مقالات

الفكر السياسي الإرتري المعارض .. الافتراض والناتج بقلم / محمود عثمان إيلوس

20-Mar-2015

عدوليس ـ ملبورن ـ

ماذا كان يفترض عليهم، وماذا انتج دعاة التغيير السياسي في إرتريا خلال اكثر من عقدين من تجربة الدولة الإرترية المستقلة،وأكثر من نصف قرن من تجربة نضالية سياسية وعسكرية سابقة؟. اين نقف الآن – تحديدا- من السقف المطالبي والخطو الميداني؛ مابين الثابت والمتغير أو مابين الاستراتيجي والتكتيكي ، بل وما بين الحاضر والمستقبل؟ أين تقف – تحديدا – نخب التغيير السياسي الإفتراضي من مجمل القضايا الآنية والمستقبلية في إرتريا؟ هل نحن في طريقنا للتغيير السياسي أم أن الفكرة في كلياتها في طريقها للتلاشي والاضمحلال ؟ إنك ان تنظر إلى الأوضاع الإرترية في الداخل والخارج ، في الحاكم والمعارض ، في النخب والعامة ، في الخط الفاصل بين الحاضر والمستقبل ؛ فكأنما تنظر إلى جسم عليل ؛ إذ كيف يستقيم لنعارض كلنا جميعا شبح رجل واحد ثم لا نكاد نتلمس طريقا آخر لتستقيم فيه أوضاعنا ، كيف يستقيم ان يكون اسياس أفورقي هو الصخرة التي تتكسر فيها ارادة مجتمع بأكمله خلال أكثر من ثلاثين عاما ( 1980-2014) ، والاجابة التعجيزية التبريرية التى ظل يتبناها دعاة الثقافة العربياتية والاسلامية في ارتريا هي أن اسياس أفورقي انما يقف خلفه أناس جبارون من المرتفعات التجرينية . ولم تتغير هذه الأرجوزة حتى بعد المعطيات التي أوجدتها الحرب الإرترية الإثيوبية الأخيرة ؛ حرب (اسياس أفورقي/ ملس زناوي) ، حرب ( تفكك البرامج المشبوهة لدعاة الحضارة والثقافة التجرينية في المنطقة) ، أو ماصطلح عليه حرب ( بادمي 1998- 2000) ، ظلت العقلية الاسلامية والثقافة العربية في إرتريا تمارس سياسة التهويل والحاق الهزيمة بالانسان الإرتري الذي لم يجد خيارا آخر دون الاكراه إلى هجر إرتريا ومواجهة مصير مجهول في الشتات.

هنا ، وحتى لا تتظاهر المواقف في مقام ناسخ ومنسوخ ؛ فإنني كنت قد قدمت نظرتي حول كيفية تمكن اسياس أفورقي من زمام الأمور منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم ، وكيف انه انتقل بمفهومه ومشروعه من طور إلى طور ، بل كيف أن نخب الثقافة التجرينية التفت حول مشورعه ، وكيف ان نخب الثقافة الاسلامية ظلت تمارس التفكك والتباعد عن مشروعاتها حتى تبعثرت قدراتها وضعف عضدها إلى درجة التلاشي والتهمش ، وذلك من خلال مقالين سابقين ، أولهما تحت عنوان ” إرتريا: دور النخب الغائب” وثانيهما تحت عنوان” نخب الثقافة العربية في إرتريا .. فقدان الاستراتيجية” . أي ، لا خلاف ان الجبهة الشعبية قادتها نخب تجرينية لمصلحة سيادة قومية وثقافة واحدة ، وهي الثقافة والقومية التجرينية ، بل ابعد من ذلك ان تحالفا استراتيجيا قد ربط مابين جبهة التجراي والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا من اجل ضمانة نظرية السيطرة والسيادة التجرينية في المنطقة . هذه تكاد تكون من المسلمات التي لايختلف حولها كل من يتتبع تاريخ المنطقة قديما وحديثا ، ولكن الحقيقة التي يحب ان يدركها صانع قرار التغيير السياسي في إرتريا ان حرب بادمي غيرت الكثير في عقلية امجاد الماضي التجريني في ارتريا ، وان حملة الثقافة التجرينية اصحاب ثأر لا يعرف النهاية ، كما أن اسياس افورقي يعتبر نفسه المسئول الأول في نفاذ تلك المشروعات وفي سبيل ذلك هو في غاية الجدية في ضرب المخالفين لوجهته سواء كانوا مسيحيين تجرينيين أو مسلمين من المجموعات والأقاليم الأخرى ، ولنا ان نقرأ تجاربه مع ( حركة منكع ) وحركة 2001 وحركة 2013 ، وتجربته مع ملس زناوي إلى درجة اشعال حرب دولية في المنطقة دون اسباب حقيقية ومرئية؛الأمر الذي لاضرورة تحت الاطناب تقديم تفصيلات اخرى في سناريوهات تم تناولها بشكل متسلسل. أي لاتأتي اتجاهات هذا المقال للنسخ وغض الطرف عن ان مشروع الجبهة الشعبية في قمته كان يحمل التوجه الطائفي وتمكين الثقافة التجرينية وسيادة السيطرة التجرينية في ارتريا ، ثورة ودولة ؛ وانما الأمر هنا يتعلق بنقد الذات وأهمية النظر من خلال زوايا متعددة للمسيرة السياسية الإرترية ، إذ أن هناك متغيرات دائمة في تجارب الإنسان ، فالجبهة الشعبية في حد ذاتها في الفترة من ( 1977-1991) و(1991-1994) و(1994 – 2001) ليست دائما هي الجبهة الشعبية المتماسكة داخليا ، بشكلها الاسطوري. إذ ان عام 2001 يعد الخط الفاصل ما بين ماضي الجبهة الشعبية ومستقبلها المتبعثر . إن احداث 2001 التي بموجبها تكشفت هشاشة الجبهة الشعبية وعدم قدرتها لحل مشاكلها الداخلية ، وأثبتت كونها صنيعة رجل واحد؛ وهو اسياس أفورقي؛ الذي تمكن من ابقاء الجبهة الشعبية ونظرية الحكم في إرتريا دون اية تغييرات أو اهتزازات حينما زج بأهم عناصره القيادية إلى السجون ، إلا أن تلك الأحداث فرضت واقعا جديدا لإمكانية صناعة معارضة من داخل النظام ومن داخل إرتريا ، للوصول إلى فك عزلة المعارضة القديمة عن ما يجري في إرتريا ، وربط احداث الداخل بمعارضة الخارج ، دون عزل الأحداث عن بعضها بعض. ماذا يفترض وماذا انتجنا ؟إذا كان الحديث هنا عن الفكر السياسي باعتباره مجمل التصور العقلاني للنظر إلى المشكلات وتقديم الحلول المناسبة في اتجاه تراكمي تصاعدي ايجابي للوصول إلى اقصى غايات لتحقيق الأهداف ؛ فإن ماكان يفترض على العقلية السياسية الإرترية المعارضة بشكل عاجل وجاد هو التغيير الكلي للأوضاع السياسية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في إرتريا ، ولا سبيل في ذلك الإ من خلال ارساء دعامة سلطة تتحاكم الى قانون العدالة السياسية والاجتماعية وكفالة الحريات لجميع الإرتريين . ولاسبيل إلى ذلك الا من خلال قيادة معارضة سياسية جادة لإزالة نظام الحكم القائم في إرتريا ، بكل توجهاته السياسية والطائفية. لأن نظام اسياس أفورقي نظام دكتاتوري في تركيبته السياسية وفلسفته تجاه الحكم وتجاه مشاركة الآخرين . فليس هنالك امكانية اصلاح هكذا نظام لا يؤمن إلا بنظرية القاتل أو المقتول . كان يفترض من حملة الهتاف السياسي المعارض في إرتريا إلى قيادة صراع سياسي متصاعد لمواجهة ازمة السلطة القائمة في إرتريا من اجل احلال بديل سياسي ينتقل بالمجتمع إلإرتري من الشتات إلى حضن وطن يسع الجميع ، ومن دولة أزمات إلى دولة مستقرة . ماكان يفترض علينا هو اطلاق معارضة حقيقية تحمل برنامجا متكاملا لأنقاذ إرتريا ، تعمل على ازالة النظام الحاكم وتمثل وجهة للمجتمع الإرتري الذي تعرض لابتزازات انسانية في كل بقاع العالم ، مواجهة المشروع التصفوي الذي يقوده النظام الإرتري بمشروع وطني ، وبرنامج يعني التعدد الثقافي والعرقي والديني . هذه ليست مصطلحات سطحية ولا عبارات فضفاضة ولكنها حقائق يجب انزالها على ارض الواقع .الجهود التي بذلت في سبيل التغيير:1-تكوينات المعارضة: لعله من الأهمية الإشارة إلى طبيعة تكوينات المعارضة الإرترية التي ترجع في معظمها إلى قوى وفصائل جبهات التحرير الإرترية ، بكل تعددها الفكري والانتمائي ، حيث تمكنت الجبهة الشعبية من حصر تلك القوى عن الساحة الإرترية خلال عقد الثمانينينات ، وحولتها إلى قوى شبه معزولة عن الساحة، ويضاف إلى ذلك القوى التي كانت قد تشكلت من التيارات الاسلامية بما في ذلك متفرقات حركة الجهاد الاسلامي الإرتري ، ثم لحقت بها قوى أخرى سواء كانت حديثة التكوين أم تم اعادة تكوينها بعد الهجرة العكسية التي شهدتها قطاعات واسعة من السياسيين والكوادر الأساسية من خارج نسيج الجبهة الشعبية الحاكمة ، اثناء وبعد الحرب الإرترية الإثيوبية ( 1998/2000). أي ان معظم قوى المعارضة الإرترية دخلت مرحلة المعارضة وه منهكة من ازماتها مع الجبهة الشعبية والاستعمار الاثيوبي والمطاردة السياسية السودانية دائمة التغير ، فضلا عن الأزمات والتشرزمات الداخلية لكل تنظيم على حدة. أي أن تكوين كيانات المعارضة في غالبه استمرار لشكل الفصائل التي ظلت تناضل من اجل استقلال إرتريا.2-الفكرة السياسية الابتدائية للمعارضة : طبيعة البرنامج السياسي المعارضة دائما تبنى على فكرة تقديم بديل افضل مما تقدمه الحكومات ومحاولة اضعاف برنامج النظام الحاكم ، دونما اضرار بالمصالح القومية للدولة . ولكن لطبيعة النظام الحاكم في إرتريا أفقد اهمية وجود الإرتريين داخل بلادهم وبالتالي غياب بدائل سياسيىة مقتدرة من بين ابناء ارتريا ، الأمر الذي يفتح الباب أمام معارضة تأخذ شكلا من اشكال المقاومة السياسية والعسكرية زحفا من خارج الحدود ، كبديل محتوم لغياب الحريات التي تكفل ممارسة النقد من الدالخل . قضت قوى المعارضة الإرترية معظم مرحلة التسعينيات في التوهم والاعتقاد في أن الجبهة الشعبية الحاكمة في إرتريا ستفتح المجال أمام التسامح والمصالحة الوطنية وتصفية الخلافات الداخلية لتهيئة الأجواء للبناء والتعمير. والحق يقال، أن هذه كانت وجهة كثيرين منا ، على الأقل في السنوات الأولى من عقد الاستقلال الوطني ، إذ لا أحد كان يتوقع بأن البرنامج التصفوي للجبهة الشعبية سيستمر بنفس الشاكلة الثورية في ظل أضابير دولة مدنية. لكن من ذا الذي يغير العقل السياسي الإرتري من وتيرة الاتجاه السلبي ، وأخذ أسوأ الخيارات فيما يتعلق بالوفاق الوطني . المهم تلك الأوضاع الانتقالية ؛ وتذبذب المواقف حولها؛ أفقد افتراضات القوى المعارضة كلمة السر لبناء فكرة سياسية معارضة بشكل مبكر ، حيث حاولت بعض القوى تشكيل جبهة متحدة لتوحيد مواقفها تجاهة احتمالات تقاسم السلطة في إرتريا ولم تكن لديها أبدا احتمالات مواجهة النظام الحاكم وقيادة برنامج موحد لمعارضة النظام ، كما شلكت بعض قوى اخرى جبهة ديموقراطية في ذات الاتجاه .لم يكن لأسياس أفورقي ان يتعامل مع ردود أفعال أنداده في الخارج بشكل مسئول بل تمادى إلى سياسة التهميش وتصعيد سبل التفرقة والتشتيت . إن أولى القضايا العامة التي تمس الإرتريين جميعا اعلنها اسياس أفورقي باسم ما عرف بالحكومة المؤقتة هي قبول العائدين السياسيين بصفاتهم الشخصية والفردية إن هم ارادو العودة إلى إرتريا ، وتأجيل عودة اللاجئين الإرتريين ، واعلان استفتاء شعبي رسمي لأخذ رأي الشعب الإرتري في الاستقلال وتقرير المصير من عدمه . أي منذ 20 يونيو 1991 كانت الأمور واضحة للعيان بأن الجبهة الشعبية أخذت الطريق الأخر ، وهو طريق ( تذويب القيادات والكيانات السياسية الإرترية في كيان الجبهة الشعبية ) واغلاق الحدود الإرترية دون قدوم تعدد الثقافات لاسيما من السودان؛ حيث السواد الأعظم من اللاجئين الإرتريين من المسلمين وحملة الثقافة العربية . لم يكن رد فعل حقيقي من قوى المعارضة الافتراضية الإرترية حول كليات التوجه الذي ابرزه النظام الحاكم في إرتريا في تلك المرحلة المبكرة من عمر الاستقلال الوطني ، بل تركزت ردود الأفعال حول مشروعية الاستفتاء من عدمه ومشروعية حمل بطاقة الجبهة الشعبية أو الحكومة المؤقتة الإرترية للإدلاء بالاصوات ، وهنا بدأ إعوجاج الطريق لقوى المعارضة الإرترية . أي لم تغير بشكل عاجل مواقفها ، ولم تحدد بشكل عاجل رؤيتها تجاه البرنامج الخطير الذي تبنته الجبهة الشعبية تجاه الحكم في إرتريا ، لم تتمكن المعارضة من توحيد مواقفها ، سواء حول المعارضة من الخارج أو التنسيق حول دعاوى العودة إلى إرتريا . إن عزلة عقد الثمانيات بالإضافة الى عزلة مرحلة الترتيبات المعقدة التي بموجبها استقرت الأوضاع بين نظامي الحكم في إرتريا وإثيوبيا ، فضلا عن التوجهات المشبوهة التي ربطت ما بين قوى الثقافة التجرينية في كل من تغراي وإرتريا تحت مؤسسة سياسية بقيادة اسياس أفورقي ومسلس زناوي ، وضع المعارضة الإرترية في خانة التهميش المبكر . أي ان تنظيم الجبهة الشعبية كان يحمل فكرا استراتيجيا لكيفية الانتقال السلمي لبرنامجه لحكم ارتريا في ظل عزلة القوى السياسية الأخرى. إذ أن كل تلك التحركات التي تمت بشكل شخصي بين أسياس أفورقي والرئيس الأمريكي الأسبق جمي كارتر منذ أو اخر الثمانينات ، التي اخذت شكلها الرسمي في محادثات اتلانتا وكينيا بين الجبهة الشعبية والنظام الإثيبوبي المتهالك ، لتشكل رأيا عاما بأن الجبهة الشعبية هي الممثل الوحيد للقضية الإرترية ، مرورا بمؤتمر لندن لمباركة استقلال ارتريا واستقرار اوضاع القرن الإفريقي تحت القيادات الثورية القادمة ، وانتهاء بمؤتمر أديس أبابا الذي خاطبه أسياس أفورقي من اجل انتقال سلمي للاستقلال الوطني الإرتري . بيد أن رد فعل جبهات التحرير الإرترية الأخرى ( المعارضة لاحقا) لم تكن لتتجاوز حدود لقاءات صنعا أو اتفاقية صنعاء 1989/1990 التي رفضت تمثيل الجبهة الشعبية بشكل متفرد دون مشاركة الآخرين ، والاتجاه المتهالك الذي قادته بعض المجموعات الارترية المتصلة بنظام منغستو هيلي ماريام والتي دعت الى حكم ذاتي للمنخفضات الإرترية كآخر ورقة داعمة لإبقاء إرتريا تحت السيادة الاثيوبية الاستعمارية ، وارباك الخطوات العسكرية التي كانت تقودها الجبهة الشعبية في الساحل والبحر الأحمر لوضع النظام الإثيوبي أمام الأمر الواقع للاستسلام والخروج من إرتريا مهزوما . كل ذلك كان مؤثرا في مستقبل بناء معارضة قوية في إرتريا. زد على ذلك الموقف السوداني الرسمي المتذبذب لصالح الجبهة الشعبية ، حيث تبنى الدكتور حسن الترابي – تكتيكيا- وجهة نظر اسياس افورقي الداعي إلى اخلاء السودان من اي معارض ارتري محتمل؛ بما في ذلك التيارات الاسلامية الإرترية التي كان رصيدها ونشاطها الجماهير مرتكزا على المدن السودانية ومناطق اللاجئين بشرق السودان. إن أولى محاولات خلق برنامج ارتري معارض كان من خلال التحالف الذي تشكل في منتصف التسعينات من كل من جبهة التحرير الإرترية وطرفي حركة الجهاد الإسلامي ، والذي لم يتجاوز حدود الانشغال بالمشاكل اليومية الداخلية وتأثيرات الصعود والهبوط في العلاقات الرسمية بين ارتريا والسودان . ثم جاءت جهود تشكيل مظلة تتمثل فيها كل القوى السياسية الإرترية المعارضة فيما عرف ب ( قوى التجمع الوطني الإرتري) أو ما عرف بالتحالف الوطني الديمقراطي ، وذلك منذ مارس 1999 ، حيث حاولت هذه التجمعات طرح مواقف محددة من مجريات الأمور في إرتريا ، بما في ذلك الحرب الإرترية الإثيوبية ( 1998/2000) وطرح برنامج حكم بديل للنظام الإرتري ، وهي كانت تمثل اكبر خطوة عملية في اتجاه بناء فكر سياسي معارض لخلق برنامج سياسي بديل في حكم إرتريا. وقد صاحب هذه المرحلة ميلاد التوجه الإقليمي ضد نظام الحكم في إرتريا فيما عرف ب ( محور صنعاء) تحالفا ما بين اليمن والسودان وإثيوبيا ، وهي دول كانت قد توصلت إلى ايمان قاطع بضرورة عزل النظام الإرترية من المحيط الإقليمي واضعافه واسقاطه من سد الحكم في ارتريا. حيث تحققت للمعارضة الإرترية مزايا سياسية مناسبية لتحركاتها ، حيث اصبحت الأبواب مفتوحة لأنشطتها في كل من الخرطوم واديس ابابا ، إلى جانب دعم مادي ومعنوي . بينما كانت أولى الانتكاسات في 2002 حيث الانشاق الرسمي الأول للتحالف حينما اعلن المجلس الثوري آنذاك الخروج من دائرة التحالف مبررا لعدم مشروعية تصعيد حروي تدلا بايرو رئيسا للتحالف الوطني من اول وهلة لمجرد انضمامه وحضوره اول اجتماع للتحالف . كان المنطق والحق مع المجلس الثوري ، لأن الأمر كان يعبر عن ازمة حقيقية في قرار التحالف ؛ ولكن بيت القصيد هنا أنها كانت بداية الانحطاط والانحدار لفكرة التحالف الوطني . ظلت هذه القوى تتقارب ثم تتباعد ، فتقوى ثم تضعف ، دونما بروز برنامج سياسي وسبيل محدد لشكل المعارضة واسقاط النظام ، بل برز هناك جدل حول مشروعية العنف او المقاومة العسكرية من عدمها في اسقاط النظام ، مثلما كان الجدل حول شريعة التحاكم في ارتريا اهو الى مصدر علماني ام هو بمنطق لكل شريعته اسلاما ومسيحية ، والاسلام والمسيحية في براءة من الخواء الفكري الذي لايعتني بمفهوم البيئة والواقع . سطع الجدل الخاوي حول لا شيئ وتلاشت الفكرة العقلانية التي تنطلق من فهم واقع ارتريا . والسؤال الذي كان يدور في اذهان عامة الناس قبل المستنيرين ؛ من يستأذن من من في اسقاط نظام في مقام النظام الإرتري ..؟ كذلك كان قد برز مشروع الحوار الارتري الشامل حول مختلف قضايا ارتريا ( حوار شامل) فتحققت هذه الفرصة في ملتقى الحوار الوطني في 2010 ، ثم تحققت فكرة عقد مؤتمر جامع لكل اطياف المعارضة الارترية ممثلة في كياناتها الغثائية السياسية والمدنية ؛ حيث تم عقد ما عرف بمؤتمر ( اواسا ) على الأراضي الإثيوبية في 2011 بحضور اكثر من 600 عضوا من المعارضين الإرتريين من مختلف بقاع العالم فتمخض عنه ما يعرف بالمجلس الوطني للتغيير الديموقراطي ، بقيادتيه التنفيذية بقيادة يوسف برهان والتشريعية بقيادة اسملاش ، وهو كيان كان يحمل طموحات كبيرة مثل ما كان يحمل تحديات كبيرة وحقيقية ، وفي المقابل ابقى قادة ارتريا المعارضون التحالف الديموقراطي بقيادة حسين خليفة ؛ كما هو دون تحديد المواقف ، ودون تحديد المصير ودون تحديد المهام ، والأدهي والأمر كانت التبريرات ان التحالف كان يمثل ( ارثا) يجب الحفاظ عليه دون تغيير، وهيهات .. هيهات ان يحدث هناك تطورأو تغيير في ظل هكذا توجهات . انه فقدان فكر سياسي يتطور مع التحديات ، يصنع الأحداث ويديرها بالشكل الذي يحقق الأهداف . لقد كان الأجدر حل التحالف الوطني والانضواء كلية تحت المجلس الوطني ومن ثم تعضيد ودعم مسيرة التغيير السياسي في ارتريا. سقطت فكرة المجلس الوطني على انقاض قوى سياسية فاقدة البناء السياسي ؛ ونتاجا للصراعات والمنافسات الوهمية بين الكيانات المكونة لهذا المجلس ، بل والصراعات داخل اجهزته التشريعية والتنفيذية . والواهمون الآن يبررون في ان المشكلة ناتجة من كثرة عدد عضوية المجلس التشريعي والتنفيذي؛ وتباعد الأمكنة ؛ وقلة الامكانات المادية ؛ ووجود بنود مربكة في اللوائح ونظم المجلس الوطني ؛ وهذا اتجاه سيبحث آليا عن تقليص عدد العضوية في المؤتمر القادم ؛ انه امر يفقد المصداقية والحقيقة. في هذا الزمن الذي يشهد وسائل اتصال سهلة وعملية تحول الالتقاء والاجتماع اكثر سهولة كيف لنا ان نعجز عن عقد اجتماع ، في هذا العصر الذي يشهد تجارة الكترونية اكثر ضخامة من الأسواق التقليدية ، كيف لمجموعة 127 لم تتمكن من عقد مجرد اجتماع سياسي على الانترنيت ؛ لأنه حينما تحول بيننا وبين الاجتماع الظروف القاهرة يجب ان تكون لدينا البدائل الممكنة. انه مع التقدير التام لتلك العوائق ينبغي ان نشير ان هناك حلول اخرى بما في ذلك غرف البالتوك المغلة . فقدان برنامج ، وفقدان ارادة . سقط المجلس الوطني على انقاض التعصب وفقدان البرنامج السياسي المحددة والمشرع له . اليوم آخر ما انتجته هذه القوى هو عقد اجتماع طارئ ومن ثم تشكيل قيادة تشريعية وتنفيذية جديدة مهمتها ادارة اعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثاني ؛ ليعقد مؤتمر خلال 6-8 اشهر من الاجتماع الطارئ ( ابتداء من 15 ديسمبر الماضي). قضايا بحجم قضايا ارتريا تتلاشي في صراعات سطحية . قوى سياسية بهذا الحجم تعزم عقد مؤتمر خلال 6 اشهر ، هذه مدة لا تصلح لتكون مدة تحضير لمؤتمر في ظل قوى متنافرة . انه فقدان رؤية حينما يصبح الهم هو الذهاب الى قاعة المؤتمر دون الوقوف على اسباب الفشل ميدانيا واعطاء الفرصة الكافية للتفاكر والتحضير الجاد . واما التحالف الديموقراطي المزعوم فقد ذهب ادراج الرياح ، تلاشت الفكرة تماما دون اعلان ، مثلما تلاشت فكرة ( مجموعات التضامن) .لماذا فشلت حركات التغيير من الداخل :لعله من الأسباب الرئيسة لفشل معارضة الداخل كانت تتمثل في عنصرين اساسيين : اما العنصر الأول فذاتي ؛ حيث قلة التجربة وعدم فهم الخصم ممثلا في اسياس افورقي ؛ واما العنصر الثاني فخارجي ممثلا في السند والمد الذي يرفد الحركة بقوى الدفع المادي والاعلامي والفكري ؛ حيث كانت تلك الحركات معزولة عزلة كاملة عن الخارج ؛ أو بالأحرى لم تكن هناك معارضة خارجية مربوطة بأحداث الداخل وتطوراته ، حيث كانت احداث حركة 21 يناير تجري داخل اسمرا بينما قوى المعارضة الإرترية تدير جدلا اسطوريا في تحديد موقف من تلك الحركة . و إن الحقيقة المرة التي يجب ان نتجرعها اليوم طعم العلقم هي ان المجموعات التي عارضت اسياس افورقي من الداخل كانت عشوائية وكانت في حالة سكر اثناء تنفيذ العمليات ، وكانت الملعلومات قد اشيعت وسط استخبارات اسياس افورقي بشكل مبكر مما مكن اسياس من خط كمين ووضع عناصر حركة 21 يناير في دائرة مغلقة للانتقام منهم في الوقت المناسب ، انهم شعروا بخطورة استمرارية اسياس افورقي وادركوا ضرورة التحرك ضد نظام اسياس افورقي واسقاطه فورا ولكنهم لم يكونوا قدر التحدي الخطر الذي كان امامهم ، ونحن والشعب الإرتري المسكين ضحايا التضخيم لتلك الكتل الثلجية. ومثل ذلك يقال عن حركة الحرية الآن حيث كانت تحركاتهم مكشوفة بشكل ملحوظ ولربما وجدوا تحذيرات من بعض الارتريين الثقاة من عدم الاعتماد على استخبارات السفارة السودانية في اسمرا ، وعدم الاعتماد على الاستخبارات السودانية المعهودة ببيع المعلوامت ، حيث بالفعل تم كشف الاسرار وتسليم قوائم واسماء عناصر الحركة لأسياس افورقي ؛ وبذلك دخلت عناصر نافذة في الاستخبارات السودانية مزاجية اسياس افورقي؛ وصولا الى تصفية الحسابات ومزج نظامي الحكم في ارتريا والسودان على انقاض معارضي النظام الحاكم في ارتريا. هذه القوى وقيادات الجبهة الشعبية التي عاشت مع اسياس افورقي جل عمرها لم تتمكن من استيعاب عقلية اسياس افورقي الدموية . لقد دخل محمود شريفوا إلى مكتب اسياس افورقي وقال له انك ان لم تطبق الدستور- دستور 1997- وتعدل طريقة الحكم فإننا سنقف ضدك ونقف لك بالمرصاد ؛ ثم نزل شريفوا ومن معه الى الشارع العام للهتاف واستقطاب الرأي العام الإرتري دون تكوين وعي وفكر سياسي لتشكيل معارضة ممرحلة تضاهي خطط اسياس افورقي ، بما في ذلك تأمين الحركة من التصفية ؛ بينما دخل اسياس افورقي مرحلة التفكير الجاد بشكل سري مع استخباراته المعهودة الى ان دبر مكيدة متكاملة الاطراف فانقض عليهم وزج بهم الى المعتقلات ، بينما تسربت الخطة الى مسفن حقوص ؛ بشكل مبكر فاختار الاستظلال بالخارج . ذهبت تلك العناصر التاريخية ادراج الرياح نتيجة جهلهم بعقلية اسياس افورقي الانتقامية ، اذ كيف لهولاء لم يأخذوا عيرة من التاريخ ؛ مرورا بكل تلك الاغتيالات الجماعية والفردية . أليست عمليات منكع في النصف الأول من السبعينات شديدة الشبه بعمليات 2001 ، كيف لهذه القوى تعلن معارضتها امام اسياس افورقي ، كيف انها لم تأخذ الدرس من التاريخ وحاولت ان تتفوق في ابطال مخططات اسياس افورقي في حسم خصومه الداخليين. لقد كانوا واهمين حينما لجأوا الى استقطاب الشارع العام تاركين اسياس افورقي في مكتبه وبيته ، ذهب هولاء وتركوا مجموعات ال15 ومجموعات معارضات السفراء والخفراء؛ ممن كانوا ينتمون الى الجبهة الشعبية ؛ والذين لم يزيدوا المعارضة الارترية القديمة إلا ضعفا وهوانا. ونحن في كل ذلك كنا ضحايا الأمل المشرق مع تلك الأحداث الفقاعية . كيف لمعارضة داخلية ان تنجح وهي في عزلة عن معارضة الخارج ، وكيف لمعارضة الخارج ان تنجح وتثبت جديتها وانتماءها لذلك الوطن بينما هي لا تتفاعل مع الأحداث الملتهبة في الداخل . لعلنا نذكر جميعا كيف ان الجماهير الإرترية كانت متفاعلة مع احداث حركة 21 يناير ، وكيف ان غرف البالتوك العربية او التغرنية مثلت دورا تعبويا لصالح الحركة . فقد كانت غرفة ( سمر) الناطقة بالتغرنية قبلة لألاف الإرتريين ، وبمثل ذلك الغرف العربية الإرترية . لقد اقامت ( غرفة الحوار الوطني ) العربية الإرترية – على سبيل المثال ندوة مهمة اثناء تلك الأحداث ، تحدث فيها محمد عثمان على خير ؛ الذي ادخل منهجا جديدا في التعاطي مع مثل تلك القضايا ، انه صور خيالا للمجريات داخل ارتريا بما كان يسميه (معلومات قطعية اليبوت و الوثوق) لكونها واردة اليه من اصدقائه من قيادات الجبهة الشعبية في الداخل ، واكد للحضور بأن اسياس افورقي يقبع في مصوع تحت قبضة عناصر حركة 21 يناير ، وان الثوار احرار في مصيره اعداما او نفيا. تحدث كاتبنا محمد عثمان على خير في تلك الندوة بروح مشبعة بالثقة ، لقد وجدت توبيخا وتهكما في بعض التشكيك الذي قدمته من خلال مداخلتي القصيرة في تلك الندوة، بينما كان لسان حال رواد الندوة من ابناء ارتريا الخلص من عامة الجماهير ” اللهم اجعله حقيقة .. لا حلما او سرابا ” . وشيئا فشيئا ، يوما بعد يوم تبين اننا كنا ضحايا كاتبنا محمد عثمان علي خير في تلك الندوة ، واذاكان ذلك ( الخبط عشواء) في تحليل المواقف صادرا من قياداتنا الفكرية فكيف لنا ان نكون فكرا سياسيا معارضا يرسم خارطة طريق نحو انقاذ الوطن . انه انكار حق اذا قللنا من شأن رواد حركات التغيير من الداخل ، فشهداؤهم شهداء عرض وكرامة الانسان ؛ ويجب ان يسجل تاريخهم بمداد من ذهب ، انه تاريخ منقوش في معارفنا ، واما كتجارب سياسية فهي تجارب كانت تفتقد المعرفة والتخطيط السليم والاستفادة من التجارب السابقة .عدم القدرة على اعادة البناء السياسي والفكري :لماذا لم يتمكن الإرتريون من تشكيل فكر سياسي بديل منذ انهيار جبهة التحرير الإرترية في القرن المنصرم ، بل لماذا فشل المشروع السياسي البديل لانقاذ ارتريا من الانهيار الكلي ..؟ ولماذا لم يتشكل وعي سياسي وفكر سياسي معارض من تراكمات النضال السياسي المعارض في ارتريا ؟ ما هي المشكلة الرئيسية .. اهي ازمة قيادة أم هي ازمة تعدد ثقافي وصراع ثقافي يحول دون تحقيق اهداف اعادة بناء سياسي ، هل بالفعل ان هناك غياب لأبناء المنخفضات الإرترية عن الساحة الإرترية وان سبب غيابهم هو فقدان تخطيط استراتيجي وان البديل هو تكوين كيانات خاصة بالمنخفضات لتواجه التخطيط الاستراتيجي الذي يقوده ابناء الكبسة ؟ هل حل المشكل الإرتري يكمن في خلق مواجهة بين كتلتين منخفضات مقابل مرتفعات ، ثم لماذا فشلت التجارب المشابهة في تاريخ ارتريا الحديث ؟ ثم هل ارتريا في طريقها الى مشروع دولة فاشلة .. ؟هذه وغيرها من التساؤلات يجب ان نجيب عليها بشكل جريئ وحقيقي دون التأثر بالانتماءات الفكرية والسياسية ، وبداهة – وحسب وجهتي – ان الجبهة الشعبية والصراع الثقافي ومشكلات التعدد اجزاء من المشكلة ولكنها ليست كل المشكلة . هناك بالفعل صراع ثقافي ينطلق من وهم السيادة والخوف من غلبة الثقافة العربية ؛ هناك توجس من ابناء الحماسين من احتمال مشاركة فئات المجتمع الإرتري الأخرى في قوامة القرار الإرتري ، هناك خوف من الاسلام ومن الثقافة العربية ، ولكن من واجه منهم السياسة خارج ارتريا عرف قدر اللغة والثقافة العربية بالنسبة لإرتريا ، وبالنسبة لأي كيان سياسي ارتري ، لما يشكل العمق العربي من تأثير تلقائي جيوسياسي وجيوثقافي على ارتريا، هناك صراع ثقافي ولكنه يقوم على توهم الندية. وبالجملة ان ابناء الثقافة التغرنية من ابناء الحماسين هم اساس هذا الصراع الثقافي في ظل غياب وعي بأهمية الثقافة العربية وفي ظل غياب حوار واع في المنطقة. كما ان الجبهة الشعبية ونظامها الحاكم هي جوهر عدم الاستقرار في ارتريا منذ ثمانينات القرن المنصرم ؛ ليس لأنها حكمت ارتريا بالدكتاتورية فحسب ولكنها استخدمت الطائفية وانزلت الصراع في مهام الدولة لتواجه المجتمع كله وفق نظرة عنصرية طائفية الأمر الذي اعطى الخلاف الطائفي ابعادا خطيرة في الساحة الإرترية ، مثلما ان العناصر التي التحقت بالمعارضة الإرترية ؛ عقب الانشقاقات التي حدثت داخل الجبهة الشعبية في 2001 اعطت تفسيرا عميقا لطائفية الصراع في ارتريا ؛ اذ رفضت معظم تلك القوى الانتماء الى معسكر المعارضة القديمة ( بكل ضعفها) لتشكل كياناتها السياسية الخاصة . وبالرغم من ان البعد السياسي عامل مهم لكون المعارضة القديمة كانت تمثل في عمومها ( متفرقات جبهة التحرير الإرترية) بينما القوى المعارضة الجديدة كانت من تجربة الجبهة الشعبية بكل انغلاقها ودوائرها السرية والعلنية. هناك تجارب في تاريخنا الحديث تؤكد ان المشكلة – مشكلة عدم اعادة تشكيل الكيان السياسي الإرتري عقب انهيار الجبهة – تكمن في ازمة القيادة وازمة الوعي بأهمية البناء ، وليست المشكلة كلها وجود صراع ثقافي او وجود قوى مرتفعات ارترية ذات قوامة تغرينية تعمل في ارباك جهود البناء من اجل ابقاء السيطرة لقومية التغرنية . ومهما تكون الأسباب فإن الخطر المحدق الذي يواجه ارتريا اليوم هو امتزاج الدكتاتورية بأوجه ذلك الصراع والهجرة الواسعة النظاق الى درجة اختل فيها الشارع الإرتري في فئاته الشبابية والنوعية وتحول البلاد الى سجن حقيقي وانهيار مقومات الدولة مع اماكانية بقاء النظام الارتري الحاكم الى ابعد مدى لما يتميز به من قدرات في حسم الخلافات الداخلية امنيا وعسكريا ولما يستمتع به من صداقات تشكل لوبي مؤثر في السودان والخليج واوربا وامريكا ، مقابل غياب كامل لبناء قدرات قيادية وسياسية وغياب وعي تراكمي يشكل البديل المناسب لحكم واستقرار ارتريا ، وهذه المواقف في قواميس الدولة السياسية يمكن ان يتنتج عنها نموذج ( الدولة الفاشلة) . اي بقاء ارتريا على هذه الشاكلة ( بلا نظام حقيقي وبلا أمل في بديل سياسي ) ربما سيؤدي الى فشل الدولة وليس الى فشل نظام حاكم فحسب، وذلك بانهيار مقومات الدولة ( الشعب ، الأرض والنظم ) . فالشعب مهاجر وهناك حركة انتماء واسعة النطاق من التكوينات الإرترية الى النظام الأهلي السوداني ، كما ان هناك قوى اسلامية تعمل الآن على جذب الإرتريين الملسمين المهاجرين للتجمع والاستقرار النهائي في الأوطان الجديدة ؛ مثلما نشاهد ذلك اليوم في استراليا وبريطانيا وغيرها من الدول .بالتأكيد هذا ليس للتقليل من هذا الدور المهم بقدرما هو اشارة الى مدى خطورة الوضع الإرتري وحركة الأوطان البديلة التي يشهدها المهاجر الإرتري ، وكيف انه عمل يتناسب بشكل غير مباشر مع سياسة التهجير والازاحة التي مارستها حكومة الجبهة الشعبية ضد مناطق الكثافة الإسلامية في ارتريا ، لاسيما في السنوات الأولى من فترة حكمها ( 1992/1997) ؛ فواقع الهجرة الحالي يشمل كل قطاعات المجتمع الإرتري، كما هي حالة الموت الجماعي في الصحاري والمحيطات . اي ؛ ان من يريد ان ينظر الى المشكل الإرتري من زاوية الاسلام والمسيحية أو من زاوية الصراع الثقافي أو من زاوية التجريد والتماهي مع النظرة السطحية ومن ثم بناء الحلول على هذه النظرة الجزئية فإنه لن يكون افضل من الجبهة الشعبية ، ولن يكون افضل من تجربة النظام الإرتري الحاكم . كذلك انه من يعتقد ان مشكلة تخلف العمل السياسي الإرتري المعارض يكمن في وجود قوى تغرينية تعمل لصالح ابقاء برنامج الجبهة الشعبية والتقليل من وحدة المعارضة الإرترية فهو ايضا مخطئ وغير منطلق من النقد المتكامل فقد حاولت قوى الثقافة العربية والاسلامية الإرترية ان تشكل كياناتها ( النظيفة) الخالصة من التأثير التغريني ولكنها فشلت ولم تتمكن من بناء قوى سياسية حقيقية ، فعلى سبيل التدليل كانت هناك تجارب قوى جبهة التحرير الإترية ( الحالية). فقد حاولت ( جبهة التحرير الإرترية وجبهة التحرير الإرتري – اللجنة الثورية أوالمجلس الوطني ) عقب انشقاقات التنظيم الموحد ، وتمايز جناح عثمان صالح سبي عنها في اعادة تشكيل كيان سياسي موحد قاعدته الأساسية ( ابناء البني عامر) الى ان توصلوا الى عقد مؤتمر توحيدي بينهما في النصف الثاني من الثمانينات . وخلال ذلك المؤتمراتفقت هذه القوى – بداهة – في كل شيئ ولكنهم لم يتمكنوا من تجاوز ازمة من يكون القائد الأول ( عبد الله ادريس محمد أم عبد القادر الجيلاني ) ، ثم انصرفوا دون تحقيق اهداف الوحدة واعادة القوامة لجبهة التحرير الإرترية والثقافة العربية وبناء كيان يخلق التوازن في الساحة الإرترية دون الاختلال . وفي ذات الاتجاه عقدت القوى الإرترية المعارضة ذات الانتماء العروبي والاسلامي محورا سياسيا تحت مسمى ( جبهة التضامن الإرتري) وذلك اكثر اقترابا من الوحدة التحالفية في اطار التحالف الديموقراطي الإرتري . والسؤال المحوري هنا ؛ اين ذهبت جبهة التضامن الإرتري؟ لماذا لم تتمكن من قيادة تيار مبني على برنامج نضالي من اجل بناء معارضة ارترية قادرة على تهديد بقاء النظام الإرتري الحاكم ؟ ومثل ذللك يقال عن جبهة الانقاذ الوطني ، لماذا تلاشي ذلك المحور باعتباره قوى سياسية ناضلت من اجل الوصول الى تكوين جبهة مندمجة قوامتها الأساسية من حملة الثقافة العربية والاسلامية – بغض النظر عن انتماءاتهم الاقليمية ( مرتفعات او منخفضات) . هذه مجرد نموذج تؤكد ان مشكلتنا ليست كما يصورها لنا بعض مثقفينا اليوم على ان ازمتنا ازمة قوى التجرينية التي تعمل على مجرد عزل اسياس افورقي وابقاء مقومات الجبهة الشعبية. مشكلتنا لا يمكن ان ترسم لها خطا بيانيا موحدا وانما عدة خطوط ومن ثم عدة حلول ، فهناك ازمة الصراع الثقافي ، وهنالك غياب الاستعداد للتحاور لتبديد مناطق الشكوك ، وهنالك ازمة الجرح العميق الذي خلقته تجربة الحكم الفاشلة الحالية ، وهنلك ازمة البديل السياسي ، وهنالك ازمة البناء القيادي المفقود ، وهناك ازمة تأهيل اللاجئ الإرتري في ظل بلد يشهد يوميا مئات المهاجرين وفي ظل شبكة تجارية مروجة للهجرة غير الشرعية في ظل موت جماعي واتجار بالبشر في كل ناحية وصوب . والأدهى والأمر في تجاربنا السياسية ان النظرة الجزئية في العمل الإرتري تلازمه في كل مرحلة منذ بروز الوعي السياسي في الأربعينات من القرن المنصرم ، باستثناء دعوة الرابطة الاسلامية ومن ثم الكتلة الاستقلالية ، ومن ثم بوادر الكفاح الإرتري المسلح . اليوم مع كل هذه الأحداث الخطيرة التي ربما ستؤدي الى فشل الدولة الإرترية ، يسود الساحة الإرترية المعارضة التصور الجزئي للمشكلات وبالتالي تبني حلول جزئية وتكرير التجارب الفاشلة على الدوام ،وهو امر يعمق التساؤل حول من يتسبب اليوم في الفشل وعدم قيادة خط سياسي يعمل على تشكيل بديل سياسي ينقذ ارتريا من الانهيار ؟ ويجدر بي ان اناقش ذلك من خلال العناصر الأساسية التالية : أولا : فشل الحركة الاسلامية الإرترية:تشكر مرجعيات الحركة الاسلامية لكونها لم تفتح المجال لاستخبارات (الدعشنة) و( الطلبنة) و( الأرهبة) التي تعمل على قتل الأبرياء في الشارع العام تحت مسميات تحكيم الشريعة الاسلامية ، والشريعة الاسلامية في براءة من كل هذه الاتجاهات ، انها شريعة استخباراتية تتكالب من اجل اظهار الاسلام الحنيف في موقف الأرهاب ، تلك الاستخبارات الدولية ، وتلك المجموعات الارهابية انما تريد ان تمزق المجتمعات الاسلامية شر ممزق ، والاسلام وشرائعه في براءة تامة ، الاسلام الذي نزلت آياته معجزة أبدية في كرامة الكائن الإنساني ” ولقد كرمنا بني آدم “، الاسلام الذي ينظر الى القتل باعتباره جريمة لاتقابلها جريمة في الكون ، الاسلام الذي يطلب ادلة قاطعة تعجيزية في اثبات الزنا وجريمة السرقة ، لايمكنه ان يفسح المجال أمام كل دجال يلبس عباءة وعظ اسلامي ليأخذ القصاص بيده الممدودة لاختراقات استخباراتية دولية في غياب سلطان اسلامي مركزي. لقد تميزت الحركة الاسلامية الإرترية بالمنهجية المعتدلة التي خطها لها روادها الأول ، نجحت هذه التيارات الاسلامية في تجنيب الساحة الاسلامية الارترية ظواهر الشذوذ الفكري ، لكنها – الحركة الاسلامية مجتمعة- فشلت في قيادة الشارع السياسي الإرتري نحو تحقيق اهدافه العليا . اعلنت الحركة الاسلامية الإرترية ماعرف بحركة الجهاد الاسلامي الإرتري لتقول كل ما لديها حقيقة ومجازا ، حقيقة وخيالا ، دفعة واحدة في مؤتمرها التظاهري الأول في 1988 بما في ذلك خيال اقامة دولة اسلامية في ارتريا ، وتأسيس جيش جهادي يمثل قوامة اعادة البناء للثقافة العربية والاسلامية في ارتريا . قالت الحركة الاسلامية الإرترية مجتمعة كلمتها بكل تفاصيلها السرية والعلنية ، ثم بدأ الانحدار والانكسار عند سطوح فقه العبادات وخيلاء السياسة السطحية غير المدركة للواقع وغير المدرك للأزمة الحقيقية. مثلت الحركة الاسلامية اسوأ التجارب السياسية في تجارب الحركات السياسية الإرترية ، في انشقاقاتها وحسم خلافاتها واعوجاج مناهج اصلاحها ، بدأت الحركة الاسلامية من اعلى السقف الحقوقي والمطالبي ثم انحطت الى اعمق انحدار سياسي لتمثل نموذجا حقيقيا لأزمة البناء القيادي والوعي السياسي . مثلت هذه القوى مصدر يأس للشعب الإرتري ، فقد ضاع عقد الثمانينات والتسعينات في وهم قوى اسلامية فاشلة غير قادرة لنقد تجربتها بشكل مادي وتقريري من خلال مؤتمراتها المتعددة وبرامجها الفضافضة التي تصنعها من اجل الطلاء الخارجي ، لذلك تتساوى الأوضاع قبل وبعد تلك المؤتمرات ، سوى تغييرات شكلية في الاشخاص والمسميات ، بينما ظلت ازمة البناء السياسي والفكري محورا من محاور التخلف . لم تدرك عناصر الحركة الاسلامية انها اكثر الكيانات التي وجدت تأييدا جماهيريا حقيقيا وعاطفيا ، ولكنها – متفرقات حركة الجهاد الاسلامي الإرتري- مثلت افشل كيانات سياسية لتقود تلك الجماهير ، بل وشكلت خيبة أمل للشعب الإرتري الذي يمثل به في كل ناحية من اطراف العالم . يكفي ان شرازم من قطاعات الرشايدة شكلوا عصابة للنيل من المجتمع والشباب الإرتري الهارب من جحيم النظام الإرتري ، بل دخلت عصابات الرشايدة وشبكة الاتجار بالبشر في عقر دار الحركة الاسلامية الإرترية وجبهة التحرير الإرترية لتختطف مائات الإرتريين الأبرياء من معسكرات اللاجئين الارتريين في شرق السودان وتهريبهم الى مراكز الاتجار بهم في سيناء وليبيا ، بينما سكتت بندقية الجهاد وبندقية جبهة التحرير الارترية عن اخذ القصاص ولو لمرة واحدة من تلك الشرازم ؛ فأين ذهبت متفرقعات حركة الاصلاح الإسلامي ، اين ذهب ذلك الضجيج السياسي العسكري . وربما يعتقد بعضنا ان هذه التساؤلات تغض الطرف عن الموقف السوداني الذي يمنع تواجد المعارضة الإرترية في السودان ، فضلا عن الأوضاع الدولية التي تعمل دون تمكنت القوى الاسلامية . وهنا يجب ان نشير الى ان هذه حقيقة ، ولكن الحقيقة الأخرى هي هل يجب ان نستسلم ام ان نبتكر وسائل اخرى للوقوف الى جانب المجتمع الأرتري . اذا كان يعمل النظام الإرتري في تهجير المجتمع الإرتري كله ، فما هو دورنا نحن من هذه القضايا ؟ هل دورنا الاستسلام لدواعي الهجرة وانفاق الجهد والمال في بناء مراكز استقرار اسلامي ارتري في الدول المستقرة ام النهوض من اجل مواجهة هذا الخطر الذي ربما سيؤدي الى هجر ارتريا والاستقرار في الأوطان الجديدة .لقد مثلت الحركة الاسلامية الإرترية ؛ بكل متفرقاتها اسوأ كيانات سياسية فكرية ، مثلت أسوأ اخوان مسلمين ، وأسوأ مجموعات سلفية ، لا يحملون سوى التقليد وترديد افكار ذات المدارس في بلدان وبيئات أخرى ؛ لم يبرز من وسط دعاة الفكر الاسلامي السياسي الإرتري من ينظر للفكرة انطلاقا من العمق الإرتري ، دعاة بلا فكر وبلا تنظير ، بلا كتاب عن قضايا الفكر السياسي الإسلامي من وجهة نظر ارترية ، سوى تلك الاجتهادات التي شهدناها في السنوات الماضية من حسن سلمان ، والتي كانت لها تأثيرات ايجابية في ميدان جهد المقل ، ومثل ذلك أولائك الراحلون الذين افنوا حياتهم كلها في سبيل القضية والتنشأة التنظيمية ؛ رجال في مقام محمد اسماعيل عبده ، وحامد صالح تركي ، الذين لم يجدوا وقتا للتنظير الفكري لنظريتهم ، وخلف من بعضهم جيل بلا ارادة وبلا فكر وبلا اجتهاد ، كلما في الأمر تحركات ونشرات اعلامية باهتة هنا وهناك . لقد كتب عثمان صالح سبي لإرتريا ؛ تاريخا وجغرافية وثقافة وتحديات ، ثم افنى وقتا ومالا في ترجمة كتب ارترية من لغات اخرى الى اللغة العربية ؛ لأنه – عثمان سبي – كان يدرك ان التكوينات التنظيمية ذاهبة بينما الوعي والمعرفة باقية توهب للأجيال ، فعل كل ذلك وهو يقوم بواجباته السياسية والتنظيمية . ومثل ذلك محمد سعيد ناود ؛ الذي رحل وأنامله ترتسم كتابا اثر كتاب ، لأن الأوقات محدودة كما الآجال ، فقد رحل محمد سعيد ناود ؛ تاركا كتبا ومؤلفات ترسم مسيرته السياسية في اطار ارتريا وحركة تحرير ارتريا . أقرأ تاريخ حركة تحرير ارتريا على صفحات محمد سعيد ناود ، لأنه كان يحمل فكرا سياسيا واعيا . بينما نحن اليوم امام طوائق حركة اسلامية فكرية سياسية ارترية ، بلا دليل وبلا نظرية . اليوم اذا اردت ان تتعرف على حقيقة الخلاف الفكري السياسي بين طوائف الحركات الاسلامية الإرترية ، فإنك لن تجد سوى البيان والبيان المضاد . إنه – لا قدر الله- اذا تفجرت قاعة الاجتماع أو المؤتمر ليكون ضحيتها قيادات وكودر التنظيم الاسلامي الارتري سوف لن تترك تلك الحركة اثرا ولا فكرا لأن المكتبات خالية من مساهماتها ونظرياتها ، وهنا سينهض اصحاب الهتاف ليقولوا ان الراية لن تسقط بموتهم ، نعم الراية لا تقسط ولكنها تبقى بلا مضمون ، لأن الحقائق والنظريات تدفن مع اصحابها حينما لا تملك للأجيال. سكت اسياس افورقي ، ولم يقل كلمة واحدة حول تجربته ؛ لأنها تجربة تمزج مابين الحضور القيادي الإداري والعملي ، وبين الدموية وتصفية الخصوم جماعات وفرادى ؛ أنها تجربة يغلب عليها الدماء والبغض والانتقام . فلماذا يسكت صناع حزب العمل داخل جبهة التحرير الإرترية ، ولماذا يسكت اليوم صناع تجربة الحركة الاسلامية الإرترية ، إنه عقم فكري وقصر نظر لأهمية النظرية المقروءة في تجارب الإنسان. إنه يعتصرني ألم حينما اقف على الظروف المادية والحياتية القاسية لقادة السياسة الإرترية ، انها ظروف مادية وأمنية غاية في القسوة ، ولكن متى كان اصحاب الرسالات ينهزمون امام التحديات . اننا فشلنا في انتاج فكر سياسي اسلامي يعي مضامين البئة الإرترية ، ومن ثم فشلنا في قيادة الجماهير الإرترية نحو الوعي والتماسك ، واحداث تغيير سياسي في ارتريا . اننا في حاجة للاعتذا للجماهير الإرترية في مناطق اللاجئين في شرق السودان ، تلك الجماهير التي انتمت طواعية الى حركاتنا وصفقت لخطابانا السياسي واعتنقت فكرتنا ، وامدتنا بفلذات اكبادها في مظاهرات التكوين الأول عند حركة الجهاد ، أولئك الشباب الذين خاضت بهم الحركة تمارين القتال الأول في اواخر الثمانيات ؛مطلوب من القوى الإسلامية الإرترية الإعتذار لجموع اللجئين الإرتريين في شرق السودان ؛ لأنها لم تدافع عنهم ، لم تحميهم من شرازم الاتجار بالبشر ، والخطف م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى