مقالات

الى سيدي شعيب بعد العشرة الأولى في بلاد مدين. بقلم / عبدالرازق كرار

18-May-2018

عدوليس ـ ملبورن

سيدي: بدخول الثامن عشر من مايو أكون قد أكملت عاميَ العاشر في بلاد “مدين” حيث الأمن والأمان، عشرة أعوام منذ أن وطئت قدماي أرضك في ليلة شتوية باردة، استقبلتْني في أرضك ولم تطلب منى ثمانية أعوام بل كنت كريماً لتكتفي بنصفها فقط أى أربعة أعوام أكون خلالها إنسان صالح فذلك كاف أن يجعل مني مواطناً مكتمل الأركان. أما وأشهد الله أنك قد أوفيت بوعدك وأعلمتنى أنني في حلٍ من أمري ان رغبتُ أقمتُ أو غادرت لا ينقص ذلك من حقوقي شيئاً. ولكن تعلم سيدي أنني قد أتممتها عشرة كاملة ليس تفضلا وكرماً أسوة بسيدي كليم الله موسى عليه السلام ،

بل أتممتها عشرة لأنني لا أملك الجرأة للمخاطرة ، ذلك أنه لم تلوح لى في الأفق نار أمن أستأنس بها ، ولا بيدي عصاً كعصا سيدنا موسى.
سيدي : جئت بلادك – مدين الأخرى- ذات ليلة باردة ، ولكن البرد لم يكن مشكلتى ، ولا سبل العيش مبتغاى، تعلم سيدي علم اليقين أنني جئت ذات ليلة باردة وأنا خائف اتلفت رغم انني لم أقتل منهم نفساً، وكل ما طلبته هو حياة كريمة لشعب كريم . ولكن طلب الكرامة عندهم جريمه تجردك من حقوقك وتجعلك لاجئاً، والمحظوط مثلى من يجد بلاد مدين تؤويه وتعطيه جنسيتها وحمايتها.أما وقد اتممتها عشرة من عندي سيدي فتساورني أفكار العودة الى بلاد أنتمى اليها ، ولكنها لا تعرفني ، ذلك أن بلاد مدين رغم إغرائها فهى كما قال أحد حداة قومى الروائي حجي جابر (الوطن البديل قد يبقيك حيا، لكنه لا يمنحك الحياة. هو بالضبط كزوجة الأب، مهما بدت حنونة لا تنسى أنك من امرأة أخرى) ، وهكذا يطاردني السؤال غير البرئ : من أى البلاد أنت؟ ولهذا سيدي تروادني أحلام العودة إلى بلادٍ لا يسألني فيها أحد من أى البلاد أنا : وكأنك سيدي تخرج لسانا مدركاً أن افكاري هى من قبيل كلام الليل يمحوه النهار. إن كان ذلك ظنك بي سيدي فاستطيع أن أؤكد لك أنك لم تجانب الصواب.
سيدي : كيف أعود وليس لديَ عزيمة كليم الله وموسى ولا قوته، كما أنني لست على يقين أنني سأجد في الطريق نار استأنس بها أو في العودة هدى ، وفوق هذا وذاك ليست بيدى عصا اتوكأ عليها وأستعين بها في مآربي الأخرى. وما أكثرها سيدي.
سيدي دعني اكون صريحاً معك ومدعاة الصراحة انني طامع في كرمك: سيدي اننى في حاجة الى تلك العصى، ليست لأنه لدى غنم يحتاج الرعاية، ولا لأني أعاني من هجير يتطلب الفئ او عطش يستلزم السقيا، ولكني أريد العصا حتى تلقف ما يأفكون وما أكثره.
هل سمعت سيدي برأس بلدي وهو يتحدث عن الحياة في بلادي وكيف أنها أفضل من العيش في المانيا، وأن الحليب بها أرخص مما هو في المانيا، ويتحدث عن الحريات التي لم يعرفها العالم ويوفرها سعادته لشعبه، يتحدث وهو يلّوح بيديه التي يتقاطر منها دم الأبرياء الذين اغتالهم بليل، وأنات المغيبين في سجونه التي لا حصر لها في بلادي.
هل نما إلى علمك سيدى قول المسئول الأول للحزب الحاكم الذي لا يحمل من اسمه سوى التورية تأكيداً للعبارة– بضدها تعرف الاشياء – وهو يتحدث عن الحريات في بلادي ، ولا أحد يدري ان كان الرجل مدركاً لما يقول لأنه لم يعش حرية مطلقاً بالتالي أنّى له أن يدرك مغزاها، أم تراه ساخرا مما هو ماثل ، وهل هنالك سيدي أفك اكثر من هذا ، أو لا تتفق معي ان تلك العصا وحدها تستطيع ان تلقف هذا الإفك المتعاظم.
هل رأيت قومى من طلاب العدالة ينهش بعضهم لحم بعض، وقد صبغ خطابهم المظلومية يتنافسون أيهم حاق به الظلم أكثر ، وكأن ذلك مدعاة لعطف من مجهول أو معبر لاستحقاق قادم ، هل رأيتهم يكسرون مجاديف بعضهم البعض ويطلقون النار على أقدامهم ، فلا أرضاً قطعوا ولا رجلا ابقوا ، وهل كان إفك سحرة فرعون أكثر من هذا سيدي.
أو تدرك سيدي أن بصيرة قومي في كل مرة تتفق على حلول انهزامية، منكفئة على ذاتها، تبحث عن رباط العصب والقبيلة، أو جوار الجغرافية والإقليم، في زمن استطاعت فيه التكنولجيا إعادة تعريف الزمان والمكان فلم تعد كما كانت عليه قبل عقدين من الزمان، والأنكى ان آباءهم وأجدادهم خلفوا إرثاً بازخا غرسوه في سفر التاريخ بعد أن تحدوا كافة السيناريوهات الضيقة لوطن رحب يسع الجميع، فلا أرث الاجداد صانوا ولا نعمة الزمان أدركوا، أما يحتاج أمرهم عصا تلقف أوهامهم.
سيدي لقد عاش قوم كليم الله موسى أربعون عاماً تيها، ولكن قومى قد تجاوزوا الأربعين الأولى وزادوا عليها عشر، ولا تزال سنوات التيه مستمرة، وهذا التيه حاق بهم لأن زماننا غير ذلك الزمان ٫ الامر لم يتوقف عند فرعون وهامان، بل فرعون يعقبه فرعون، واستعمار يتبعه ما هو أسوأ منه، وعندما أظلتهم ما اعتقدوا انها غمامة الحرية، فإذا هى برق خلب لا تقى حراً ولا تمطر ماء.
أسباب التيه سيدي أن النخب لم تكن بقدر المسئولية، فعندما اعطى هذا الشعب ولم يستبقى شيئا ، لم تكن النخب أمينه على عطائه ،وكانت تتقاتل حول الايدلوجيا القادمة من الشرق أو الغرب ، والمذاهب القادمة من شمال الوادي أو شرق البحر، وزد سيدي على أسباب التيه انهم يتوافقون في الأقوال لكنهم لا يتبعون القول العمل ولا يراعوان حرمة ما اتفقوا عليه ، فخسروا شعبهم وأصدقاءهم وحلفاءهم.
إن مآساتنا تحتاج الى العصا لأنها متعددة الاغراض سيدي، هل بلغك أزمة العطش وانقطاع الماء (غير الصحي) في معسكرات اللاجئين بشرق السودان، أريد تلك العصا سيدي لأضرب بها فتتدفق عيون الماء فتسقى الناس بعد عطش، وتأتيهم بأمر الله ببعض القمح والعدس وقليل من الزيت والملح سيدي، فقومى ليس لهم أكباد تستيغ المنّ والسلوى، وطموحاتهم أقل من ذلك بكثير.
أعذرني سيدي انها عشرة أعوام كاملة، ليل يعقبه نهار ، ونهار يتلوه ليل ، فلا الليل حمل صبحاً مبشراً لوطني، ولا النهار انتهى على أمل بالحرية والرفاه لقومي.
أعذرني سيدي انها أضغاث أحلام من أمضى عشرة أعوام، ولم يصل إلى قرار…!!.
عبدالرازق كرار – كانبيرا – استراليا
18/05/2018م
للتواصل مع الكاتب:
razig2002@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى