مقالات

كيف يكون التاريخ زاوية صالحة للقراءة ..؟ بقلم/ محمد قناد

21-Sep-2014

عدوليس ـ ملبورن ـ

يطل التاريخ من نافذة الاحداث لا القدر كما يحاول تصويرها الكهنوت، لان القدر كما يقول اهل التصوف والعرفان (معرفة وايمان وعمل)، يطل علينا هذا التاريخ في كل حقبة وفترة كي يضحك علينا ويردد -انهم لا يتعلمون، وكذلك يقول اني، اشفق عليهم- ولم يستفادوا من دروسي وعظاتي وعبري ما يثقفوا به سيرورتهم، ومن يتأمل التاريخ يجده كائن كامل الفصول الاربعة التي يسميها اهل الديانات الشرقية بالدائرة المغلقة وعند التصوف بالزجزاج بين الخير والشر، حتى جاء تفسير الحداثة التي جعلت التاريخ صراع بين الموضوعية واللاموضوعية، ثم ذات هذا التعريف يوشك ان يتهاوى بعد ضربات نقاد الحداثة والباحثين عن ما بعد الحداثة.

فالتاريخ كل فترة زمنية منه يأخذ أمة معينة يرفعها حتى تصل درجة الموات الذاتي، وذلك حين تتفسخ قيمها الداخلية ولا تبالي باسباب نشوء قوتها الحضارية في بدايتها، فتنشأ في مقابلها أمة اخرى تتربص بها، يسميها أهل التاريخ (الكتلة التاريخانية) اي التي قد حان دورها، فتقوم هذه الكتلة بدفع الكتلة القديمة الشائخة الي شيء اعتاد ادباء التاريخ تسميته (مزبلة التاريخ)، من هنا نكتشف ان التاريخ لا يرحم من تنازل عن قيمه التي جعلت منه حرفاً او مقال في صفحات الانسانية، وما صعدت فوق قمة التاريخ امة وإلا تدحرجت بما تصنع ايدي اجيالها التي تاتي خلف جيل صناعة التاريخ، لانهم لا يحافظون علي قيم نشوء تاريخهم وميلاده حينذاك، يقتلون تلك القيم بإستجلاب واصطناع قيم جديدة تبعدهم كلما توغلوا فيها عن مركزية القوة الداخلية الي فلسفة القوة الظاهرية، التي كلما تطور فيها الانسان ضعفت قوته الداخلية، لانها هي سبب توالد قيمه ومصنع تاريخه.اذا قرأنا التاريخ من هذه الزاوية الجوهرية، سنكتشف طريقة التفكير في صناعته، والمحافظه عليه، ومن هذه الزاوية سننظر للتاريخ بانه جبل من القيم والتراكم الانساني، لا يمكن الخروج عن دائرته او زجزاجه وعلي اسوء الفروض الحداثاوية موضوعيته، هذه الزاوية تفتح اعيننا الي اكتشاف قيمنا الداخلية التي لا تخالف طبيعة الاشياء وتجانسها دون ادعاء او مغالاة في توصيف المراد من صناعة الاحداث الثورية او التغيرية، اما اذا كان مدخلنا النقاء الثقافي والعرقي والصفاء اللغوي، او اي عملية لتحضير عفريت الخرافة، الذي بالطبع ينتج العقل المستورد له صوره ضخمة للتوهم و اعتقاد ما لا يجب اعتقاده من قبل العقل الذي يحمل قيم صناعة التاريخ في الحد الطبيعي للتفكير السليم، فاذا خلقت هذه الحالة المشوهة ، عندها ستتحقق مقولة (سخرية القدر) وسيطل التاريخ من نافذة الاحداث حين تحيط بنا، ليشاهد كيف يتم زحزحتنا الي مزابله.لذلك يجب ان لا يكون مدخلنا للتاريخ عن طريق البندقية، لانها ليست بداية التغير او غايته، فالبندقية اداءة موت لا تصنع التاريخ، وفي الادب الشرقي -اعظم قائد من ينتصر دون ان يقتل روح واحده من الجانبين- لانها عكس القيم المنشيئة للتاريخ، بل تجعل الانسان في دوامة العشق الي الثأر التاريخي، والدوران في دوامة الاحداث التي لا تنتهي إلا عند انتهاء الكتلة المتصارعة، لصالح كتلة اصلح منها قابلة لتحقيق الحضارة الانسانية، فاذا اخذنا مثال الحالة الارترية في هذه الزاوية لمعرفة السقوط التاريخي،نجد ان غالب الكتب الارترية التاريخية تدور حول فهوة البندقية، دون ان تصور الصورة الكاملة للتاريخ، فالثورية الخاطيئة التي اعتقدنا بموجبها انها حمراء، اعمت مدوني التاريخ عن القيم التي استدعت رد المظالم، والتي اضطر الناس من اجلها حمل البندقية، كخيار لدفع المعتدي عنهم وليس الاعتداء. لذا نجد ان البندقية انحرفت من صناعة التاريخ بموجب القيم الاولى عند شرارة البداية، انحرفت واصبحت اداءة لمشاريع اممية لم تكن في حسبان تلك القيم التي لم تكن في حوجة الي استجلاب قيم اخرى، وكان الاعتقاد هنا بانه تنويع في منظومة الثقافة الثورية والتي تسببت في تخلخل قيمي، افرز شروخ وتصدعات إثر ذلك العبث الجنوني في ثوابت الهوية الفكرية، نتج عنه تشلع العقل الثوري، واصبح قابل لعملية الاختراق -وقد حدث- التي اوصلته في نهاية المطاف جرف السقوط التاريخي (المزبلة التاريخية)، صحيح ان هذا التوصيف حاد وقد يكون متحامل بعض الشيء لكن، الانسانية بمعناها الكبير يجمعها قانون واحد وهو عدم تخريب الطبيعة، وكل منطقة لها خصوصية في طبيعتها، هذه الطبيعة تنتج بيئتها التي تصمم مزاجية قاطنوها من جميع الكائنات، و التي من ضمنها الانسان، فالذي هو غير طبيعي ان اجلب قانون الصحراء الي الوديان او قانون الغابات الي الاصقاع الجليدية، لان ذلك يعني احداث الخراب في ناموس المكان، وهذا ما حدث بالضبط في ثورتنا حين تم جلب قيم لا تتوافق مع تراكمنا القيمي. فالتاريخ زاوية او قمة مطلة علي مشهد تتكرر داخله الفقرات، حتى ملت صفحات التاريخ من التكرار، لكن المصيبة لا احد يريد ان يقرأ تلك الصفحات كى يتعلم منها، لانها ببساطة لا تلبي طموح الجموع الجامحة لاشباع غريزة الأنا الزائفة، فكل امة تقفز علي هذه الصفحات التي لا تلبي طموحها هي بالتاكيد تسرع في الوصول الي نهاية مسيرتها وتحقيق النبوءة التاريخانية التي تلازم بعض الامم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى