ج-إن الإنتاج في المحاصيل الزراعية والمواشي يمر بأزمة مستمرة نسبة لعدم توفر مياه الأمطار وانتشار الجفاف في معظم أنحاء إرتريا.د- 47% من الأسر تتحمل مسؤوليتها المرأة وأن مستوى الفقر يصل إلى 60% في صفوف تلك الأسر، وأن معظم هؤلاء النساء هن ممن فقدن أزواجهن أو عائلهن في الحرب الأخيرة، أو من الذين يتواجدون في أقاليم أخرى بحثاً عن العمل، أو الذين يتواجدون في خدمة قوات الدفاع الإرترية. وفي ذات السياق ناشد تخلي ميكائيل ولدي قرقيس نائب مفوضية اللاجئين والدعم الإنساني الارترية في 3مايو2005م الدول المانحة لمواصلة دعمها لإرتريا وأكد أن موسم المجاعة قد بدأ في إرتريا، وان البلاد أكثر ما تكون في حاجة ماسة للغذاء في مثل هذا الوقت.* في مجال خدمات الصحة والمياه: جاء في تقرير اليونيسيف الصادر في 27/5/2005م أن الخدمات الصحية في أنحاء إرتريا مازالت في أدنى مستوياتها حيث أن 3.6% فقط من سكان القرى يمكنهم الحصول علي خدمات صحية كافية، وان 60% من سكان المدن يتحصلون علي خدمات صحية ملائمة ويتطلع الباقون للحصول علي خدمات صحية كافية.وجاء في دراسة مسحية شاملة- تقدر نسبة السكان الذين يحصلون على المياه النقية بالثلث من السكان تقريباً، كما تقدر نسبة الذين يحصلون على الصرف الصحي بحوالي 14% فقط من مجموع السكان، وترتفع معدلات وفيات الأطفال إلى 135 نسمة في الألف، ويقابل كل طبيب حوالي 28 ألف شخص.( )أما فيما يتعلق بنسبة الإصابة بمرض الإيدز في إرتريا فقد بلغت حسب تقديرات المنظمات الدولية 2.7% حسب تقديرات عام 2003م. أما الحكومة الارترية فتقدرها بنسبة 2.4% استنادا إلى دراسة علمية قيل أنها شملت كل الأقاليم في عام 2003م حسب ما جاء في إفادات الدكتور/ عندي برهان تسفاطيون( ) رئيس قسم مكافحة الأيدز والأمراض التناسلية بوزارة الصحة كما ذكر د/عندي برهان تفاصيل أخرى متعلقة بنسب الإصابات في بعض الأقاليم والفئات الأكثر إصابة في المجتمع نذكر منها :1- رصدت أعلى نسبة للإصابة في إقليم جنوب البحر الأحمر إذ بلغت 7.2%، ويليه الإقليم الأوسط 3.6%.2-بلغت نسبة الإصابة بين النساء اللائي تتراوح أعمارهن مابين 20-24عاما إلى 2.7%.3- بلغت الإصابة بين الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن ما بين 25-29 إلى 3.6%.4-بلغت نسبة الإصابة بين الحوامل إلى 3.3%.* في مجال خدمات التعليم: – التعليم هو التنمية البشرية الحقيقية للفرد والمجتمع وهو الحاضر والمستقبل ولذلك أولت المواثيق الدولية التعليم اهتماما بالغ حيث نص الإعلان العالمي في المادة (26) منه علي أن (لكل شخص حق في التعليم، ويجب أن يوفر التعليم على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية مجانا، ويكون التعليم الابتدائي إلزاميا، ويكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم، ويكون التعليم العالي متاحا للجميع تبعا لكفاءتهم).وإرتريا سابقاً من الدول التي عانت تخلفا في التعليم بسبب الاستعارات المتعاقبة عليها، ولكن الذي يهمنا هو معرفة مستوى تطور العملية التعليمية بعد التحرير أي في ظل الحكومة الارترية الحالية، وسوف نكتفي هنا بإيراد نسب لمتوسط أعداد الطلاب المستوعبين في كل مرحلة من مراحل التعليم العام (الابتدائي والمتوسط والثانوي) في المدارس الحكومية وغير الحكومية، بالإضافة إلى أعداد الطلاب الناجحين في الشهادة الارترية الثانوية والمقبولين منهم في الجامعة وبهذا نستطيع أن نخلص إلى مؤشرات واضحة في سير العملية التعليمية في إرتريا وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإحصائيات والأرقام مقتبسة من دراسة علمية شاملة مدعمة بإحصائيات وجداول وموثقة تقع في أكثر من عشرين صفحة أعدها الأستاذ محمود عثمان إيلوس عن التعليم بعنوان (التعليم في اريتريا أرقام وحقائق 1991-2004م) والآن إلى الأرقام الإحصائية في الموضوعات المختارة في الفترة من 91-2000م 1- متوسط الطلاب الذين يستوعبون سنويا من البنات والبنين في المدارس الابتدائية كان حتى عام 2000 حوالي 48.9% أي حوالي 51.1% من التلاميذ في السن ما بين (7-11) لا يجدون فرصة الاستيعاب في المدارس. 2- أن متوسط المستوعبين في المرحلة المتوسطة ممن هم في الأعمار (12-13) بلغ حوالي 28.9% أي أن الذين لا يجدون فرصة للاستيعاب يبلغون 71.1%.3-أن نسبة الذين يجدون فرصة للاستيعاب في المرحلة الثانوية سنويا تبلغ حوالي 15.5% وان متوسط الذين لا يجدون فرصة اللاستيعاب 84.5%.4- اجمالا إن نسبة الطلاب المستوعبين سنويا (بنين بنات ) في المراحل الثلاث لا تتجاوز 31.1% أي أن ما يقدر (68.9%) من الطلاب والطالبات في الأعمار المدرسية للمراحل الثلاث لا يجدون فرصة للدراسة. وتجدر الإشارة إلى أن هنالك مؤشرات بإحتمال ارتفاع نسبة المستوعبين في العامين الدراسيين 2002/2003، 2003/ 2004 م إلى حوالي 39.1% وانخفاض نسبة غير المستوعبين إلى 60.9 % ( )5-إن أعداد الطلاب الجالسين لامتحان الشهادة الثانوية الارترية خلال عشرة أعوام (91-2000) بلغت (50.000) طالب وطالبة، وبلغت نسبة الناجحين منهم حوالي (8.000)أي 16% فقط، وهذا يشير إلى التدني الحاد الذي هو اقرب ما يكون إلى الفشل بالنسبة للنجاح في الشهادة الثانوية ويكون الامراكثر استغرابا وتدنيا عندما نعلم بأن الذين تم استيعابهم في الجامعة من جملة الناجحين أل(800) لا تتجاوز أل (2000) طالب وطالبة أي بمعدل قبول (200) طالب وطالبة في كل عام، وتجدر الإشارة إلى أن أعداد الطلاب المقبولين بدأت تزداد في السنوات الأخيرة حيث بلغت حوالي (500) طالب وطالبة سنويا أي حوالي 20 % من جملة الناجحين في الشهادة الثانوية( ). 6- انخفاض نسبة الطالبات في جامعة اسمرا حيث بلغت 19.6%من جملة طلاب الجامعة البالغ عددهم 2942 في العام الدراسي 1991- 1992، ثم انخفضت النسبة إلى مستوى أدنى، ففي عام 98-1999م تقلصت إلى 13.5% من جملة الطلاب البالغ عددهم (3994) ( ). هذه الأرقام والإحصائيات تغني القارئ الكريم بنفسها وتعطيه تقييم عام خاصة فيما يتعلق بفرص القبول والنجاح، لأنها مفاتيح لقياس مؤشرات النجاح أو الإخفاق في العملية التربوية ولم نتناول العملية التربوية بشكل عام (المنهج والمعلم والبيئة المدرسية) وغيرها من المؤثرات على العلمية التعليمية لأنها خارج موضوع المقال. وفي الحقيقة إذا نظرنا إلى هذه الأرقام من حيث الكم وبالمقارنة مع ما كان عليه التعليم في إرتريا قبل الاستقلال فنجد فيها زيادة كبيرة وهذا أمر يحسب للحكومة، و أما إذا نظرنا إلى الموضوع من حيث النوع و التجويد والمخرجات ومن حيث الطموح فنجد النتائج متواضعة جدا إن لم نقل مهبطة ولذلك فإن الحكومة الارترية بنفسها أغنت المراقبين عن الحكم في منهجها الدراسي حيث اتخذ المجلس الوطني (الحزب الحاكم) في عام 2002م قراراً يقضي بضرورة تغيير النظام التعليمي السابق بعد أن ثبت فشله بالتجربة، وبالفعل شرعت وزارة التعليم في اتخاذ خطوات عملية لتغيير السياسة التعليمية السابقة سنرى جميعا ماذا سيكون نتاجها في مقبل الأيام.* معالجات الحكومة الارترية لقضايا الفقر: في الحقيقة لا نستطيع أن نتناول كل معالجات الحكومة وإجراءاتها لمعالجة مشكلات الفقر ولكن يمكن أن نذكر منها بعض المشاريع كنماذج للقياس عليها، بالتركيز على الفترة ما بعد الحرب بإعتبارها هي الفترة التي اشتدت فيها وطأة الفقر على الشعب أكثر، حيث طرحت الحكومة الارترية بالتشاور مع الشركاء في يوليو2000م مشروعاً سمي (برنامج الإنعاش الطارئ ) وهو برنامج يشمل جميع المجالات, وقدرت الميزانية المطلوبة لتنفيذ هذا البرنامج بنحو(288) مليون دولار أمريكي، أسهم الشركاء المعنيون وهم البنك الدولي، الحكومة الإيطالية، وبنك التنمية الافريقي ومنظمة دانيدا بمبلغ 186.5مليون دولار أمريكي ، وأسهمت الحكومة الارترية بمبلغ (24) مليون دولار وصرف جل هذا المبلغ حسب إفادات السيد /قبرميكائيل منغستو مسئول برنامج الإنعاش في إزالة الدمار وإصلاح ما خربته الحرب وتعويض المتضررين( ) ثم أعلنت الحكومة بدئها لحملات الإعمار الوطني الشامل واستمرت على ذلك في الأعوام 2003م ،2004م وهي حملات قامت ببعض الإنجازات في مجالات تشييد المساكن ،وبناء السدود ورصف الطرق وغيرها, هذا وفي عام 2005 طرحت الحكومة على لسان الرئيس/اسياس افورقي بأن هذا العام هو عام التحول إلى التنمية، وأعلنت أنها خصصت 25% من ميزانية العام لتحسين أوضاع اسر الشهداء والفئات الفقيرة( ) وإنشاء صندوق لدعم أسر الشهداء ودرء مخاطر الجفاف، و أعلن الرئيس لوسائل الإعلام ووكالات الأنباء بأن الحكومة لديها برنامج طموح يهدف إلى رفع جملة الإنتاج الوطني، والتقليل من المنصرفات، والعمل علي تحسين السياسة الاقتصادية العامة، والعمل على استقرار الأسعار، وتقوية المؤسسات الحكومية غيرها( ) وبإلقاء نظرة تقييمية لجملة هذه المحاولات نستطيع أن نخلص للآتي:1-أن المعالجات أعلاه تركزت بالدرجة الأساسية علي معالجات لقضايا الفقر اليومية ودرء آثار الحرب الماثلة. 2-وجود دور فاعل للمنظمات الاقتصادية والهيئات الاغاثية والإنسانية الدولية والإقليمية في دعم البرامج الإنسانية في إرتريا خاصة في مجالات (الإغاثة، الصحة والتعليم).3- برنامج الحكومة الارترية لعام 2005 فيه قدر من الموضوعية من الناحية النظرية في مجال التنمية ومعالجة قضايا الفقر, ولكن إلى أي مدى تكون الحكومة الارترية قادرة على تنفيذه من الناحية العملية؟*في الحقيقة فإن إرتريا منذ عام 1998م تعيش في حالة سعي مستمر بين المنظمات الاغاثية والإنسانية، و الإرتريين المقيمين بالخارج من أجل تقديم العون والمساعدة، والاقتصاد الارتري يعتمد بنسبة 80%على النشاط الزراعي الذي يعاني منذ خمس سنوات من موسم الجفاف، وتستورد إرتريا أكثر من 80% من السلع ولا تصدر إلا القليل النادر، كما تعاني حالة من الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والوقود، وتدني مستمر لسعر العملة الوطنية (النقفة) مقابل الدولار الأمريكي، بجانب أزمة السكن وارتفاع الإيجارات. وتحتل إرتريا الرقم 102 في الفساد( ) وثلثا سكان إرتريا يعتمدون على الإغاثة والدعم الخارجي( ). عموماً هذه هي الأوضاع الاقتصادية السائدة في إرتريا والتي لا يتوقع في ظلها النجاح لأي برامج تنموية بالنظر إلى كل الاعتبارات الموضوعية.أما من الناحية السياسية فإرتريا تعيش أجواء مصادرة الحقوق وانعدام الحريات، حيث نجد الخوف يحيط بالإنسان الارتري من كل جانب خوف في حياته، في أهله وأبنائه، خوف في رزقه ومعاشه، خوف من مصير وطنه الذي لا يزال تتهدده مخاطر داخلية وخارجية، فالإنسان ما لم يتحرر من الخوف لا يمكن أن ينتج ويبدع، ويمكن أن نتصور حجم هذا الخوف إذا علمنا أن السجناء الذين تلقوا العلاج خلال عام 2004م بلغ عددهم (1817) شخص منهم (280) في مراكز صحية تابعة لإدارة السجون و(1537) سجين بالمستشفيات الخارجية( ) فإذا كانت هذه هي أرقام المرضى من السجناء فكم سيكون عدد السجناء في إرتريا؟ ، فإرتريا اليوم تعيش حالة حرب حدودية, وصراع سياسي حاد في الداخل، والدولة متذرعة بهذه الأوضاع الاستثانئية التي هي سبباً في الكثير منها نجدها واقفة على مفترق الطرق مريعةً يديها عن الإقدام على كل ما يمكن اعتباره من مبادئ الحكم الرشيد والإصلاح السياسي، فعندما تٌسأل عن تطبيق الدستور وسيادة القانون تقول نحن في حالة حرب، وعندما تٌسأل عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان تقول نحن في حالة حرب، وعندما تٌسأل لماذا الوضع المعيشي للشعب الارتري يتدوهر في كل يوم تقول الحرب، وفي الحقيقة صحيح أن الدفاع عن السيادة الوطنية هو واجب الحكومة وواجب كل مواطن اريتري، ولكن يبقي السؤال هل صحيح أن نختزل كل أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجال ألامني والعسكري ونجلس ننتظر ما تأتي به الأقدار ؟وهنا نذكر الحكومة الارترية بأن هنالك ترابط وتلازم بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والوضع السياسي، فهي حلقات مترابطة ومتناسقة، كما جاء ذلك في إعلان كوبنهانغن بشأن التنمية الاجتماعية لعام 1995م إذ جاء في الفقرة (4)(ونحن مقتنعون بان الديمقراطية وشفافية الحكم والإدارة وخضوعهما للمساءلة في جميع قطاعات المجتمع إنما هي دعائم أساسية لتحقيق التنمية المستدامة التي محورها الإنسان). وجاء في الفقرة (5)(إننا نؤمن بأنه لا سبيل إلى بلوغ التنمية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية دون أن يسود السلم والأمن ويشيع احترام جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ) وبهذا نخلص إلى إننا إذا أردنا التنمية فعلينا بالسلام والسلام يجب أن نبدأه من ذاتنا، نتصالح مع شعبنا ومع قوانا السياسية المختلفة, ثم نبسط الحكم ديمقراطياً، ونقبل المساءلة، عندها ستنطلق كل قدرات الإنسان الارتري وطاقاته المقيدة الحبيسة اليوم، وتحدث التنمية المنشودة بمفهومها الشامل تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية ويسعد الإنسان.10 سبتمبر 2005مE-mail: horn2008@maktoob.comالهوامش: المجلة السودانية للدراسات الدبلوماسية يصدرها المركز القومي للدراسات الدبلوماسية – الخرطوم العدد (1) عام 2000م ص 121 الدكتور محمود بسيوني ، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، ج 1 ص195-196 عبد الملك عودة وآخرون ، إرتريا دراسة مسحية شاملة ، ص 253 جريدة إرتريا الحديثة ، 2/اكتوبر 2004م مجلة دراسات القرن الافريقي ، يصدرها مركز دراسات القرن الافريقي – الخرطوم العدد الثاني – اكتوبر 2004م ص 41-42 نفس المصدر ، ص 46-47 نفس المصدر ص 50 مجلة الامانة – لسان حال الجبهة الشعبية الشعبية للديمقراطية والعدالة مارس 2004م ص 17 جريدة ارتريا الحديثة 15 يناير 2005م نفس المصدر 14 يناير 2005م نفس المصدر 16 يناير 2005م تقرير منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونسيف) لعام 2005م جريدة ارتريا الحديثة – ( مقابلة العميد قرماي محاري – مدير السجون والاصلاحيات ) ، 17 ديسمبر 2004م