مقالات

خصوصية العلاقة الصومالية ــ الارترية .. محمد سعيد ناود ـ اسمرا

30-May-2007

المركز

لابد من الاشارة بان الأصابع الخفية الشريرة التي استهدفت الصومال، قديما بتمزيق اوصاله واقتطاع اجزاء من اراضيه وتوزيعها هنا وهناك، وحديثا بقيامها بنشر الفتنة بداخله، ايضا كانت في نفس الوقت تستهدف المحيط الذي ينتمي اليه الصومال.

والمحيط الكبير الذي ينتمي اليه الصومال ايضا استهدف، وعبر قرون طويلة، في وحدته واستقراره وتطوره وذلك بالكثير من الأساليب الماكرة. وان استهداف الصومال قديما وحديثا لم يتم من فراغ، ولكن لان الصومال كان جزءا اصيلا وجسما حيا ومتفاعلا في اطار المحيط الذي ينتمي اليه. الصومال الذي عرف ببلاد( بونت ) لدى الفراعنة في التاريخ البعيد، كان يتعامل مع مصر عبر شواطىء البحر الاحمر في التجارة والمصالح. كما ارتبط بكل شعوب القرن الافريقي تاريخا وحضارة وانتماء وثقافات ابتداءا من مصر ـ السودان ـ ارتريا والحبشة. كما كانت له ارتباطاته الوثيقة بالجزيرة العربية. لذا نجد التشابه اللغوي بين المهريين والظفاريين ( سلطنة عمان الحالية ) وبين الصوماليين. كما ان اللغة تعكس ارتباطات الصومال بمحيطه وبأوثق الروابط ، فاللغة الصومالية تنتمي الى المجموعة الكوشية أو الحامية القديمة. وان اللغات التي تلتقي مع الصومالية ، لغة المصريين القدماء ـ اللغة النوبية في السودان ـ ولغة الساهو والعفر في ارتريا، وكذلك الظفاريين والمهريين في جنوب الجزيرة العربية. كما اخذت اللغة الصومالية الكثير من المفردات العربية. ان الاصابع الخفية التي تسببت في الحاق المآسي بالشعب الصومالي خلال الاعوام العشرة، تحاول ان تبرر ذلك بصراع القبائل الصومالية في محاولة منها للاساءة للشعب الصومالي وتشويه صورته، وبالتالي اخفاء جرائمها ومخططاتها التي رسمتها، ومن ثم قامت بتنفيذها. فالقبائل في الصومال مثلها باقي القبائل الموجودة في العالم، وليست لعنة خاصة بالصومال وحده. بل ان الصومال وشعبه الشقيق يتميز عن مجمل دول وشعوب القرن الافريقي. فهو البلد الوحيد الذي يتحدث شعبه لغة واحدة وهي اللغة الصومالية ويدين بدين واحد، وهو الاسلام.. ويتمذهب الصوماليين بمذهب ابوحنيفة.. وحتى بالنسبة للطرق الصوفية فان 99% من سكان الصومال ينتمون الى طريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني. فمن هو الشعب سواء كان في القرن الافريقي أو في افريقيا عموما الذي يتميز بهذا المستوى من التجانس؟ من هنا نستطيع التأكيد بان اسطورة القبائل التي تم ابتداعها ليست هي السبب فيما حل بالصومال من كوارث خلال الاعوام العشرة الماضية، وتؤكد بان الشعب الصومالي هو شعب واحد ومتجانس وما يجمعه اكبر بكثير مما يفرقه. ايضا هناك صورة اخرى زائفة اذ تم تصوير الشعب الصومالي، وكأنه شعب فقير ولاجىء ويستجدي مواد الاغاثة الخارجية لسد رمقه. هذه الصورة جرت محاولات لتضخيمها وترسيخها في الاذهان عبر وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة خلال الاعوام العشرة الماضية. والحقيقة هي ان الصومال بلد شاسع في مساحة ارضه، غني بموارده البشرية. كما يتمتع بثروة حيوانية ضخمة من الأبل والضأن والبقر. كما ان للصومال اراضيه الزراعية الخصبة والواسعة التي تنتج شتى انواع المحاصيل. وهناك الشواطىء الصومالية الطويلة حيث الثروة السمكية الهائلة. كما ان الصومال واعد بالبترول ومعادن اخرى, وخلاصة القول. ان الصومال بلد غني بما تحمل الكلمة من معنى والشيء الوحيد الذي يلزمه هو السلام والاستقرار بتخليص نفسه من شبكات الاصابع الخفية ومخططاتها وافشالها ، ثم التفرغ لبناء نفسه والتمتع بخبراته. كما اسلفنا القول فان الشعب الصومالي قد تم استهدافه منذ وقت طويل ، بحيث لاتقوم دولة صومالية موحدة وقوية. وكان ذلك بسبب مواقف الشعب الصومالي عبر كل العصور، كشعب مناضل صعب المراس يتمتع بالكبرياء الوطني، لايركع ولا يستسلم بل هو سريع الاستجابة والتفاعل مع كل مايجري في محيطه الذي ينتمي اليه. والتاريخ خير شاهد على مانقول. فالصومال كان يمثل جزءا كبيرا من أمارات الطراز الاسلامي، فالامارات التي نشأت في كل من هرر ـ زيلع ـ بربرة ـ مقديشو، نشأت في ارض الصومال، حيث ان الهجرات العربية الى ارض الصومال بدأت منذ وقت مبكر. وللمحافظة على اماراتهم التي تعرضت لعدوان متواصل من اباطرة اثيوبيا، فان الشعب الصومالي دخل في حروب طاحنة ضد حكام اثيوبيا منذ اوائل القرن الثالث عشر. وفي مواجهة اباطرة اثيوبيا فقد قامت ثورة الامام احمد بن ابراهيم الملقب بقرانج ( أي الأشول ). وكان الصوماليون يمثلون الجزء الاكبر من جيشه، حيث قاتلوا الى جانبه منذ البداية وحتى النهاية، ايضا ان الشعب الصومالي قام ببطولات خارقة في مواجهة الاساطيل البرتغالية التي حلت بمنطقة المحيط الهندي والبحر الاحمر وقدم تضحيات كبيرة. الشيخ سلطان بن صقر بن الشيخ راشد القاسمي الذي تولى الحكم في امارة رأس الخيمة اعوام 1803ـ 1866م ، وقاتل الانجليز في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، واستمر القتال بينهما لاكثر من نصف قرن. اخذ الصوماليين زمام المبادرة وبدأوا بالاتصال به بالرسائل والرسل عارضين عليه اشتراكهم معه في معركته. وبالفعل تم الاتصال بينهم وبينه وشاركوا معه في معركته التي اعتبروها معركة مشتركة ضد جيش اجنبي حل بمنطقتهم. كما ان القائد الصومالي الكبير الشيخ محمد بن عبدالله حسن الملقب(بمهدي الصومال) قام بثورته الشهيرة ضد الانجليز. وعبر منشوراته التي كان يصدرها ويوزعها في ربوع الصومال لاستنهاض همم الشعب الصومالي للانخراط في الثورة ضد الاستعمار الاجنبي المتمثل في بريطانيا وايطاليا، فقد كان يشير دوما الى ثورة الامير عبد الكريم الخطابي في المغرب الأقصى ضد فرنسا واسبانيا، وكذلك الى ثورة السنوسي وعمر المختار في ليبيا ضد ايطاليا، والى ثورة سلطان باشا الأطرش في الشام ضد فرنسا، ويطالب بالاقتداء بكل هؤلاء. ومن الواضح انه كان متأثرا بهذه التجارب بالاضافة لثورة الامام محمد احمد المهدي في السودان حتى لقب باسمه. وكان ذلك مؤشرا بانه كان يعيش احداث المحيط الذي ينتمي اليه الصومال ويتفاعل معها. ايضا كان لابناء الصومال اسهام في مجال التدريس والتأليف والعلم. نذكر على سبيل المثال الشيخ الامام الحافظ جمال الدين محمد عبدالله الزيلعي المتوفى سنة 762 هجري صاحب كتاب ( نصب الراية لتخريج احاديث الهداية ). وهذا الكتاب مرجع حقيقي لمذهب ابي حنيفة ويدعوا الى توحيد المذاهب الأربعة . واعيد طبعه في الهند سنة 1938م. ثم هناك الشيخ فخر الدين الزيلعي صاحب كتاب ( تبين الحقائق في شرح كنز الدقائق ). وهو ست مجلدات. ولعلماء زيلع الصوماليين قسم في ” دار الكتب المصرية ” أسمـرا ـ مقديشو اما عن العلاقة الارترية ـ الصومالية، فتتميز بخصوصية نادرة قلما تجد مثيلا لها، فاثناء الثورة الارترية، ومن خلال اتصالنا بالصوماليين، لاحظت بان الصومالي لايعترف بشعب صومالي وشعب ارتري منفصل عنه. بل هناك من كان يعبر عن ذلك قائلا ” ان قبيلة صومالية نزحت من ارض الصومال واستقرت في الأراضي الارترية وشكلت الشعب الأرتري. ويستشهد على قناعته هذه بصفة الشجاعة المشتركة بين الشعبين. ويستشهد على شجاعة الارتري في مواجهة اباطرة اثيوبيا مثل اخيه الصومالي. والصومالي الذي يقوم بذلك لم يكن بعيدا عن الحقيقة . فكما سبق وان ذكرت بوجود التشابه واحيانا التطابق بين اللغة الصومالية ولغة العفر والساهو في ارتريا، فهناك ايضا بعض القبائل من الصومال نزحت الى ارتريا واستوطنت. فهناك مجموعات من الصوماليين استوطنوا في الساحل العفري من ارتريا في مدينة (حارينا) وجزيرة (بكع) ومدينة (معرد) وفي منطقة (اقيقتو) جنوب طيعو وحارينا، هؤلاء من بطن (هرت الصومالية من دارود). ومن هرت توجد فخيذة (مجرتيني) تنزل في جزيرة بكع ومعردا، وكذلك فخيذة (ورسنقلي) في مدينة حارينا جنوب شبه جزيرة بوري. ومجموعة أخرى كثيرة العدد هي مجموعة(عمرتو) الصومالية التي كانت تسكن في جنوب طيعو، وهي اساسا من بطن (هرت الصومالية). وهؤلاء جميعهم اصبحوا جزءا من العفر وبالتالي جزءا من الشعب الارتري، والمعروف عن العفر انهم محاربون اشداء، والتاريخ زاخر بحروبهم المتواصلة ضد حكام اثيوبيا الذين كانو يسعون دوما لاكتساح اراضيهم والوصول الى البحر الاحمر دون ان يمكنوهم من ذلك. والصوماليين الذين سكنوا دنكاليا كانوا ضمن العفر في مقاومتهم لطغاة اثيوبيا. ومضافا الى ذلك هناك جاليات صومالية استوطنت المدن الارترية وتزاوجت مع الارتريين. وبالمقابل هناك جاليات ارترية استوطنت الصومال وتزاوجت مع الصوماليين. ومن هذا التزاوج نشأ جيل يحس بالانتماء لكلا البلدين والشعبين بنفس المستوى. لانهما عاشا في البلدين بكامل حقوق المواطنة دون تمييز وبالذات في فترة الاستعمار الايطالي لكل من ارتريا والصومال. ان الذي ربط بين الشعبين الارتري والصومالي، بالاضافة لعوامل اخرى كثيرة، انهما كانا ولايزالان يواجهان عدوا مشتركا وهو عقلية التوسع والطغيان الاثيوبي، متمثلا في اباطرة اثيوبيا السابقين وآخرهم هيلي سيلاسي ثم نظام الدرق بقيادة منقستو هيلي ماريام وفي الختام طغمة وياني التي تحكم اثيوبيا اليوم. فالامبراطور هيلي سيلاسي، وفي الوقت الذي ابتلع في ارتريا عبر المؤامرات الدولية والأقليمية، ولم يتمكن من هضمها، فانه اعترض وبشدة على استقلال الصومال في عام 1961م مدعيا بأن الصومال جزء من امبراطوريته لان شهيته كانت مفتوحة لابتلاع المزيد من الأراضي والشعوب. بل انه دخل في حرب مكشوفة ضد جمهورية الصومال، وذلك في عام 1964م ولم يمضي على استقلال الصومال سوى ثلاثة أعوام. وخصوصية العلاقة الارترية الصومالية قد برزت بشكل جلي عند اندلاع الثورة في ارتريا. وماقام به الصومال من دعم وتأييد للثورة الارترية، ولايمكن مقارنته بأي موقف آخر، وهو مسجل في ذاكرة ووجدان كل مواطن ارتري. فقد كان الصومال سباقا في احتضان القضية الارترية، فالصومالي سواء كان مسؤولا في الدولة الصومالية أو مواطنا عاديا لم يكن في حاجة لكي نشرح له القضية الارترية وعدالتها وحق الشعب الارتري في تقرير مصيره. وتفاصيل ماقام به حكام اثيوبيا من ظلم وعدوان بحق شعبنا. بل كان دوما وقبل ان نشرح له هذه التفاصيل مستعدا بل ومجندا لتبني القضية الارترية باعتبارها قضيته ومن واجبه مساندتها والدفاع عنها. ولذا، فأول تمثيل للثورة الارترية في الخارج كان في مقديشو عاصمة جمهورية الصومال، حيث سمحت الحكومة الصومالية بافتتاح مكتب (جمعية الصداقة الصومالية ـ الارترية). كما اعطي الصومال هويته وجنسيته للارتريين كافة وذلك بصرف جوازاته العادية والديبلوماسية لقيادة الثورة الاترية الامر الذي سهل تحركها على نطاق العالم لشرح قضيتها. كما كانت الجوازات الصومالية التي تعطى لكل الارتريين دون استثناء الامر الذي سهل لهم الدراسة والعمل والتنقل. كما ان الدولة الصومالية قدمت المال وكذلك السلاح للثورة الارترية، ايضا ان الارتريين اللذين كنوا يهربون من اثيوبيا ويتسللون الى الاراضي الصومالية، فقد كانت الحكومة الصومالية تستقبلهم بالترحاب وتسهل مهمة مرورهم الى داخل ارتريا للالتحاق بالثورة أو الى أية جهة يرغبون التوجه اليها أو البقاء في الصومال. ومن هنا نجد بان الشعب الارتري بكامله يحمل عواطف جياشة نحو شقيقه الشعب الصومالي، ويشعر بان هناك دينا في عنقه ازاء الصومال الشقيق. وعند انتصار الثورة الاترية، فان ارتريا قد حرمت من مشاركة الشعب الصومالي معها في فرحتها بالانتصار لان الاصابع الخفية كانت قد نجحت مؤقتا في نشر الفتنة والاضطرابات داخل الصومال وقد حاولت الدولة الارترية الوليدة احتواء هذه الفتنة، الا ان المؤامرة على الصومال كانت اكبر من حجمها وطاقتها. ان الحالة الراهنة التي يمر بها الصومال الشقيق هي حالة استثنائية، ولدينا كل الأمل بل والثقة بان الشعب الصومالي سيتمكن من تجاوزها ويحقق الوحدة والاستقرار والسلام في ربوع بلاده. وبهذا يتمكن حتما من تبوء موقعه ويساهم في تصحيح اختلال التوازن الذي جرى في القرن الافريقي. كما ستكون له مساهماته الايجابية في محيطه الكبير الذي ينتمي اليه. ايضا سيقوم بتعويض كل مافاته خلال الاعوام الماضية ويسجل حضورا في كل المحافل الدولية والاقليمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى