هل تكسر زيارة المعارضة الاريترية الي اديس ابابا سنوات القطيعة وتفتح باب الشراكة ؟

بقلم/ صلاح علي أحمد
في مطلع الأسبوع الأول من يوليو 2025، حطّ رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي، الدكتور نقاش عثمان إبراهيم و الوفد المرافق له، رحاله في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مستأنفًا بذلك أول زيارة رسمية من نوعها منذ ما يقارب ثمانية أعوام من القطيعة بين المعارضة الإرترية، وفي مقدمتها المجلس الوطني، والحكومة الإثيوبية. وتأتي هذه الزيارة وسط تحولات إقليمية دقيقة، وصراعات متقاطعة، وتغيرات في مواقف اللاعبين الرئيسيين في منطقة القرن الإفريقي.
خلفية القطيعة وسياق التحول
بدأت القطيعة السياسية في أعقاب التحالف المثير للجدل بين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والدكتاتور الإرتري إسياس أفورقي عام 2018، بفعل ما تقدم به رئيس الوزراء الأثيوبي من السلام مع إرتريا و شعبها، في ما أُطلق عليه بعد حين “سلام المصالح المؤقتة”، والذي استُخدم كغطاء سياسي وعسكري لتصفية حسابات النظامين مع خصومهم التاريخيين في جبهة تحرير تقراي. لكن ما أعقب ذلك من حرب مدمرة (2020–2022) وانقلاب أفورقي لاحقًا على أبي أحمد بعد توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022، دفع بالعلاقة الإثيوبية الإريترية نحو حالة من الجفاء، وخلق بذلك نافذة فرص جديدة أمام قوى التغيير الديمقراطي في إرتريا لإعادة بناء علاقة استراتيجية مع الجارة الكبرى.
مشروعية الزيارة وأهميتها السياسية
إن زيارة الدكتور نقاش، التي جاءت بدعوة رسمية من السلطات الإثيوبية في أديسأبابا، تُعد خطوة سياسية مسؤولة وذات مشروعية، من حيث إنها تفتح أفقًا جديدًا للحوار بين قوى المعارضة الإرترية والدولة الإثيوبية خارج إطار الهيمنة أو التوظيف. فالعودة إلى أديس أبابا لا تعني ارتهان القرار الوطني، بل تعني استعادة زمام المبادرة التي اختطفها النظام الإرتري طيلة سنوات عبر خطاب التخوين.
بين السيادة والاستقلالية: خطوط التماس والتحالف الممكن..
من الضروري التمييز بين الحق في بناء شراكات استراتيجية وبين التبعية السياسية. فالمعارضة الإرترية، ممثلة بالمجلس الوطني، مطالبة بإدارة هذه العلاقة بما يحفظ:
• استقلالية القرار الوطني.
• احترام سيادة الدولتين.
• رفض التدخل في الشؤون الداخلية.
لكن من جهة أخرى، فإن للطرفين الحق في مناقشة الملفات التي تمس الأمن الإقليمي، و السلام و التعاون و سبل الشراكة والتكامل الاستراتيجي بما فيها:
• أهمية و ضرورة ملف رسم الحدود
• و عدم استغلال الحدود في تغذية الفوضى الإقليمية.
كيف يمكن قراءة هذه العلاقة إقليميًا؟
قد ينظر بعض اللاعبين الإقليميين بعين الريبة إلى تطور العلاقة بين المعارضة الإرترية وإثيوبيا، خصوصًا إذا رُبطت بمشروع بحر أحمر مفتوح لإثيوبيا، بما أنه ملف شعب و دولة في ظل حكومة منتخبة قادمة و ليس قرار معارضة من اجل التغييرالديمقراطي. لكن من وجهة نظر براغماتية، فإن بناء علاقة واضحة وشفافة ومبنية على المصالح المتبادلة، سيكون أداة استقرار إقليمي لا تهديدًا له.
ما المطلوب من المجلس الوطني؟
- بلورة خطاب سياسي جامع يشرح للرأي العام الإرتري أهداف الزيارة وجدواها.
- تشكيل لجنة دبلوماسية خاصة لتنسيق العلاقات الخارجية بشكل مهني ودائم.
- إعادة هيكلة ملف العلاقات الخارجية داخل المجلس كمؤسسة سيادية، وذلك ببناء مكتب دبلوماسي محترف يضم كفاءات متخصصة وذات خبرة في الشأن الدولي، من داخل وخارج المجلس، شريطة الإيمان بالميثاق السياسي للمجلس ومشروع التغيير الديمقراطي.
- إعادة هيكلة مكتب ومركز إعلامي موحد وفعّال يضم كفاءات مهنية مقتدرة من أهل الاختصاص والخبرة، من داخل المجلس أو من المستقلين، بما يضمن بناء إعلام بديل موحد وفاعل قادر على التأثير ومواجهة إعلام النظام.
- تبني الدفاع عن قضية التهجير القسري ومنع مخطط التوطين القسري الذي يمارسه النظام في مناطق المنخفضات الإرترية، والذي يستهدف تغييرًا ديمغرافيًا مقصودًا قد يؤدي إلى انفجارات طائفية وجهوية مستقبلًا.
- التركيز على الملفات الوطنية المشتركة مع إثيوبيا، دون السماح لأي طرف بفرض أجندته.
- توسيع قاعدة التوافق الداخلي في المجلس الوطني ليشمل كل الطيف المعارض، حتى لا تظهر العلاقة وكأنها رهينة طرف واحد.
- دعوة التنظيمات والأحزاب داخل المجلس الوطني إلى تأجيل برامجها التنظيمية والحزبية الخاصة خلال مرحلة التغيير، والاكتفاء ببرنامج وطني موحد يستند إلى ميثاق سياسي جامع، إلى حين اكتمال عملية التحول الديمقراطي.
كيف ينبغي أن تنظر الجماهير إلى الزيارة؟
• الداخل الإرتري: قد يستقبل هذه الخطوة بكثير من الحذر، لكنه سيقارن بين القطيعة السياسية والتدهور المستمر للوضع الداخلي.
• المهجر: يرى فيها كثيرون بوادر أمل لتدويل قضية التغيير.
• المؤيدون للنظام: سيحاولون شيطنة العلاقة، كما فعل النظام سابقًا مع كل حوار خارجي.
مهام المجلس الوطني من موقعه في أديس أبابا:
إن وجود المجلس الوطني في العاصمة الإثيوبية يمنحه فرصة استراتيجية استثنائية باعتبارها مركزًا دبلوماسيًا إقليميًا، تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي، والممثل الأممي، وبعثات الاتحاد الأوروبي، والسفارات العربية والآسيوية، ما يجعلها منصة مهمة لتدويل القضية الإرترية.
وعليه، فإن المجلس مدعو إلى:
• تفعيل تواصله مع المؤسسات الإفريقية والدولية بشأن انتهاكات النظام الإرتري.
• تفعيل ملف المعتقلين و المغيبين و تعيين لجنة خاصة بحقوق الإنسان للمجلس الوطني
• متابعة ملف اللاجئين الإرتريين في السودان، وإثيوبيا، وجيبوتي، واليمن، والدفاع عن حقوقهم القانونية والإنسانية.
• تبني قضايا الشعب العفري الإرتري والدفع بانضمام التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر إلى المجلس.
• التنسيق مع الجانب الإثيوبي على أن تكون جميع علاقاته مع المعارضة من خلال المجلس الوطني لتوحيد الخطاب السياسي والمسؤولية الوطنية.
• بالمقابل، على المجلس الوطني الانفتاح والتواصل مع القوى السياسية والمدنية خارج إطاره لتوسيع بنيته وخلق مظلة وطنية جامعة أكثر شمولًا.
• التأكيد للطرف الإثيوبي أن أي تقارب مستقبلي مع نظام أفورقي يجب ألا يكون على حساب المعارضة الإرترية أو قضية التغيير الوطني، وأن يكون المبدأ الحاكم هو احترام استقلالية القرار الوطني الإرتري.
خلاصة واستنتاجات
إن زيارة الدكتور نقاش عثمان تمثل لحظة انتقالية قد تُخرج المعارضة من عزلتها الإقليمية، وتعيد ترتيب أوراق التوازن في الصراع مع النظام الدكتاتوري. إنها فرصة لاستعادة المبادرة، ولكن بشرط وضوح الرؤية، والتزام المصلحة الوطنية، والاحتفاظ بخط العودة إلى الشعب.
التوصيات: - تثبيت قناة رسمية للعلاقات مع إثيوبيا تحت مظلة المجلس.
- دعوة القوى الوطنية الأخرى لتشكيل جبهة موحدة للتعامل مع الجوار.
- تطوير خطاب إعلامي يشرح جدوى التحركات الخارجية ويكسب ثقة الجماهير.
- اعتماد نهج الدبلوماسية الوقائية مع المحيط الإقليمي.
- تحصين القرار الوطني من أي ابتزاز سياسي عبر التوافق الداخلي القوي.
- الاستثمار في التواجد داخل أديس أبابا لتوسيع شبكة الحلفاء والداعمين.
- التعامل مع ملف اللاجئين وحقوق المكونات المهمشة كأولوية استراتيجية.
- إعادة هيكلة الملف الدبلوماسي للمجلس وتوسيع إدارته لتضم أصحاب الكفاءة والتخصص والخبرة.
- تأسيس مركز إعلامي موحد وفاعل يضطلع بدور حيوي في صياغة الخطاب الإعلامي للمعارضة.
- الدفاع عن قضية التهجير والتغيير الديمغرافي في المنخفضات كملف وطني حيوي.
- الحفاظ على استقلالية قرار المعارضة وعدم مقايضتها بأي علاقة ظرفية مع الجارة إثيوبيا.