مقالات

أرتريا والسودان مصالحة بين نظامين ام تعايش بين شعبين بقلم / عمر جابر عمر

14-Nov-2005

الموقع

فجأة ودون تمهيد وبعد ان فشلت وساطة الوسطاء ( ليبيا- قطر .. الخ ) قامت الحكومة الارترية بمبادرة للتصالح مع حكومة السودان . هل هى عودة الروح ام يقظة ضمير ام ادراك متأخر لطبيعة الاشياء؟

يحدثنا التاريخ الحديث فى المنطقة العربية عن مصالحة الاردن مع مصر : كانت مصر فى عهد جمال عبد الناصر ( قبل النكسة ) توجه اذاعة صوت العرب ضد الملك حسين. وفجأة اتصل العاهل الاردنى بجمال عبد الناصر وكان فى شهر رمضان! وقال له انه استلهم تعاليم وروحانيات الشهر الكريم ويتطلع الى المصالحة! وتوقفت اذاعة (صوت العرب) عن مهاجمة الملك حسين ولكن بعد فترة عادت الامور الى ما كانت عليه . واكتشفت الحكومة المصرية ان تلك ( الهدنة) كانت مطلوبة حتى يكمل الملك حسين زواجه من فتاة انجليزية هى ام الملك الحالى الملك عبد الله !! السؤال : لماذا امتدت القطيعة والحرب لاكثر من عقد من الزمان ؟ كان النظامان (الانقاذ والشعبية) منذ البداية على طرفى نقيض فكرا ونهجا ورسالة . ولكن كل منهما كان يعتقد بأنه (اشطر) من الاخر . 1/ كان نظام الانقاذ يعتقد بأن قيادة الدولة الارترية الوليدة عام 1993 ليس لها تجربة ولا قدرة على فهم المعادلات السياسية فى المنطقة . لذا فان تقديم الدعم لها واغرائها بتوفير ( الحماية ) لها يمكن ان يؤدى الى احتوائها او تحييدها واذا لزم الامر تهميشها. 2/ كان نظام الانقاذ يراهن على الكم الاسلامى فى ارتريا واثيوبيا والصومال وبالتالى فان العلاقات الفوقيه مع الانظمة ما كانت الا غطاءا لتسهيل الحركة والوصول الى تلك المواقع والا تصال بذلك الاحتياطى البشرى الاستراتيجى. 3/ كان نظام الانقاذ يحاول ان يقدم نموذجا للدولة الاسلامية الحديثة ويبشر بها ويعمل على نشر مبادئها وشرح ملامحها . بالمقابل فان النظام الارترى كان يعرف تماما نوايا ومخطط نظام الانقاذ ولكنه سار معه وسايره لتأمين حماية مؤقتة ضد المعارضة الارترية حتى يكمل ترتيباته الداخلية ويبدأ نشر رسالته! كان نظام اسمرة مرتبطا بالدوائر الغربية والتى كانت تعارض نهج نظام الانقاذ بل وعرض نظام الشعبية خدمات على الغرب لمحاربة الارهاب وتسهيل تحرك الاسطول الامريكى فى المنطقة. ما كان يجمع بين النظامين هو طبيعتهما : احتكار السلطة والثروة وفرض دكتاتورية وممارسة القمع للحريات وفتح السجون لكل معارض. وعندما انكشف المستور وادرك كل نظام بان الطرف الاخر قد فهم ابعاد اللعبة بدأ الصدام والتناحر واخذ كل منهما يعد العدة لاسقاط خصمه ويصرح بان(( ايام الطرف الاخر اصبحت معدودة )) وفى ذلك الصراع استخدمت كل الاسلحة:المشروعة منها وغير المشروعة واخذ كل طرف يجمع الاوراق التى يمكن استخدامها ضد الطرف الاخر وكانت المعارضة فى كل من البلدين هى الورقة الرابحة . ولكن كانت لكل طرف همومه ومشاكله الداخلية والتى لا يمكن حلها من خلال العلاقة بين النظامين سواء كانت سلبية او ايجابية. نظام الانقاذ كان يواجه مشاكل حقيقية فى الجنوب والغرب والشرق بالاضافة الى مشاكل غياب الديموقراطيه والعزله الاقليمية والدولية. ولكنه ادرك بان مواجهة تلك القضايا يكون من خلال الاعتراف بها اولا ومن ثم التحاور حولها والاتفاق مع الاطراف المعنيه بالامر فى داخل السودان . كانت البداية الاعتراف بخطأ التجربة وقصور النهج وعدم واقعية الرسالة ثم كان الانقسام الى(( موتمر وطنى ))و((موتمر شعبى )). يقول الدكتور حسن الترابى فى لقاء مع قناة ((الجزيرة)) موخرا: (( فشلنا فى فهم وتطبيق المحتوى الحضارى للاسلام – تمسكنا بالشكل ونسينا المضمون حار بنا الجميع وحاربونا – واحتكرنا السلطة والثروة وحرمنا بقية اهل السودان منهما – ثم انقلبنا على بعضا البعض وكان ماكان ))!! ثم بدأمشوار التطهير والتطهر من اثار تلك التجربة والانفتاح على كل الوان الطيف السياسى. كانت ((نيفاشا )) خطوة هامة على طريق بناء السودان الجديد – وجاء الحوار مع حركات المعارضة فى ((دارفور )) تاكيد للسير على نهج الجديد وصولا الى الشرق لاستكمال الدائرة . بدأ السودان مرحلة جديدة من تاريخه السياسى الحديث وبالرغم ما يمكن ان يقال عن احتكار ائتلاف الحزبين ( المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ) للسلطة والثروة الا انه لا يمكن اغفال ماتم تحقيقه (حرية احزاب – حرية صحافة – دستور جديد ومشاركة ايضا للاخرين مهما كانت محدودة ) فى الجانب الاخر فان النظام الارترى فشل تماما فى حل مشكلته الداخليه مع المعارضة والخارجية مع اثيوبيا . وبعد ان وجد نفسه محاصرا ومعزولا واحترقت الاوراق التى كانت فى يديه – هرع الى الخرطوم طالبا الصلح والمصالحة وما وضع فى حسابه المتغيرات التى حدثت فى السودان والنهج والاسس التى يبنى عليها السودان الجديد ما رأه النظام الارترى بعض التغيرات فى المواقع والوجوه واعتقد ان ذلك كفيل بمساعدته للحصول على (صكوك الغفران ) وفتح الابواب امامه . وما حدث للوفد الارترى فى الخرطوم معروف ومنشور وعزوف قيادات الموتمر الوطنى فى الدولة والحزب عن لقاء الوفد رسالة واضحة للنظام الارترى . الاتفاق الذى تم توقيعه يتحدث عن تطبيع للعلاقة بين البلدين وايقاف الحملات الاعلامية السوال:كيف يمكن ايقاف الحملات الاعلاميه فى بلد كالسودان وحرية الصحافة مكفولة ؟ اما عن ارتريا فهى صحيفة واحدة واذاعة واحدة يمكن اصدار الامر ويتم تنفيذه فى الحال . انها معادلة غير متوازنة والتطبيع لايمكن ان يتجاوز فتح السفارات وتبادل برقيات التعزية او التهنئة فى المناسبات. انها محاولة لتطبيع ما هو غير طبيعى بين نظامين لايجمع بينهما الا الجوار الجغرافى! ولكن ما نتطلع اليه كشعبين (ارترى وسودانى ) يختلف تماما. * نريد استحضار واستذكار كل تاريخنا المشترك. * نريد تفاعلا وتقنينا لعلاقات اجتماعية وثقافية. * نريد استقرار وسلام يحكم حدودنا المشتركة ويجعل منها واحة لقاء ومنطقة عبور وجسرا للتواصل. * ان شرق السودان وغرب ارتريا تجمع بينهما بنية ثقافية متأصلة فى التاريخ ويربط بينهما نسيج اجتماعى لا تشكل الجغرافيا السياسية وعلامات الحدود عائقا امامه بل انها ( استراحة ) لاستئناف المسيرة على طريق واحد ممتد عبر التاريخ ويتجه نحو مستقبل مشترك. وبذلك التلاقى والتفاعل الجزئى بين شرق السودان وغرب ارتريا يكتمل التفاعل والتعايش الحضارى بين السودان وارتريا. انها بوابة للدخول فى عالم واسع من الثقافات المتعددة والاعراق المتنوعة والديانات المختلفة. يقول احد المسئولين فى الحكومة السودانية! ( نتمنى ان تساهم ارتريا فى حل مشكلة شرق السودان ) كيف ؟ بترحيل قوى المعارضة التى لديها ووضعها فى شاحنات تأخذهم حتى الحدود؟ ذلك يعكس عدم معرفة اسباب المشكلة فى شرق السودان. شرق السودان يعانى من التهميش وغياب العدالة والمساواة. هناك تغييب لاهل شرق السودان من المشاركة فى السلطة والثروة. اذا كان الامر كذلك كيف يمكن لنظام مثل النظام الارترى لا يؤمن بالعدالة والمساواة ولايقبل بالمشاركة فى السلطة والثروة كيف لهذا النظام ان يساعد ؟ الحكومة السودانية تعرف كيف تواجه المشكلة وكيف تعالجها خاصة وقد اكتسبت تجربة فى الجنوب والغرب. ان ارتريا تعيش فى مجملها حالة من الاختناق السياسى يتم فيه تكميم الافواه وتقييد حركة البشر ناهيك عن منحهم حقوقهم الاساسية. النظام الارترى ليس بمقدوره ولا هو مؤهلا على المساعدة والتعاون فى حل مشكلة السودان – ليس ذلك فحسب بل ويمثل العقبة امام محاولات التطبيع الرسمى بين البلدين. ان ما يربط الشعبين الارترى والسودانى اكبر وابقى من الانظمة ومهمة ومصداقية اى نظام هى الحفاظ على تلك العلاقة وتطويرها وتنميتها باتجاه خدمة الشعبين الشقيقين. ان ما يجمع الشعبين كما قال الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل هو (.. اكبر مما يجمعنا بأى بلد اخر حتى لو كان شمال الوادى ) وبدورنا نؤكد له ان ما يجمعنا بالسودان اكبر مما يجمعنا باى بلد اخر .. حتى لو كانت جنوب الهضبة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى