مقالات

تعليقاً على مقال محمد عثمان علي خير :اريتريا مسكونـة بهـاجس الإشعاع (1 -2) : أ. صديق محمد أحمد مضوي

13-Sep-2005

الصحافه

* الكاتب والصحافي الاريتري محمد عثمان علي خير، كتب مقالا بجريدة «الحياة» الغراء بتاريخ 7/9/2005م تحت عنوان «النظام الاريتري والهدف من تخريب العلاقات مع السودان» وهو مقال ينضح بالغيرة على العلاقات التاريخية والارتباطات المصيرية بين الشعبين الشقيقين، وله قيمة توثيقية كبيرة تجلت في دقة المعلومات، إلا أنه ركز على «مظاهر» تخريب النظام الاريتري للعلاقات أكثر من تركيزه على «هدف» ذلك التخريب، وهذا ما سأحاول إلقاء مزيدٍ من الضوء عليه.

ذكر الكاتب في مقدمته «درج النظام الاريتري منذ عام 1994م، على وضع سياسة ثابتة وغير قابلة للتغيير في تخريب العلاقات مع السودان، بالرغم من محاولة إبراز حرصه على العلاقات الطبيعية مع السودان إعلاميا. وعندما يتطلب الأمر ذلك وحسب مستجدات علاقاته مع المخططات الأميركية والصهيونية في القرن الأفريقي» أ.هـ.* نتفق مع الكاتب على أن سياسات نظام أفورقي تجاه السودان «ثابتة وغير قابلة للتغيير» .. ولكنها ليست مرتبطة بالمخططات الصهيو- أميركية في المنطقة، بقدر ارتباطها بجهود تأمين وحماية النظام نفسه وضمان استمراريته!! وذلك أن أكثر ما يزعج النظام في اريتريا هو الترابط السكاني والعقدي والثقافي الوثيق بين شرق السودان وغرب وشمال اريتريا.. لهذا فقد أصبح «عدم استقرار العلاقة مع السودان» من المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية الاريترية، خوفا من أن تخدم العلاقات الجيدة المسلمين – وهم الغالبية العظمى من السكان – على المستوى الاقتصادي والثقافي، وبالتالي السياسي مستقبلا، مما يهدد بقاء النظام الطائفي!!.. ولنفس السبب فقد أصبحت مسألة تغيير التركيبة السكانية في غرب اريتريا من الهموم الشاغلة لنظام أفورقي التي يبذل لها الجهد والمال، ويستقطب لها العون الخارجي، خاصة الكنسي والإسرائيلي!! لقد ظل النظام الاريتري على الدوام مسكونا بهاجس تصدير المشروع الحضاري الإسلامي، رغم أن النظام الحاكم في السودان قد أعلن منذ البداية وعلى لسان رئيس مجلس قيادة الثورة العميد عمر البشير ووزير الخارجية الأستاذ علي سحلول – رحمه الله – أنه لا يتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، ولكن يبدو أن ما أخافه هو إعلان عراب النظام الدكتور حسن الترابي أن السودان لن يؤثر في جيرانه عن طريق التدخل وإنما عن طريق «الإشعاع». والنظام الاريتري ظل مسكوناً بهذا الهاجس رغم المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية والتي أقنعت الجيران الآخرين وخاصة مصر وأثيوبيا، بأن الظروف قد أصبحت ملائمة تماما لتطبيع وتطوير العلاقات مع السودان.. والمتغيرات المحلية – تحديدا – كانت من الأهمية، بحيث أقنعت المجتمع الدولي بأسره بأن السودان يسير في الاتجاه الصحيح .. وأهم تلك المتغيرات ابتعاد الدكتور الترابي صاحب نظرية «الإشعاع» عن السلطة .. والسير بخطوات حثيثة وجادة في اتفاقية السلام مع الجنوب والوفاق مع القوى السياسية الشمالية. وهذا الهاجس هو ما تمخض عنه مبدأ «عدم استقرار العلاقة مع السودان» والذي لم يطرأ عليه أي تغيير حتى بعد الأحداث العاصفة التي تعرض لها النظام الاريتري، وعلى رأسها الهزيمة العسكرية أمام أثيوبيا والأزمة الداخلية التي كادت تعصف بالنظام.* إذا تتبعنا مسيرة العلاقات بين الجانبين منذ استقلال اريتريا ، نجد أن هذا المبدأ ظل حاضرا منذ البداية وحتى الآن!! فعندما استقلت اريتريا وجدت دعما قوياً من السودان وفي كل المجالات. وهي كانت ترحب بالدعم السياسي في مجال الاعتراف بها وتقديمها للمنظمات الإقليمية والدولية، وتقبل الدعم الاقتصادي والتدريب الإداري اللذين هي في حاجة ماسة إليهما، ولكنها كانت تضع العراقيل أمام التعاون الثقافي وترفض محاولة إشراك الفصائل المعارضة، خاصة الإسلامية في العملية السياسية!! وعندما انهارت العلاقات في 1994م، كانت اريتريا هي المبادرة بالعداء، فاتخذت قرار قطع العلاقات وأعلن رئيسها تبنيه لخيار إسقاط الحكومة الإسلامية في الخرطوم بكل السبل والوسائل!! وفي هذا الصدد استضاف وتبنى كل فصائل المعارضة المسلحة السودانية، جنوبية وشمالية، وأقام لها معسكرات تدريب وتسليح، وقام بتسليم مقر السفارة السودانية للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض، وهو عمل غير مسبوق ويتنافى مع القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية!! .. ولكن ما يهمنا هنا أن النظام الاريتري قد رفض كل محاولات التفاوض لتحسين العلاقات بين البلدين، أو على الأقل إيقاف التدهور!! وفي حقيقة الأمر فإن التفاوض بين السودان واريتريا خلال الفترة 94-1998م كان يبدو مستحيلا .. لأن السودان من جانبه كان يعترف بالمعارضة وعلى استعداد للتفاوض معها أو بشأنها، بينما نظام أسمرا كان لا يعترف بالمعارضة الاريترية الموجودة في السودان بشقيها الإسلامي والعلماني، بل كان يرفض عودة اللاجئين من السودان واستيعابهم في المجتمع الاريتري، وذلك استناداً إلى أمرين .. الأول أن اللاجئين المسلمين مضافا إليهم غير الموالين لحكومة أسمرا، سيشكلون عبئا سياسيا وأمنيا داخليا، فهم على الأقل سيعرقلون مخطط تغيير التركيبة السكانية لغرب اريتريا. والثاني أن اللاجئين الموالين للنظام، سيشكل بقاؤهم في السودان رصيدا استراتيجيا لتحقيق أطماع اريتريا في السودان ولخدمة مخطط عدم استقرار العلاقات!!* ولكن حتى بعد هذه المرحلة، حتى بعد عام 1998م الذي تعرض فيه النظام الاريتري لخسارة عسكرية فادحة، ولأزمة اقتصادية طاحنة، مما اضطره لقبول الوساطات العربية والتفاوض مع السودان وتوقيع الاتفاقيات وتبادل الزيارات!! حتى بعد هذه المرحلة، ظل النظام حريصا على مبدأ «عدم استقرار العلاقة مع السودان» مدفوعا بذات الهاجس الذي لم يعد له صدى في مكان غير أسمرا.(نواصل).نقلاً عن صحيفة الصحافة السودانية 13/9/2005م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى