مقالات

الخرطوم مقراً للمركز القاري لمكافحة الهجرة غير الشرعية .. بالإمكان أفضل مما كان ! بقلم / خالد طه

9-Nov-2019

عدوليس ـ نقلا عن صحيفة الميدان السودانية

من المفارقات المحيرة أن يكون إسم السودان مدرجا في قائمة الدول المستضيفة للأجئين من كل دول الجوار المحيطة به ) مصر ، ليبيا ، تشاد ، افريقيا الوسطى ، جنوب السودان ، إثيوبيا ، إرتريا ( بالإضافة إلى لأجئين من سوريا وفلسطين ، ويكون السودان أيضا ضمن قائمة أكثر الدول تصديرا للإجئين السودانيين إلى دول الجوار ذاتها مع مهاجر اوربية وعربية وأمريكية اخرى ! . هذه الثنائية الغرائبية تجعل من قرار الاتحاد الإفريقي القاضي بان يكون المقر الرئيسي لمكافحة عمليات الهجرة الغير قانونية والإتجار بالبشر في السودان قراراً يجلب علامات الإستفهام .

حملت أخبار السبت 26 إكتوبر المنصرم تفاصيل توقيع مفوضية الإتحاد الإفريقي والحكومة السودانية على إتفاقية تم بموجبها إختيار الخرطوم كمقراً دائما ً لإستضافة ) مركز العمليات القاري لمحاربة الهجرة غير الشرعية ( التابع للإتحاد الإفريقي ، وسيقدم المركز المدعوم فنيا وماديا من الإتحاد الأوربي خدماته لجميع الدول الإفريقية . الواجب يجعلنا نحذر مجددا من التفكير العالمي مرة أخرى في إتجاه تقديم دعم ذو صفه عسكرية للانظمة المعنية بتدفق اللاجئين ) منها او اليها ( بهدف المساعدة في الحد من ذلك التدفق نحو العالم الأول ، لان تلك الانظمة وما يتبعها من مليشيات وبالتجربة لم ولن توظف تلك الامكانات الا في زيادة القمع لمواطنيها او الجنوح نحو الإعتداء على المحيط المجاور، وبالطبع أي من المسارين ينتج المزيد من مسببات اللجؤ.!
لو نظرنا لظاهرة الهجرة غير الشرعية من زاوية الحفاظ على الموارد البشرية الإفريقية وما يترتب على تلك الهجرة من رحيل للعقول والطاقات وإهدار للمشروعات الوطنية والقارية نخلص إلى أن مكافحتها وتقنينها وأجب عاجل وضرورة لازمة . لكن بالنظر لدوافع الهجرة الغير الشرعية نجدها مؤسسة على الواقع السياسي والاقتصادي في بلدان المنشأ ألتي يتركها مواطنيها لتلك الأسباب ، ثم في المرتبة الثانية تأتي الإجراءات المعقدة والتعاملات غير النزيهة في بلدان اللجؤ الاول ، مثل السودان ، التي تعد معبراً لمهاجر اخرى غالبا ما تكون الى اوروبا – في حالات أقل تكون الهجرة إلى السعودية وإسرائيل برا وبحرا – ايضا من الاسباب التي تدفع لمواصلة الهجرة تعرض اللاجئين لابتزازات متعددة الانواع ، تختلف بإختلاف وجودهم إن كانوا في المدن أو في المعسكرات المنتشرة في الريف الحدودي غالبا ، لكن تظل الانتهاكات ملاحقة لهم منذ إنطلاقهم من بلدهم الاصل وطوال رحلة الهجرة المحفوفة بمخاطر كبيرة.
والسبب المباشر في ذلك هو أنه لايمكن الثقة في التوجه نحو الديمقراطية من معظم الانظمة الحاكمه في المنطقة ، او كفلها للحقوق الأساسية ، او درء الانتهتاكات عن مواطنيها حتى ناهيك عن القيام بذلك تجاه ” لاجئين” من دول الجوار القريب او البعيد ، او نحو ” متسللين” لا يحملون اي سمة دخول رسمية وليس لديهم قيد في اي من السجلات الرسمية بحيث يمكن التحقق من حجم الوجود او عدمه ، بناء على واقع التداخل المجتمعي أيضا يمكن القول انه يتعذر إجراء إحصاء دقيق يبين التفاصيل الخاصة باللأجئين أو حتى المواطنيين ! . إن كان سعي الاتحاد الإفريقي ومن خلفه الإتحاد الأوربي لوضع حد حاسم لمشكلة الهجرة غير الشرعية والقضاء على تجارة تهريب البشر والقرصنة وغيرها من المشكلات المصاحبة فعليهم اولا ً القيام بحزمة خطوات من شأنها إيجاد الحل العادل للمشكلة برمتها ، لا في تبدياتها الأخيرة والمتمثلة في تدفق اللأجئين من بلدان العالم الثالث لمختلف الأسباب وبتعدد السبل في بلدان العالم الأول وما ترتب على ذلك من إلتزامات مالية وتعقيدات حقوقية وإزمات بدأت في الظهور على سطح السلوك المجتمعي في اوروبا وشمال أمريكا حيث برزت تيارات صارخة رافضة لقبول اللاجئين . وأولى تلك الخطوات التي على العالم الاول القيام بها بالتعاون والتنسيق مع الإتحاد الافريقي هي حمل الحكومات التي ينشط مواطنيها في الهجرة بشكل متكرر ولأفت – رغم المخاطر الكثيرة – على تحقيق اصلاحات في إتجاه حُكم رشيد واّمن لمواطنيها ، حُكم يزيل اسباب الخطر ويوقف مخاطرة المهاجرين من اجل البحث عن واقع افضل ، وتحفيز تلك الحكومات على تصحيح الاوضاع الحقوقية في بلادها.
وفي بلدان المعِبر يجب تأمين معسكرات اللاجئين و متابعة أوضاعهم عبر منظمات الامم المتحده المتخصصة ، والمنظمات المحلية والإدارات ذأت الصلة ، لجعل المعسكرات مؤهلة لتوفير السبل الضرورية للحياة ، ايضا توضيح الاثار السالبة للهجرة الغير شرعية وانعكاساتها على الواقع المجتمعي في بلدان المنشأ او المعبر او الوصول . والعمل على كشف العصابات الإجرامية ومعاقبة الضالعين في عمليات التهريب للبشر والإنتهاكات المتصلة بها ، والاتجاه نحو توطين النازحين في مناطقهم الاصلية او إعادة توطينهم في مناطق قريبة ومشابهة من حيث المكونات الاثنية والثقافات أذا تحولوا للاجئيين في دول الجوار ، لان احدى النتائج المباشرة للهجرة كانت التغيير الديموغرافي وإفراغ الارض من قاطنيها الاصليين وحلول اخرين قدموا من مناطق اخرى ، وهذا ما ينذر بتجدد أسباب الصدامات الاثنية مستقبلا . من الحلول التي تسهم في تجنب خيار الهجرة غير الشرعية أيضا إقامة مشروعات إنتاجية وربيحية في بلد اللجؤ الأول – المِعبر – تعين اللأجئيين على العيش في إستقرار نسبي لحين حل مشكلات المنشأ وإزالة أسباب اللجؤ ، كمرحلة ثانية بعد أو أثناء الإصلاح في البلد / المنشأ . ثم يأتي دور الجهود الرأمية لتقنين الهجرة وفتح فرص المنح الدراسية و البعثات الاكاديمية ، وتلك المتعلقه بالعلاج ، أو إعادة التوطين في بلد ثالث وفق المواثيق الدولية المعمول بها والمعروفة . الجهود التعبوية التي نعني يجب أن تكون قبلية وبعدية ، تُنظم في البلدان التي تشهد هروب ولجؤ للشباب وفي بلدان الاستقبال الاولى ، ان كانت الامال حول الفرص المتاحة في اوروبا اكبر فذلك يستوجب التوضيح للشباب الافارقة قبل وبعد مغادرة بلادهم : متى وكيف ووفق اي شروط يمكن ان تصبح تلك الاّمال حقوق مشروعة ، وماهو الحجم الفعلي لما يمكن ان يجدوه في المهجر ، وما هي الخدمات ألتي يمكن توفيرها لهم في موطنهم الاصلي . ولابد من الإعتراف علنا أنه و بإستغلال رغبة البعض في خوض مخاطرة الهجرة الغير شرعية فُتح المجال امام الجريمة المنظمة العابرة للحدود ) اثيوبيا ، ارتريا ، السودان ، مصر ، ليبيا ، المغرب( وظهرت أنماط من الجرائم لم تكن موجودة في المنطقة من قبل مثل القرصنة والخطف بغرض طلب الفدية وتجارة الأعضاء البشرية ، أيضا إنتشار السلاح ونشاط المليشيات في كل تلك الدول سهل مهمة المهربين وتجار البشر ، فهي اي المليشيات اما تعمل حيث لا توجد حكومه او برعاية وتوجيه الحكومه او بوصفها معارضة للحكومة ، وفي كل الحالات تكون النتيجة مزيد من الانتهاكات والابتزاز وارتكاب الجرائم المنتهكة للحقوق والتي تحط من كرامة الإنسان . إلى جانب ظاهرة الهجرة غير الشرعية ألتي هي إنعكاس ومعيار في ذات الوقت لغياب الرقابة وفساد السلطة فمخيمات اللاجئيين كادت في العهد البائد أن تتحول إلى مرتعا خصبا لتفريخ التطرف وحاضنة للجريمة المنظمة ، في ظل التقصير الواضح من حكومات المنطقه المتمثل في عدم توفير وحماية وتأمين مناطق العودة الطوعية لمواطنيهم بعد إنتفاء أسباب اللجؤ ، وطول أمد البقاء وتداخل المجتمعات وتوفر المشترات الأثنية وتعاقب الأجيال في المنطقة المعينة ) كما حدث في المناطق الحدودية في كل من كينيا وأوغندا وإثيوبيا وإرتريا والصومال والسودان وتشاد ( أنتج إختلاط أربك المعايير ، حيث يتم إقحام اللأجئين في إجراءات لا تعنيهم مثل معاملة المخيمات كقرى وأحياء سكنية للمواطنين ، فتهضم حقوقهم كلأجئين وتهدر ميزانيات غوثهم ، و يجبرون على دفع الضرائب للسلطات المحلية ، وأحيانا يتم التعامل معهم كمستودع لأصوات الناخبين يًستخدم لحسم المنافسة السياسية ! ، وبين كل ذلك يصبح اللأجئ منبت ليست له حقوق لا في وطنه الأصلي ولأ في مسكنه المؤقت ، ومؤقت هذه استمرت في بعض الحالات الأفريقية إلى ما يقارب الـ 80 سنة. !
بالإرتكاز ما تم ذكره يصبح الموضوع اكبر من محض تطلعات الى واقع معيشي افضل يتوق اليه المهاجرين بشكل غير شرعي ، بل هو واقع متداخل المصالح تضلع فيه حكومات وجهات سياسية وعسكرية وعصابات ، وغيرهم من المنتفعين ، وهو على صلة بمستقبل السلم المجتمعي في وبين الدول المعنية ، عليه يكون ما اوردناه من خطوات هو جزء من التمهيد للحل وليس كل الحل . وقطعا لن يعفي قرار الإتحاد الإفريقي بجعل الخرطوم مقراً لمكافحة الهجرة غير الشرعية السودان من حالة كونه أحد دول المنشأ المصدرة للأجئين والعابرين من اللأجئيدين ، إذن عليه لا يمكن إعتماد ذلك الإختيار كدليل إعتراف بدور جيد لعبه السودان ، أو إشادة بمساهماته السابقة في هذا المضمار لأن كل ما كان يتم محض ترتيبات عسكرية كانت تتم بدعم من الإتحاد الأوربي لقوات الدعم السريع ، والحل الأمثل غير ذلك ! .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى