هل تشهد الأراضي الصومالية جولة جديدة من الحرب الأثيوبية – الإريترية..؟! – ياسين محمد عبدالله
20-Aug-2006
المركز
شهد الصومال منذ انهيار دولته في عام 1991م، الكثير من التدخلات الخارجية، وإن كان الدافع العلني لهذه التدخلات هو مساعدته على استعادة دور الدولة، أو تخفيف معاناة شعبه من جراء الحرب الأهلية أو المجاعة، إلا أن هذه التدخلات أدت غالبا إلى تعقيد أوضاعه وتأخير إعادة بناء مؤسسات الدولة، لأنها هدفت بالدرجة الأولى لتحقيق مصالح المتدخلين من خلال استخدام غياب الدولة الصومالية.
ويعد تدخل أثيوبيا وإريتريا الحالي في شؤون هذا البلد، الأخطر من بين التدخلات التي شهدها الصومال على خلفية نزاع البلدين العصي على الحل حتى الآن. ولا يهدد تدخل البلدين على النحو الذي تورده وسائل الإعلام فرص المصالحة الوطنية في الصومال فقط، بل ينذر بنشوب حرب مباشرة بينهما تتخذ من الأراضي الصومالية ساحةً لها، بعد أن خاضا حروبا بالوكالة فيه منذ اندلاع نزاعهما في عام 1998م.وتعود علاقة الصومال بالشأن الإريتري _ الأثيوبي إلى بداية انطلاق الثورة الإريترية، حيث كان أول دولة تعترف بجبهة التحرير الإريترية، وتفتح لها مكتبا في مقديشو في عام 1962م، وقد قدمت الصومال المتنازعة مع أثيوبيا، حول منطقة الأوغادين التي تقطنها أغلبية صومالية، أشكالا متعددة من الدعم للثورة الإريترية، فمدتها بالسلاح وبجوازات سفر دبلوماسية لأغلب قادتها، وبالمئات من الجوازات العادية للمناضلين والطلاب الإريتريين. وتزامن الانتصار الصومالي في عام 1977م على أثيوبيا في منطقة الأوغادين والتراجع في العام التالي، مع تحرير الثورة الإريترية في نفس العام لأغلب المدن الإريترية وانسحابها منها في العام التالي أيضاً. لكن إريتريا لم تبد أي اهتمام خاص بالصومال حتى اندلاع الحرب بينها وبين أثيوبيا في عام 1998م، علما بأن أثيوبيا دخلت إلى الأراضي الصومالية عدة مرات خلال عقد التسعينيات وهي تطارد قوات الاتحاد الإسلامي. وبعد اندلاع الحرب بينها وبين أثيوبيا في عام 1998م، بدأت إريتريا في تقديم الدعم لبعض المليشيات الصومالية، خصوصا لفصيل حسين عيديد والجبهة الوطنية لتحرير الأوغادين، ولجبهة تحرير الأورمو التي كانت تعمل من الصومال. وقد تناقلت وكالات الأنباء وبعض الصحف في مايو 1999م إن إريتريا أرسلت باخرة محملة بالسلاح إلى زعيم الحرب حسين عيديد، وأن الباخرة كانت تقل أيضا ضباطا وجنوداً إريتريين ومقاتلين تابعين لجبهة تحرير الأورمو، حيث كان عيديد يستضيف معسكراً للجبهة في مناطق نفوذه في مقديشو. وفي تعليق له على خبر الأسلحة، قال عيديد إنه يحتفظ بعلاقة طيبة مع الحكومة الإريترية، وأنه تلقى من هذه الحكومة ملابس عسكرية فقط. وقد زاد الاهتمام الإريتري بالشأن الصومالي بعد تشكيل الحكومة الصومالية الانتقالية الحالية في أكتوبر 2004م، ويقول تقرير أصدرته عن الصومال مجموعة الأزمات الدولية بتاريخ 10/8/2006م، إن إريتريا أرسلت إلى هذا البلد في الفترة من مايو 2005م إلى مايو 2006م ما لا يقل عن عشر شحنات من السلاح.ولم تخف الحكومة الإريترية دعمها للمحاكم الإسلامية، مع أنها رفعت خلال السنوات السابقة لواء محاربة الاتجاهات الإسلامية في المنطقة، إذ وجدت في الوضع الصومالي فرصة لفتح جبهة حرب خلفية ضد عدوتها أثيوبيا. وفي ورقة العمل التي تبنتها بخصوص الصومال ونشرها موقعها الرسمي على الإنترنت «يبدو إنها قدمتها لاجتماع وزراء خارجية الإيقاد الذي عقد في نيروبي في مطلع أغسطس الحالي»، رفضت الحكومة الإريترية التدخل العسكري الإثيوبي. والملاحظ أن هذا الرفض كان أول بند بين البنود الخمسة التي تضمنتها الورقة التي يفترض أنها تهدف إلى تقديم تصور لمعالجة المشكلة الصومالية. ورفضت الورقة الإريترية أيضا ربط المحاكم الإسلامية بالإرهاب، وقالت إن هذا الربط لا يمكن الدفاع عنه وهو غير حكيم. كما رفضت الورقة الرفع الجزئي للحظر على السلاح الذي تبنته أثيوبيا والإيقاد، وقالت إن مثل هذا الرفع سيكون غير متوازن، لأنه سيمكن الحكومة الانتقالية من الحصول على السلاح، بينما لا يوفر الإمكانية ذاتها للمحاكم الإسلامية. وطبع التوتر العلاقة الأثيوبية الصومالية منذ إعلان جمهورية الصومال المستقلة في عام 1960م، بعد اتحاد الإقليمين، الشمالي الذي كان يخضع للاستعمار البريطاني والجنوبي الذي كانت يديره الاستعمار الإيطالي. وقد أعلن الصومال تصميمه منذ البداية على ضم الأراضي التي يعيش فيها الصوماليون في إقليم الأوغادين في أثيوبيا وإقليم نفدي في كينيا، وفي جيبوتي التي كانت تعرف في ذلك الوقت بالصومال الفرنسي. وكدلالة على تأكيد هذا التصميم، زين الصومال علمه بنجمة من خمسة أضلع، يرمز كل ضلع فيها لواحد من الإقاليم الخمسة. ولقد خاضت أثيوبيا والصومال حربين بسبب خلافهما حول منطقة الأوغادين، الأولى في عام 1964م والثانية في عام 1977م. وظل كل من البلدين طيلة عقد الثمانينيات يدعم معارضة الآخر، فكانت جبهة التقراي التي تشكل القوة الرئيسة في الجبهة الحاكمة في إثيوبيا الآن، تتلقى الدعم من نظام بري عندما كانت تقاتل ضد نظام منقستو، بينما كان الرئيس الحالي للجمهورية عبد الله يوسف الذي كان يقاتل ضد نظام سياد بري يتلقى الدعم من منقستو، قبل أن يلقي الأخير القبض عليه بتهمة دفع أموال لضباط إثيوبيين لمساعدته على تصفية خصومه.وبعد انهيار الدولة الصومالية ساندت أثيوبيا أغلب المحاولات التي جرت لمصالحة الفرقاء الصوماليين، لكنها لم تكن متحمسة للمحاولة قبل الأخيرة التي جرت في جيبوتي في عام 2000م، وانتخب على أساسها عبد قاسم صلاح حسن رئيساً للجمهورية بسبب التوجهات الإسلامية للرجل، لكنها دعمت الرئيس عبد الله يوسف والحكومة الانتقالية التي تشكلت بموجب المصالحة التي تمت في كينيا عام 2004م، وتصبغ أثيوبيا ما يشبه الرعاية على هذه الحكومة، فعندما عصفت بها الخلافات وهددت بسقوطها، زار مقرها في بيدوا في الخامس من أغسطس الحالي وزير الخارجية سيوم مسفن ووزير الثقافة محمود درير. وتمكنا من إبرام مصالحة بين أطراف السلطة المتصارعة. وتتخوف أثيوبيا من أن يؤدي انهيار الحكومة الانتقالية إلى نجاح المحاكم الإسلامية في بسط سيطرتها على كل جنوب الصومال، ويتيح لها استمرار أجهزة السلطة الصومالية الانتقالية غطاءً شرعياً لوجودها في هذا البلد، وسنداً لحججها المتفقة مع الإيقاد في استجلاب قوات حفظ سلام تساعد الحكومة على البقاء، وتمنع فرض المحاكم الإسلامية سلطتها على كل الصومال. وتتخوف أثيوبيا من أن يؤدي بسط المحاكم الإسلامية لسيطرتها على الصومال، إلى تقوية جبهة تحرير الأوغادين، وتوفير دعم أكبر لجبهة تحرير الأرومو، وإلى تهديد الطرق التي تصلها بموانئ جمهورية أرض الصومال، إضافة لما يمكن أن يمثله نظام إسلامي مجاور من خطر عليها.وإذا كان التصريح الذي أدلى به نائب رئيس الوزراء الصومالي إسماعيل حوري لإذاعة صوت أميركا في نهاية يوليو الماضي، حول إرسال إريتريا خمسمائة جندي إلى الصومال صحيحاً. وإذا كانت التقارير التي أوردتها الأمم المتحدة خصوصاً مبعوثها الخاص إلى الصومال بوجود قوات أثيوبية حول مدينة بيدوا التي تتخذها الحكومة الانتقالية مقراً لها صحيحة، فإن هذا البلد لن يستمر فقط كما كان منذ 1999م ساحة حرب بالوكالة، بل يمكن أن يشهد حرباً مباشرة بين إريتريا وإثيوبيا في الأراضي الصومالية، تنهي ما تبقى من أمل في استعادة الصومال لاستقراره، وتدخل المنطقة كلها في أتون حرب لا يمكن التكهن بنتائجها.