مقالات

إثيوبيا والقرن الإفريقي…. ماذا بعد رحيل زيناوي؟ حسن أسد

26-Aug-2012

المركز

برحيله المفاجئ خلف رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي الذي أعلن عن وفاته في الحادي والعشرين من أغسطس الجاري وراءه، ملفات شائكة غير محسومة على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وأثار غيابه الأبدي علامات استفهام كبيرة تتعلق ليس بمستقبل إثيوبيا فحسب بل بالوضع الجيوسياسي لمنطقة القرن الإفريقي. لقد حققت إثيوبيا تحت قيادة زيناوي خلال العقدين الماضين إنجازات تنموية مقدرة أمنت لها استقرارا نسبيا على الصعيد الداخلي،

كما برزت إثيوبيا كدولة محورية في القرن الإفريقي تضطلع بمهمات ذات صلة بأمن واستقرار المنطقة بمباركة وتشجيع غربي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان يطمح ملس زيناوي في استكمال مشاريع تنموية نوعية تنقل إثيوبيا من مرتبة إحدى أفقر دول العالم إلى مصاف الدول المتوسطة الدخل حيث كانت تحقق سياساته الاقتصادية نسبة نمو اقتصادي تصل %10 سنويا. واتخذ من فلسفة حق تقرير المصير للقوميات الإثيوبية أداة لإدارة التنوع الثقافي والديني والعرقي في إثيوبيا أملا في إقامة وحدة وطنية راسخة في إطار هذا التنوع. إلا أن الطريق أمام أجندة ملس زيناوي كان وعرا ومليئا بتحديات كبيرة خاصة بعد اندلاع صراع مرير تطور إلى حرب مدمرة بين اريتريا وإثيوبيا في 1998-2000، كان من تداعياتها بروز خلافات داخل حكومته حول مسار الصراع مع اريتريا حيث طالب خصومه بتصعيد الحرب مهما كلف الأمر، بينما كان يرى ملس التوقف عند حدود استعادة المنطقة المتنازع عليها بدلا من السعي إلى تحقيق نصر يرهق البلاد اقتصاديا ويعطل عجلة التنمية. وسعى ملس زيناوي إلى لعب دور قيادي في القارة الأفريقية من خلال تفعيل دور بلاده في الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد في قضايا السلام والتغير ألمناخي، فقد لعب دورا ملحوظا في اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان خاصة في تثبيت مبدأ حق تقرير المصير لجنوب السودان في إطار تلك الاتفاقية التي أفضت إلى استقلال الجنوب، وكلفت قواته بحفظ السلام في منطقة آبيي المتنازع عليها بين السودان ودولة جنوب السودان، ومن المعروف أن إثيوبيا تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل من الخرطوم وجوبا. وأصبحت إثيوبيا تحت قيادته موضع رهان الولايات المتحدة مجددا كحليف استراتيجي في المنطقة، بعد أن كان قد اهتز التحالف الاستراتيجي التاريخي بين الولايات المتحدة وإثيوبيا في عهد نظام منجستو هيلي ماريام الشيوعي ( الدرق) نتيجة تحالف ذلك النظام مع الاتحاد السوفييتي في حينه، وتوافقت المصالح الأمنية الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، والمصالح الأمنية الإثيوبية في مواجهة حركة الشباب في الصومال التي تفتقر إلى حكومة مركزية منذ 22 عاما، وأرسلت إثيوبيا قوات عسكرية إلى الصومال في 2006 تحت غطاء أممي ( الأمم المتحدة) وإقليمي (الاتحاد الإفريقي) لمساعدة الحكومات الانتقالية المتتالية في الصومال حتى ألان، وأصبح الصومال مسرحا أخر للصراع بين اريتريا والصومال في ظل الصراع الذي لم يحسم بين البلدين. رحل ملس زيناوي قبل أن تصل أجندته لبناء إثيوبيا غاياتها المنشودة، وكذلك قبل أن تحسم ملفات سياسته الخارجية تجاه ألازمة الصومالية والنزاع الاريتري الإثيوبي وفق ما كانت تتطلع اليه إثيوبيا بقيادته.السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعد رحيل ملس هو هل ينجح رفاقه في تحقيق انتقال سلس للسلطة ويجنوبوا بلادهم الانزلاق إلى هزات تؤثر على استقرارها وبالتالي على استكمال أجندة البناء والتنمية التي كانت محور سياسة الراحل زيناوي؟ نطرح هذا السؤال على خلفية ما أوردته بعض التقارير عن الغموض الذي اكتنف طبيعة مرض السيد زيناوي وتضارب التكهنات حوله، حيث ذهبت بعض التقارير للتلميح إلى نظرية المؤامرة عندما أشارت إلى احتمال تعرض زيناوي لعملية تسميم، كما تحدثت بعض التقارير عن أن صراعات داخلية في الحزب الحاكم قد أطلت برأسها بين أقطاب تتطلع إلى خلافته، كما تتوثب بطبيعة الحال قوى المعارضة لاستغلال تطورات ما بعد رحيل زيناوي لبلوغ أهدافها السياسية. لا شك انه من الصعب التكهن بمألات الأوضاع السياسية في مثل هذه الحالات في دول عالمنا الثالث التي تطغى فيها كاريزما القيادات على دور المؤسسات ونحن في انتظار ما ستكشفه الأيام عن حكمة وقدرة القيادة الإثيوبية في اجتياز هذا الامتحان بنجاح في أعقاب الغياب المفاجئ لزيناوي. هناك احتمال أن تلقي عوامل خارجية بظلالها على تطورات الأوضاع في إثيوبيا. ومن المعروف أن إثيوبيا في عهد ملس ظلت تتلقى مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكان لهذه المساعدات دورا ملحوظا في النجاحات المقدرة التي حققتها إثيوبيا في النمو الاقتصادي، وتنظر الدول الغربية بصفة عامة إلى إثيوبيا كحليف استراتيجي في حماية مصالحها في المنطقة خاصة المصالح الأمنية، ومن المتوقع أن يستغل حلفاء إثيوبيا هذه المرحلة للمطالبة بأجراء إصلاحات سياسة ( تحول ديمقراطي ملموس وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، إطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير..الخ) بهدف تأمين استقرار سياسي راسخ تستطيع من خلاله أن تلعب إثيوبيا الدور المحوري المطلوب منها في هذه المنطقة في إطار تحالفها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في هذا السياق يمثل الصراع الاريتري الإثيوبي في نظر حلفاء إثيوبيا احد أهم المعوقات لاستقرار إثيوبيا وفعالية دورها في المنطقة، وبالتالي من المتوقع أن تنشط جهود غربية لتحقيق مصالحة بين البلدين خاصة وان اريتريا ليست خالية من متاعب أزمة القيادة في ظل ما يتردد عن مرض اسياس افورقي الذي احتكر السلطة وحكم بلاده خلال العقدين الماضين بقبضة حديدية مارست انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان أسفرت عن سخط شعبي واسع على الصعيد الداخلي وعزلة سياسية على الصعيد الخارجي، مما يزيد من احتمالات حدوث تغيير سياسي بصيغة ما في اريتريا. ويذهب بعض المحللين الغربيين إلى إمكانية عودة ما يصفونها بالعلاقات التاريخية بين البلدين في حالة حدوث تغيير سياسي مماثل في اريتريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى