ثقافة وأدبحوارات

الفنان محمد عثمان يروي حكاية “أناشيد النضال”

نقلا عن الاخبارية

لكل ثورة شعبية موسيقى خاصة بها، وكان للثورة الإريترية صوت قوي ردد معه الشعب “أغنيات النضال” وهو الفنان محمد عثمان محمد علي.

رسخ عثمان صوته الثوري في أسماع ووجدان الشعب الإريتري، منذ أن التحق بالثورة في سبعينيات القرن الماضي، متنقلا بين أودية وتلال بلاده، حاملا باليمنى سلاحه وبالأخرى آلته الموسيقية، وظل على هذا المنوال حتى بعد أن نالت إريتريا استقلالها عن إثيوبيا.

ويعود تاريخ انطلاق الثورة الإريترية إلى الأوّل من سبتمبر/أيلول 1961، عندما أعلن الشعب الإريتري الكفاح المسلّح، بقيادة حامد إدريس عواتي، ردا على قرار إثيوبيا الأحادي، ورفضا لضم البلاد قسرا لإثيوبيا، وبعد 3 عقود من الثورة نالت إرتريا استقلالها عن إثيوبيا في العام 1991.

في حديث لـ”العين الإخبارية”، روى الفنان الإريتري محمد عثمان تجربته الغنائية أيام الثورة الإريترية، قائلا: “التحقت كغيري من الشباب الإريتري وقتها بالثورة في العام 1977″، موضحا أن خلفيته الفنية متأثرة بصورة مباشرة بالفن السوداني خاصة شرق السودان فهناك ترعرع على الرغم من مولده بمدينة أغردات غرب إريتريا في العام 1960”.

هاجر عثمان إلى السودان مع أسرته في الخامسة من عمره ليبدأ تعليمه هناك حتى الشهادة الثانوية، ثم عاد إلى وطنه مناضلا ضمن رفاقه بالثورة الإريترية في العام 1977.

وأضاف أن الحرب في إريتريا أجبرته على الهجرة إلى السودان واستقر به المقام في مدينة القربة بشرق السودان ودرس الثانوية بمدينة كسلا قبل أن يلتحق بالثورة في سن الـ17.

ولفت عثمان إلى أنه خلال عمله كان يدندن أغنيات سودانية باللغتين العربية والتقرايت خاصة أغنيات الفنان ود أولباب وهو أحد أبرز فناني شرق السودان بجانب حامد عبدالله وإبراهيم شريف ومحمد البدري.

وأكد أن موهبته الفنية تم اكتشافها بصورة أكبر خلال النهضة الثقافية التي انتظمت الثورة وقتها حيث كان لكل جهاز بالجبهة الشعبية فرقة فنية غنائية بهدف التوعية والتعبئة والتثقيف.

وأضاف: “بعدها تم تصعيدي للفرقة المركزية للجبهة الشعبية وتفرغت للعمل الفني والثقافي بالفرقة المركزية منذ العام 1982”.

وتوقف الفنان محمد عثمان، خلال حديثه أيام الثورة والنضال عند أغنية “سعيد حوي” بلغة التقرايت إحدى اللغات الرئيسية في إريتريا، وقال إن الأغنية المعروفة بـ “سعيد حوي” تعرف أيضا بأغنية “فينا” وتعني بالعربية الوصية، تعتبر واحدة من الأغنيات التي جسدت الواقع الإريتري حينها ومستوى معاناة الشعب وتلاحمه مع الثورة والنضال في ذات الوقت.

وأغنية “سعيد حوي” هي عبارة عن مسرحية غنائية يستعرض فيها الفنان محمد عثمان برفقة فنانة أخرى تجربة الإريتري ومعاناته مع الاستعمار وكيف أن الشباب كان يلتحق بالثورة تاركا كل أعماله التي لم تخرج عن الرعي والزراعة.

وتأثر الفنان الكبير أثناء حديثه عن الأغنية، قائلا: “كانت الدبابة والمدفع والبرين والكلاش، مردفا كل أغنية كانت تعتبر رسالة بحد ذاتها تعكس واقع الشعب وضمير الأمة وتحديات الثورة وانتصاراتها أيضا”.

ولفت إلى أن أغلب أغنياته كانت في تلك الفترة (فترة الثورة) عبارة عن بارود للثورة ومن بين أغانيه أغنية فينا وغيرها الكثير.

لكنه استدرك قائلا: “أول اغنية لي كانت باللغة العربية للشاعر الإريتري الراحل أحمد سعد، وهي بعنوان أنا باقي هنا أرضي، وتاريخي وأمجادي، هنا جذري هنا داري وميلادي”.

الفنان الإريتري محمد عثمان يتحدث لـ”العين الإخبارية”

والثورة الإريترية التي استمرت لـ3 عقود، من أجل الاستقلال، كان الثوار منذ بداياتها في تلك الحقبة من تاريخ الشعب الإريتري يضمدون جراحهم بالموسيقى، ومنهم الفنان محمد عثمان، الذي يعد واحدا من الذين سجلوا أصواتهم ودورهم في الثورة الإريترية.

ومنذ انطلاقته الفنية تغنى عثمان باللغات المحلية في إريتريا ومنها “التقرايت والبداويت” معبرا عن آلام وآمال الشعب ووجدت أغنياته صدى في أوساط الشباب.

واستعرض الفنان تجربته النضالية ودوره في البناء والتعمير، وشدد الفنان الإريتري على أهمية تعزيز المشتركات بين شعوب المنطقة، موضحا أنه بدأ الغناء عبر ثلاثة لغات هي التقرايت والبداويت كلغات رئيسية في إريتريا جانب 7 لغات أخرى، إضافة إلى اللغة العربية التي كان يتحدث بها.

وأضاف أنه تغنى بلغتي التقرايت والحدارب للفنان السوداني ود أولباب وله أغنيات بلغة الحدارب كـ “بركا وهاشون” أي “بركا أرضنا”.

وتنتشر في شرق السودان قومية البجا التي تنقسم في الناطقين بالتقرايت (البني عامر والحباب) والبداويت وهم الهدندوة والأمرأر والبشارين والحلنقة، وبعض قبائل البجا لها امتدادات في إريتريا.

وأكد الفنان الإريتري الذي وصل إنتاجه الغنائي لأكثر من 100 أغنية، أن الفنان هو سفير بلاده ومطالب في ذات الوقت أن يعزز السلام والاستقرار ليس ببلاده فحسب وإنما في المنطقة عموما، قال إن رسالة الفنان هي توطيد العلاقات بين شعوب المنطقة بعكس ثقافة مجتمعه وتنوع شعوبه وهي بلا شك شعوب مترابطة فيما بينها، موضحا أن شعوب ومجتمع منطقة القرن الأفريقي هي شعوب متشابكة فيما بينها ولها مشتركات في اللغة والثقافة والتراث.

وشدد على تشابه وتشابك الشعوب وضرورة تعزيز الوحدة وعكس المشتركات بين شعوب المنطقة خاصة ما يربط السودان إريتريا وإثيوبيا من جانب آخر، وأضاف أن شعوب منطقتنا “القرن الأفريقي”، مترابطة وإن قسمتها الحدود الجغرافية.

وأضاف أن شعوب منطقة القرن الأفريقي تشترك في بعض اللغات والثقافة والعادات والتقاليد وحتى الآلات الموسيقية خاصة شرق السودان وغرب إريترتا، وقال إن لغتي التقرايت والحدارب بإريتريا لهما امتدادات في شرق السودان وهو ما خلق تشابه في ثقافة الرقص والآلات الموسيقية المستخدمة وكذا الزي الشعبي.

وأوضح أنه تأثر بكبار الفنانين في شرق السودان ومنهم ود أولباب بفرقة تاجوج بكسلا، الفنان حامد عبدالله وإبراهيم شريف وغيرهم من فناني البجا بشرق السودان.

وتناول المشتركات بين شعوب إريتريا وإثيوبيا لقوميات التجراي شمال إثيوبيا والعفار في شرقها، وقال إن هاتين القوميتين لهما امتدادات ثقافية في إريتريا وهناك قوميات إريترية بذات المسمى وهي امتدادت لبعضها، مضيفا أنهها تشترك في اللغات والإيقاعات والرقصات وحتى الزي الشعبي فهي قبائل متداخلة.

وجسّد الفنان الإريتري محمد عثمان في أغنياته حب الأرض والدفاع عنها والشجاعة والكرم، وصور أخرى من معاناة شعبه وتجاربه النضالية حينها، كما تطرق أيضا إلى عودة العلاقات الإريترية الإثيوبية مؤخرا ،معتبرا ذلك عودة طبيعية لمواصلة تعزيز المشتركات بين الشعوب.

وأضاف: “بعد عودة العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا بدأ الفانون والمثقفون في البلدين بتفعيل دورهم لتعزيز السلام والاستقرار ونفذوا العديد من الزيارات الثقافية والشعبية في البلدين”، مؤكدا رغبتهم في مواصلة الجهود الفنية والثقافية والتراثية على مستوى البلدان الثلاثة (إريتريا والسودان وإثيوبيا).

وكانت إريتريا وإثيوبيا وقعتا في يوليو/تموز 2018 اتفاق سلام وضع حدا لعقدين من الأعمال العدائية بين البلدين، وأدى إلى تحسن في العلاقات أيضا مع كل من جيبوتي والصومال، ما أسهم بدوره في التخفيف من حدة التوترات بالقرن الأفريقي.

وفبراير/ شباط 2019، شهد أول زيارة لوفد الدبلوماسية الشعبية الإريترية إلى إثيوبيا حيث طاف عدة مدن إثيوبية، فيما ردت إثيوبيا بوفد ثقافي لأسمرة، في ديسمبر من نفس العام.

والفنان الإريتري محمد عثمان الذي شارك بأغنياته خارجيا في معظم دول العالم والتي تضم مهاجرين إريتريين خاصة في فترة الثورة، قال إن تبادل الزيارات الثقافية بين أسمرة وأديس أبابا الهدف منها تعزيز العلاقات الثقافية والروابط الشعبية بين البلدين.

وأضاف أن الوفد الثقافي الإريتري المكون من فرق موسيقية شعبية وتراثية عكست عروضها الفنية الروابط الثقافية والفنية بين البلدين، مشيرا إلى أنهم طافوا مدن بحر دار، أداما، أواسا والعاصمة أديس أبابا.

وتابع: “هذه المشاركات الفنية كان لها صدى إيجابي كبير على الشعوب والفنانين خاصة حفاوة الاستقبال والتفاعل”، لافتا إلى أن إريتريا شهدت أيضا زيارة وفد ثقافي إثيوبي مماثل.

وقال إن الوفد الإثيوبي الذي شمل ممثلين من وزارتي الخارجية والسياحة والثقافة والمسرح الوطني، وفنانين شعبيين وفرقة جانو الإثيوبية، نظيم العديد من الفعاليات والحفلات الموسيقية والثقافية الإثيوبية بالتعاون مع فنانين إريتريين، لمدة أسبوع في مدن أسمرا وكرن ومصوع في إريتريا.

وتتميز إريتريا بتنوع ثقافي فريد من نوعه قوامه 9 قوميات هي التقرايت أو التقري، والتجرنية والبلين والساهو والعفر والكناما والحدارب والرشايدة، وهو ما منح البلاد طابع التنوع لما تملكه كل قومية من غنى في داخلها من لغات وعادات وتقاليد ، أنعكس على مجمل وضع الثقافة في البلاد.

رابط المقال علي العين الاخبارية https://al-ain.com/article/singer-eritrean-revolution-tells-story

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى