مقالات

جرائم وفضائح إسياس : محمد عثمان حمد

19-Jan-2007

المركز

المدخل
قبل الدخول في عرض ومناقشة موضوعات هذه المقالة، أود التنويه سلفا لشيء أراه مهما، ألا وهو، تحسسنا من تسمية الأشياء بأسمائها. وأقول هذا: كونه تأتيني بين فترة وأخرى ردود من بعض القراء، تبدو فيها الحساسية من تناول موضوعات تشرح وتفسر الأمور من زاوية إسلامية وأخرى مسيحية.

أقول عن هذا الموقف: مبديا كل التقدير والاحترام لأصحاب تلك الآراء، راجيا أن يكون تحسسهم أساسه الحرص، لا التخاذل، ولذلك أود أن أبين لهؤلاء جميعا، أن المسيحيين إخواننا، بحكم علائق وثيقة من الدم والتاريخ والوطن، وهي أشياء لا يمكن تجاوزها والتفريط فيها بسهولة. ولكن هذا الفهم لا يمنعنا من أن نسمى الأشياء بمسمياتها، ليس من باب التعصب والتطرف الديني، وهو أمر لا وجود له في إرتريا، بل من أجل دفع المسيحيين إلى الشعور بأن هناك آخرون غيرهم، يستحقون عن جدارة نيل الحقوق كافة، على نفس المستوى منهم. برأيي ان هذه المواقف التي ظاهرها الحرص، وباطنها التراخي والتخاذل هي التي تخلق عند المسيحيين عدم الإحساس أو الشعور، بوجود آخرين، ولذلك تراهم يتحدثون ويتصرفون كما لو أنهم الوحيدون في هذه الأرض. البيئة الطبيعية وأنماط التفكير في زيارة من زياراتي إلى القاهرة، تواعدت مع الصديق على اللقاء بالقرب من “ميدان العتبة” في قلب المدينة. وعندما تأخر، ذهبت في جولة حول الميدان، لقتل الوقت، فانتهيت إلى بسطة لبيع الكتب، وبدأت القراءة، فاستغرقت فيها، ولم أكن أتوقف لو لا أن قال لي البائع: يا أفندي، تشتري أم ماذا؟، قلت: هل عندك كتب أخرى لهذا المؤلف، فأشرت إلى اسم المؤلف: سلامة موسى، فكان رده أن هز بكتفيه، إشارة بأنه لا يدري، فاضطرني ذلك الموقف إلى النبش في تلك الكومة من الكتب بهمة ونشاط. وحينما يئست من العثور على ضالتي أعطيته بضع قروش، هو سعر الكتاب. وفي اليوم التالي بحثت عن مؤلفات “سلامة موسى” فعثرت على عشرات الكتب والمقالات، فاقتنيت ما راق لي منها. ولمن لا يعرف “سلامة موسى”، كان صحفيا وكاتبا وناشرا ورائدا من رواد التنوير في مصر، كتاباته بسيطة ولكنها أصيلة، فإذا قرأت كتابا من كتبه، فلابد أنك ستبحث عن بقية انتاجاته الأدبية والفكرية، لما تتميز به من الفكر العميق والإثارة والمتعة، حيث يتضح من أفكاره التي تنضح بالإنسانية اطلاعه على الثقافات العالمية الرئيسة. الآن، قد مرت على تلك القراءات فترة طويلة، غير أنني أجد بعض الأفكار وقد ترسخت في ذهني، ومنها على سبيل المثال: حديثه عن تأثير البيئة الطبيعية في أفكار الناس، حيث يقول في ذلك: إن من يعيش في المناطق الجبلية، في العادة يكون الأفق محجوبا عنه، بالتفافته يمينا أو يسارا، إلى أعلى وإلى أسفل حيث لا يرى غير الجبال والأودية العميقة. فأكثر ما يكون بحاجة إليه هذا “الجبلي” هو النظر إلى موضع القدمين. ولذلك فهو حذر ومتحفظ وانعزالي، فيستخدم بصره الحاد في التركيز على الأشياء، ولا يجد الوقت للتفكير التخيلي. ولذلك ففي أغلب الأوقات فإن البيئة وما تحتويه من الماديات تستأثر على عقله وكيانه. وتبعا لذلك، فأفكاره محدودة ولكنها دقيقة ومركزة. أما الصحراء، فهي بيئة خالية وواسعة، ويكون الاتصال بين الناس سهلا، وفيها يكون الأفق مرئيا. وفي الليل تكون الأجسام السماوية منثورة، حيث بوسع “الصحراوي” رؤية أبعد نجمة من أبعد زاوية في الأفق، وهو شخص مخالط ومتفتح، وبالتالي فإن ابن هذه البيئة لا يفكر في أين يضع قدميه، فأكثر الأوقات يشغل ذهنه بالخيال، ولذلك تكون أفكاره متنوعة وثرية، ولكنها أقل في التركيز. ولو أسقطنا هذه الفكرة على ما نراه من أنماط التفكير عند الإرتريين، أبناء المرتفعات وأغلبهم من المسيحيين، وأبناء المناطق المفتوحة في الصحاري والسهول، جميعهم من المسلمين، ثم دققنا في آلية التفكير لدى الفريقين، سنجد التباين واضحا. وأقول من خلال الملاحظة والمتابعة: إن التفكير عند المسيحي يتصف بالمحدودية والتركيز. لذا فهو يدرك هدفه بصورة واضحة، بينما نمط التفكير عند المسلم متنوع، ولكنه مشتت. فهو عادة يفكر في الأشياء الكبيرة قبل الأشياء الصغيرة، حيث يرى الأشياء البعيدة ويعجز في الوقت نفسه عن رؤية الأشياء القريبة. لذلك تراه أكثر ميلا إلى الخيال والشطط الفكري، فيتخبط بذهنه لكثير من الأفكار، بينما يسجل الفشل في استيعاب البديهيات. لتوضيح هذه الفكرة، لننظر في هذه التجربة الافتراضية، لنتقصى عما يمكن أن يظهر من الخصائص على هذين النمطين من التفكير حول قضية واحدة. المثال: إذا تتبعنا تسلسل الأفكار عند مجموعة من المسلمين والمسحيين يعيشون في مكان واحد، فلنقل: قرية واحدة، وطلبنا من كل فرد التبرع بمبلغ وقدره “س”، فإن النتيجة الافتراضية، سوف تكون على النحو التالي: أولا: المسلم: سيكون أول من يتحدث، قائلا: هذه فكرة رائعة وممتازة، وأنا مستعد لدفع المبلغ فورا ودون تأخير. عدد الأفكار:صفر. ثانيا: المسيحي: أنا أسأل، كم هو المبلغ الكلي المطلوب لحفر البئر؟ ولماذا يطلب من كل فرد هذا القدر من المبلغ؟ ولأنه يوجد فينا الأغنياء والفقراء، فإنني أقترح أن يدفع الغني الميسور أكثر من الفقير المعدم. عدد الأفكار: 3. ثالثا: المسلم، برأيي أن المبلغ بسيط ويمكن دفعه بسهولة ودون عناء، لأن الماء ضروري للإنسان والحيوان. عدد الأفكار: صفر. رابعا: المسيحي: أين سيحفر البئر؟ وما هو عمقه؟ وفي أية جهة من القرية؟ ولماذا وكيف؟، عدد الأفكار: 3 خامسا: المسلم: ليس المهم أين نحفر البئر، بل الأهم برأيي الحصول على الماء، المعروف والمتفق عليه، هو أن الماء عصب الحياة، عدد الأفكار: صفر سادسا: المسيحي: هل يكفي أن نحفر بئرا واحدا؟ ولماذا لا نحفر بئرين بدلا من بئر واحد؟ ومن الذي سيحفر البئر؟ وما المدة المطلوبة لإنجاز الحفر؟ وما المعدات المطلوبة لحفر البئر؟ عدد الأفكار:5 سابعا: المسلم، إن القرية التي تجاور قريتنا حفرت بئرا، وأنا شربت من مائه، يا له من ماء عذب!، عدد الأفكار: صفر. ثامنا: المسيحي: من هو المسئول عن البئر؟ ومن هو الذي سينظم الاستفادة من ماء في البئر؟ عدد الأفكار: 2 تاسعا: المسلم: يجب أن يكون شعارنا: الماء للجميع، اللهم أسقنا من ماء الجنة. عدد الأفكار: صفر عاشرا: المسيحي: هل سيكون هناك تنظيم وترتيب للاستفادة من ماء البئر؟، لذا اقترح تخصيص أيام لجهة من القرية، وأيام لجهة أخرى، وكذلك اقترح إغلاق البئر يوم الأحد لأنه يوم عطلة رسمية، عدد الأفكار: 3 الحادي عشر: المسلم: كل الأيام هي أيام الله، وما يهمني أن يكون البئر مفتوحا أمام الجميع، وأنا أؤيد ما يقوله أخي و حبيبي المسيحي، لأن كلامه من الفضة، إن لم يكن من الذهب الأحمر، عفوا أقصد من الذهب الأصفر، عدد الأفكار: صفر الثاني عشر: المسيحي، أقترح أن تكون على البئر حراسة مشددة في الليل والنهار، وكل من لا يدفع المبلغ المطلوب تمنع عنه الماء، وكل من أخذ حصته من الماء، لا يحق له أن يزيد عن ذلك، حتى لو مات من العطش، عدد الأفكار: 3 الثالث عشر: المسلم، برأيي لا يجوز منع الإنسان وحتى الحيوان من الماء، فيسروا ولا تعسروا، ومع ذلك أعتقد أن رأي الأخ معقول من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فالله أعلم، عدد الأفكار: صفر الرابع عشر: المسيحي، أقترح حفر بئرين بدلا من بئر واحد. بئر للبشر وآخر للحيوانات، عدد الأفكار: 2 الخامس عشر: المسلم، كلامه صحيح، لأن القرية التي بجوار قريتنا، حفرت بئرين. بئر لسقي البهائم، وآخر لسقي البشر. يا لها من أفكار خلاقة، عدد الأفكار: صفر السادس عشر: المسيحي، أقترح أن تخصص حصة أكبر من الماء، للذين يشاركون في حفر البئر، والقائمين عليه بالحراسة، وأنا عندي استعداد تام أن أشارك في حفر البئر، والقيام بحراسته ليل نهار، بشرط أن تعفوني من دفع الاشتراك وقدره المبلغ المطلوب “س”، عدد الأفكار: 3 السابع عشر: المسلم، كلامه صحيح، مادام يتعب في حراسة البئر ليلا ونهارا، فمن العدل والإنصاف إعفائه من دفع المبلغ “س”، عدد الأفكار: صفر الثامن عشر: المسيحي، أقترح أن نتولى أنا وودي حقوص، وودي قبرسلاسي، وودي أربعتي، بالإضافة إلى ويزريت سلاس، وقوال أبرهى، دفع المبلغ المطلوب لحفر البئر، ونكون المسئولين أمامكم، كما نتعهد لكم بتوفير الماء وأنتم في بيوتكم مقابل أجر زهيد مقدور عليه، لأن ذلك أفضل للتنظيم، عدد الأفكار: 4 التاسع عشر: المسلم، كلامه صحيح، لأن هذه عملية تنظيمية رائعة، وأنا أؤيد هذه الفكرة الرائعة بكل ما أتيت من قوة، عدد الأفكار: صفر العشرون: المسيحي، إذن، لنبرم اتفاقا بيننا، نوفر لكم بموجبه الماء مقابل مبلغ بسيط، ونحن ندفع المبلغ ونحفر البئر، عدد الأفكار: 3 الحادي والعشرون: مسلم، أوافق وأوافق، ثم أوافق، كررتها ثلاث مرات، للتأكيد فقط، وإذا كان المطلوب أكثر من هذا فأنا مستعد أيضا!. يتضح من التجربة الافتراضية السابقة، إن الطرف المسيحي هو الذي سوف يسيطر على البئر ومائه، وهذا هو الذي حدث في كل الأحوال، من توافه الأمور إلى عظائمها، لوجود الثقافتين المختلفتين، ينتج عنهما النمطين المختلفين في التفكير، أدى إلى وجود طرف يعمل دون تفكير، وآخر يفكر ثم يعمل. وإذا لم ير له مصلحة في عمل من الأعمال، فلا يقدم عليه، بل يجهد نفسه في عرقلته حتى يفشل. يعكس التاريخ بوضوح، منذ أواخر الأربعينات إلى أوائل الخمسينات، من القرن الماضي، فعندما لم يجد المسيحيون المنفعة الشاملة والمقتصرة عليهم وحدهم، في إقامة الدولة، فإنهم قد اختاروا عرقلة مشروع الاستقلال الكامل، لدولتنا التي كانت مؤهلة لنيل الاستقلال الناجز. أما في أوائل الستينات فأنهم رأوا في قيام الثورة التحدي الخطير، الذي تجاوز مواقفهم العميلة والمتخاذلة. فعملوا ضدها بكل قوة، كأداة طيعة وفاعلة بيد العدو. وفي أواسط السبعينات تأكد فشلهم، فدب فيهم اليأس، لأن الثورة كانت في طريقها إلى الانتصار الكامل، فوجدوا أنه لا مناص من الالتحاق بها والاستيلاء عليها، فنجحوا نجاحا ما بعده نجاح. أخيرا، مع مطلع التسعينات، بعدما تحققت لهم السيطرة الكاملة على زمام الأمور، لم يجدوا الغضاضة في إعلان الدولة، لأنها أصبحت من الناحية الفعلية، خالصة مخلصة لهم. وفي المستقبل، لو استجدت ظروف وأحداث تزعزع هذه السيطرة، لن يتورعوا عن تفتيت مشروع الدولة القائمة، حتى لا تكون للجميع. أما في الوقت الحاضر، فان التاريخ يعيد نفسه في إطار المعارضة، لأن نجاحها سوف يزعزع هذه السيطرة. ولذلك فهم يبدون المعارضة الزائفة، أو يلتحقون بها من غير أن يعنيهم أمر تعزيز قوتها، بل لتفتيتها من الداخل أولا، ثم الاستيلاء عليها ثانية. ولن يدفعوا بحدوث التغيير الشامل، وهم الوحيدون القادرون على ذلك، إلا إذا تحققت لهم السيطرة الكاملة. مع ذلك، لا أحد يستوعب هذه الحقيقة البسيطة، حيث كل من هب ودب يعقد المؤتمرات ويؤسس التنظيمات، بينما تعكس المعطيات الواقعية: إن المسيحيين ليسوا بحاجة للقيام بمعارضة، لأن أوضاعهم مؤمنة في الدولة القائمة. الحل، إن الأمور المستعصية لا تحلها إلا القوة، فلا يمكن مواجهة هذا الضعف الشامل، الذي يغرق به المسلمون، إلا بتوحيد قوتهم، ولن يتحقق ذلك إلا بخضوعهم لقيادة واحدة تكون مهمتها الأولى إبادة المتخاذلين منهم. أصحاب الأخدود يقول تعالى في كتابه الكريم: “قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود”. يعتقد بعض المفسرين للقرآن الكريم، إن هذه الآيات البينات، تتحدث عن قصة ملك من ملوك “الحبشة”، التي لا تقتصر بمفهومها الواسع، على إثيوبيا الحالية فحسب بل على المنطقة المحاذية للجزيرة العربية، في الجانب الغربي من البحر الأحمر، وربما أطلق العرب اسم “الحبوش” على الشعوب التي استوطنت كل من إرتريا وإثيوبيا وإلى حد ما أجزاء من السودان والصومال وجيبوتي. وأيضا، هناك حديث عن الرسول “صلى الله عليه وسلم”، لم يتـأكد المحققون من مدى صحته، يشير إلى ان الله بعث نبيا من أنبيائه الصالحين، لم يذكر اسمه إلى أمة “الحبشة”، عندما استشرى فيهم الفساد الأخلاقي، حيث شرب ذلك الملك المجهول الهوية، الكثير من الخمر، فغاب عن وعيه، وسقط على أخته، وحملت منه سفاحا، فأصابه الهم والغم، وكان ذلك بعدما أدرك متأخرا، أنه قد انحدر إلى مستوى البهائم، فلم يدر ماذا يفعل، وأشارت الأخت الزانية إليه، بأن يفرض على كل فرد من شعبه، أن يسقط على أخته، وبذلك تشاع الفضائح، وتتبدد فضيحتهما في خضم الفضائح، فوجد الملك في ذلك مهربا، وأمر كل فرد من أفراد مملكته أن يسقط على أخته، فعصوا أمره، فكان أن أمر بحفر أخدودا أو خندقا كبيرا ووضع فيه الكثير من الحجارة ثم الحطب، فأوقد فيه النار، وعند تصاعد في أوارها، بدأ يرمي أفراد مملكته واحدا بعد الآخر، فيسأل الضحية، هل ستسقط على أختك يا رجل، فيقول: لا، فيرميه في جحيم الأخدود. سياسة تلويث الجميع كانت مشاركة المرأة في سنوات النضال الطويلة ضرورية فرضتها الأحداث الأليمة، من التشرد واللجوء بالإضافة إلى الحاجة الملحة لمشاركة الجميع في الثورة. ولكن بعد التحرير لم تعد كذلك، وكان الواجب أن تعود إلى أعمالها التي تناسب تكوينها العضوي والنفسي، بدلا من أن يفرض عليها واجب الجندية، بحيث صارت تسحب من بيتها عنوة إلى الصحاري والأصقاع الموبوءة بالأمراض القاتلة، مثل “الإيدز”، والذي لم يعد يشكل مشكلة كبيرة للدول المتقدمة لانتشار الوعي الصحي، ولتوفر الرعاية الصحية. أما في الدول النامية فإن الأمر يختلف كثيرا حيث لا تزال شعوب هذه الدول مهددة بالانقراض، لشيوع الأمية والفقر والبغاء، كما لا يزال هذا الوباء ينتشر بوتيرة سريعة، لأن شعوبها مازالت تجهل ماهيته وخطورته، وكل ما يعرف عن هذه الآفة، هو الفيروس المدمر لمناعة الجسم، وعدا ذلك فهو غامض علما فأن مراكز الأبحاث أكدت على اكتشاف آلية عمل الفيروس منذ عام 1987م، ولكن القضاء عليه يتطلب إنتاج مصل يكسب الإنسان مناعة ضد الفيروس ذاته، وذاك يعد بعيد المنال، والسبب جشع الشركات العاملة في حقل “التقنيات الحيوية”، والتي تفاضل بين إنتاج المصل وترويح لعلاج، ويبدو أنها قررت أن تبيع أدوية العلاج بدلا من إنتاج الأمصال، لأن ذلك أفيد لها من الناحية الربحية. وفي هذا الجو من الجشع لم يبق أمام الشعوب الفقيرة غير محاربة هذه الآفة بالطرق الوقائية التي لا تتحقق ولا تنجح إلا عن طريق التحصن بالعفة ومحاربة البغاء. نعم، سمعنا وقرأنا بل رأينا، ونرى الآن مشاركة المرأة في القتال الحقيقي، في ظروف استثنائية في أماكن مختلفة من العالم ، ولكن في حالات السلم والاستقرار، بتوفر أعداد كافية من الرجال، فيتم الاستغناء عن بهدلتها، أولا: حفاظا عليها من الأضرار والمخاطر، وثانيا: لمنع ما يمكن أن ينتج من آثار مدمرة، من الناحية الصحية والاجتماعية والأخلاقية، ولكن حكومة إرتريا اللعينة تتبع وتتمسك بذلك النهج المعوج نفسه، حيث ما زالت المرأة تجبر على حمل السلاح وارتياد الأماكن النائية في المعسكرات وخنادق الدفاعات، وتعيش في اختلاط تام مع الغرباء. السؤال هو، هل هناك فائدة ومنفعة تتحصل من هذا النهج الخبيث، غير أنه يخدم أهداف شيطانية، تتمثل في تعميم الفضيحة لتلويث الجميع.وفيما يلي ترجمة لمقالات نشرت على موقع “عواتي”، بقلم: عقيد كيداني، فأهم فكرة فيها، إن الصراع على السلطة الذي بدأ منذ السنين الأولى في إطار “الجبهة الشعبية” كان بين المسيحيين فقط. جرائم وفضائح إسياس بقلم: عقيد كيداني الحلقة الأولى: يا أبناء وطني الأعزاء، أطالبكم راجيا، التحرر من العواطف والانتباه بأذهانكم إلي، لأقص عليكم، أسوأ القصص، مباشرة من مخزون ذاكرتي التي تراكمت من المتابعة المستمرة، لجرائم، بل فضائح وحماقات من يحكم إرتريا الآن، لسنين طويلة. المقصود، “إسياس أفورقي”، صاحب السلوك الشائن، اعتبر خطأ، مناضلا ثوريا، ….، …، بينما لا يستحق أن تطلق عليه صفة من تلك الصفات، بأي حال من الأحوال. بل حدث ذلك، دفعا من ثقافتنا المتخلفة، التي جعلت منا أن ننسب كل الأعمال الجديرة بالثناء والمديح إلى القائد الفرد، بينما العمل هو ثمار الجهد الجماعي، وهذا التوجه المتخلف هو الذي جعل من “إسياس” المجرد من النبل ملكا حتى لو كان ذلك دون تاج أو عرش. ولكن أكثر ما يثير أسفنا، أنه حتى بعد وقوع الفأس بالرأس، فإن هناك من المناضلين الأعزاء، من يفوتهم استيعاب ذلك السر المكشوف المتعلق بألاعيب “إسياس”. لأنهم لا يزالون يغرقون في الاعتقاد، بأنه يتمتع بالجدارة والأهلية، في الوقت الذي تنحصر فيه مهاراته في كيفية الاستفادة من جهود وتفاني الآخرين. سعى “إسياس” حثيثا في مشاريعه الشريرة، منذ تلك المدة البعيدة، عند الانشقاق ونشأة “الجبهة الشعبية” في السبعينات، بأن يكون الرجل الأول في القيادة، وكانت أولى خطواته، أن يزيح من طريقه كل من ظهر عليه النبوغ والذكاء وتمتع بصفة القائد. ولذلك، شهدت تلك الفترة الكثير من الأعمال القذرة، وبفعلها اختفى المنافسون له من الساحة، وأوضح الأمثلة على تلك الأعمال الغامضة والمشبوهة، اغتيال “أبرهام تولدي”، وبعد ذلك مباشرة، ودون أن تمر فترة طويلة، لمح “إسياس” في “مسفن حقوص”، المنافس والند، عندما وجده حاز على تقبل وثقة المقاتلين، فقد صعب عليه ذلك، وبدأ يعمل بكل وسيلة وطريقة، لخفض ذلك التقبل والثقة. ولكن من حسن حظ “مسفن حقوص”، وقبل أن يحل دوره في اللحاق بالآخرين إلى المصير المجهول، شهدت الساحة حدثا هاما، جذب اهتمام “إسياس”، بعيدا عن الضحية المفترضة، بوصول مجموعة “موسي” إلى الميدان. لمس الجميع في “موسي تسفاميكائل”، العبقرية والصفة الثورية، فهو الشخص الوحيد الذي واجه دموية “إسياس”، بما عرف عنه من جرأة وصرامة مكشوفة إلى حد ان “إسياس”، كان ينتابه الشعور بالحياء، كالعذراء حينما يتلبسها الأدب الجم في التصرف، والعفة في اللسان، عندما تكون في حضور الخطيب الذي جاء يطلب يدها، لا تحكي إلا إذا طلب منها ذلك بإلحاح. ولذلك حصل “موسي” على التأييد الكامل لتوجهاته وأفكاره، من البارزين في اللجنة المركزية، فأستسلم “إسياس” من الناحية الظاهرية مقرا بأمر الواقع، وكيانه يغرق باليأس والإحباط والقنوط، وفي نفس الوقت، بدأ يعمل في الخفاء، مهتديا بقسوة “ستالين” و دهاء “ميكافيلي”، وبمرور الوقت، مع الصبر والتأني، تمكن من إلحاق التشويه المتعمد بحركة التغيير تلك، وما حملته من الأفكار، وذلك بنعت القائمين عليها بالخيانة حيث وجد هذا التدليس قبولا لدى الغالبية، بسبب شيوع الانتهازية أو الجبن. وكانت النتيجة، أن وجدت تلك الترهات مسالكها إلى أذهان الناس واستأنف “إسياس” في قمع واستئصال كل من تبنى أفكار تلك الحركة بالقسوة الفجة وكانت تلك أبرز نجاحاته الباهرة في الإقصاء السياسي، ومازال يتبع نفس المنهج والأسلوب، حتى هذا اليوم، في التعامل مع معارضيه، حتى لو تبجح من الناحية الظاهرية، بالاستخفاف نحوهم. بهذه الطريقة، أباد “إسياس”، اليمينيين، وتخلص من اليساريين “المنكعيين”، باستخدام أعمال وحشية قذرة مشبوهة، دون أن يثار تساؤل عن مبررات ودواعي هذه الأعمال، التي لم يلتفت إليها أحد في الغالب، وهنا تقع المسئولية، بالدرجة الأولى على هؤلاء الذين كان بإمكانهم منع وقوع تلك المجازر في الوقت المناسب، ولكنهم لم يفعلوا شيئا غير الإذعان والخنوع، ولذلك يلحق بهم الجزء الأكبر من العار والخزي، ومع ذلك لطخت سمعتهم بنفس الطريقة، حيث رفعت أعناقهم على نفس السارية، وزهقت أرواحهم، على نفس النحو. الحلقة الثانية بتركيز أكبر، أباد “إسياس” “المنكعيين” اليساريين بواسطة اليمينيين، وقضى على اليمينيين بواسطة مجموعة: 15، فخلع أفرادها بواسطة “مجموعة: 20″، وبمعنى أصح، عصابة الجنرالات، كما يحدث تماما في الغابة، بين الوحوش، المفترس يصبح الفريسة، ولو بعد حين، ومع ذلك، لا أحد يتدبر الأمر ويستوعب الدرس ويتعظ. وبدون الخوض في التفاصيل، فإن التصفية الجسدية النظامية، بحق المنافسين على السلطة السياسية، هي طريقة مسجلة باسم “ستالين”، الذي استخدم الأوكراني “لافرينتا بيريا”، الملقب بالجزار، كأداة مرعبة، ظل يقتل بإشارة منه القيادات البارزة في الحزب والجنرالات في الجيش، وعندما أنجز المهمة، تخلص منه بنفسه. اتبع “إسياس” هذه الطريقة الشريرة منذ أن جاء على رأس السلطة الفعلية في “قوات التحرير الشعبية”، وفيها استخدم في البداية، ولمدة معينة، أشخاصا من ذوي القدرات الفذة في تنفيذ الأعمال القذرة، وعندما كان يلحظ أو يسمع من جانبهم، التذمر عن سوء الأحوال، فإنه إما أن يتخذ بحقهم العزل أو التجريد من السلطة، دون أن يشرفهم بحفلة الوداع أو الاعتزال، وهو ما يعني تجميد نشاط الشخص من كل شيء، أما عندما يتوقع الخطورة من هذا الفرد الذي يتم عزله، فيقضي عليه في الحال، أو تلطخ سمعته بالخيانة، فينزله السجن، ويتركه ليتعفن في مستقره حتى وفاته. نرى هذه الأيام، تحركات محمومة، تتمثل في إعداد وتجهيز “تكلي منجوس” وغيره، وفي الوقت نفسه، عزل بعض هؤلاء الجنرالات الفاسدين، مثل “فيلبوس، صموئيل شاينا، وذلك الثور الذي يدعى “وشو”، الذين سوف يلحقون قريبا بمصير من سبقوهم في درب التجميد والإهمال. المشكلة هي، ان هؤلاء القاذورات الأنذال، الذين هم حول “إسياس”، من الوزراء والجنرالات، وبقية المسئولين في الدولة، هم من الذين فقدوا القدرة على الاتصال بالواقع، ناهيك عن الإمكانية المعقولة لتتبع منحى التاريخ وتفاصيله. وأوضح مثال، على ذلك “سبحت إفريم” ذلك الرجل المتملق الذي يمارس الانتهازية، دون تحفظ أو مواربة، فهو الذي غرر وخون بمجموعة:15، وأما المدعو “صموئل شاينا”، فهو الصبي التابع، الذي يتبع سيده “سبحت إفريم” أينما اتجه، كونه ولي نعمته، حيث لم يصل إلى ذلك الموقع الرفيع، عبر الجدارة والخبرة، بل بالمحسوبية. أما السيد/”فليبوس”، فكان في الماضي من التابعين لـ “مسفن حقوص”، فـ”عمر طويل”، الذي لا يمكن أن تذكر سيرته أكثر من كونه أسير المتعة الغارق في الملذات، وأما “وشو” فكل براعته تنحصر في تنفيذ الأوامر العسكرية. بصورة عامة، كل هؤلاء وغيرهم من الموظفين العموميين، وفي المستويات المتقدمة من المناصب المختلفة، لا يولون أي اهتمام، بحياة الجنود أو بمأزق الشعب، حيث اختفت كل المبادئ والشعارات التي رفعت أيام حرب التحرير، خلف غبار ذكرياتهم، حتى بلغنا إلى المرحلة التي نقر فيها، بأن تلك الأيام ذهبت، بما حملت من الشعارات والآمال. الحلقة الثالثة في عام 1986، بدأ “إسياس” حملة تطهير واسعة، للتخلص من المتنفذين في المسئوليات والمناصب تحت شعار الحرب على الفساد، وكان ذلك، عندما لم يعد “إسياس” بحاجة إليهم. في أثناء تلك الحملة، كان “إسياس” ينتقل من مكان إلى مكان، ملتقيا المقاتلين، في ندوات مطولة، ولكنه لم يجد الاستجابة المطلوبة منهم، في إبداء الرأي، أو المساهمة في النقاش والانتقاد. فارتاب من ذلك الجمود التام، وما كان منه إلا أن لجأ إلى أسلوب التودد والتشجيع والتحريض على التصريح عما يكمن في النفوس من الشكاوى، وما هو المعروف والمثبت عن تورط المسئولين في الوحدات والألوية في شتى أنواع الفساد، ولكن محاولاته باءت بالفشل أيضا هذه المرة، فأضطر إلى أن يقول: إذا لم تطالبوا بحقوقكم الآن، فبعد التحرير، فان هؤلاء سوف يبصقون عليكم. مع ذلك، تخوف المقاتلون من الإقدام على هذه الخطوة، حتى خاطبوه بكلام فهم منه “إسياس”، إنهم إذا حدثوه عما يعرفونه من التجاوزات، وما يعشعش من الفساد، وما يتعرضون له من الجور، فإنهم يخشون التعرض للعقاب والتأديب، وبمجرد مغادرته المكان، وأمام هذا الكلام، انفرجت أسارير “إسياس”، فتشدق بلهجة الواثق قائلا: أنا أقول لكم، لا تخشوهم، لن يتعرض لكم أحد، عارفا في قرارة نفسه، عما سوف ينال هؤلاء المقاتلين البؤساء من الانتقام، ولكن كان شغله الشاغل في ذلك الوقت، أن يمسك بالأخطاء والتجاوزات، على من يريد الانتقام منهم، لاستخدامها في عمليات التحجيم والإقصاء والإذلال والتطويع ثم السيطرة المطلقة التي تبدأ عادة بالتوبيخ والتعنيف. ودون الخوض في التفاصيل، أذكر هنا ما حدث في وحدة “فيليبوس”، وفيها سرد المقاتلون عما يعرفونه من الفساد، فتوجه إليه “إسياس”، بالإساءة المباشرة أمام عساكره، عندما غسله بالتوبيخ أولا، ثم انتهى بالتجريح قائلا: يا حقير يا لص.انتهت الحملة، وغادر “إسياس” الأماكن، فوقع ما كان يخشى منه المقاتلون الذين أخذوا راحتهم في الحديث عن كل شيء له صلة بالفساد، كان ينخر في أوصال الكتائب والألوية والوحدات. وكانت النتيجة، أن جرد هؤلاء المقاتلين، من الرتب والمناصب، بعد ثلاثة أيام من انتهاء الحملة، عدا أن تمكن البعض منهم من الوصول إلى المكتب العسكري في “عنبربب”، فنقلوا إلى وحدات أخرى بأمر من “إسياس” أما الآن فـ “إسياس” لا يتجرأ على أن يعقد مثل تلك الندوات، لأنه يدرك ما يواجهه من الانتقادات العنيفة التي سوف تأتيه من المقاتلين المقموعين والمسخرين، الذين تداس كرامتهم وتهان آدميتهم بحقارة هؤلاء الجنرالات الفاسدين، وإن التحقيق بتلك التجاوزات سوف يفقده ولائهم له. الجنرالات، تلك المخلوقات الممسوخة المجردة من كل مبدأ فكري وعاطفة إنسانية، الذين لا يشغلهم في هذه الحياة، إلا الفيلات الفاخرة المسورة بالحدائق، والسيارات والبنزين، ودوام أبناءهم وبناتهم في المدارس، وغيرها من الامتيازات الكثيرة، التي تدخل ضمن أملاك الدولة، فنجد الرشاوى تعطى إلى كل من أبدع في الانسحاق والتذلل والتبعية، وجعل من نفسه بهيمة منقادة. من مدة غير بعيدة، كان بعض هؤلاء الجنرالات، في تجمع لتقديم واجب العزاء، في منزل مقاتل توفى حديثا، تحدث الجنرال “وشو”، قائلا: نعم، أخذنا الفيلات، ولكننا لا نعلم ما يخبئه لنا الزمن، ولا ندري ما هو آتي، ثم انفجر بالضحك الصاخب. أما “أسمروم جيرزجيهر”، فلاح ابن فلاح، فهو رجل متواضع، وغير أناني، معروف عنه أيضا، أنه يقف دائما بجانب الجماهير أو الشعب، ولذلك فان وضعه ومكانته في تدهور مستمر وحاليا يرأس إدارة الشئون المالية في وزارة الدفاع، ولكن الآن، أسوة بالمتخاذلين الآخرين، فيبدو إنه قد قبل بالتسوية المذلة. يا أيها الرفاق، عندما تبدو الأمور على هذا النحو القاتم، فماذا تنتظرون من هؤلاء الممسوخين الذين يأسرهم الخوف من السجن أو الموت، فكل ما يقدرون عليه هو إبداء الولاء المزيف النازف بالنفاق، ففي جلساتهم يخوضون ويلعبون في القيل والقال، ويلوكون تلك الثرثرة المملة: يبدو أن الرجل فقد عقله، يا رباه ماذا يفعل، وإلى أين يسوقنا كالأغنام. أما الذين أظهروا الرأي الواضح والصريح بالمعارضة أو المقاومة، يقبعون الآن في السجون، فمن المؤكد أن ضمائرهم مرتاحة أكثر من ضمائرنا، ولكن المأساة هي، في معاناة عائلاتهم من الآباء والأمهات والأبناء والإخوة والأصدقاء، الذين يدفعون الثمن الأكبر. الحلقة الرابعة عرف “إسياس” منذ أيام الميدان بالسرية التامة حول سلوكه الخاص، وذلك باللجوء إلى الانطواء والاعتزال عن الناس، وكانت هذه الطريقة الماكرة هي الخطة المفضلة، للتعتيم على سلوكياته الشائنة، لإخفائها عن أعين الناس، بهدف زيادة الجماهيرية والشعبية، بالتميز عن الآخرين، في بيئة مشبعة بالفساد الأخلاقي، أساسه الإباحية المطلقة. تقمص “إسياس” دور الثوري المتجرد إلى أقصى ما أستطاع، وكانت النتيجة أن ترسخ في عقول البسطاء بأنه هو الوحيد الذي يتمسك بأهداب الفضيلة والقيم النبيلة، وبذلك نال تقبل الناس. ومع ذلك، وأيضا، ليس بالانطواء فقط، استطاع “إسياس” أن يكسب الناس، بل كان يتظاهر أيضا بحب العمل، فاستمات في نقل أكياس العدس مع الآخرين، واهتم بتنظيف ملابسه، ورد البئر وقدح الماء ليغتسل، والتزم بنوبته في إعداد الوجبات، حيث كانت تدبيراته ومهاراته في إعداد الطعام تنال المديح والثناء، واكتف بتناول وجبة واحدة في اليوم، حتى لو عوض ذلك النقص في التغذية، باستهلاك كميات من القهوة، لتعزز قدراته على البقاء في العمل لأكثر من عشرين ساعة، منفقا جل وقته في الأعمال المكتبية. ومع كل ذلك التظاهر بنكران الذات، فاحت الروائح النتنة عن سلوكيات “إسياس” الحقيقية، والسبب، لأنه لم يكن محاطا بالأغبياء فقط، وإنما بعض الذين يتمتعون بدرجة معقولة من الذكاء أيضا، ممن لا تفوت عليهم معرفة مدلولات ذلك السلوك. ولذلك لم ينطل عليهم المغزى من تلك الألاعيب، فأدركوا منذ فترة مبكرة، بأن هذا الرجل الذي يحاول التسربل بالفضائل، فان واقعه يبدو شيئا مختلفا، فجوهره ومعدنه لا يبدو أمام الناس كما كان يحلو له. دعونا ننظر في الأحداث والمواقف: عندما كان بقية أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، يكثرون من التزاوج والزنا والإدمان على الخمور، فإن “إسياس” ظل عازبا، وفوق ذلك، لم يكن ينضم إلى شلة الأنس في أنصاف الليالي، لمقارعة “دمو دمو”، فكنا نقول نحن البسطاء من المقاتلين: آه، من أين له “إسياس” الوقت للزواج، بينما هو يقتل نفسه في العمل. لكن في نهاية عام 1984 أو في بداية عام 1985، تسربت أخبار قوية عن زواج “إسياس”، فقلنا أخيرا تزوج العازب، ولكن المفاجأة المذهلة، تزوج من “س” وهي سكرتيرة من سكرتيراته السبع اللواتي عملن في مكتبه، في زفة مغلقة سرية، ولكن لم يبق السر في كتمان، لأن الناس أذكى من الغباء الذي كان يبدو عليهم، وجاءت الحقائق على لسان من حضر تلك الزفة على النحو الآتي: “فقرة محذوفة” وانتهت الزفة، وبعدها مباشرة، سافر “إسياس” إلى الصومال للالتقاء بخليلته، فأرادها خالصة مخلصة له، فلم يتحقق له ذلك فهاج وماج، فسعى لتحقيق الهدف بكل قوة، فتورط بفضيحة كبيرة، نخجل من ذكرها، استدعت التدخل المباشر من حاج “صالح”، وبفضل مساعيه سويت القضية، فتكرر الموال نفسه، في عامي 1986/1987. إذن، الحقيقة هي، عندما كان “إسياس” في “الساحل”، فإن الفرق في السلوك، بينه وبين رفاقه، أنه مارس الفساد بالخفاء، متلبسا بالفضائل، بينما هم مارسوه بالعلن. وبعد تحرير إرتريا، بدأ الناس الحديث عن السلوك الاجتماعي لوزراء في حكومة “إسياس”، وكعادته بدأ يتقمص التقوى والورع، ولا يظهر في “البارات” في الوقت الذي اختلط الآخرون بالعامة، وغاصوا في الفساد الأخلاقي، فغرقوا في المتع الجسدية بقدر ما توفر. على أي حال، كان لهذه الموجة والصعود في الفساد الأخلاقي، مفعول قوي في صالح “إسياس” البارع في أن يصطاد ضحاياه في المياه العكرة، لأنه كان يبحث في ذلك الوقت عن شيء يستغله للإطاحة بالضحايا، ومن حسن حظه، أن تراكمت تلك الأفعال القذرة، حتى حل اجتماع الأول من سبتمبر، لقاء الرئيس بالجماهير. أجاب الرئيس: هذا هو الوقت المناسب للحكومة أن تحدد المعيار الذي يقيس أخلاقيات وسلوكيات كل من يتولى منصبا رفيعا في الحكومة، من المسئوليين والوزراء، ولكنه من الناحية العملية، لم يحرك ساكنا بخصوص الفساد، لأنه بتقاعسه في تحديد ذلك المعيار، وتحديد آليات تطبيقه على كل من ينحرف عن جادة الصواب، أسقط عصفورين برمية واحدة، لأنه وبهذه الطريقة، توفرت أمامه الفرص الدائمة في استغلال أخطاء الآخرين، وإذا حدد وطبق ذلك المعيار، فإن ذلك يجعله يقع هو نفسه تحت طائلة القانون. ولكن، بمجرد القبض على مجموعة:15، بتاريخ 18/9/2001، بدأ يظهر “إسياس” في الأماكن العامة، لحضور الولائم وجلسات الشراب، لأنه لم يبق أمامه أحدا يتحداه بتمتعه بدرجة معقولة من الجرأة والمكانة. لذلك، أصبح ظهوره معتادا في المراقص، والحفلات الصاخبة في الليل، حتى بلغ من العربدة إلى درجة أطلق عليه مسمى قائد غلمان أسمرأ، أو قائد زمرة المراهقين. الآن دعونا ننظر في بعض الأمثلة من سلوكيات “إسياس”. الحادثة الأولى: قبل أربع سنوات، عندما كان “إسياس” في غاية من الاستمتاع والنشوة، ومنخرطا بكل كيانه في الرقص في ماخور من المواخير، وأمامه تتمايل سيدة من السيدات، انتبه “إسياس” باختفاء نقاله الخاص، وبمجرد أن شعر بفقدانه زئر كأسد، وبدأ حراسه الشخصيين يخضعون رواد المرقص للتفتيش الجسدي، بعد إغلاق المكان على من فيه من الناس. وبدأ البحث الطويل، في حقائب النساء وجيوب الرجال، والكل مرعوب لتوقع السجن أو القتل، ولكن وبعد فترة من البحث الدقيق، وجد “النقال” في زاوية من زوايا قاعة المرقص، فكل ما هنالك، حدثت هذه الربكة المخجلة، لأن الرئيس سكر حتى الثمالة، ففقد القدرة على التركيز، فنسى أين وضع “النقال”. الحادثة الثانية: وفي المدة نفسها، أو في فترة غير بعيدة من تلك الحادثة المضحكة، كان “إسياس” يمارس الرقص في نفس “البار”، فلمح امرأة مليئة الأرداف مكتنزة النهدين وناعمة الملمس، وفوق ذلك فائقة في الجمال والأناقة تراقص شخصا من الأشخاص، فتخيلها تناسب نزواته العابرة، فأعطى إشارة إلى قواد من قواديه، وبدأت الكلاب الشم، ثم التكشير عن الأنياب لتخويف المرافق للمرأة. وعندما دب في نفسه القدر المناسب من الرعب، أخذت منه الضحية، التي لم تكن تدري ما الحكاية، إلا بعدما وجدت نفسها مع “إسياس” في غرفة وفوق السرير، مهيأ حوله الجو، فتأكد لها ذلك باقترابه منها، متلفظا بعبارات الإعجاب والغزل، فقالت: كيف تفعل بي هذا، ألا تعرف أنني فلانة وزوجة فلان، فالغريب تركها تذهب!. الحادثة الثالثة: عندما يكون “إسياس” في زياراته الرسمية إلى أوروبا، لإنجاز أعمال تنظيمية أو شئون حكومية، فيجد في انتظاره الكثير من المطيعين إلى درجة العبادة، وهم المتملقون الذين لا يتورعون من اللحس على الأحذية، لأنها كائنات ممسوخة الكرامة، مكرسة نفسها طوعيا في تلبية نزواته، وخاصة الجنس. ففي إحدى الزيارات، حدث أن المسئولات عن اتحاد النساء، خشين على حياة “الرئيس” من نزواته ومغامراته مع النساء، وقررن حمايته من الخطر المحدق به، ولكن كانت المشكلة كيف يمكن حمايته، فاخترن واحدة منهن للاتصال بأحد الجنرالات من الأقرباء، وبعدما أخذت عليه عهدا بتبليغ رسالتها وعدم إشاعتها، قالت له ما يلي: هذه رسالة في غاية الأهمية والسرية، وعليك أن تتعهد لي بأن توصلها إلى السلطات ذات الصلة، لأن “الرئيس” يمارس الجنس مع أية امرأة يعجب بها، وعلى الأغلب يسقط ذوقه الحقير، على فتيات الشارع، من الساقطات، وأسوأ من ذلك كله، يأبى أن يستخدم الواقي الذكري، فنحن قلقات على صحته، لأننا خائفات من أن يصاب بفيروس نقص المناعة المكتبسة، “الإيدز”. المطلوب والمرجو بإلحاح، أن تبلغ هذه الرسالة الخطيرة، إلى من يهمه الأمر، وإلا سوف يفقده الشعب والبلد، من جراء هذه الرعونة، والغريب أن المرأة المرسلة كانت تتحدث بجدية وبحرص مطلق، وهي مرعوبة فتبدي الخوف الشديد على حياة رئيسها المحبوب. لكن لم يبلغ الجنرال تلك الرسالة خوفا على وظيفته، وبطريقة ما أشيعت الحكاية بين العامة في الليلة نفسها، ولكن لا جديد في ذلك، لأن هذه المعلومات كانت منتشرة بين الناس، بأن “إسياس” لا يستخدم الواقي الذكري، في مغامراته مع النساء، ومع ذلك، لا أحد بإمكانه أن يخضعه للعدالة، مع أن سلوكه يعد جناية. اذن، فـ “إسياس” الذي يعتبره بعض البسطاء أو الأغبياء، قديس صغير، هو في حقيقة الأمر، سكير مدمن، ودجال ومحتال، وفوق ذلك مصاب بالهوس الجنسي. Sagga74@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى