مقالات

خطاب الرئيس الأخير وأغنية البجعة الأخيرة بقلم / فتحي عثمان

1-Jun-2014

عدوليس

جرت العادة في الذكرى السنوية لاستقلال البلاد أن يقدم الرئيس اسياس أفورقي خطابا في استاد اسمرا. خطاب هذه السنة أتسم بعده سمات عند المقارنة مع الخطابات السابقة. أول هذه السمات هي قصر مدة الخطاب حيث لم تصل مدته إلى عشرين دقيقة، ثانيا كان فاترا وخاليا من الحماس لكأنه يشبه الأسطورة الغربية التي تقول بأن البجعة عندما يحين أجلها تنزوي بعيدا وتغنى أغنية حزينة لتموت بعدها في هدوء. هل كان خطاب اسياس أفورقي هو أغنية البجعة الأخيرة؟

للمتابع فإن خطابات الرئيس السنوية كانت في الماضي تتسم بسمات مختلفة فهي كانت طويلة تمتد لما يقارب الساعة أو يزيد وكانت تتسم أيضا بحماس وتفاؤل حينما يتعلق الأمر بالتنمية ومواجهة التحديات المستقبلية والبناء. شيئا فشيئا بدأ الحماس والنبرة العالية في الخفوت مفسحين الطريق لشح في المعلومات وفتور يشبه الموت عند الحديث عن الحاضر الذي تصبغه الوان المؤامرة على ارتريا وشعبها وسيادتها وحكومتها.منحنى الحماس وخفوت النبرة بدأ مع الشكاوى الدائمة من مؤامرات الجيران المدعومة من الغرب والحرب ضد السيادة الارترية، ثم انعطفت إلى منحنى آخر عندما رفضت إثيوبيا تطبيق قرار مفوضية الحدود، مرة أخرى حسبما يكرر الرئيس في كل مرة بسبب تحريض أجنبي. بعد قرارات عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد البلاد بدأت مسرودة أخرى من فصول المؤامرة الدولية والتي غذت خطابات الرئيس. حيث أصبحت الخطابات السنوية لعيد الاستقلال عرضحال من الشكاوى الباعثة على الملل.أخيرا عادت نبرة الحياة الواهنة إلى الصوت حينما بدأ الرئيس حديثة المكرر حد الملل حول الأمن الغذائي وتوفير كل نقطة ماء، ثم التهنئة والدعاء بأن يكون خريف هذا العام مباركا ومثمرا. ولكأن الأمن الغذائي تحقق بين يوم وليلة وأصبح الشعب الارتري يعاني من تخمة بسبب توفر الغذاء أصبح الموضوع نسيا منسيا!الجامع بين كل الخطابات هو الشكاوى الدائمة وشماعة المؤامرة الدولية ضد ارتريا، وبما أن الرئيس أصلا بدا كعادته غير مقنع لأي من أفراد شعبه فإنه لم يطل الحديث حيث لم يجد ما يقوله إلا الاسترسال في درس في التاريخ حول المؤامرة الممتدة الأجل ضد ارتريا وشعبها منذ الاستعمار الإيطالي إلى اليوم. وفي سطر يتيم، خجول ومنزو من خطابه وعد بأن يكون هناك مسودة للدستور لإرساء أسس الحكم.وبعودة هادئة لتأمل الخطاب ذي السمات التي أوردناها أعلاه نقول بأن نظرية المؤامرة أصبحت هي البارانويا التي تستهلك الجسد السياسي الارتري والرئيس بالتذكير وخلق فزاعة دائمة حول المؤامرة يهدف إلى صرف الشعب في الداخل والخارج عن العجز والوهن اللذان أوهنا مفاصل البلاد. ويهدف كذلك إلى تقديم المشاجب الجاهزة التي يمكن تعليق فشل الماضي والحاضر والمستقبل عليها. فنحن وبسبب حرب الوياني لم نحرك ساكنا، حتى اتحاد المرأة الارترية والاتحادات الرياضية صارت تنحي بلائمة عجزها على حرب الوياني.وعندما تطرق الرئيس أخيرا لمسودة الدستور فإنه، وبصرف النظر عن صحة كلامه وسنده الشرعي، قدم مبررات عدم تنفيذ وعده مقدما، عليه سيكون خطابه ذو الخمس عشرة دقيقة هو محاولة لشراء أربع وعشرين شهرا قادمة للوقوف في نفس المنصة في نفس التاريخ من السنة المقبلة ليقول بأن البلاد عجزت عن وضع مسودة للدستور بسبب المؤامرة التي لم تكل ولم تمل ضده في الليل والنهار.المفارقة المميزة في خطاب هذا العام أن الرئيس رغم ضعف الخطاب وخلوه من المضمون الهادف وظهوره شخصا منهكا ومجهدا إلا إن نبرة إمبراطورية خافتة ميزت خطابه، وكان ذلك حين تشبه بالأباطرة ليلمح لمستمعيه بأنه ” سيهب” البلاد دستورا. يسوقنا هذا التحليل إلى تذكر بأن الأباطرة, بما في ذلك الامبراطور البائد هيلي سيلاسي كانوا ” يهبون” شعوبهم دستورا ” هدية”، وهذا النوع من الدساتير يعرف في القانون الدستوري بالدستور ” المنحة” أو العطية. وهذا رغم ضعف الرجل وخطابه كان مميزا لخطابه الحالي عن خطبه السابقة. لا يستطيع الرجل تقديم دستور لشعبه سواء كان هدية أو غيره. أي دستور وطني، حتى دستور 1997 غير الكامل لا يعطي الرئيس صلاحيات مطلقة، وحكم الرئيس هو السلطة المطلقة، فكيف يضع بنفسه الأنشوطة حول رقبته؟ الاجابة هي لن يقوم بذلك مهما بلغت الضغوط عليه.أي اتجاه نحو حكم يرتكز على القانون يفترض بديهيا غياب الرئيس عن ساحة العمل السياسي أما بسبب الإقصاء القانوني له أو بسبب المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب في سنوات حكمه الأسود. وهذه أمر دونه الموت بالنسبة لاسياس، ولكأنه تلقى مقولة معاوية حول الحكم منه شخصيا، حيث قال الخليفة الأموي المؤسس لمنازعيه في الحكم : من نازعنا عروة هذا القميص أجزرناه خبئ هذا الغمد. أيكون اسياس أقل قسوة من ابن يوسف الثقفي؟ بعد المؤتمر التنظيمي الثاني تبنت الجبهة الشعبية وفي تعارض مع اتجاهها السابق موجهات السوق الحر والتعددية السياسية في ارتريا المستقبل، وكان ذلك انحناءة واضحة كاستجابة لمتغيرات المرحلة ثم تملصت الجبهة الشعبية عن كل هذا وتنكرت له وأصبح المنادين بكل هذه الشعارات ضحايا في زنازين لا تعرف أماكنها حتى اليوم. من تنكر لهذه المبادئ في الماضي ألا يستطيع اليوم التنكر لوعد أجوف حول دستور يشبه طائر العنقاء؟ذقديما قال طرفة بن العبد بيتا يصف فيه عمه الذي حرمه من كل خير أيأسني من كل خير طلبته كأنا وضعناه إلى رمس ملحد.ليس الرجل في وضع يسوغ له العطاء أو الحرمان. العقل يحتم النظر إلى حجته الواهنة في السياق الحتمي لمساره السياسي المتلبس بالبارانويا وتبرير العجز حتى أصبح حرفة يحترفها الطاغية أكثر من القيادة. السؤال هو: ما هو البديل لدستور اسياس الافتراضي؟ البديل هو الرفض المبدئي، فالبلاد ليست اقطاعية يحدد فيها من يتوهم أمجاد الأباطرة متي يعطي أو يحرم دستورا، يظل الرفض للمبدأ هو الأساس لأن ما عرضه الرئيس هو تأكيد آخر وفج لطغيانه وتسلطه.في هذه الحالة يكون دستور 1997 رغم ما يشوبه من نقص هو البديل الأفضل مرحليا لحين قيام الشعب طواعية بوضع دستور وطني يمهد لحكم القانون ويؤمن طموحات وآمال الشعب الارتري. أما في حال قيام المعارضة الارترية أفرادا وأحزابا بتقديم بدائل قانونية لكل ما سبق فهذا يظل التحدي الآخر الذي رمى به أسياس في بركة المياه الآسنة في الخارج، ولربما كان واعيا للأسفين العسكري والسياسي والآن القانوني الذي يضربه يوما بعد آخر في صفوف معارض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى