مقالات

ارتريا بين زوال النظام الرسمى وبقاء المجتمع العميق ! بقلم / أحمد نقاش

23-Jul-2014

عدوليس

ان الشارع السياسي الارترى فى هذه الايام يشهد حراك سياسي شديد دون الوصول الى النتائج العملية التى يترقبها الشارع السياسي الارترى والتى فى حاجة اليها الوطن ككل قبل حدوث الانهيار.لعل هذا الحراك الارترى وما يحدث من التدافع فى المحيط الاقليمى لارتريا ما بين ثورات الشعوب وعودة الفلول فيما اصطلح عليه فعل الدولة العميقة هو الذى اوحى لى لاختيار عنوان هذا المقال بعد انقاطع طويل عن القراء الكرام بسبب انشغالى بالسياسة العملية التى اراها هى الاخرى تتخبط وتتعثر كثيرا لعدم وجود المقومات الحقيقة لانتاج الفعل السياسي

الذى يتجاوز التنظير وكذلك بسبب سوء النواية واختلال التوازن فى التخطيط ما بين طرفى المعادلة الوطنية وبقاء القناعات الاسمنتية على حالها واختلاف اولوياته واهتماماته المصلحية.وفضلت استخدام المجتمع العميق بدل الدول العميقة بسبب قصر عمر الدولة الارترية قياسا على عمق الصراع المجتمعى ما بين طرفى هذه المعادلة منذ قديم التاريخ بشكله العرفى الذى تبلور فى اربعنيات القرن الماضى بشكله السياسى محليا فى تناغم تام مع الصراع الاقليمى والدولى .
عند ما طرحت المسألة الارترية فى الامم المتحدة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية انقسم المجتمع الارترى الى قسمين لا ثالث لهما رقم تعدد الاعراق واللغات والاقاليم لان اساس الصراع السياسى فى ارترىا مبني حقيقة على الثقافة والدين والمصير المشترك لكل منهما، لذا سارع كل منهما لتأسيس آليات العمل السياسي لتوعية جماهيره واصدقائه من دول الجوار والعالم أجمع. وقام معظم اصحاب الثقافة التقرينية بتأسيس حزب الوحدة (اندنت) من عام 1942 وقام اصحاب الثقافة العربية بتأسيس حزب الرابطة الاسلامية من عام 1946 وكان الاول يدعو الى الوحدة مع اثيوبيا ليس كرها للاستقلال الذاتى لكن خوفا من الشقيق الاكبر فى تلك المرحلة لان الشقيق الاكبر كان متماسك البنيان والصفوف.والثانى كان يدعو الى الاستقلال الوطنى دون قيد او شرط لانه لم يكن يستقيم عقلا الانضمام الى دولة يضطهد فيها اخوتهم فى العقيدة وهم اكثرعدد فيها،هذا ما عبر عنه المناضل الشهيد (عبد القادر كبيرى ) فى احد رسائله الى صديقه من الساسة الصوماليين .
بعد اقرار الاتحاد الفدرالى مع اثيوبيا من قبل الامم المتحدة ودخول الاستعمار الاثيوبى و جيش الامبراطور الاثيوبى الى الوطن الارترى كانت السلطة الفدرالية الفعلية فى ارتريا للنخب السياسية لحزب الوحدة الارترى الذى استقوى على اخيه بالغريب الذى جاء من وراء الحدود – وكذلك يفعلون- ثم عمل على تاسيس المجتمع العميق لتامين المكاسب والاستفادة منها فى حمى الاستعمار الاثيوبى بقدر المستطاع ،فى الوقت الذى بدأت تنهار مؤسسات الرابطة الاسلامية نتيجة الممارسة الاستعمارية الغير مشروعة وان بقيت نفوس جماهير الرابطة والكتلة الاستقلالية مشوحونة كرها للاستعمار،وعقب انزال العلم الارترى والغاء اللغة العربية وضم الوطن نهائيا الى اثيوبيا طفح الكيل وبلغ السيل الزبي وعند اذن تأسست حركة التحرير فى السر قبل بضع سنين ثم تسارعت وتيرت الغضب وانفجرت الثورة بقيادة القائد عواتى فى المنخفضى الغربى من الوطن من عام 1961 وبسرعة لحقى بهم اخوتهم من المرتفع والمنخفض الشرقى بقيادة المناضل قرجيمات على شوم سليمان وكان هذا الانفجار بشكلى عفوى دون تخطيط عميق يتناسب مع ابعاد القضية الوطنية محليا ودوليا.
عند ما تصاعدت وتطورت الثورة من ناحية وسقط النظام الامبراطورى فى اثيوبيا من ناحية اخرى انتقل المجتمع العميق بشكل سريع من موقع الى اخر لتأمين المصالح عملا بالقول المأثور فى عالم السياسة ” لا توجد عداء او صدقات دائمة لكن توجد مصالح دائمة ” ام المجتمع البسيط هلل واستبشر خيرا بهذا القدوم الميمون لشقيقه الاصغر عملا بالقول المأثور فى الكرم البدوى ” يا ضيفنا لو جئتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت رب المنزل ” وتمكن المجتمع العميق من الثورة بما اكتسبه من الخبرة مع المستعمر فى ادارة امور السياسة وكيفية السيطرة، واضحى الشقيق الاكبر يتيم على مائدة الليأم وكان هذا اكثر وضوحا عقيب قيام الدولة الارتريا من عام 1991.
الطبيعة البدوية ان كانت بسيطة فى تعاطيها لسياسة الا انها عصية على ترويدها على الظلم بسهولة ويسر ان الشقيق الاصغر بفعله هذا كسب معركة الا انه لا يمكن ان يربح الحرب كلها لان دوام الحال من المحال هكذا انتقل الشقيق الاكبر الى خيار المعارضة فى المنفى وصبر وصابر من اجل الحفاظ على راية المعارضة والمقاومة للنظام الديكتاتورى فى اسمرا، بينما الاخرون كبروا وهللوا بنزول الملاك افورقى من جبال الساحل الى قصور اسمرا وحناتها العامرة . وعندما ساءت احوال الوطن والمواطن من جانب وانكشفت سوءة النظام وعورته القبيحه، من جانب اخر وبلغ جنون العظمة عند افورقى مبلغه واصبح يهدد بفشل المشروع القومى انتقلت نخب المجتمع العميق الى قوى المعارضة كرها لجنون النظام وليس لمشروعه، وبدأ الشقيق الاكبر يوسع من دائرة المعارضة لاستعاب القوى الوطنية القادمة دون دراسة لتجربته القديمة لان الكرم مطبوع فى جبلته والبساطة جزء فى تعامله، وقام بتاسيس التجمع الوطنى ثم التحالف الوطنى الا ان كل هذه المؤسسات تم شيطنتها لشيئ فى نفس يعقوب ،ثم تم تأسيس المجلس الوطنى الارترى بعد جهود كبيرة بذلت بوثائقه الوطنية التى تحمى حقوق الجميع لهذا السبب تعرض ويتعرض هذا المجلس الى هزات كبيرة للقضاء عليه محليا واقليميا منهم من نعلمهم وأخرين من دونهم لا نعلمهم الله يعلمهم.هكذا يلاحظ ان مسار المعارضة الارترية يسير فى الاتجاه المجهول، المعارضة القديمة انهكها الدهر بدأت تضعف وتتشتت وتنقسم على نفسها والجديد يتخبط لدرجة انه اضحى يتعامل مع الفعل السياسي كأنه مودة او طلعة كل ما ظهر شخص هرولوا من ورائه لعمرى لو جاء رأس النظام نفسه معلنا انه معارض لذاته الدكتاتورية لوجد من يصفق له ويسعى معه من اجل التغيير الديمقراطى وانقاذ الوطن – انه انفصام فى العمل السياسي – يبدو نحن فى زمن لا يهتم به الناس بالمعاير والاخلاق المطلوبة فى قيادة الامة لاخراجها من معاناتها المزمنة، ونخب المجتمع العميق او الدولة العميقة ان جاز التعبير تخطط من جديد هنا وهناك للحفاظ على المكتسبات التى تحققت فى غفلة من الزمن ولو كان ذلك عبر التحالفات المشبوهة لان الغاية عندهم تبرر الوسيلة. ودول الجوار تراقب وتترقب بصمت ولا تفصح ماذا تريد، ودول العالم تنظر و تنتظر واركان النظام تتصارع وتتأكل تخلى منجوس يختفى وفيلبوس يتقدم وافورقى يتفرج ،وشباب الوطن يهاجر الى المجهول.
الشقيق الاكبرفى مجموعه (نخبة+المجتمع) يبدو كذلك انهكته محاولة الاصلاح وتحمل متاعب الوطن والحفاظ على المشروع الوطنى الذى كان احد سماته البارزة وبدأ يفكر فى تقزيم نفسه الى قبائل وقوميات واقاليم لعل وعصى هذا يقنع الشقيق الاصغر ويهدئ من روعه اذا شاهدهم وهم اقزام. هكذا اذا ان معجزة كتيب او منشور افورقى “نحن واهدافنا” لم يكن فقط فى تحقيق النصر لصاحبه بل ان الضحية اضحت تؤمن ببعض نصوص الكتاب وتطبقه على نفسها !! لذا نخشى من ان نصحي يوما على وطن بلا اثر او شعب بلا خبر ونخبة بلا عمل .اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .
فى الختام اتمنى للجميع التوفيق وللوطن الارترى السلامة من كل سوء… ورمضان كريم .
للتواصل : ahmednegash99@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى