مقالات

مذبحة دقي إتأتبا .. الذكري المنسية !

بقلم / حامد محمود محمد ضرار

تقع قرية دقي إتأتبا جنوب غرب اقليم الساحل ويرجع تاريخ قيامها إلي ما قبل مجيء الاستعمار التركي الى ارتريا بفترات طويلة ، وتعتبر احدى الثلاثة المراكز المهمة التي كان يدار منها أقليم الساحل وهي نفقه وافعبت ودقي اتأتبا . وقد كانت منطقة عامرة ، مستقرة يزاول أهلها حرفتي الزراعة والرعي مستفيدين من قربهم الجغرافي من نهر عنسبا الموسمي . مرت القرية بالكثير من الاحداث ، سجلت خلالها مواقف وطنية يحفظها التاريخ ، خصوصا في صد هجمات العزاة التي تعرضت لها عموم المنطقة من المجرم ألولا، كما سجل الخليفة أحمد أبوبكر ممثل برلمان هليلي سلاسي في العهد الفديدرالي لقرية دقي إتأتبا حيث رفض دفع ضريبة الارض وقام بسحب عضويته من البرلمان نزولا الي رغبة اهل القرية . كثيرة هي المظالم التي تعرض لها الشعب الارتري وقد واجه اصنافا من العذاب من اجل نيل كرامته ، وتحفظ الذاكرة الارترية من المجازر البشعة التى راح ضحيتها الآف الابرياء العزل ، مثل : عدابرهيم ، أم حجر أكد ، عونا ، عليت قمهوت ، هزمو ، أغردات ، وكا دبا ، شعب ، امبيرمي ، عد اكد وغيرها القري والبلدات . تعتبرمذبحة دقي إتأتبا واحدة من المذابح التي لم تجد حظ أوفرللحديث عنها في وسائل اعلام الثورة أو الدولة بعد التحرير ، رغم أنها لا تقل عن غيرها من الجرائم التي قيدها التاريخ بمداد أسود على جبين المستعمر الغاشم . وقد لا تجد جوابا شافيا ومقنعا عن سبب تجاهل هذه المذبحة البشعة ، رغم أن سكانها لم يمارسوا طيلة حياتهم أي نشاط معاد وبعيد عن الخط الوطني الداعم للثورة والمؤمن بعدالة قضية شعبه ووحدة أراضيه ، بل كانوا وطنيون من الطراز الأول ، فقد انخرطو كغيرهم من الارتريين في الكفاح المسلح وابلوا بلاء حسنا وقدموا أرتالا من الشهداء في سبيل ان تنال ارتريا استقلالها . بالرجوع الي تفاصيل المذبحة والظروف التي هيأت لإرتكابها ، رغم ان المستعمر لم يكن في حوجة الي اي مبررات لأي فعل شنيع يقوم بارتكابه ، وقد فعل ما فعل بحق هذا الشعب الاعزل بغرض القضاء عليه والي الابد . كان ذلك في منتصف سبتمبر من العام 1971 حيث تحركت قوة عسكرية للعدو من نقفة عن طريق افعبت متجهة الي هبرو طليم وقد دارت في منطقة هبرو طليم معركة بين القوة القادمة ومقاتلي جبهة التحرير الارترية ، وقد شاركت الي جانب قوات جبهة التحرير الارترية قوات تحرير الشعبية التي كانت متواجدة في المنطقة لعقد مؤتمر إمبهرا التأريخي . من الطبيعي أن الشعب الاعزل يبتعد من مناطق المعركة لذلك اضطر شعب هبرو طليم للهروب الي الجبال القريبة والاحتماء بها بعيدا عن حمي المعركة ، كما بادر شعب دقي إتأتبا بتوفير ما يملك من قوت لمساندة ودعم تجهيز الوجبات والماء لمقاتلي جبهة التحرير الاترية . إستعان الجيش الاثيوبي بقوات مساندة وبالفعل تحركة قوة من افعبت ، حينها شعرت قوات تحرير الشعبية بخسارت المعركة وقد فقدت الكثير من عتادها الحربي وانها لا تستطيع الصمود أمام القوة القادمة وبدأت في الانسحاب ولكن قبل ذلك استدعوا اعيان من المنطقة وبلغوهم بتوخى الحذر لان الجيش الاثيوبي سوف يجد معلومة مساندتكم ووقوفكم بجانب الثورة وبالتأكيد سوف يقوم برد فعل انتقامي. قيادات وحدات جبهة التحرير الارترية كانت متواجدة بالقرية وقد واجه اعيان القرية القيادات للتشاور حول أمر الشعب في حال قيام الجيش الاثيوبي باي خطوات انتقامية ، طلبت القيادات من الاعيان تجهيز عدد من المواشي وطمئنوهم ان المعركة سوف تكون بعيدة عن القرية ولا تتعدى هبرو طليم في صباح الاربعاء 29سبتمبر استيقظ اهل القرية على مقاتلي جبهة التحريرالارترية وهم متمركزين حول التلال التي تحيط بالقرية وأن المعركة باتت قاب قوسين أوأدنى منهم وان أى خطوة قادمة سوف يدفع ثمنها الشعب الاعزل الذى استخدم كستار دون ان يدري .

زحف جيش العدو نحو قرية دقي إتأتبا وعندما اقترب منها أطلق مقاتلي جبهة التحرير الارترية في دقائق معدودة رصاصات في وجه العدو ثم لاذوا بالفرار. عندما لم يجد الجيش الاثيوبي القوات المتمركزة حول القرية نزل بكل آلياته ووحشيته نحو القرية واحرق كل من كان فيها من أنسان وحيوان ونبات ، وقد تفنن العدو في الصور الانتقامية التي شهدتها القرية وارتكب أبشع ما يمكن تصوره في النساء والاطفال والشيوخ وقد أحرقت غالبية الجثث داخل البيوت والأكواخ. في ذلك الصباح كانت القرية تستقبل يومها من شيوخها القادمين من صلاة الفجر وهم متحلقين حول بعضهم يتسامرون حتي أشراق الشمس والخريف في نهاياته يرسم لوحة جميلة، ومن مفارقات الزمن أيضا أن المزارع لم تشهد حصادا وفيرا كهذا من سنوات طويلة والبهائم حول القرية في المراعي القريبة ضروعها مليئة بالخير الثمين . في ذلك الصباح لم ينجوا من المحرقة سوي سبعة عشر جريح استشهد بعضهم وهم في طريقهم الي اقرب مستشفي وقد بلغ عدد الشهداء ثمانية وتسعين شهيدا في واحدة من أشبع الجرائم التى اركبت في حق شعب أعزل لم يفعل شيء سوى أنه وقف مع ثورته من اجل استرداد حقه المشروع . لمعرفة ما جرى من أحداث في القرية عادت قوات تحرير الشعبية من المناطق القريبة من رورا حباب حيث كانت تراقب ما يجري عن كثب لتجد القرية قد انقلب عاليها سافلها وخيم الدمار والخراب . تم اسعاف الجرحي الي المستشفيات القريبة وتم دفن الشهداء وجمع الاشلاء . وقد اصدرت قوات تحرير الشعبية بيانا تم توزيعه للوكالات تدين فيه ما أرتكب بقرية دقي إتأتبا في حق الشعب الاعزل وأن هذه المجازر البشعة لن تقف أمام مسيرة الشعب الارتري في انتزاع حقوقه من اجل نيل الاستقلال . اليوم في ذكراها الخمسون نتذكر ونجدد العهد للذين استشهدوا وان الافعال الاثيوبية في حق الشعب الارتري مهما طال عليها الزمن لا تزال في القلب طرية تنزف بنفس المرارة والقهر حتى يحقق الشعب الارتري الاهداف التي دفع من اجلها الغالي والنفيس ويعيش حرا كريما في وطن يسع الجميع ويحفظ للجميع حق العدل والمساواة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى