حوارات

موقف رابطة المنخفضات من الحرب الاثيوبية _ الاثيوبية وتداعياتها

أعاد حامد عمر إزاز أسباب الحروب بين النظام الإريتري والحكومة الإثيوبية السابقة واللاحقة إلى أنها لم تكن ” بغرض الدفاع عن الارض أو السيادة كما يدعي أعوان النظام، بدليل عدم اثارة النظام مشكلة الحدود خلال ثمانية سنوات من تحرير التراب الاريتري، كما لم يعطي الترسيم الاهتمام بعد اتفاقه مع نظام حزب الرفاه في إثيوبيا في عام 2018″ حسب رأي رابطة المنخفضات الإريترية، كما قلل من الإنقسامات التي طالت الرابطة بتاكيد ” لم يكن سبباً في توقف عمل الرابطة واستمرارها في تحقيق أهدافها. لذلك فإننا لا نرى في ذلك مشكلة يتم التوقف عندها، حيث إن المهم لدينا هو الاستمرار في استنهاض الوعي لدى إنسان هذا المجتمع للدفاع عن حقوقه الخاصة والمساهمة في النضال مع بقية المكونات في تأسيس وطن العدالة والمساواة” حسب تعبيره.جاء ذلك في حوار مستفيض تناول فيه عدد من المشاكل الإريترية طارحا أساليب العلاج .وقد كان إزاز رئيس المكتب التنفيذي لرابطة أبناء المنخفضات الإريترية قد زار عدد من فروع الرابطة في أستراليا وأقام عدد من اللقاءات والندوات العامة ومنها ندوة كبرى في مدينة ملبورن الاسترالية حيث إلتقته ” عدوليس ” وكان هذا الحوار.أجرى الحوار : جمال همــد

 أثار رأيك فيما يتعلق بالعلاقة بين إريتريا الرسمية وجبهة تحرير شعب تقراي والخاص بأن الأخيرة لم تعتد على إريتريا، بل أن الاعتداء تم من قبل نظام الحكم في أسمرا.. هل يمكنك القاء المزيد من الضوء حول هذا الأمر؟

في البدء أتقدم بالشكر لمنبر عدوليس الإعلامي على الاستضافة وعلى الجهد المبذول بشكل متواصل في ساحة العمل المعارض الإريتري، متمنياً أن أوفق في الإجابة على تساؤلاتكم لفائدة المتلقي وإثراء الرأي العام الإرتري المعارض.

أولا: إن موقف الرابطة من الحرب الإثيوبية – الإثيوبية وتداعياتها قد عبرت عنه من خلال البيان الذي أصدرته بهذه المناسبة بعنوان (حروب الهيمنة القومية.. وحقوق المكونات) وتم نشره في مواقع الرابطة بتاريخ 13أكتوبر 2021م. 

ثانياً: يعلم الجميع بأن العلاقة بين مكون التقرينية  على طرفي الحدود بين إريتريا وإثيوبيا هي علاقة امتداد اجتماعي اتكأ عليها الطرفان للحفاظ على مصالحهم المجتمعية في مختلف المراحل التاريخية، الأمر الذي يؤكد على استراتيجية العلاقة، بدليل حضورها وتأثيرها في الشأن الاريتري في مختلف الحقب، حيث انه كان لهذه العلاقة الدور الأكبر في ربط اريتريا بإثيوبيا أبان فترة تقرير المصير في اربعينيات القرن الماضي، وكانت حاضرة أيضاً في الثمانينيات متمثلة في تحالف الجبهتين الشعبيتين في إريتريا  وتقراي لتصفية جبهة التحرير الإريترية وانفراد الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا بالساحة الاريترية، وبعد سقوط نظام منقستو وإعلان  الاستقلال كان النظامين مقبلين على تأسيس علاقة تكامل اقتصادي وسياسي حد الاندماج التام كما أعلن رأس النظام الإريتري في أحد لقاءاته الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية عندما سأل عن العلاقة بين النظامين، كما أن الانقسام الحاد وسط الطرف المنتمي لإريتريا في المعارضة نتيجة الموقف من الحرب بين المكونين يضاف الى نفس العلاقة.

وحول السبب الحقيقي وراء حروب نظام  إسياس، ففي تقديرنا أنها لم تكن بغرض الدفاع عن الارض أو السيادة كما يدعي أعوان النظام، بدليل عدم اثارة النظام مشكلة الحدود خلال ثمانية سنوات من تحرير التراب الاريتري، كما لم يعطي الترسيم الاهتمام بعد اتفاقه مع نظام حزب الرفاه في إثيوبيا في عام 2018م، حيث اشار صراحة إلى أن الاهم الآن هو ترتيب الاوضاع في اثيوبيا، وقام بشن هجوماً شرسا على نظام الفيدرالية الإثنية، ما يؤكد بشكل جلي بأن  الدافع الأساسي وراء مشاركته في إشعال الحرب الاخيرة كان لضرب نظام الحكم الفيدرالي الذي تم تبنيه في إثيوبيا والذي يمنح الحقوق لمكونات الشعب الإثيوبي وهو ما يتنافى مع عقلية النظام الإرتري القائمة على تبني نظام الهيمنة القومية الشاملة التي اعتمدها في إرتريا.  

سمعنا بجهود تبذل من قبل بعض الشخصيات لرأب الصدع بين أطراف رابطة المنخفضات الإريترية إذا صح ما سمعنا أين وصلت تلك الجهود؟

المعلوم بأن الاختلاف في إدارة العمل العام على مستوى العالم أجمع أمر طبيعي، وفي ساحتنا الاريترية اصبح واقعاً منذ بدء الانشقاقات في بداية السبعينات، ولم تُجد مختلف الاساليب لاعادة اللحمة، حيث جرب العنف المسلح والاتفاقيات والوساطات وغيرها، ولم ينج من هذا الداء أي تنظيم سواء في داخل النظام وفي إطار المعارضة بمختلف مكوناتها المدنية والسياسية. إلا أن الأمر في الواقع الاريتري ينظر إليه باعتبار إن الأصل هو ضرورة تواجد الناس في اطار تنظيمي واحد، لحد إلغاء حرية الاختلاف بالتالي التعدد على اختلافه، هذا بالرغم من الاضرار الوخيمة التي ترتبت جراء هذا الاعتقاد على الواقع النضالي الإريتري في مرحلة التحرر الوطني المنطلق من فرضية ان الساحة لا تتحمل اكثر من تنظيم، وكانت نتيجته الكارثية ان ساهم هذا الفهم المغلوط في تمهيد الأرضية التي قادت لوصول نظام الهيمنة القومية لسدة الحكم، على خلفية الإلغاء التام للتعدد والتنوع الإريتري. وغياب الفهم المعاكس له في معسكر قوى المعارضة الإريترية ما يبرر بقاءه في سدة الحكم حتى اللحظة الراهنة، كما رسخ هذا الفهم في أذهان الجماهير التي مازالت تعتقد بأن النصر لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار تنظيمي واحد!! 

وإن المتابع لشأن الرابطة يلحظ بأن هذا ليس الاختلاف الأول في الرابطة، بل حدث قبلها مرتين ويمكن أن يتكرر مرة أخرى، لكنه لم يكن سبباً في توقف عمل الرابطة واستمرارها في تحقيق أهدافها. لذلك فإننا لا نرى في ذلك مشكلة يتم التوقف عندها، حيث إن المهم لدينا هو الاستمرار في استنهاض الوعي لدى إنسان هذا المجتمع للدفاع عن حقوقه الخاصة والمساهمة في النضال مع بقية المكونات في تأسيس وطن العدالة والمساواة الذي يسع الجميع على قاعدة الاعتراف بالتعدد والتنوع الإريتري، وهذا ليس مرهونا بوجود الناس في إطار تنظيمي واحد، بل يمكن أن يقوم به الفرد في مختلف أماكن التواجد، ومن وجهة نظر الرابطة لمعالجة الامر نرى ان يتم التعامل معه وإدارته بشكل واقعي من خلال العمل في إطار مظلات جامعة على أساس برنامج الحد الأدنى.     

في الندوة التي إقامها فرعكم في مدينة ملبورن الأسترالية في الشهر الماضي (فبراير 2023م)، أطلقت على نظام الحكم في اريتريا توصيف ” الهيمنة القومية ” نرغب في مزيد من التوضيح حول هذا التوصيف؟

الرابطة تشخص جوهر  المشكلة الاريترية في الهيمنة القومية لمكون التقرينية، وبرز ذلك في فترة تقرير المصير بتبنيها الانحياز إلى ارتباط اريتريا بإثيوبيا، سواء بتكوين دولة تقراي تقرينية، أو الانضمام الكامل لإثيوبيا من منطلق المصلحة القومية لمكونهم الاجتماعي، وما جرى في فترة الكفاح المسلح في مختلف مراحله معلوم للجميع، وما يجري منذ التحرير منذ عام 1991م اكثر وضوحاً ولا ينكره إلا مكابر، حيث إن الدولة اصبحت دولة المكون  الواحد من حيث اللغة والتمدد الثقافي، والخدمة المدنية والعسكرية، تحت شعار “حادي حزبي حادي لبي” عوضا عن  الاعتراف بالتعدد والتنوع المجتمعي، والمشاركة العادلة في قسمة السلطة والثروة بين مكونات التعدد.  والجدير بالذكر بأن هذا الأمر ليس قاصراً على النظام الحاكم فقط، بل تشترك معه فيها بعض من أطراف العمل الإريتري المعارض المنتمية للمرتفعات الإريترية، التي تصف النظام بالدكتاتوري وتحمل كل الجرائم التي ارتكبت لرأس النظام، ويرجئون كافة المظالم للنظر فيها بعد إزالته، مع تجنب ذكر المظالم الواقعة على المكونات الاريترية المهمشة..

وإن ما نراه اليوم من نضالات لشعوب المنطقة التي تمثلت في اندلاع (ثورات الربيع) هي آفاق مرحلة تطلع جديدة نحو تحقيق آمالها في الحرية والانعتاق من أنظمة الهيمنة القومية المتسلطة على رقابها. 

تعرفون أنفسكم كرابطة بمنظمة مدينة في الوقت الذي تمارسون عمل يومي مناط بأحزاب وتنظيمات سياسية، كما وتلجئون سريعا للنظم والقوانين التعسفية كالفصل والإقصاء، هذا الاتهام ليس موجها لكم حصرا، بل لجأت إليه الأطراف التي أسست الرابطة، كيف تفسر لنا ذلك؟

أن الدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني هو دور اللوبي الضاغط على الدولة وسياساتها في كافة مناحي الحياة بما فيها الجانب السياسي، والتأثير على الرأي العام بغية الحفاظ على حقوق ومصالح منتسبيها، لكن يظل الفرق بينها وبين الأحزاب السياسية أنها لا تسعى للوصول للسلطة وتكتفي بلعب هذا الدور الذي يعمل على استنهاض الوعي المجتمعي بالحقوق بالتالي القدرة على الدفاع عنها كلّ بالوسائل المناسبة التي يختارها. وهذا هو ديدن الرابطة منذ تأسيسها.

أما فيما يختص بالشق الآخر من السؤال أحب أن أؤكد ان الرابطة لم تنص على عقوبة الفصل في نظامها الداخلي وإن أقصى عقوبة نصت عليها فيه هي التجميد، ولم تفصل احد على الرغم من تعرضها لهزات خروج بعض قياداتها وأعضائها في مناسبتين سابقتين، أما ما حدث مؤخراً تسأل عنه الجهة الذي تبنت عقوبة الفصل في إطار العمل المدني القائم على الالتزام الطوعي.

يلاحظ ودون عناء غياب دور منظمات المجتمع المدني وكذا دور شريحة المثقفين والأكاديميين في المشهد السياسي وان وجد هكذا دور إلا انه يعاني من ذات جينات مرحلة التحرر الوطني كما وأنه يمارس عمل سياسي لا علاقته له بالعمل المدني، إذا وافقتني كيف تفسر لنا ذلك؟

اتفق معك في أن مرحلة التحرر الوطني لعبت دورا كبيرا في غياب وتخلف دور العمل المدني حيث إن منظمات المجتمع المدني أسست بقرار سياسي من التنظيمات السياسية ولم تنشأ من تلقاء ذاتها مما افقدها استقلاليتها بالتالي دورها في تصويب مسار العمل الوطني، بل لعبت دور البوق السياسي للتنظيمات التي تنتمي إليها وتحتكم لقرارها السياسي، وأعتقد أن سلبيات تلك المرحلة مازالت تلقي بظلالها على مجمل فكرة العمل المدني الحالي نتيجة لغياب تراكم تجريبي لدور منظمات مجتمع مدني مستقلة يعتمد عليه لتطوير التجربة.

إلا أننا نعتقد أن الرابطة تعتبر تجربة مختلفة نوعاً ما حيث إنها ولدت ولادة طبيعية من تلقاء ذاتها نتيجة لحالة الوهن والضعف التي يعاني منها المجتمع الذي تعبر عنه بالتالي التغول على حقوقه ومصالحه وغياب دوره الوطني المشهود. لكنها لم تخل من بعض المؤثرات من تجربة مرحلة التحرر الوطني حيث إنها تبنت الهيكل التنظيمي السياسي الموروث من التجربة، لكن تم الانتباه لهذا الأمر مبكراً وشرعنا في الإعداد للتخلص منه وتبني هيكلا تنظيمياً ينسجم مع منظمات المجتمع المدني لكن لم يتم ذلك لظروف داخلية، لكننا الآن مقبلين على ذلك في مؤتمرنا الثاني الذي سيعقد قريباً والذي سيتم فيه التبني الكامل لوسيلة العمل المدني شكلاً ومضموناً. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى