مقالات

حديث الذكريات والمذكرات – الحلقة الأخيرة : محمد سعيد ناود

4-May-2007

المركز

تأسيس مؤتمر البجة
لقد كتب لي أن أكون احد مؤسسي مؤتمر البجة وعضو سكرتاريته ومن المشاركين فيه بفعالية بحكم انتمائي لقومية البجة ، وقبل الحديث عن هذا المؤتمر التاريخي فإنني أود أن اكتب نبذه عن شعب البجة وأرضهم وأصولهم وتاريخهم وقضيتهم التي حركتهم ليعقدوا ذلك المؤتمر وفي وقت مبكر .

والحديث عن هذه المسائل يحتاج إلى كتاب كبير إلا إنني سوف أوجز ذلك في سطور قلائل . وحسبما حدده كثير من المؤرخين وأخرهم نعوم شقير فان شعب البجة يتكون من القبائل التالية :1ـ البشاريين 2ـ الأمرأر 3ـ الارتيقة 4ـ الكميلاب 5ـ الأشراف 6ـ الهدندوة 7ـ الملهيتكناب 8 ـ الحباب 9ـ الحلنقة 10 ـ البني عامر أما الأراضي التي يسكنونها فتقع في جنوب مصر وتمتد بالعمق حتى نهر عطبرة .. ويسكنون مديرية كسلا حسب التقسيم الجغرافي القديم ، كما أنهم يسكنون في سلسلة جبال البحر الأحمر ابتدءا من الحدود مع مصر وحتى الهضبة الإرترية . كما كانت للبجة خمسة ممالك في العصور القديمة حيث كانت عاصمتهم ( هجر ) الواقعة بداخل إرتريا في إقليم الساحل الشمالي وبجانبها ثلاثة ممالك أخرى . وامتد البجة بداخل إرتريا في أقاليم بركة والساحل وسمهر بالإضافة إلى تواجدهم في الهضبة الإرترية بحيث أن سكان الهضبة الإرترية ينحدرون من أصول بجاوية وهم يقرون بذلك بل ويعترفون ويعتزون به اليوم . البجة بشكل عام من أصول سامية وقادمون من الجزيرة العربية قبل آلاف السنين حيث تزاوجوا مع الأقوام التي انتظرتهم وشكلوا الكوش ، وليس هناك أي أساس من الصحة لما يقوله بعض الباحثين من الأوربيين بأنهم من أصول قوقازية من شرق أوروبا . في التاريخ القديم كانت ارض البجة جاذبة بحكم وجود المعادن النفيسة بها وبالذات في ( وادي العلاقي ) من الذهب والزمرد ومعادن أخرى ، ولذا فان فراعنة مصر ظلوا يرسلون بعثاتهم للتنقيب عن هذه المعادن واستخراجها ، كما أن القبائل العربية ظلت تتجه إلى المنطقة لنفس الغرض وبعضها كان يعود من حيث أتى والبعض الآخر يستقر ويتزاوج مع البجة وينصهر فيهم . والبجة عموما رعاة ولم يعرفوا حياة الاستقرار التي تعتمد على الزراعة ، وثروتهم هي الماشية من الإبل والبقر والأغنام والضان للاستفادة من لبنها ومشتقاته ولحمها وجلودها ووبرها . عرف البجة بأنهم قوم محاربون وقد كتب كثيرون من المؤرخين عن حروبهم وغزواتهم وابرز معاركهم كانت ضد الرومان ، وقبلهم ضد الفراعنة ، وحربهم ضد الدولة العباسية ، وكذلك حربهم في ( تدمر ) إلى جانب الملكة ( زنوبيا ) . وفي العصر الحديث فان البجة ابلوا بلاءا حسنا في الحروب التي خاضوها لنصرة الثورة المهدية في السودان وبمقاومة الاستعمار الأجنبي والخير ما شهد به الأعداء فان شاعر الإمبراطورية البريطانية (كيبلنج ) قد اعترف بشجاعتهم في قصيدة له عندما أطلق عليهم تسمية ( فزي وزي ) fuzzy wozzy لأنهم الوحيد ون الذين تمكنوا من كسر المربع في الجيش البريطاني أثناء مواجهتهم لهذا الجيش في حرب الثورة المهدية . كما قاموا بدورهم كاملا في الحركة الوطنية السودانية والتي حققت استقلال السودان في الأول من يناير 1956م . في العصر الحديث فان مناطق البجة واعدة اقتصاديا فقد بدأ التنقيب عن الذهب منذ وقت مبكر في ( جبيت المعادن ) وبدأ يستخرج بها وتقوم الآن شركة فرنسية باستخراج الذهب من مناطق البجة بشكل تجاري ولم يبدأ التنقيب بشكل جاد عن معادن أخرى بالإضافة للبترول والغاز ، حيث أن المنطقة واعدة بهما أما من ناحية الزراعة فهناك ( دلتا طوكر ) للقطن ، والحبوب والخضروات ، وهي منطقة شاسعة لم تجد الاهتمام الذي تستحقه من ناحية تنظيم الري لأنها ذات ارض واسعة والكميات الهائلة من المياه التي تصب فيها من اريتريا من نهري عنسبا وخور بركة يذهب اغلبها إلى البحر الأحمر هدرا . وهناك منطقة خشم القربة لزراعة القمح والحبوب الأخرى وقصب السكر ومصنع السكر .. ومنطقة القضارف وما تنتجه من حبوب وسمسم ولا يوجد لها مثيل سواء كان في خصوبة الأرض ومساحتها الواسعة أو الإنتاج الهائل في كل القارة الإفريقية . أيضا هناك دلتا القاش وهي صالحة لزراعة القطن والحبوب والموز والموالح .. كما أجريت بها تجارب لزراعة محاصيل نقدية أخرى كالخروع وعباد الشمس وكانت ناجحة . أما الثروة الحيوانية من ابل وبقر وماعز وضأن فلا حصر لها ، وبالإضافة لكل لذلك فان ارض البجة تتميز بوجود مينائي سواكن وبور تسودان حيث يعتمد عليهما السودان بكاملة في حركتي الصادر والوارد . وبينهما ميناء بشائر بالقرب من سواكن لتصدير البترول ، بالإضافة لميناء عقيق التاريخي والواقع جنوب طوكر وهو أيضا من الممكن تهيئته للاستفادة منه في حركتي الصادر والوارد لتخفيف الضغط على الموانىء الأخرى ، وأيضا هناك مصفاة البترول ببور تسودان . مؤتمر البجة ونعود الآن إلى الموضوع الأساسي في هذا الموجز وهو مؤتمر البجة المنعقد في مدينة بور تسودان في أكتوبر 1958م ، فقد نبعت الفكرة من الإحساس العميق بالحرمان الذي يعيشه الإنسان البجاوي ، ومعاناته كان من الثالوث المقيت وهو الجهل والفقر والمرض . فقد ضربت المجاعة مناطق البجة بأكملها ، وفي تلك الفترة وهي نهاية الأربعينيات وأوائل خمسينيات القرن العشرين وقبل إعلان استقلال السودان ، وعندما كانت المجاعة تكتسح ارض البجة فان مصر كانت الدولة الوحيدة التي قامت بتقديم مواد الإغاثة وكانت تتكون من المواد الغذائية وهي الأرز والسكر والعدس والقمح بالإضافة للملابس والبطاطين . وان البعثات المصرية كانت تتوغل في البوادي والجبال لتوزيع هذه المساعدات للمحتاجين والمنكوبين . وان جيلنا الذي ساهم في تأسيس وإقامة مؤتمر البجة كان يشعر بان للبجة قضية تتمثل في الحرمان من التعليم بالإضافة للحرمان من الصحة ومن العمل . وفرص العمل التي كانت مقامة آنذاك بمدينة بور تسودان لأبناء البجة لم تكن تتجاوز مجال الشحن والتفريغ في الميناء وكذلك البحرية . ورغم أن مدينة بور تسودان كانت بها حركة عمل نشطة إلا أن البجاوي لم تكن لديه المؤهلات المطلوبة لأنه محروم من التعليم ، كما إن الأمراض الفتاكة كانت تحصد الأرواح بأعداد هائلة دون أن تجد المقاومة المطلوبة من الهيئات الصحية . ومن هنا وعند استقلال السودان وعدم وجود مؤشرات من قبل أولئك الذين تولوا الحكم بعد الاستقلال للشروع في تحسين أوضاع البجة . فقد بدأت مناقشات وسط المتنورين من أبناء البجة . وكان المرحوم الدكتور طه عثمان بلية وهو أول بجاوي يتخرج من كلية الطب ويفتتح عيادة خاصة بمدينة بورتسودان ، في مقدمة من بدأ المناقشات والاتصالات بالمتعلمين من أبناء البجة وتبلورت بذلك فكرة عقد مؤتمر للبجة لعرض قضيتهم وبلورتها ومن اجل تحسين أوضاعهم . واذكر إن المرحوم الأستاذ محمد دين إسماعيل البجاوي وهو من المتعلمين والذي كان سباقا في إقامة وافتتاح ( مدارس التنوير ) للارتقاء بمستوى أبناء البجة بإيجاد مدارس تتولى استيعابهم ، فقد أصدر كتيبا آنذاك بعنوان ( اللاي كليب ) بمعنى ( مقبرة الأحياء ) تطرق فيه لأوضاع البجة عموما والعمال منهم في مناجم الذهب وما يتعرضون له من استغلال على وجه الخصوص . وبدأت المشاورات مع نظار القبائل والمتعلمين والشخصيات الاعتبارية ورجال الدين ، حيث وجدت الفكرة كل ترحيب . وعندما تم تحديد المكان والزمان لعقد مؤتمر البجة ، وأخطرت القبائل بهذا الموعد وبالمكان .. ومن ثم وجهت الدعوة للحكومة المركزية . كما أن السلطات المحلية أخطرت بالأمر مع دعوتها للحضور بالقطارات واللواري من كل مدن وبوادي مديرية كسلا ودون أن يتخلف احد من شملتهم الدعوة . وبما أن كل قبائل البجة التي حضرت المؤتمر كانت ممثلة بنظارها وعمدها ومشائخها ورجال الدين والأعيان والشخصيات الاعتبارية والمتعلمين فلذا كان الحضور ضخما . وانعقد المؤتمر في الهواء الطلق في المنطقة الواقعة شمال ديم العرب ، والذي عقد جلساته بمدينة بور تسودان في الفترة من 11ـ 13 أكتوبر 1958م . وابرز الحاضرين للمؤتمر كان رئيس مجلس الوزراء السوداني الأمير الاي عبد الله بك خليل ، والسيد / علي عبد الرحمن وزير داخلية السودان ، وكلاهما جاءا من الخرطوم خصيصا لحضور هذا المؤتمر .. كما أن كبار المسئولين الحكوميين من مديرية كسلا ومن مدينة بور تسودان كانوا ضمن الحاضرين كما حضر ممثلون كل الأحزاب السياسية والإعلاميون من مراسلي الصحف . افتتح المؤتمر سكرتير مؤتمر البجة الدكتور طه عثمان بلية بكلمة ضافية شملت أهداف المؤتمر ومطالبه . وألقى الدكتور محمد عثمان جرتلي قصيدة عصماء طويلة شملت أهداف المؤتمر ، ومطالب البجة ، ونضالا تهم عبر القرون من اجل تحرير السودان ووحدته . وبعدها تتالت الكلمات ، وكنت احد أولئك الذين القوا كلماتهم في المؤتمر وأمام رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية . وكان المؤتمر وقراراته والكلمات التي ألقيت فيه تحوي المطالبة برفع تظلمات الإنسان البجاوي ، ومطالبته بالإصلاحات في التعليم والعمل والصحة . وكان يعكس معاناة الإنسان البجاوي بكل صدق ، ويطالب بضرورة اعطائة الأولوية في فرص التعليم في كل الوظائف في إقليمه وفي الحكم المركزي . وحسنا فعلت صحيفة ( الفجر ) السودانية في عددها 73 من السنة الثانية ، الصادر في 4/10/1980م وتحت عنوان ( من ذاكرة الشعوب ) عندما سجلت مطالب البجة التي طرحت في ذلك المؤتمر في النقاط التالية : 1ـ المطالبة بالحكم اللامركزي .2ـ تصنيع المنطقة واستغلال معادنها .3ـ توفير المستشفيات والدواء .4ـ كل أنواع المهن مهما كان نوعها حق مكتسب للبجة .5ـ تنفيذ مشروع خشم القربة الزراعي والمياه لري الأراضي الزراعية . 6ـ نشر التعليم وعدم نقل أبناء البجة من المدرسين لضرورة اللغة وفهمهم للناس والمنطقة .7ـ إشراك نواب الشرق في الوزارة حق ثابت ينص عليه الدستور . 8 ـ إقامة مصنع نسيج بسواكن ومصنع زراير بدرديب .9ـ تنفيذ هذه المطالب بأسرع فرصة ممكنة . كان البجة عبر مؤتمرهم هذا سباقون في رفع قضاياهم وتظلماتهم وذلك قبل غيرهم من مناطق ما يطلق عليهم اليوم بالمناطق ( المهمشة ) بل سبقوا غيرهم في السودان كله في مركزه وأطرافه بحكم اللامركزية الذي أصبح الجميع اليوم في الحكومة المركزية والأطراف يرفعونه لحل مشكلة الحكم في السودان قاطبة . والبجة لم يكن واردا لافي تفكيرهم أو في قاموسهم السياسي بالانفصال أو العنصرية ، بل كانوا يرفعون شعارات من اجل الحصول على حقوقهم المشروعة . وبالرغم من ذلك فان هناك من تجرأ ووصفهم بالحركة العنصرية بمقالة في صحيفة ( الرأي العام ) وذلك بعيد انفضاض المؤتمر مباشرة . وقد قمت شخصيا بالرد على ذلك الصوت بمقالة قوية وفي صحيفة ( الرأي العام ) وفي الحال بل كنت الوحيد من أبناء البجة الذي قام بالرد عليهم ، وبعد ذلك داهمنا الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق إبراهيم عبود . وقد نالت تلك المقالة استحسانا من كل أبناء البجة ومؤتمر البجة وسكرتاريته وسكرتيره العام . حتى أن الدكتور طه عثمان بلية ، وهو السكرتير العام لمؤتمر البجة كان الطبيب الخاص لشركة الايسترن التي كنت موظفا بها ، فقد كتب لي راحة لمدة أسبوع قائلا : انك لاشك قد أجهدت نفسك في كتابة هذه المقالة التي عبرت عن إحساسنا جميعا ، وبالتالي تحتاج إلى راحة أسبوع كامل . إن أهم إنجاز حققه مؤتمر البجة انه قد سلط الأضواء على مشاكل وهموم البجة ومعاناتهم ومطالبهم ، وان تلك المطالب ربطت بين أبناء البجة قاطبة وكانت القاسم المشترك بينهم .. ورغم انتماء أبناء البجة إلى مختلف الأحزاب السودانية إلا أن مبادىء المؤتمر وقراراته ظلت هي التي تربط بينهم ولا تزال تلك المطالب مع بعض التعديل والإضافة يرفعها أبناء البجة ويحملون رايتها جيلا بعد جيل حتى اليوم . ومنذ ذلك الحين أي منذ انعقاد مؤتمر البجة التاريخي قبل ما يقارب الخمسين عاما ، فقد ازداد عدد المتعلمين من أبناء البجة بعد التوسع في التعليم الذي شمل السودان عامة . وعليه فقد ازداد زخم البجة وارتفعت أصواتهم وأصبح تأثيرهم ومشاركتهم في إدارة شؤون إقليمهم اكبر من ذي قبل . إن انقلاب الفريق إبراهيم عبود الذي جرى في 17 نوفمبر 1958م وبعد انفضاض المؤتمر بوقت قصير ، قطع الطريق على مؤتمر البجة وعلى مطالبه ، حيث تم حله وحظر نشاطه مع باقي القوى السياسية في السودان ، وبالرغم من ابتعادي بعدئذ عن الأنشطة العملية لمؤتمر البجة لتفرغي الكلي للقضية الإرترية ، ومع هذا ظللت أتابع قضايا البجة ولو على البعد . لقد كنت ضمن سكرتارية مؤتمر البجة ، واذكر من أعضاء السكرتارية الذين كانوا معي أبو موسى علي ومحمد بدري أبو هدية وآخرون لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم . ومن رموز المجتمع الذي يشار إليها بالبنان وساهمت في نجاح مؤتمر البجة بحكم وزنها الاجتماعي وتأثيرها اللامحدود على جماهير البجة بالبحر الأحمر الشيخ بامكار محمد عبد الله والخليفة علي نور إدريس . أيضا وفي تلك الفترة وأثناء انعقاد مؤتمر البجة فقد كنت عضوا بالحزب الشيوعي السوداني ، ولم يكن هناك أي تناقض بين عضويتي بالحزب الشيوعي واشتراكي بفعالية في مؤتمر البجة . أيضا كان هناك آخرون من أبناء البجة أعضاء بالحزب ومشتركون في المؤتمر ، ولم يكن الحزب معترضا لا على المؤتمر ولا على اشتراكنا فيه ، وكثيرون آخرون من أعضاء مؤتمر البجة أو في سكرتاريته كانوا أعضاء بالأحزاب السياسية السودانية المعروفة، إلا أن القاسم المشترك بين الجميع كان الانتماء لقومية البجة ورفع مطالبها والدفاع عنها . صحيفة ( إرتريا الحديثة ) الصادرة في 17نوفمبر 2006 أجرت معي مقابلة بمناسبة مرور 48عاماً على تأسيس ( حركة تحرير إرتريا ) إلا أنني وجدت نفسي مشدودا للحديث عن تأسيس ( مؤتمر البجة ) بمناسبة مرور 48 عاما أيضا على تأسيسه . فقد تأسست الحركة في 2/11/ 1958م ، كما تأسس مؤتمر البجة في 11ـ 13/ 10/ 1958م والحدثان متقاربان زمنيا أي أن المسافة بينهما اقل من شهر واحد ، وكانت لي فيهما مساهمتي التي افتخر بها حتى اليوم . والذي شدني للحديث عن مؤتمر البجة وتأسيسه كان توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق المعارضة في العاصمة الإرترية اسمرا وذلك بتاريخ 14/10/ 2006م والتي تم التوصل إليها بوساطة ومساعدة الحكومة الإرترية , وقد حضرت تلك المناسبة والتي شهدت حشدا تمثلت في الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير ونائبه الأول ورئيس البرلمان المركزي بالسودان وعدد من الوزراء وحكام الولايات الثلاث بشرق السودان البحر الأحمر وكسلا والقضارف ونظار قبائل الشرق وممثلوا الأحزاب السياسية السودانية . كما حضرها حشد من الإرتريين ممثلين في الوزراء وكبار الموظفين وقادة الجيش الإرتري . كما حضر تلك المناسبة وفود من دول الخليج العربي دون استثناء ، الجمهورية اليمنية ، الأمين العام لجامعة الدول العربية ، وزير خارجية مصر ، ممثل الجماهيرية العظمى ، كما وحضرها رئيس جمهورية جيبوتي ورجال السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى دولة إرتريا . وشهد على توقيع تلك الاتفاقية الرئيس عمر حسن احمد البشير وبجانبه الرئيس اسياس افورقي رئيس دولة إرتريا . وأثناء ذلك وبينما كنت أشاهد وقائع التوقيع على الاتفاقية كان يمر أمامي شريط طويل من الذكريات، تذكرت رموزا مثل الدكتور طه عثمان بلية ، والدكتور محمد عثمان جر تلي وكلاهما من أوائل الخريجين من الأطباء من البجة .. كما تذكرت محمد بدري ابوهدية رحمه الله من مؤسسي مؤتمر البجة والذي ظل دوما يشجعني وكان يقول لي : ( لافرق بين النضال في ساحة البجة التي بدأناها سويا والساحة الإرترية التي تفرغت لها فكلاهما مكمل للآخر ) . وللأسف فقد رحل عن الدنيا قريبا وقبل أن يشاهد هذا الاتفاق التاريخي . أيضا تذكرت زميلي ابوموسى علي أطال الله في عمره من سكرتارية مؤتمر البجة عند تأسيسه والذي ظلت صلتي به متواصلة ولم تنقطع حتى الآن . وبجانب هؤلاء بامكار محمد عبد الله والخليفة علي نور إدريس وكلاهما من قادة الحركة الوطنية في شرق السودان قبل الاستقلال وكانا من الرموز البارزة في مؤتمر البجة عند تأسيسه . عند إطلاعي على التفاصيل الكاملة للاتفاق الذي تم التوقيع عليه في اسمرا ، وقد نشر بكاملة في صحيفة إرتريا الحديثة الصادرة بتاريخ 28 أكتوبر 2006م ، وقارنته بمطالبنا التي كنا نرفعها قبل 48عاما ، فان مطالبنا كانت متواضعة للغاية ، واتفاق اسمرا حققها بكاملها ، بل وأضاف عليها أضعافا مضاعفة من المكاسب . وقد قلت ذلك في المقابلة التي أجرتها معي صحيفة إرتريا الحديثة ، وان المطالب التي رفعها المؤسسون الأوائل لمؤتمر البجة في أكتوبر عام 1958م فقد حققها أبناؤهم ، بل وأحفادهم في أكتوبر 2006م . وهكذا مسيرة الشعوب ، ومن جانبي اشعر بالسعادة الغامرة لأنني قمت بتأسيس حركة تحرير إرتريا وشاهدت ثمرة ذلك وأنا على قيد الحياة عندما تحررت إرتريا وأنا شاهد على ذلك في عام 1991م . كما اشعر بالسعادة أيضا لأنني ساهمت في تأسيس مؤتمر البجة ، وبعد مرور 48 عاما على ذلك شاهدت النتائج الباهرة المتمثلة في توقيع اتفاقية اسمرا بين الحكومة السودانية وجبهة الشرق والتي تمثل بحق كل طموحات إنسان الشرق السوداني والتي أتعشم أن تتم ترجمتها على ارض الواقع بالجهد المشترك بين ممثلي إنسان الشرق والحكومة المركزية في السودان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى